شد انتباهي إلى الإهتمام بموضوع هذا العمود كثرة ما يُقال ويكتب عن الحكومة الإئتلافية المُرتقبة، والمشاهد الممكنة لتشكيلها. وقد شدني أكثر تناسل الأسئلة وتجاذبها حول من سيتحالف مع من؟، ولماذا هذا الحزب أو الأحزاب وليست تلك؟، وهل يستقيم التحالف مع هذا الطرف أو تلك الأطراف؟، أم سيكون من غير المعقول تكرار تجربة التحالف مع هذه المجموعة من الأحزاب أو تلك؟.والحقيقة أن قليلة هي الأسئلة التي سعى أصحابُها إلى تحديد معنى التحالف أو الإئتلاف المراد تحقيقه، وما هي أسسه والمتطلباته والخطوات اللازمة لإنجازه؟، أي في النهاية ما هي الثقافة الناظمة له؟. ليسمح لي القارئ الكريم القيام بتمرين حول معنى التحالف أو الإئتلاف، كما تتضمنه المعاجم والقواميس ذات العلاقة. يُحدد " معجم المعاني الجامع" التحالفَ في كونه " تعاهدٌ" بين طرفين أو أكثر من أجل أن " ينصر البعضُ البعضَ الآخر".. فالدلالة هنا تُحيل على أمرين أساسيين، هما: التعاهد، أي الإتفاق والإلتزام بفحوى الإتفاق، و" النصرة"، أي التعضيد والمؤازرة. أما القاسَم المشترك المُلحم والمُعزز للتعاهد والنصرة فهو الإقتناع بجدوى التحالف ومقاصده، والإقتناع السليم لا يتحقق ويُصبح ناجعا إلا إذا كان له وعاء ثقافي يُكسبه قدرة الإستمرار وجدارة الديمومة، وإلا يكون عُرضة لأي إهتزاز أو إنهيار. يختلف الإئتلاف عن التحالف لكن يتقاطعان معاً في الكثير من العناصر. فبحسب " معجم المعاني الجامع"، يتخذ " الإئتلاف" معنى " الإتحاد" و " التحالف"، ويُقال " إئتلف الناس" أي " اتحدوا" و" اتفقوا فيما بينهم"، أو " تحابوا وانسجمو في الأفكار".. حقل الإحالة هنا مرة أخرى هو " الإتفاق حول المشترك"، والإلتزام بخدمته وتحقيق مقاصده. إذا نحن انتقلنا من معاني التحالف والإئتلاف ودلالتهما من اللغة إلى السياسة، ونظرنا إلى واقع حالهما في التجربة المغربية، وتجربة الحكومة الأولى بقيادة حزب العدالة والتنمية( 2011 2016)، والحكومة المرتقب تشكيلها، فإن ثمة عددا من الشوائب التي اعترت الممارسة كما تراكمت في الواقع، وربما، إن هي تكررت في الحكومة المنتظرة، ستكون لها أضرار جمة على مسار البناء الديمقراطي في المغرب. ما بدا واضحا في التجربة الحكومية السابقة أن " التعاهد" المفترض في الإئتلاف الحكومي بعد الإعلان عن حكومة يناير 2012، لم يذهب إلى آخره، بل سرعان ما شرع في التبدد ابتداء من عام 2014، وانفجر في السنة الموالية له( 2015)، بخروج " حزب الإستقلال" من الحكومة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل سبقه كلام كثير، وأعقبته ملاسنات مُضرة بالأشخاص وبالممارسة السياسية عموماً.. والحقيقة التي يتوجب على الأحزابمواجهتها، والعمل على تجاوزها إيجابيا، أن مماراسات من هذا النوع تُساهم في تقهقر معنى السياسة، وتحرض الناس على العزوف عن التعاطي معها، والإنخراط في آالياتها. ولعل الممارسة نفسها لاحظها المواطنون أثناء الحملة الإنتخابية لإقتراع 07 أكتوبر 2016 والأيام الأولى التي أعقبت الإعلان عن النتائج، قبل أن تتغير لغة التخاطب فجأة، وتعلو نبرة " الإئتلاف" و " النحالف" من جديد، وكأن أي شيئ لم يقع. يُفترض في التحالف أو الإئتلاف ، الجاري السعي إليه من أجل تشكيل حكومة تعكس نتائج إقتراح 07 أكتوبر 2016، أن يخلق تعاهداً حقيقيا، مؤسساً على توافق فعلي حول برنامج الحكومة المرتقبة، والمقاصد والأهداف التي يروم أطرافُها الوصول إليها.و يُتطلب منه، كي يكون ناجعا وفعالاً، أن يلتزم به الجميع، وأن يكون مبنياً على قدر معقول من الأخلاق السياسية التي تحميه وتُجنبه الهزات والإنزلاقات التي قد يتعرض إليها نتيجة حسابات شخصية، أو نزعات ذاتية قصيرة الرؤية والمدى. فما يجب أن يُدركه الفاعلون الحزبيون أن درجة وعي الناس شرعت في الإرتفاع، والثقافة السياسية لشرائح واسعة من المواطنين ما انفكت تتطور ويتعمق مضمونها الديمقراطي.. وأن حبل التلاعب بالعقول لم يعد طويلا كما كان مع الأسف.. بل إن الأفق الممكن سيكون ختما للخروج من دائرة الدوران في الفراغ، لسبب طبيعي أن تؤخر البناء الديمقراطي الذي يتوف إليه المغاربة، ولا تقدمه قيد أنملة.