اعتبر محللون سياسيون ومثقفون مغاربة، اليوم الأحد، فضيحة هولندا بحق وزيرين تركيين وطرد طاقم من الصحافيين الأتراك، بأنها "تصعيد غير مسبوق وينم عن الإنصات لأصوات يمينية متطرفة ولا يخدم المنطقة". وسحبت هولندا، أمس، تصريح هبوط طائرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، على أراضيها، ورفضت دخول زميلته وزيرة الأسرة والسياسات الاجتماعية فاطمة بتول صيان قايا، إلى مقر القنصلية التركية بمدينة روتردام، لعقد لقاءات مع الجالية ودبلوماسيين أتراك، ثم أبعدتها لاحقا إلى ألمانيا. وقال إدريس الكريني، أستاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض (حكومية) بمدينة مراكش، إن "الموقف الأخير لهولندا فيه نوع من التنصل وتجاوز الضوابط البروتوكولية المتعارف عليها على الصعيد الدولي". وأضاف للأناضول، أن "الموقف يعكس حجم تصاعد وقوة التيارات اليمينية المتطرفة التي أصبحت تجتاح المشهد السياسي في عدد من الدول الأوربية، والتي مازالت تربط مجموعة من الإكراهات الاجتماعية والأمنية التي تشهدها أوروبا في السنوات الأخيرة بالمسلمين بشكل عام". واستحضر الكريني، أن "هناك تصريحات لأحد القياديين البارزين في هولندا (في إشارة إلى خيرت فيلدز زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف) تجاه تركيا بشكل مباشر، وهذا الموقف يعكس في طياته استياء من المقاربة التي اختارتها أنقرة في التعاطي مع مشاكل اللجوء والهجرة التي أرّقت أوروبا في السنوات الأخيرة". وتابع: "لا ننسى أن هناك الكثير من التيارات اليمينية التي تسعى دائما لتحميل الطرف التركي مسؤلية تنامي التطرف في أوروبا وهي التهمة التي تلصقها بالمسلمين بشكل عام". وخلص الكريني، إلى أن "هذا التوجه يعكس التعاطي المبالغ فيه مع مجموعة من القضايا، مثل مشكلة الهجرة أو اللجوء أو الإرهاب التي يتم تغليب الهاجس الأمني فيها على حساب متطلبات إنسانية وقانونية وبروتوكولية". من جهته، قال سمير بودينار، رئيس مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية (غير حكومي) بمدينة وجدة (شرق)، إن "الموقف الهولندي الأخير والذي اتخذ بناء على قرار سياسي من أعلى المستويات، يعد تصعيدا غير مسبوق". وأضاف بودينار، للأناضول، أن "هذا الموقف غير معتاد في الأعراف الدبلوماسية وتقاليد الانفتاح في حرية الحركة السياسية داخل الفضاء الأوروبي، خاصة وأنه اتخذ من منع الدعاية وسط مواطنين هولنديين من أصل تركي مبررا له، وهو ما قد ينطبق في المستقبل على ملايين الأتراك في دول الاتحاد الأوروبي". وفسّر المحلل المغربي، هذا التطور ب"الحملات الإعلامية والسياسية المتبادلة بين القيادات السياسية في تركيا والدول الأوروبية"، والتي قال إنها "أنتجت ردود فعل أحادية، مما ضيق من هامش الأدوات الدبلوماسية المفترضة في إدارة العلاقات بين الجانبين". ولفت إلى أن "طرد طواقم صحفية من قبل السلطات الهولندية، كان من دون مبررات قانونية معلنة". وفي قراءة لخلفيات التصعيد، أوضح بودينار أن "التطورات الأخيرة تأتي في سياق مشحون، إذ راج في الأوساط الإعلامية والسياسية الأوروبية على نطاق واسع خلال السنوات الثلاث الماضية خطاب هجومي ضد الحكومة التركية ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، خاصة في مجال احترام الحريات والتعددية السياسية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام". وأضاف أن "هذا الخطاب ازداد كثافة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف العام الماضي، التي ظلت أنقرة تتهم الدول الأوروبية بعدم التعاون في ملاحقة المتهمين المفترضين بها، مما عمق المواقف السلبية الأوروبية تجاه القيادة السياسية في تركيا". وأكد بودينار، أن "حدة الخطاب الأوروبي الهجومي تصاعدت مع الإسراع في خطوات التعديل الدستوري نحو النظام الرئاسي في تركيا". واعتبر أنه "إذا كانت الإجراءات الأوروبية السابقة قد وقفت عند منع بعض الأنشطة والفعاليات السياسية والترويجية للاستفتاء على الدستور فوق الأراضي الأوروبية، بمبررات أمنية ومواقف رسمية عبرت عن المخاوف من انتقال التوتر بين الاتجاهات السياسية التركية المختلفة إلى داخل الدول الأوروبية، حيث تقيم أعداد كبيرة من المواطنين الأتراك، أو من أصول تركية (ألمانيا، هولندا، بلجيكا وفرنسا )، فإن منع شخصيات سياسية وطواقم صحافية يعد تصعيدا غير مسبوق". من جانبه، اعتبر الباحث في التاريخ والفكر الإسلامي امحمد جبرون، أن "الأخطاء الديبلوماسية من الطرف الهولندي تنم على شيء من الرعونة وعدم الاحترام". وأضاف في تصريح للأناضول، أن "طرد طاقم صحافي أو قمع محتجين من الناحية الحقوقية، تحيل على تصرفات الدول المتخلفة". وقال جبرون "لا يعقل أن يكون هناك مخطط لتحرك وزير خارجية دولة إلى دولة أخرى دون أن يكون هناك تنسيق أولي وإذن سابق بالدخول، وأن لا يعطى الإذن لطائرة وزير الخارجية بالنزول، فهذا فيه خلل ما من البداية". بدوره، اعتبر مصطفى الطالب الناقد المهتم بالشأن الفني ورئيس جمعية "مغرب الفن"، أن "طرد طاقم ديبلوماسي أو صحافي هو أمر مرفوض ولا يمت بصلة إلى إلى الأعراف الديبلوماسية". وقال للأناضول، إن "القرارات الأخيرة ترجع إلى تصاعد نوع من العنصرية تجاه تركيا وهو أمر ملموس سواء من طرف ألمانيا أو هولندا ومن خلال تصريحات ومواقف أخيرة". وحسب المتحدث، فإنه "قد يكون مفهوما أن يكون هناك موقف من تركيا، لكن العمل الديبلوماسي والصحافي ينبغي أن يظل في منأى عن المنع والتوقيف". ولفت الطالب، إلى أن "هذا التوجه لا يخدم الثقافة الأوربية ولا الحضارة الغربية ككل"، معتبراً أن "هذه التصرفات رجوع إلى أساليب بدائية لا تخدم المنطقة". جدير بالذكر أن تصرفات هولندا -التي تنتهك الأعراف الدبلوماسية- وُصفت ب"الفضيحة"، ولاقت إدانات من تركيا التي طلبت من سفير هولندا، الذي يقضي إجازة خارج البلاد، أن لا يعود إلى مهامه لبعض الوقت، فضلاً عن موجة استنكارات واسعة من قبل سياسيين ومفكرين ومثقفين ومسؤولين من دول عربية وإسلامية.