مر على إقتراع 07 أكتوبر 2016 أكثر من اربعين يوما، ورئيس الحكومة المعين، بناء على النتائج المعلن عنها رسميا، مازال يبحث على حلفاء لتشكيل حكومة إئتلافية ، وفقا لما قضى به الفصل السابع والأربعون من دستور 2011. ويبدو من خلال ما يقع تداولُه عبر وسائل التواصل الإجتماعي، أو ما يتسرب من تصريحات هنا وهناك، في الكوايس وفي العَلن، أن ثمة صعوبات حقيقية لتشكيل الحكومة الإئتلافية، أما أسباب ذلك فكثيرة ومتنوعة ومتشابكة في الآن معاً. لا بد من التذكير أن رئيس الحكومة المكلف بدا متفائلا عقب الإعلان عن تصدر حزبه نتائج إنتخاب مجلس النواب ، وقد أبدى مساعي كبيرة للإنفتاح على كل الأحزاب التي قدر أهمية مشاركتها في تشكيل الحكومة المقبلة، سواء تعلق الأمر بشركائه السابقين في العمل الحكومي، أو الذين غادروه قبل الأوان، أو الذين لم يشاركوه في الإئتلاف، كما لم يكن مطروحاً عليه، وهو يبحث عن صيغ تشكيل الحكومة الإئتلافية، تغليب مفاضلة التقارب في الأفكار والبرامج على غيره من المفاضلات، بل سعى إلى تحقيق النصاب المطلوب في الإئتلاف بأية طريقة كانت.. ومع ذلك بات واضحاً أن في السياق السياسي والثقافي المغربي لا يكفي تصدر نتائج الإقتراع لقيادة العمل الحكومي، بل تحتاج العملية ،علاوة على ذلك ، إلى متطلبات أخرى، قد لا يحضر فيها العقل والعقلانية نهائيا، بل قد يتحكم فيها المزاج والتطلعات والمقاصد الشخصية.. وهذا ما أعاق مشاورات رئيس الحكومة المكلف وأخر الإعلان عن الحكومة التي طال إنتظارها. لنعتبر التأخر في تشكيل الحكومة الجديدة وضعاً طبيعيا، بسبب تعدد الأحزاب المرشحة وتنوع مشاربها، ونتساءل عن الأسباب العميقة المسؤولة عن طول انتظار الحكومة المرتقبة. فلو أن أن الأمر تعلق بصعوبات نابعة عن وجود رؤى فكرية وسياسية متباينة بين الأطراف الساعية إلى التحالف والإئتلاف، لقلنا إن إعطاء وقت كاف لإنضاج فكرة التحالف وتوضيح أرضيتها أمر لازم وضروري لإنجاح مسار الحكومة الإئتلافية، غير أن أي شيئ من هذا لم يحصل، ولم يكن وارداً أن يحصل، لأن فكرة التوافق حول الأفكار والبرامج والإستراتيجيات لم تكن مُتصورة ولا مطروحة بجدية أصلاً.. ما كان مطروحا هو البحث عن التموقع داخل خريطة الحكومة المقبلة، أي الإصرار على نيل أكبر قدر من الحقائب الوزارية، وأحسنها نوعاً وأكثرها وزنا، والبقية الأخرى من تقاربات في الأفكار والبرامج ومنهجية العمل مجرد تفاصيل ليس إلا.. وهذا عين العطب في ما تئن منه مشارات الحكومة التي طال إنتظارها. لنشدد على أن الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى الحادية والأربعين لإسترجاع الصحراء المغربية، الموجه من فلب إفريقيا " دكار" كان منبهاً وواضحا وموجها لما يجب أن تكون عليه الحكومة المقبلة، كما حمل رسائل قوية للفاعلين الحزبيين لما يجب أن يكون عليه العمل الحكومي المقبل، في سياق المهام الإستراتيجية التي يقوم بها المغرب، ويروم لعب دور الريادة فيها، وفي صدارتها البُعد الإفريقي. لقد نبه خطاب " دكار إلى أن " المغرب يحتاج لحكومة جادة ومسؤولة. غير أن الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية".. والحقيقة ليس أوضح مما جاء واضحاً في هذه الفقرة من الخطاب الملكي.. فالمغاربة ينتظرون نخبة حكومية ذات مؤهلات وكفاءات تجعل أصحابها قادرين على الإجتهاد الخلاق لصياغة سياسات عمومية تنفع البلاد والعباد، وتجعل منها حكومة ذات شخصية منسجمة ومتضامنة ومسؤولة، كما لا يريدون تكرار الصور الباهتة لكثير من الحكومات السابقة، التي لم يكن أداؤها قدر الرهانات التي تم التعويل عليها لإنجازها. هل ثم ما يكفي من رصيد الوقت ومهارات الحوار والإقناع والبحث عن المشترك لإنبثاق حكومة في مستوى ما ورد في خطاب " دكار"، أم أن قدر المغاربة أن يعيشوا صور التكرار الباهت للحكومات الإئتلافية التي لا تُجدي نفعاً، وتؤخر أكثر مما تقدم؟ ذلك هو السؤال الكبير.