ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خصائص وبنيات الاقتصاد الوطني
نشر في التجديد يوم 22 - 10 - 2002

يعرف الاقتصاد المغربي اليوم تحولات نوعية على صعيد بنياته الإنتاجية وسلوك الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وتتميز هذه التحولات بوعي جماعي دقيق بضرورة خلق آليات لبناء مغرب قوي اقتصاديا ومتضامن اجتماعيا وذلك في أفق رفع مختلف التحديات التي تطرحها عليه ضرورة احتواء متطلبات التحديث الداخلي والانفتاح الخارجي في ظل العولمة من جهة والاندماج داخل منطقة التبادل الحر مع الإتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
وإذا كان المغرب قد قطع أشواطا هامة، خلال الثلاثين سنة الفارطة، من أجل وضع أسس مغرب قوي:
- وضع نظام تعليمي ساهم في خفض معدل الأمية ليصل إلى أقل من 60%.
- إصلاح الأراضي الفلاحية والزيادة في الأراضي المسقية التي تهم اليوم حوالي المليون هكتار.
- وضع أسس صناعية مكنت من جعل المواد المصنعة تمثل سنة 9199-72% من مجموع الصادرات.
إلا أن هناك أشواطا وتحديات أقوى، ورفع هذه التحديات يتطلب ثلاثة عناصر أساسية:
- الوعي بطبيعة المناخ الوطني والدولي الذي يترعرع داخله الاقتصاد المغربي.
- بلورة مقاربة جديدة للمسألة الاقتصادية.
- سن سياسة تمويلية في مستوى هذه التحديات.
وبلورة أو سن أي سياسة تتطلب حتما إدراكا للواقع الاقتصادي المغربي والملامح الأساسية التي تطبعه.
فما هي إذن طبيعة الاقتصاد المغربي؟
وماهي الوضعية الاقتصادية للمغرب خلال السنوات الأخيرة الماضية؟.
لكن قبل طرح عناصر الإجابة على هذين التساؤلين، يستحسن التذكير ببعض المحطات التاريخية للاقتصاد المغربي.
إذا كانت فترة الحماية مرحلة اعتبرت فيها المقاومة واستعادة الوحدة الترابية هم المغاربة الأكبر، فإن السنوات القليلة التي تلت الاستقلال أبانت على أن المغرب انتقل من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. جهاد يتمثل في بناء مغرب قوي اقتصاديا، لأن سنوات بعد الحرب العالمية برهنت على أن القوة أخذت مفهوما اقتصاديا أكثر منه عسكريا.
وهكذا فمع مطلع سنوات الستينات ظهرت ملامح قوية لبناء مغرب قوي ولإحداث القطيعة مع المرحلة الإستعمارية. حيث تم وضع أول مخطط خماسي للبلاد ( 1960-1964) ، وتم خلال هذه الفترة إقرار نظام جمركي جديد، فك الارتباط بين الفرنك الفرنسي والفرنك المغربي، وتأسيس مكتب الصرف للتحكم في تحويلات الفرنسيين الذين أصبحوا يهربون أموالهم إلى الخارج بكثرة. كما تم خلال هذا المخطط تبني سياسة صناعية جعلت من الصناعة الثقيلة النواة والمحرك لباقي القطاعات. إلا أن هذه التجربة لم تنجح في الاستمرار نظرا لأنها تتطلب موارد مالية كبيرة من جهة، وكذلك لأن الظروف السياسية التي عاشها المغرب ابتداء من منتصف الستينات وخاصة بعد إعلان "حالة الاستثناء" سنة 1965 لم تكن ملاءمة.
بداية السبعينات عرفت إنطلاقة جديدة للاقتصاد الوطني، خاصة سنة 1973 بمشروع المغربة وتثمين المعادن المغربية. كما تم تبني مشاريع اقتصادية واجتماعية طموحة تم تمويلها أساسا بمداخيل الفوسفاط. أثمنة هذا الأخير ارتفعت بشكل كبير نتيجة الطلب المتزايد عليها.
لكن انخفاض الأسعار سنة 1975 أدخل المغرب في دوامة المديونية التي وصلت سنة 1983، 124% من الناتج الداخلي الخام. وأمام هذه الوضعية لم يكن في وسع المغرب سوى الخضوع لتعاليم صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، مما كرس سياسة الانفتاح الخارجي للمغرب عن طريق تبنيه لمخطط التقويم الهيكلي.
بداية التسعينات عرفت نهاية برنامج التقويم وتبني عدة إصلاحات على المستوى المالي والنقدي وانطلاق عملية خوصصة بعض المؤسسات العمومية التي تعرضت لانتقادات كبيرة لما لها من تأثيرات على الجانب الاجتماعي. إلا أنه ورغم هذه التعديلات، فإن الاقتصاد المغربي ظل يسجل نتائج غير طيبة. وهكذا إذا كان معدل النمو السنوي الذي تحقق في الفترة الممتدة بين 80-1990 هو 4,1% في الميدان الصناعي، فإنه لم يحقق سوى 2,6% بين 90-1998. وضعية جعلت الملك الراحل يتنبأ بحدوث "السكتة القلبية" بعد أن تلقى تقريرا من جيمس وولفنسون مدير البنك العالمي، والإسراع بإقناع أحزاب الكتلة للمشاركة في تدبير الأزمة وإيجاد الحلول، وهكذا تم سنة 1998 تعيين عبد الرحمان اليوسفي على رأس حكومة التناوب التوافقي.
1- طبيعة الاقتصاد الوطني:
أ- الفلاحة:
المغرب على غرار باقي دول العالم الثالث الغير منتجة للنفط يعتمد أساسا على الفلاحة، ويصنف ضمن الدول الفلاحية. لكن رغم هذا التصنيف، فالقطاع الفلاحي في المغرب لم يتجاوز 20% من الناتج الداخلي الخام إلا في بعض السنوات.هذه المساهمة في الناتج الداخلي الإجمالي تفسر العجز الحاصل في تلبية الطلب الداخلي، الذي يتم سده غالبا بالاستيراد من الخارج. رغم المجهودات المبذولة للرفع من الإنتاجية الفلاحية عن طريق السقي، فإن الفلاحة لازالت مرتبطة بشكل كبير بالتساقطات المطرية.
وإذا كانت الفلاحة قد أهملت مقارنة مع الصناعة في سنوات الستينات، فإنها استفادت من عدة مزايا خلال السنوات التي تلت، منها إنشاء صندوق للإصلاح الفلاحي، والإعفاء من الضريبة إلى سنة 2000 تم 2020.
وقد تم تحرير القطاع الفلاحي في أواسط الثمانينات. وتمحور برنامج التحرير والانفتاح على توجهات سبعة:
- عقلنة تدبير شؤون السياسة المالية بواسطة تحسين نظام المراقبة المالية والإدارية المطبق من طرف الحكومة على المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي.
إعادة هيكلة مصالح البحث الزراعي والإرشاد وتربية المواشي أولا في اتجاه الرفع من استقلاليتهم وكذا تحديد أولويات تتماشى والأهداف المتوخاة من برنامج التقويم الهيكلي، وثانيا في اتجاه إشراك القطاع الخاص في التسيير والتكفل بجزء من هذه المصالح.
- تحسين تدبير الموارد الطبيعية والسياسة العقارية بواسطة سياسة التشجير واتخاذ إجراءات قانونية وتشريعية بخصوص:
- عمليات ضم الأراضي.
- إصلاح قانون الإيجار القروي
- مسألة تحويل الأراضي.
- تحرير الأسعار وتجارة عوامل الإنتاج في القطاع وتربية المواشي، وهكذا لم تعد عدة مواد مستفيدة من الإعانات كالأسمدة والحبوب وغذاء الماشية والآلات الفلاحية.
- تحرير الأسعار وتجارة المنتوجات الفلاحية، وقد ترتب عن هذا الإجراء إما توقف سياسة الإعانات لبعض المواد الأساسية كالحليب أو نقص في المبلغ المخصص لهذه الإعانات.
- تغيير بنية الاستثمارات العمومية، ويهدف الإجراء إلى حصر الاهتمام فقط بالمنتجين الذين يتماشون وأهداف برنامج التقويم الهيكلي، الشيء الذي يفسر من جهة التراجع الملحوظ في إنشاء التجهيزات الاجتماعية في البنيات التحتية الأساسية خصوصا في مناطق ذات مشاريع التنمية القروية المندمجة، ومن جهة أخرى، تركيز كل الوسائل المالية والتقنية والبشرية لوزارة الفلاحة على المناطق والمنتجين الذين من شأنهم الرفع من الإنتاج الفلاحي الذي أصبح أولوية الأولويات.
- تحرير التجارة الخارجية للمنتوجات الفلاحية وذلك بإزالة نظام الحصص، وعلى هذا النحو فقد تم الحد من احتكار مكتب التسويق والاستيراد ابتداء من 19 نوفمبر 1985، والتعويض التدريجي لنظام حصص الوزارات بنظام تعرفة جمركية تدريجي وفقا لخصائص المنتوجات الفلاحية المستوردة.
ب- الفوسفاط
وهذا عائد بالأساس إلى التقسيم الدولي للعمل الذي جعل من الدول الحديثة العهد بالاستقلال متخصصة في استخراج المعادن التي تجود بها أرضيها أو صنع مواد محددة. بالنسبة للمغرب شكل الفوسفاط المعدن الذي ساهمت مداخيله في الرفع من عوائد الخزينة.
خلال العقدين السبعينات والثمانينات شكل تصدير المواد الفلاحية والفوسفاطية 70% من مجموع الصادرات المغربية، هذا يبين الارتباط الكبير للاقتصاد الوطني بالاقتصاد الفوسفاطي. ولكون أسعار الفوسفاط متقلبة بشكل كبير في السوق العالمية، فإن الاقتصاد المغربي يتأثر بدوره بهذه التقلبات.
كما أن سياسة تثمين هذا المعدن جعلت جزء كبير من الاستثمارات يتجه إلى الصناعة الكيميائية.
ونظرا لأهمية الفوسفاط في الاقتصاد المغربي ،فإنه يؤثر بشكل مباشر على مختلف المستويات ( الإنتاج، التشغيل والتصدير).
ج- الصناعة:
القطاع الصناعي الذي شكل سنة 1995 30% من الناتج الداخلي الخام، يبقى بعيدا عن تحقيق الأهداف المتوخاة منه للإقلاع الاقتصادي بالمغرب. هيمنة المقاولات الصغيرة والمتوسطة وارتباطها الكبير بالسوق الخارجية جعل هذا القطاع مرهونا بتقلبات السوق العالمية. وتهم غالبية المقاولات الصغرى والمتوسطة صناعة الملابس الجاهزة وتصبير المواد الغذائية.
كما أن غالبية المقاولات المغربية هي مقاولات عائلية لذا فرأسمالها يبقى محدودا، كما أن نسبة استمراريتها وتطورها تبقى قليلة.
بالنسبة لقطاع النسيج والملابس الجاهزة فإنه ورغم الدينامية التي تطبع تطوره بالمغرب لازال عرضة لتقلبات الأسواق الخارجية وخاصة الفرنسية. وهذا ما وقع سنة 1977 عندما قررت فرنسا تحديد معايير معينة في إطار الاتفاقية المتعددة الألياف. والسياسة التسويقية لهذا القطاع تميزت بمنتوجات وزبناء قليلون أو كما أعلن رئيس الجمعية المغربية لصناعات النسيج (AMIT) في بداية التسعينات "منتوج واحد لزبون واحد ". حيث أن 80% من الصادرات المغربية هي باتجاه فرنسا. وهذا لا يعني أن المغرب ممون أساسي لفرنسا في ميدان الملابس الجاهزة، حيث لم تمثل مساهمة القطاع المغربي إلا ب5,9 % من الواردات الفرنسية من هذه المنتوجات، مما لايعطيها القدرة على فرض شروطها واختياراتها والتأثير على الأثمنة.
إن قطاع النسيج يستفيد من عدة امتيازات لفرض منتوجاته خاصة في السوق الأوروبية في مواجهة المنافسة الشرسة لدول شرق آسيا. ترتكز هذه الإمتيازات خصوصا على العوامل الموروثة. ومنها يد عاملة وفيرة ورخيصة. والقرب من أوربا وخاصة الارتباط الثقافي بفرنسا. كما يعاني القطاع من عدة عراقيل تتمثل في ارتفاع تكاليف النقل، الطاقة، الأراضي، القروض البنكية...ارتفاع التكلفة بدفع الصناعي إلى التوجه إلى استثمارات ونتائج على المدى القريب. كما أن ارتفاع تكاليف النقل الجوي يمنع الشركات من تسليم منتوجاتها في الأوقات المحددة والاستفادة أكثر من القرب من أوربا- كما تواجه هذه الشركات على المستوى الداخلي ضعف الطلب الداخلي.
د- القطاع الثالث:
إن القطاع الثالث يتطور باستمرار في المغرب ويساهم بقيمة مضافة جد مهمة. كما يعرف هذا القطاع ظهور أنشطة مرتبطة أساسا بالتجارة الخارجية.
السياحة بقيمة مضافة 2% من الناتج الداخلي الخام لم تصل بعد إلى المستوى والنتائج المنشودة لما يتوفر عليه المغرب من مآثر تاريخية وقربه من أوربا (سوق كبيرة مصدرة للسياح). لكن تبقى البنيات التحتية والسياسية المتبعة لاستقطاب السياح غير كافية.فباستثناء بعض القرى السياحية في مناطق محددة من المغرب والتي تسير من طرف مجموعات عالمية ACCOR Club-MEDأو VALTUR وبعض الفنادق الكبرى في كبريات المدن المغربية، يبقى القطاع السياحي المغربي أو بعض المستثمرين السياحيين يعانون طيلة السنة من الخصاص من الناحية المالية.
2- خصائص وبنيات الاقتصاد المغربي:
يتميز الاقتصاد المغربي بخصائص وبنيات اقتصادية واجتماعية تعرقل بشكل كبير صيرورة التنمية الاقتصادية بالمغرب- ويمكن تلخيص هذه الخصوصيات في ظاهرتين اثنين: ازدواجية البنيات الاقتصادية وانحراف البنيات القطاعية.
أ- ازدواجية البنيات الإنتاجية:
على غرار باقي دول العالم الثالث، المغرب يعاني من تعايش قطاعات وجهات متقدمة وأخرى تقليدية، وهذا مايؤثر على إنتاجية هذه القطاعات، واستفادة الجهات أو عدم استفادتها من البنيات التحتية التي توفر للجهات المتقدمة حيث يرتكز النشاط التجاري والصناعي.
ففي الفلاحة مثلا نلاحظ وجود قطاعين متباعدين، قطاع عصري يعتمد الري وأساليب متطورة في الزراعة، وقطاع تقليدي يعتمد على التساقطات المطرية والأساليب التقليدية. السياسة الاقتصادية لم تساهم، بشكل فعال، في تحديث الفلاحة على نطاق واسع، بل أسهمت في اتساع الهوة بين القطاعين التقليدي والعصري.
تفسر عادة ضآلة المردودية الفلاحية بارتباط الزراعة بالتساقطات المطرية، لكن يبقى هذا التفسير محدودا، حيث هناك عدة عوامل تفسر ضعف الفلاحة المغربية وعلى رأسها صلابة البنيات الإنتاجية وكذا عقلية الفلاح المغربي التي تتجه عادة إلى الاستهلاك لا إلى الإنتاج.
الازدواجية تظهر أيضا على مستوى الجهات والمناطق المغربية، فإذا اسثتتنينا الحزام للقنيطرة- الجرف الأصفر فإن باقي المناطق المغربية تعاني الخصاص في البنيات التحتية والصناعية التي يمكن من تنميتها بتفعيل دورها في التنمية الشاملة للمغرب.
ب- انحراف البنيات القطاعية:
يظهر هذا الانحراف على مستويين اثنين: الأول يتمثل في انحراف لصالح الصناعات التحويلية، الثاني لصالح القطاع التصديري.
الانحراف الحاصل على مستوى الصناعات التحويلية يتمثل في النقائص والسلبيات التي تطبع القطاع الصناعي، كما يهم على مستوى الطلب في توجه الصناعات التحويلية إلى استبدال الصناعات المستوردة المرتبطة أساسا بالاستهلاك المباشر، دون البحث عن ميزة تمكنها من الإنتاج للاستهلاك المستقبلي. أما على مستوى العرض، فإن الانحراف يتمثل أساسا في اعتماد الصناعات التحويلية على مواد أولية وشبه مصنعة مستوردة من الخارج، مما يزكي ارتباط هذه الصناعات بالخارج وبتقلبات أسواقه.
بل وبصفة عامة، فإن القطاع الصناعي يتقدم لكن ببطئ. تطور هذا القطاع ظل مرتبطا بالظرفية الداخلية والخارجية، فرغم التطور الذي عرفته صناعة النسيج والصناعات الغذائية، فإنها ظلت مرتبطة بالطلب على المستوى الخارجي.
إن هيمنة التبادلات الخارجية التي مثلت 50% من الناتج الداخلي الخام تجد جذورها في الفترة الكولونيانية حيث تبني المغرب اللليبرالية في توجهاته الإقتصادية.
3- الوضعية الاقتصادية للمغرب خلال السنوات الأخيرة.
في سنة 1995 أعلن الملك الراحل الحسن الثاني أن الوضعية في المغرب متأزمة وأطلق إنذاره الشهير بتكهنه بوقوع "السكتة القلبية".فكان لابد أن تتحرك جميع الفعاليات لإيجاد حل آني للأزمة وخلق الظروف لمواجهة التحريات القادمة وعلى رأسها تطبيق مقتضيات منظمة التجارة العالمية انطلاقا من2010، فما هي إذن الوضعية الاقتصادية للمغرب خصوصا بعد تولي حكومة التناوب التوافقي زمام الأمور؟.
تجدر الإشارة في البداية إلى أن السنوات الأخيرة تميزت بإكراهات على الصعيدين الداخلي والخارجي، فبالإضافة إلى توالي سنوات الجفاف هناك ارتفاع فاتورة البترول وانخفاض حجم الصادرات بسبب انخفاظ قيمة اليورو. فإذا كانت التوقعات قد أكدت أن فتح المغرب حدوده للمنافسة الدولية، في إطار توصيات منظمة التجارة العالمية، يعني أن ثلث المقاولات المغربية سوف تختفي، والثلث الآخر قادر على الاستمرار شريطة النهوض به وتفعيل دوره والآخر قد لايواجه صعوبات حقيقية، فإن المغرب عمل على الشروع في بلورة عدة قوانين وسن تشريعات قد تجعل من المقاولة المغربية قادرة على الاستمرار، وقد تم مؤخرا تفعيل ميثاق وطني للمقاولات الصغرى والمتوسطة قصد تنظيم هذا القطاع الذي يستقطب نسبة هامة من المقاولات.
كما عرفت السنوات الأخيرة بحث المغرب عن شركاء جدد، بعد أن كانت علاقة المغرب بالإتحاد الأوروبي قد عرفت بعض التوثرات الناتجة عن استمرار الإتحاد فرض شروطه على المغرب. وهكذا تم دعم العلاقات بين المغرب . وعدد من الدول الإفريقية، ودول أمريكا اللاتينية، وكذلك الآسيوية (الهند، الصين، اليابان). إلا أن هذه العلاقات لاتزال في طور النمو، حيث لازالت الصادرات من المواد المصنعة المغربية نحو دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية يشكل 44,8% من مجموع الصادرات.
وهكذا، ورغم التغييرات التي حصلت على صعيد الاقتصاد الوطني، فإن هذا الأخير لازال يعاني من عدة عراقيل تقف حاجزا أمام إقلاعه الحقيقي، وتجعل بعض مكوناته هشة. وعلى رأسها الفلاحة التي رغم الإمكانات التي يتوفر عليها المغرب لازالت دون المستوى، وتؤثر بشكل كبير على باقي القطاعات لذلك وجب البحث عن سياسة متجانسة في الميدان الفلاحي، والفلاحة المغربية تستمد تجانسها المستقبلي من قدرتها على التوفيق بين الأمن الغذائي ونتائج الصادرات. ولهذا التوجه ثلاث أسباب:
- سبب اقتصادي: يثمتل في ضرورة تثمين المكتسبات المحققة من طرف المغرب في مجال الأمن الغذائي والصادرات، مكتسبات وظفت من أجلها الفعاليات الوطنية موارد مهمة وتحملت مانجم عنها من تضحيات منذ الإستقلال.
- سبب سياسي: حيث أنه من غير المجدي، استراتيجيا، إخضاع تغذية المواطنين لمخاطر التقلبات في السوق العالمية حيث هيمنة التجمعات الجهوية الكبرى والشبكات العالمية الغذائية، هذا في الوقت الذي نعرف فيه أن المغرب يتوفر على قدرات إنتاج مهمة غير مستغلة بطريقة مثلى.
- سبب إجتماعي: ذلك أن مستقبل المدن المغربية يكمن في الفلاحة وفي إعادة الاهتمام بالعمل الفلاحي، وهذا بالنظر إلى أهمية العالم القروي والدور الذي يمكن أن تلعبه الفلاحة في تحقيق التوازنات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الكبرى داخل الاقتصاد الوطني.
الدكتور: رضوان زهرو
أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق - المحمدية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.