بعد توالي قرارات التوقيف والمنع من الخطابة في حقّ خطباء وأئمة وقيمين دينيين، من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أصدر الملك محمد السادس ظهيرا جديدا يسمح لأول مرة بالمنتمين إلى هذه الفئات بالتظلّم ورفع شكايات في مواجهة الوزارة، في حال تعرّضهم لقرارات يعتبرونها مجحفة. الظهير يصادق على النظام الداخلي للجنة الوطنية للبت في شكايات وتظلمات القيمين الدينيين، ويفتح الباب بالتالي أمام إمكانية شروع القيمين الدينيين في تقديم شكاياتهم. اللجنة التي نصّ على إحداثها الظهير الخاص بتنظيم مهام القيمين الدينيين الصادر صيف 2014، تتكوّن من الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، والذي يعتبر رئيسها، إلى جانب عضو آخر من المجلس العلمي الأعلى ورئيس مجلس علمي محلي وقيمين دينيين يمارسان نفس مهام القيم الديني المشتكي. وتتشكّل اللجنة حسب كل ملف بقرار، من الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى. الظهير الملكي الجديد الذي تضمنه آخر عدد من الجريدة الرسمية في العام 2016، نصّ على ضرورة أن يكون القيم الديني الراغب في التظلم متعاقدا، وأن تكون شكايته مرتبطة بقرار رسمي صادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ترتّب عنه ضرر "حال وجِدّي للمشتكي". كما ينص الظهير على ضرورة تقديم الشكاية داخل أجل شهرين من صدور قرار الوزارة، وذلك في سبع نسخ. ويخوّل الظهير اللجنة المحدثة بناء على كل شكاية، القيام بالأبحاث والتحريات الضرورية، واستدعاء الأطراف والاستماع إليهم، "والاستعانة بخبراء عند الاقتضاء، ودراسة المعطيات ووسائل الإثبات المدلى بها". وتبت اللجنة في الشكاية داخل أجل شهر من تقديمها، وتصدر "توصيات" باعتماد الأغلبية داخل تركيبتها. الكاتب العام للرابطة الوطنية لأئمة المساجد، عبدالعزيز خربوش، قال ل"أخبار اليوم" إن الخطوة إيجابية، "وإذا كانت النية حسنة، فنحن مستعدون للتعاون مع هذه اللجنة لأننا لسنا ضد وزارة الأوقاف ولا ضد أي طرف". ثم عاد خربوش ليتساءل: "هل هذه اللجنة ستكون قادرة على استيعاب جميع المشاكل التي يواجهها الأئمة في المغرب ومعالجتها، أم إنها مجرد محاولة لقطع الطريق أمام اللجوء إلى القضاء الإداري؟". خربوش قال إن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية سبق له أن أعلن قبل عام بمناسبة ذكرى المولد النبوي وأمام الملك محمد السادس، أن هذه اللجنة أصبحت موجودة، "وذهبنا حينها إلى مقر المجلس العلمي الأعلى وأخذنا مجموعة من الملفات والوثائق، فلم نجد أحدا وقيل لنا إن اللجنة مازالت في طور التشكيل". وفي الوقت الذي ينص فيه الظهير الجديد على أن المسطرة تهم القيمين الدينيين المتعاقدين فقط، قال خربوش إن هذا الأمر يعني أن جلّ الأئمة والقيمين الدينيين لن يستفيدوا من اللجنة. "المتعاقدون هم قلة قليلة من القيمين الدينيين، والمشكلة الحقيقية هي في الأئمة المكلفين، ونحن وُجِدنا قبل المتعاقدين وقبل المرشدين الدينيين لأننا نحن أبناء المساجد تحت سقوفها الخشبية قبل وزارة الأوقاف وقبل الأئمة المتعاقدين، هل سيكون لدى اللجنة الحنكة لرأب الصدع وإزالة التشنج الحاصل من تلك المظالم والقيام بمصالحة وطنية بين أسرة المساجد وبين صانعي القرار بوزارة الأوقاف؟ وفي جميع الأحوال سنقوم بزيارة هذه اللجنة وتقديم ملفاتنا وسنرى رد فعلها". أهم المشاكل التي تُثار بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والقيمين الدينيين، هي التي تنتج عن قرارات التوقيف والمنع من الخطابة. حصيلة سابقة للوزارة تقول إن الأخيرة اتخذت في عشر سنوات الممتدة بين 2003 و2012، ما مجموعه 157 قرار توقيف في حق خطباء وأئمة. وتعيد الوزارة أسباب عزل الخطباء إلى عدم الالتزام بثوابت الأمة بالدرجة الأولى، يليها سبب الخروج عن السياق الشرعي والخوض في الحساسيات السياسية، ثم عدم التزام الحياد في الانتخابات، وأخيرا فقدان الأهلية الشرعية. فيما يضاف عنصر السلوك اللا أخلاقي والإدانة القضائية في قرارات توقيف الأئمة.