يَعني " اللَّغطُ" في " معجم المعاني الجامع، وهو معجم عربي عربي، " اختلاط الأصوات وعدم وضوحها"، وتشتق الكلمة من فعل " لَغطَ يلغطُ، لَغطاً ولِغاطاً ولَغيطاً، فهو لاغِط ، والجمع لُغّطٌ. ويُقال " لغط الجمهور، أي صوّت أصوات مختلطة ومبهمة وغير مفهومة"..اللّغَطُ إذن لغوياً هو " اختلاط الأصوات وعدم وضوحها". أما إذا نقلنا الكلمة من اللغة إلى حقل السياسة، فيتخذ " اللغط السياسي" معنى الكلام المختلِط ، المُبهَم، وغير الواضح".. فهل يعيش المغرب لغطاً سياسياً هذه الأيام، وهو على مشارف تنظيم انتخابات تشريعية ) مجلس النواب( فارِقة؟. لا يتردد المتابع للشأن السياسي المغربي المُتطلّع لأن يكون اقتراع 07 أكتوبر 2016 حلقة نوعية جديدة في ترسيخ الممارسة الديمقراطية في أن يلاحظ، بكثير من الأسف والحسرة ، ما يعتري المشهد الحزبي والسياسي المغربي من مظاهر " اللغط السياسي" ، والمراوحة في المكان، و الهروب الإرادي من تغليب متطلبات المنافسة السياسية الفعالة والنبيلة، وإعمال آلياتها المألوفة في الديمقراطيات الناجحة. ويمكن للمرء ملامسة هذه الممارسة في المتداول من الخطابات والتصريحات والمفردات بين الفاعلين الحزبيين، لاسيما المتوقع تصدرهم نتائج الانتخاب المقبل، أي " العدالة والتنمية" و" الأصالة والمعاصرة". يُساعد ما يُنشر بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي على الإطلاع، وإن بدرجات مختلفة، على مستوى " التيه السياسي" الذي يطبع لغة قادة هذين الحزبين ومناضليهما، ويكشف نوعية " التواصل السياسي" المُراد ترسيخه شهرين ونيّف قبل موعد إجراء الاقتراع النيابي المقبل. فأول ما يلفت الانتباه لغة البحث " والتنقيب" في الملفات الشخصية، والسعي إلى التجريح ونزع الصدقية، وتقديم المستهدَفين من أبرز قادة ومناضلي الحزبين، على أنهم غير مختلفين من حيث " قذارة اليد"، و" الإثراء بغير حق"، واستغلال مواقعهم في المسئولية لتعظيم منافعهم الشخصية، والقائمة طويلة من المقاصد المُضرّة بالعمل السياسي التي ما انفكت تروجها مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة هذه الأيام. واللاّفت للانتباه أن العملية لا يتولاها العوام من " شعب الفيسبوك" فحسب ، بل يقوم بها، مع الأسف، أشخاص يمتلكون قدرا من التعلم والمعرفة، بمن فيهم بعض المنتسبين خطأً إلى الجامعة المغربية. يُضاف إلى حرب التشهير و النهش في الملفات الشخصية وتبادل التهم، وهي في كل الأحوال ظاهرة مرضية في العمل الحزبي والسياسي، نزعةُ مصادرة حق الناخبين في أن يعيشوا لحظة الانتخابات بحرية، ويعبروا عن اختياراتهم بإرادة. فقد تعمدت بعض المواقع وما ينشر على أعمدتها الحسمَ في نتائج الانتخاب المقبل، وتقديم مسئول الحزب الفائز رئيساً للحكومة، ولفرط المبالغة والإمعان في الجهل أضفت على بعض من " بشرت" بفوزهم ألقاب ونعوتاً مُستفزة ومُهينة لخبرة المغاربة وذكائهم. قد يقول قائل ليس لما يُروجه " شعب الفيسبوك" قيمة تُذكر، والحسم في الانتخاب المقبل مرتبط بمتغيرات أخرى بعيدة عن سحر وسائل التواصل الاجتماعي وتأثير دعايتها، بل الأجدر الإنصات لنبض الناس في الواقع الحقيقي، أي الحياة اليومية، لا في العالم الافتراضي. قد يكون لهذه الملاحظة قدر من الصحة، لكن الراجح أن لوسائل التواصل الجديدة أدواراً تستلزم الانتباه إليها، من زاوية التأثير على " الذوق العام"، والتشويش على مدركات الناس وميولاتهم بما فيها سلوكهم الانتخابي، سلباً أم إيجاباً. لعل أول مَضرّة لهذا النوع من " اللغط السياسي"، الذي تعرفه الحياة الحزبية والسياسية المغربية ، تلك التي ستمس صورة "الانتخاب، بحسبه لحظة مميزة للمشاركة السياسية، لدى عموم الناس..فالمفترض في الفاعل الحزبي انتقاء مفردات وكلمات معجمه السياسي، بما يهذب ذوق الناخبين، ويحفزهم على الإقبال على السياسة، والتعاطي الإيجابي مع شؤونها، لا أن يعتمد لغة تخدش الشعور العام، وتُذكي روح العزوف عن الاهتمام بالسياسة، بوصفها فناً لتدبير الشأن العام. لذلك، نُقدر أن يساهم استمرار هذا "اللغط السياسي" على حساب مقارعة الأفكار وتنافس البرامج، في عدم رفع منسوب المشاركة في اقتراع 07 أكتوبر 2016. وإذا حصل هذا، وهو ما نتمنى عدم تحققه، سيخسر المغرب موعدا جديداً بالغ الأهمية مع رحلة بنائه الديمقراطي.. إن الاقتراع المقبل فارِق واستراتيجي وبالغ الخطورة في الآن معاً.. وللدولة ونخبتها الحزبية والسياسية مسؤولية كبيرة في تيسير شروط النجاح في إمتحانه.