استمرار انفلات الأجهزة الأمنية من رقابة السلطات المدنية، والتضييق على حرية تأسيس الجمعيات واحتفاظ القوانين الجديدة بالعقوبات السجنية ضد الصحافة، مع مستويات مرتفعة من الفساد والرشوة وإفلات المسؤولين العموميين من العقاب. هذه أبرز المؤاخذات التي حملها أول تقرير تصدره الإدارة الأمريكية في عهد الجمهوري دونالد ترامب، حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب. التقرير السنوي الذي تصدره الخارجية الأمريكية، لم يخل من البقع السوداء التي تلطّخ صورة المغرب الحقوقية، رغم درجة كبيرة من التدقيق والاستناد إلى التقارير الصادرة عن الهيئات الرسمية بالمغرب التي أبان عنها التقرير، في محاولة لتجنّب ردّ الفعل العنيف الذي قامت به السلطات المغربية بعد صدور تقرير السنة الماضي. التقرير السنوي الجديد للخارجية الأمريكية، توقّف كثيرا عن الوضعية المتردية للسجون واكتظاظها الكبير، معتبرا أن السجون الجديدة المستجيبة للمعايير الدولية لا تمثل سوى 35% من سجون المملكة. وزارة الداخلية المغربية كانت قد استدعت السفير الأمريكي السابق دوايت بوش منتصف شهر ماي الماضي، وعقدت معه جلسة عمل بحضور الوزيرين والمدير العام للأمن الوطني وجهاز المخابرات الداخلية عبداللطيف الحموشي، قبل أن تصدر بيانا ناريا ضد التقرير السنوي الأخير للخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان بالمغرب. التقرير الأمريكي السابق الذي صدر منتصف أبريل 2016، أي في عزّ المعركة الأممية حول الصحراء، كان قد وجّه اتهامات مباشرة إلى السلطات المغربية بارتكاب انتهاكات من قبيل الاختطاف والتعذيب وعدم ضمان شروط المحاكمة العادلة والتضييق على حرية التعبير والتظاهر… وهو ما رد عليه المغرب برسائل هجومية مكثّفة. النسخة الجديدة من التقرير السنوي للخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان في العالم، قال إن العام 2016 لم يسجّل أي حالة لارتكاب السلطات العمومية عملية قتل تعسّفية في حق المواطنين، كما "لم تسجّل أية حالة اختفاء لدوافع سياسية خلال هذه السنة". وحرص التقرير على تسجيل كون القوانين المغربية باتت تلزم القضاة بإخضاع المعتقلين للخبرة الطبية في حال ادعائهم التعرض للتعذيب أو ظهور علامات تشير إلى احتمال ذلك. كما أوضح التقرير أن وزارة العدل والحريات أصدرت عدة مناشير تدعو وكلاء الملك إلى إعمال هذه المقتضيات، كما نظمت عدة دورات تكوينية لصالح المعنيين بأماكن الاحتجاز، لحثهم على تطبيق توصيات المقرر الأممي المكلف بالتعذيب. الشق الأكثر سوداوية من تقرير الخارجية الأمريكية الجديد، همّ حرية الصحافة والحريات العامة. أبرز المؤاخذات التي سجّلها التقرير الجديد تتمثل في عدم وجود رقابة حقيقية للسلطات الأمنية على الأجهزة الأمنية، "والسلطات المدنية فشلت في بعض الأحيان في ممارسة سلطة حقيقية على القوات العمومية، رغم تسجيل تجاوزات وحالات إفلات من العقاب". وذروة انتقادات التقرير الجديد همّت الفساد والرشوة، حيث قال إن "الرشوة الممنهجة شائعة بقوة وتمسّ بتفعيل القوانين وبفعالية النظام القضائي". وشدّد التقرير على أن الإفلات من العقاب ظاهرة عامة في المغرب "في غياب آليات فعالة للتحقيق حول التجاوزات والرشوة وإنزال العقاب". وشدّد التقرير على أن التقارير الدولية والمحلية تجمع على أن السلطات لا تأخذ بعين الاعتبار الشكايات المرتبطة بالمسؤولين، وتعتمد فقط، على المحاضر الأمنية حول الأحداث. "السلطات قامت بالتحقيق في بعض الأحداث الهامشية المرتبطة بالفساد والرشوة والتجاوزات، حيث تقوم الشرطة القضائية بالتحقيق في الاتهامات، بما فيها تلك الموجهة إلى القوات العمومية، وتحيل خلاصاتها على المحكمة. وباستثناء بعض الحالات التي عرفت توقيف بعض العناصر، فإن السلطات لا تتابع أو تعاقب بشكل منهجي أفراد الأجهزة الأمنية المتهمين بالتجاوزات". التقرير توقّف كثيرا عند القوانين الجديدة للصحافة والنشر، والتي قال إنها حصرت العقوبات في الغرامات المالية، "لكن كلا من القانون الجنائي وقانون محاربة الإرهاب، يحتفظان بمقتضيات تسمح بسجن المتهمين بارتكاب القذف. وبالتالي فإن الرقابة الذاتية أصبحت شائعة". وسجّل التقرير كيف أن القانون الجنائي شهد إضافة جرائم جديدة تسمح بسجن الصحافيين، "كما أخضعت السلطات بعض الصحافيين لممارسات التضييق والعنف والتحرش، بما فيها محاولات لضرب مصداقيتهم عبر نشر إشاعات مسيئة لحياتهم الخاصة". وأضاف التقرير إلى لائحة انتقاداته، مقتضيات قانون محاربة الإرهاب الذي قال إنه يسمح باعتقال الصحافيين واختراق المواقع الإلكترونية المتهمة بزعزعة النظام العام، "لكن لم تسجل أمثلة عن استخدام هذه المقتضيات".