، الشيوعي الذي اختار أن يتحالف مع الإسلاميين ويدافع عنهم في لحظات عصيبة من عمر أول حكومة إسلامية في مغرب ما بعد الاستقلال، يحل ضيفا على ركن «في ضيافة المساء»، ويجيب عن أسئلة الصحافيين، مقدما وجهة نظره بخصوص الكثير من القضايا السياسية الطارئة في المغرب. ويصر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في هذا الحوار على ضرورة «استقلالية الأحزاب السياسية»، ويقترب من مناطق التماس بين الحكومة والمؤسسة الملكية. إعداد - مكتب الرباط ت - محمد الحمزاوي - خرجت مباشرة بعد تشكيل حكومة بنكيران الثانية بتصريحات تنم عن غضب عميق. ما الذي أغضبك؟ أخال أن الغضب الذي تتكلمون عنه من صنع بعض وسائل الإعلام، التي اعتبرت بعض التصريحات المرتبطة بشروط وظروف تشكيل الحكومة تعبيرا عن الغضب. لست غاضبا، وقد أشرفت تحت مراقبة قيادة الحزب على المفاوضات التي أدت إلى تشكيل حكومة بنكيران الثانية، وعبرنا عن ملاحظاتنا ومقترحاتنا، سواء تعلق الأمر بالحكومة برمتها أو بمكانتنا، كحزب، بداخلها، وتم الأخذ بما تمكنا من بلورته من داخل التشكيلة الحكومية، ولم يتم الأخذ بجوانب أخرى. إن تشكيل الحكومة في ظروف مضطربة منذ نونبر 2012 يعد، في نظري، مكسبا. إذ منذ تغيير قيادة حزب الاستقلال عشنا ظروفا صعبة، فإضافة إلى المعارضة الشرسة التي كانت تواجهنا من خارج الحكومة، التحق حزب الاستقلال بركب معاكسة هذه الحكومة من الداخل. وبعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة وتقديم وزرائه استقالاتهم، عشنا فترة صعبة أخرى من الانتظار، كانت لها عواقب وخيمة على مستوى الرأي العام الوطني وكذا الدولي، وعلى رجال ونساء الأعمال المغاربة، والمنظمات المالية المختلفة التي نشتغل معها. في ظل هذا الوضع كان هناك من يتساءل عن إمكانية تشكيل الحكومة الجديدة، وماذا سيحدث في المغرب إن لم تتشكل: هل سنذهب إلى انتخابات سابقة لأوانها أم ماذا؟. أعتقد أن تشكيل هذه الحكومة في حد ذاته يعتبر نجاحا في الحفاظ على الاستقرار السياسي للمغرب. كما يتيح مواصلة عمل الحكومة في ظروف أحسن مما عشناه لما يفوق السنة، وترميم الانسجام داخل الحكومة، وهو ما نعيشه منذ شهر، مع إمكانية مباشرة المشاريع الإصلاحية الكبرى التي تنتظرنا. لذلك قلت إن هذا الأمر في حد ذاته مكسب. هناك طبعا ملاحظات مرتبطة ببعض الجوانب، التي كان بالإمكان العمل على تجاوزها، مثل الحضور القوي لغير المنتمين، رغم أني لا أفضل كلمة «التكنوقراط» لحمولتها القدحية، وتراجع الجانب السياسي والحزبي، وأيضا عدد الوزراء الذي وصلنا إليه، وحتى أكون صريحا، كانت هناك جوانب أخرى كان بالإمكان تجاوزها. - ألا ترى أن ذلك أضر بروح دستور 2011، وأثر على قيمة الأحزاب في الحياة السياسية؟ هذه مسؤولية الجميع، فهل كان مطلوبا مني أن أخرج من هذه الحكومة، فقط لأن هناك مثل هذا الأمر؟ الجواب هو لا. - لكنكم الطرف التقدمي في الحكومي، والمطالبون بتنزيل الدستور؟ عندما تكون أمام واقع من هذا النوع عليك أن تعمل على معالجته، وهو ما قمنا به في إطار المفاوضات. وفي حال لم تتمكن من تعديله والسير في اتجاه آخر، فيجب عليك الخروج من الحكومة، وهو ما يعني إسقاطها، وإدخال البلاد في وضعية سياسية غير مستقرة، وربما توقيف كل شيء، وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، وهو ما يعني تعطيل المسار الإصلاحي. في السياسة لا يوجد شيء محبوب أو متروك بالمطلق. - هل نفهم أن الهامش كان ضيقا أمامكم في المفاوضات، وكنتم مضطرين لإخراج الحكومة بهيئتها الحالية؟ لم أكن مسؤولا عن تشكيل الحكومة، ولست رئيسا لها، ولكنني طرف فيها فقط... - لكن البعض يقول إنك المستشار الخاص لرئيس الحكومة، وأنه كان يستشيرك في كل شيء. هذا كلام زائد وخارج عن سياقه. نحن نتعامل داخل الحكومة على أساس أننا عندما قررنا أن نتحالف، فإننا سنتحالف فقط، بمعنى «اللي بغى سيدي علي بوغالب يبغيه بقلالشو»، وعندما اخترنا دخول الحكومة قررنا تحمل إيجابيات وسلبيات هذا القرار، بمعنى أننا قررنا تحمل الربح والخسارة معا. - لكن طريقة كلامك توحي بأنكم تلقيتم لائحة الوزراء جاهزة من جهة معينة. هذا كلام غير صحيح، وأنا أنفيه بالمطلق، فلائحة الوزراء عمل على تحضيرها رئيس الحكومة، بالاستشارة مع جلالة الملك، كما هو معمول به في الأنظمة السياسية المشابهة. وإذا كنتم تعتبرون أن ملك البلاد لا يمكنه التدخل في أي تشكيلة حكومية، فهذا خارج التأويل السليم للدستور. أما بالنسبة إلى اللائحة النهائية، فقد ظللنا نناقشها حتى ساعة متأخرة من الليلة التي سبقت الإعلان عن النسخة الثانية من الحكومة. - ألم تكن لديك أي تحفظات بخصوص أسماء معينة، أو تحفظات بخصوص قطاعات وزارية تمت إضافتها إلى الحكومة؟ أفضل أن نغلق هذا الملف، لأننا الآن بصدد النظر إلى المستقبل، والأهم بالنسبة إلي هو أن نعود إلى العمل، وأن نستغل الاستقرار الذي صرنا نتمتع به في الحكومة من أجل إعادة فتح الأوراش الكبرى التي بدأناها. - لكن، هل هذا الاستقرار يجب أن يكون على حساب الدستور؟ إذا سرت في نفس المنطق الذي تتبنونه سنكون أمام خيارين: إما أن نتعامل مع واقع فيه موازين قوى معينة، في فترة معينة - وهذا ما قمنا به طيلة حياتنا النضالية في الحزب- ونتمسك بالمكتسبات ونواصل المشوار، أو نغلق الباب وندخل البلاد بالكامل في أزمة. عندما تكون في منصب سياسي تختلف نظرتك عن نظرة الإعلامي أو المحلل، ونحن اخترنا في نهاية المطاف، وبعد نقاش داخلي، البقاء في هذه الحكومة، واعتبرنا أن المهم هو مواصلة السعي لتحقيق أهدافنا المتمثلة في تفعيل وتنزيل مقتضيات الدستور على أرض الواقع، ثم مواصلة الأوراش الإصلاحية، التي لم نتمكن إلى حد الآن من معالجتها، مثل إصلاح أنظمة التقاعد، وصندوق المقاصة، والإصلاح الضريبي، والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية لساكنة القرى. - رئيس الحكومة صرح، مؤخرا، بأن فؤاد عالي الهمة كان له دور في تشكيل هذه الحكومة. هل يمكن أن تحدثنا عن طبيعة هذا الدور؟ شخصيا، لم يكن لي أي اتصال بالأخ فؤاد عالي الهمة، ويمكنكم سؤال السيد بنكيران عن اتصالاته به. - كيف تلقيت خبر تقسيم وزارتك؟ من ضمن النقط التي أثرنا الانتباه إليها أنه كان من الأفيد للحكومة تفادي هذه الخطوة، وأن نجد حلولا أخرى ملائمة لتشكيل الحكومة، وإيجاد وزارة وازنة للأخ امحند العنصر، لكن جهودنا لم تفلح، ووضعنا ذلك في التقييم العام لمشاركة حزبنا في الحكومة، وقررنا في نهاية المطاف أن نكمل التجربة، رغم أننا كنا نفضل أن تظل هذه الوزارة موحدة، ليس حرصا على مصلحة حزبنا، بل لكون المنظومة المرتبطة بإعداد التراب والتعمير والسكنى وسياسة المدينة منظومة متكاملة، وتقسيم الوزارة سيكون له تأثير بدون شك على هذه المنظومة. فكل أطر الوزارة ومن يتعاملون معها سيجدون أنفسهم في حيرة من أمرهم، عندما سيتعلق الأمر بمجالات تتقاطع فيها الصلاحيات والاختصاصات. - وهل بدأت تلمس فعلا هذا التنازع في الاختصاصات؟ أعتقد بأن كل شيء قابل للعلاج، على أساس أن نجد الحلول المناسبة، ولن تكون الحلول الأمثل، هي أن يتحمل هذه الحقيبة حزب التقدم والاشتراكية أو نبيل بنعبد الله، لأن الحل الأمثل هو أن تظل هذه الوزارة موحدة، لكن الآن هذا واقع، وحزبنا سيواصل مشواره في هذه الحكومة، لأن الأهم بالنسبة إلينا ليس هو الحقائب، وإنما أن نواصل الإصلاحات التي بدأناها مع هذه الحكومة. - ما رأيك فيمن يعتبر أن تقسيم الوزارة التي تشرف عليها، جاء كعقاب لك على تصريحات نسبت لك في الفترة التي سبقت تشكيل الحكومة؟ لست مسؤولا عن التأويلات التي يقدمها البعض، لكن في إطار الاتزان الذي يتميز به حزبنا، وثباته على مواقفه، وسهره على أن يظل في خدمة هذا الوطن، سنستمر في التعبير عن آرائنا، بنفس الجرأة، لكن بنفس الاتزان. ودعوني أستغل هذه الفرصة لتوضيح الآتي: من يريد أن يحدث المشاكل لحزب التقدم والاشتراكية فيما يخص علاقته بالمؤسسات الأساسية في بلادنا، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، فعليه أن يبحث عن باب آخر. فحزبنا ثابت في مواقفه، والملكية مثل الهواء الذي يتنفسه الإنسان، بمعنى أنها ضرورية لمغرب اليوم، كما كانت ضرورية لمغرب الأمس، وكما ستظل ضرورية لمغرب الغد والمستقبل، لأنها تشكل الإسمنت الذي تلتف حوله كل التيارات، ولأننا بحاجة إلى التوفر على ملكية فاعلة لحد الآن، ملكية تريد الإصلاح والديمقراطية، وتريد مأسسة جديدة بناء على دستور 2011. وكما كنا دائما مساندين لهذه الملكية، فإننا سنظل مساندين لها، وسنظل دائما قوة اقتراحية، ونقدم آراءنا كما فعلنا ذلك سنة 2011 مع الهيئة الاستشارية التي كلفت بمراجعة الدستور. لذلك لا داعي لمحاولة إحداث أي تغيير في موقف التقدم والاشتراكية، خاصة أنه آمن منذ نشأته بضرورة العمل في إطار نظام ملكي في المغرب، نظام يتميز بديمقراطيته، والسير نحو ملكية برلمانية، مما يعني أن هذا الأمر يحتاج إلى بناء، وأيضا إلى كثير من المثابرة والجهود لنصل إلى ذلك. ربما يريد البعض أن يلصق بحزب التقدم والاشتراكية توجهات أخرى، لأنه اختار أن يعبر بكل استقلالية في 2008 و2009 و2010 عن التوجهات التي اعتبرناها آنذاك تحكمية. - من تقصد بكلامك؟ أظن أن الجميع عاش تلك المرحلة، ومن كانت له الجرأة وقف ضد ذلك، في حين اختار البعض الآخر التعامل مع تلك الأحداث بنوع من عدم المواجهة أو الانحناء للعاصفة، في حين رفضناه نحن، رغم أننا كنا في الحكومة آنذاك، ولم يسع حينها أي أحد لأن يرسم الفكرة التي مفادها أن حزبنا اختار موقعا آخر غير الموقع المؤسساتي. حزبنا سيظل وفيا لتوجهاته، وسيبقى على اعتقاده بأن الملكية لها دور أساسي في هذا البلد، علما أن هناك من لا يشاطرنا هذا الرأي، ويدعو إلى إخراج عدة اختصاصات وصلاحيات من يد المؤسسة الملكية، لكننا لسنا من هؤلاء، لأننا نعلم أن مثل هذا الأمر يحتاج إلى إنضاج الشروط المناسبة، وربما نرى هذا الأمر في مرحلة ما، لكن مغرب اليوم لا زال في حاجة إلى أن تتمسك الملكية بصلاحياتها. وبهذا الصدد، أحيلكم على المذكرة الدستورية التي قدمناها، والتي طالبنا فيها بالملكية الدستورية البرلمانية الديمقراطية الاجتماعية، وتكلمنا فيها عن فصل السلط، وعن أمور وجدناها بعد ذلك في الوثيقة الدستورية التي تماهت مع مطالبنا بنسبة 90 في المائة. عليكم أن تعودوا إلى الوثائق، لأن هناك من يتبنى مواقف لم يطالب بها أبدا طيلة تاريخه، في حين طالبنا، نحن، بالملكية البرلمانية. أما فيما يخص المؤسسة الملكية، فقد قلنا بصريح العبارة إنه يتعين عليها أن تحتفظ بأدوار أساسية: الدور المرتبط بإمارة المؤمنين، الذي لا يمكن لأحد أن يناقشه في الظرفية التي نعيشها الآن. كما يتوجب عليها الاحتفاظ بدور رئاسة الدولة، وبالقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، وبدور السهر على التوجهات الكبرى للبلاد، بمعنى أنه في جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى، يجب أن يكون لها دور، حتى لا تخرج عن إطار الإجماع الذي اختاره المغاربة. وأخيرا يجب أن يكون للملكية دور الحكم، وهي الفكرة التي كان حزبنا وراء تقديمها، وربما لن تجدوا في مذكرات الأحزاب الأخرى هذه النقطة. هذا هو موقفنا بكل وضوح، ونحن لا زلنا متشبثين به، ولا يمكن لأي حكومة أن تنجح في المغرب، اليوم، دون أن تعتمد على مساندة المؤسسة الملكية، وعلى دور فعال فيه جوانب تنفيذية للمؤسسة الملكية. في المقابل يتعين أن تكون هناك مؤسسات أخرى تحظى بدورها وتحترم في اختصاصاتها، سواء تعلق الأمر بالحكومة وصلاحياتها التنفيذية، أو البرلمان وصلاحياته التشريعية، أو الأحزاب السياسية وصلاحياتها المنصوص عليها في الدستور، والتي يجب عليها أن تكون قوية، قادرة على تأطير المجتمع، وأن تكون قوة اقتراحية فاعلة، وهو الشيء الذي لا زلنا بعيدين عنه، بما في ذلك حزب التقدم والاشتراكية. - ما ردك على من يعتبر بأن حكومة الظل هي المتحكمة فعلا في مقاليد الأمور في البلاد والملفات الكبرى وليست حكومة بنكيران؟ لا وجود لحكومة ظل في المغرب، هذا فقط اختراع من لدن البعض، وأنا أمارس مهامي كوزير منذ سنتين، دون أن أقف على شيء بهذا المعنى وهذا التصور الذي تتحدثون عنه. هناك توجه معين كان يعتقد بأن المغرب في وقت ما كان بحاجة إلى بناء قوة سياسية جديدة تعوض القوى التقليدية- بما فيهم حزبنا وحزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي- ويمكنها أن تشكل سندا للتوجهات القائمة في البلاد، وفي نفس الوقت مواجهة المد الإسلامي في المغرب، والكل يعرف من كان يسعى آنذاك إلى تأسيس هذا الحزب، وهو الحزب الذي يوجد اليوم في موقع استخلص منه كثيرا من الدروس... - هل هو الحزب الذي وصفه الكثيرون ب«الوافد الجديد»، وغيره من الأوصاف؟ مثل هذا الكلام كان في مرحلة معينة، ويمكنني أن أصارحكم بأنه حتى من كان يسميه بحزب الدولة، كنت أعتبر كلامه «خارجا عن السياق»، وهذا ليس هو الواقع الذي يبقى معقدا أكثر، لأن الحديث عن حزب الدولة يعني وجود قرار للدولة بإنشاء حزب ومنحه الأغلبية في البلاد، وهذا ليس صحيحا على الإطلاق، بل أقول لكم إن هناك جهة ما حاولت إيهام الجميع بوجود مثل هذا الأمر. حزب الأصالة والمعاصرة ليس محتاجا إلى التقدم والاشتراكية لمنحه الشرعية، وقد تقدم للانتخابات، وهو موجود الآن في البرلمان، ويشتغل في الوقت الراهن مثله مثل باقي الأحزاب. ما هو مطلوب الآن هو أن يشتغل الجميع في إطار من المساواة تجاه كافة المؤسسات، التي يمكنها التدخل في العمل السياسي أو الانتخابي غدا. هناك أفراد يواصلون عملا نعتقد بأنه يهدف إلى أن يكون هناك تدخل في شؤون الأحزاب السياسية، والتأثير على مواقف وتموقعات هذه الأحزاب، وحزب التقدم والاشتراكية يرفض هذه التدخلات. - من تقصد بكلامك؟ كل واحد منا يعرف موقعه بشكل جيد، ولن أجيب عن هذا السؤال حتى لا أسقط في التشخيص، بمعنى أنني لا أريد أن أعطي لأي كان مكانة أكثر من الحجم الذي يستحقه الموضوع. - تحدثت عن وجود حرب على حزب التقدم والاشتراكية بسبب تحالفه مع حزب العدالة والتنمية. من يقف وراء هذه الحرب؟ لن أتحدث عن الممارسات السابقة، لكن أريد منكم أن تفسروا لي كيف كانت هناك تدخلات سافرة سنة 2011 واتصالات مع مرشحين، والضغط عليهم وتهديدهم في بعض الأحيان من أجل ثنيهم عن الترشح باسم الحزب، وهناك عدد منهم تراجع عن ذلك. كما أنه في بعض الدوائر تم الضغط على بعض الأشخاص، فتحولوا إلى مرشحين باسم أحزاب أخرى، رغم أني وقعت لهم التزكية شخصيا. لقد كان الهدف من كل ذلك هو ألا يحصل الحزب على شيء، ومع ذلك حصلنا على 18 مقعدا، وحرمنا تقريبا من نفس العدد، بمعنى كان من الممكن أن نضاعف حضورنا لولا هذه بسبب الضغوطات التي عشتها مباشرة. ثم كيف يمكن أن أمتلك في البرلمان فريقا من 20 نائبا، ويكون البعض حريصا على أن نفقد فريقنا البرلماني بشتى الوسائل مثل اللجوء إلى المجلس الدستوري من أجل الحكم ببطلان قانونية فريقنا، لكن جواب المجلس الدستوري كان هو أن الفريق مبني على تحالف سياسي حزبي وليس على الترحال السياسي، وبرضى وتزكية من الأحزاب المعنية، وبالتالي فشلت المحاولة الأولى. ولما حان وقت مناقشة القانون الداخلي كانت هناك محاولة للوصول إلى نفس النتيجة. إذ اقترحنا عتبة مشابهة لدول لديها برلمانات بعدد نواب أكبر بكثير من المغرب، ففي فرنسا مثلا يكتفون ب15 نائبا من أجل تكوين فريق برلماني، حتى يضمنوا التعددية داخل المؤسسة التشريعية، وهو نفس عدد المقاعد الذي اقترحناه، لكنه رفض من طرف الآخرين، وتم التوافق في الأخير على اقتراح السيد رئيس الحكومة القاضي باعتماد 18 برلمانيا. الغريب أن الفرق التي قبلت بهذا المقترح صباحا رفضته مساء، وهو ما يعني أن هذه الفرق تعرضت لضغوطات، ولست أنا المطالب بتفسير هذا التحول، بل إن تلك الفرق التي وقعت معي على وثيقة التوافق، التي لعب فيها رئيس الحكومة دورا أساسيا في إطار الأغلبية، هي المطالبة بإعطاء تفسيرات لهذا التحول الغريب. لا يمكن أن «أخترع» مثل هذا الكلام أو أن يقول البعض إنني مريض بالبارانويا أو أن حزبنا مضطهد ومستهدف، فأنا هنا أستعرض وقائع حقيقية، ويمكن أن أمدكم بوقائع أخرى. إذ كيف يعقل، في تقديركم، أن يوقع حزبان معنا في الصباح ثم ينسحبان في المساء؟ نحن نريد أن نقول إن حزبنا يحترم جميع الأحزاب ويحترم الإطار المؤسساتي الذي يشتغل فيه، ونعتقد بأن البلد في حاجة إلى مواجهة أوراش الإصلاح، ولكل واحد أن يخوض التجربة من منطلقاته. هناك من يقول حاليا إننا أصبحنا «أذيالا» للعدالة والتنمية، بل هناك من وصفنا بأننا «الناطق الرسمي» باسمه، بينما الواقع يبين عكس ذلك، بدليل أننا احتفظنا بتوجهاتنا منذ انطلاق التجربة الحكومية، وكان ذلك واضحا أثناء تقديم دفاتر التحملات الخاصة بقنوات القطب العمومي، حيث كنا سباقين إلى إثارة الموضوع. وكلما دعت الضرورة إلى التنبيه إلى أشياء خارج نص الاتفاق الذي وقع أول مرة نفعل ذلك دون مركب نقص. اليوم لدينا ملاحظات على قانون المالية ونحن ندلي بها بكل حرية في إطار الالتزام بالأغلبية ومن منطق أننا سنصوت عليه في الأخير، بيد أن التصويت عليه لا يمنع من تقديم بعض الملاحظات بغاية تجويده. مرجعيتنا ليست هي مرجعية العدالة والتنمية، لكن ثمة تقاطعات نلتقي فيها، وبفضل الذكاء السياسي نشتغل في تجربة واحدة... - لكن الوقائع تقول إنه ذكاء مصلحي. لا أبدا. إنه ذكاء سياسي، فعلى سبيل المثال لا يمكن لحزبنا أن يأتي بمشروع قانون ويقول للأغلبية إنني أريده بهذه القوة وبهذه الحمولة اليسارية التقدمية الحداثية، خذه كما هو أو «نفركع الدلاحة». أعتقد بأن الأمور في نطاق الأغلبية لا تدار بهذه الطريقة، وإلا لن نكون بحاجة إلى حكومة أصلا. ما تقوله يتناقض تماما مع صرحت به مؤخرا في لقاء حزبي بأن حزب العدالة والتنمية يستغل الدين لأغراض سياسية. أعتقد بأن كلامي أُخرج عن سياقه. لقد قلت بالحرف إن الذين يروجون لخطابات مثل إفشال تجربة العدالة والتنمية وتقويض جهوده ومحاربته، وأن حزبنا أصبح «ذيلا» للبيجيدي مخطؤون جدا، فقد بينت السنتان الماضيتان، بما لا يدع مجالا للشك، أن الاتهامات التي تلصق بهم مجرد مزايدات ومبالغ فيها، إذ لم يغيروا هوية المجتمع المغربي ولم يقفلوا باب الحريات ولم يغفلوا الفنادق بقدر ما يشتغلون وفق تصورهم للأمور في إطار عام متفق عليه مسبقا، رغم أنني أعرف أن هناك في حزب العدالة والتنمية أعضاء لديهم قناعات متقادمة، ونفس الشيء ينسحب على حزبنا، حيث ما يزال هناك مناضلون يؤمنون بالمجتمع الشيوعي كما كان يدافع عنه ستالين. غير أن التوجه الرسمي للحزب لا علاقة له بهذه التصورات، فالذي يهم هو توجه الحزب الحالي. - ألا تتخوف من تكرار سيناريو حزب الاستقلال في النسخة الثانية من الحكومة مع التجمع؟ إلى حدود الآن ليس هناك أي تخوفات، والأهم أننا خرجنا من مرحلة الانتظار، التي كانت كارثية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، فأن تعود الحكومة إلى العمل، وأن يعود الانسجام إليها هو مكسب في حد ذاته، وأرجو أن نستمر في العمل بمنظور واضح يبتغي الاستجابة لانتظارات المواطنين. - يقول البعض إن دخول حزب التجمع إلى الحكومة يشبه حصان «طروادة». عندما تتحرك في ظرفية جديدة وتتعامل مع مشهد سياسي مطبوع بالمستجدات ينبغي أن تغير نظرتك في التعاطي مع هذه المتغيرات. الآن، حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي اختلفنا معه فترة قصيرة مقارنة بالفترة الطويلة التي اشتغلنا معه فيها، هو عضو في التحالف الحكومي، ويبدو ذلك جليا في المجالس الحكومية وفي نقاشات البرلمان، فهو يتعامل مع الشأن الحكومي باعتباره حزبا في الأغلبية. - حذر إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، مؤخرا من مغبة ابتلاعكم من طرف حزب بنكيران. كيف ترى ذلك؟ تلاحظون أن التقدم والاشتراكية يمتنع عن الدخول في أي جدل عقيم مع حلفاء الأمس، ونحن سنستمر في هذا النهج، وسنتشبث بمبادئنا مهما كانت الظروف. أؤكد أني لست بحاجة إلى أن أذكّر أيا كان بأن حزب التقدم والاشتراكية حزب مستقل ولديه قناعاته، ويعتبر أن وجوده في الحكومة الحالية طبيعي في ظل الظرفية السياسية الراهنة، ولن نسمح لأحد بأن يملي علينا تعليماته. - قلت: حلفاء الأمس. هل أصبحت الكتلة جزءا من الماضي؟ أنا لا تهمني الألقاب بقدر ما أريد أن يبقى النفس اليساري التقدمي الحداثي قائما في المجتمع المغربي، وأبتغي أن تتسع دائرة المنتمين إليه والمدافعين عنه باستقلالية، وأن لا يكون أي من هؤلاء «ذيلا» لأحد، أي أن يحافظ المدافعون عن هذا المشروع على استقلالية القرار السياسي دون تدخل من أحد. وحدث في الكتلة الديمقراطية أن كانت مواقفنا مغايرة، ثم تبين فيما بعد أنها صحيحة. - لكن، بِمَ تفسر هجوم حميد شباط عليك أكثر من مرة؟ أنا لا أعادي أحدا.. اسألوه عن ذلك. ما يمكنني قوله في هذا المضمار إنه لدينا موقعنا ولدينا تصوراتنا التي تسمح لنا بتحديد موقعنا، وإذا اختار أي حزب موقعا مهما كان وينتظر منا أن نلتحق به ونكون»ذيلا» له فهذا أمر نرفضه. ولِمَ أنت بالذات؟ لأني أمين عام حزب التقدم والاشتراكية ولدي نفوذ داخل الحزب. - هل ستترشح للأمانة العامة للحزب مع اقتراب موعد المؤتمر؟ لم أفكر في الموضوع نهائيا، ولن يكون القرار مرتبطا بي شخصيا. والأهم الآن هو أن التحضيرات للمؤتمر ستبدأ قريبا، ومن المزمع أن ينعقد في النصف الأول من السنة المقبلة. الذي يشغلني حاليا هو تدبير الشأن الحكومي والدفاع عن مصالح الوطن وإنجاح أوراش الإصلاح من خندق الأغلبية، وفوق ذلك إنجاح محطة المؤتمر، ولن يتأتى ذلك إلا بتمتين هياكل الحزب، وأن تكون فروعه مساهمة ومتطورة وتتفق على المساطر الديمقراطية، وأعتقد بأن اللبنة الأخيرة في خضم هذه التحضيرات هي انتخاب أمين عام جديد للحزب. - تتحدث بنبرة الواثق من شعبيتك. على أي أساس تستند للاستدلال على ذلك؟ أؤكد لكم أن كل التقارير التي قدمت إلى الديوان السياسي للحزب تم التصويت عليها بالإجماع تقريبا، مع العلم أن الأصوات المعارضة كانت قوية في البداية. - أتقصد أنك تخلصت من الأصوات المعارضة؟ أبدا، ولا أريد فعل ذلك. - لكنك عجزت عن إعادة الدفء إلى بيت التقدم والاشتراكية، ولم تستطع إعادة الغاضبين إلى هياكل الحزب، كما أن هناك تيارا قويا يقوده سعيد السعدي ضدك. تريدون أن نصبح حزبا عسكريا ونقمع كل تيار معاكس ومخالف ونقضي عليها...هذه ليست سياسة صحيحة.. - (نقاطعه) الأمر لا يتعلق بأصوات معارضة فقط، فالسعدي، مثلا، هاجمك بعنف وقال إن الفساد عشش داخل الحزب. هناك مقولة لكاتب فرنسي مشهور يمكن أن تنسحب ليس على فقط السعدي وحده، بل على بعض زعماء الأحزاب الأخرى، الذين يهاجمون حزبنا وأمينه العام.. المقولة هي: «كل ما هو مبالغ فيه غير ذي معنى»، وأنا من أخلاقي أني لا أرد على أشياء مبالغ فيها. وبالنسبة إلى تصريحات السعدي فقد أثارت الكثير من الغضب في صفوف المناضلين، الذين خدموا مشروع الحزب أكثر من ثلاثين أو أربعين سنة. لا أفهم لِما كل تلك الاتهامات بسبب الاختلاف السياسي المحض، الشيء الذي يجعلني، اليوم، أقول إن أغلبية مناضلي الحزب ملتفون حول قيادتهم الحالية. أتذكر أن آخر تقرير عرض على أنظار الديوان السياسي للحزب من طرف اللجنة المركزية كان أواخر شهر غشت، وكان السؤال عما إذا كانت التغييرات الطارئة على مستوى الأغلبية بانسحاب حزب الاستقلال واحتمال دخول حزب التجمع ستفضي إلى تغيير سياستنا، فكان الموقف حينذاك هو مواصلة العمل من داخل الأغلبية الحكومية، وفوضت اللجنة المركزية للمكتب السياسي أمر مباشرة المفاوضات مع الأغلبية. - لكن كانت هناك بيانات مضادة لقيادتك في المؤتمر. بإمكان أي أحد أن يدبج البيان لوحده، واللجنة المركزية تضم 680 عضوا، حضر منهم في لقاء غشت 500، والتقرير صوت عليه بالإجماع مع امتناع عضوين، وفي الأخير تعتمدون على عضوين أو ثلاثة أعضاء غاضبين لبناء موقف، والقول إن هناك تيارا قويا، حقا لا أعتقد به. - هل أنت ضد وجود تيارات في الحزب؟ لا، مرحبا بكل الأصوات «واللي يبغا يقول غدا العيد مرحبا بيه» شريطة احترام الآراء المختلفة واحترام الرفاق وعدم تلفيق تهم رخيصة وغير مقبولة. وبالنسبة إلى الرفيق سعيد السعدي لا أريد الرد على اتهاماته ولن أفعل ذلك. لكن أن يُسقط أشياء على الحزب يعود تاريخها إلى 10 سنوات خلت أو أكثر، وتوزيع الاتهامات المجانية على رفاقه، فهو أمر غير قابل للرد ولا للتعليق. أريد أن أحيلكم على شيء: هناك بعض الأصوات القليلة المعارضة توجد بالمكتب السياسي للحزب، والواقع أنه صوت واحد، لكنه ظل يشتغل من داخل المكتب السياسي ويمارس مهامه ويشتغل بتفان في فرعه، الذي يعتبر من أقوى فروع الحزب اليوم، وهو فرع سطات. وإلى جانب ذلك، يحترم رفاقه، كما نحترمه نحن، ونعزه كثيرا، وتربطني به علاقة طيبة. وأؤكد لكم أنه في المؤتمر المقبل ستكون هناك بيانات أخرى، وسنحترمها رغم أن وزنها محدود جدا جدا. - ننتقل الآن إلى موضوع الانتخابات الجماعية. بداية ما هو موقفك من تأخير هذه الاستحقاقات إلى سنة 2015؟ وهل القوة الحالية لحزب التقدم والاشتراكية ستمكنه من تحقيق نتائج جيدة؟ الجزء الثاني من السؤال تصعب الإجابة عنه، فصناديق الاقتراع ستكون حاسمة، وسيحاسب كل طرف، بناء على موقعه وعمله وممارسته السياسية والمواقف التي عبر عنها، خاصة أن أمورا كثيرة يمكن أن تتغير لدى الرأي العام في سنة ونصف، وبالتالي فهذا السؤال سيظل مطروحا. أما بالنسبة إلى الجزء الأول من السؤال فإن القرار اتخذ على كل حال. - هل كان العنصر يكذب؟ أبدا. العنصر لا يتحمل أي مسؤولية في ذلك. فقد كان هناك نقاش داخلي لدى الأغلبية، مرتبط بضرورة تحضير الأجواء إلى حين تنظيم الانتخابات. ففي بداية الأمر كان هناك سعي لتنظيم الانتخابات نهاية 2012، لوجود ضغط سياسي، وقانوني جزئيا، مرتبط بالمكانة القانونية والدستورية للغرفة الثانية. وكان هناك نقاش فيه صعوبة مرتبطة بضرورة اتخاذ قرار سياسي لتنظيم الانتخابات أم لا. طبعا، القرار لم يكن سهلا لارتباطه بمسألة جوهرية هي النص التنظيمي المتعلق بالجهوية، حيث كان من الضروري أن نصل إلى إنضاج النقاش حول ذلك، والتحكم في مدى إمكانية بلورة توصيات اللجنة الاستشارية حول الجهوية على مستوى النص القانوني، وفي ذلك تحديات كبيرة. بدأنا النقاش، وكان هناك تردد بين مكونات الأغلبية في السنة الأولى، وقد حاولنا في فترة معينة أن نضع مسلسلا للوصول إلى تنظيم هذه الانتخابات، وتقدمنا إلى درجة صياغة أسئلة جوهرية يتعين الإجابة عنها حتى نتمكن من صياغة النصوص، ليس فقط المتعلقة بالجهوية، ولكن بباقي القوانين الخاصة بتنظيم الانتخابات المحلية ومجلس المستشارين وغيرها. بعد ذلك بدأ الجو يتعكر داخل صفوف الأغلبية، حيث أعلن حزب الاستقلال بأن الانتخابات ليست أولوية، وأن هناك ملفات أخرى أكثر أهمية، وبالتالي أصبح من الصعب تنظيم الانتخابات في ذلك الوقت. الآن، نحن في نهاية 2013، وعمليا من الصعب أن تقدم الحكومة في منتصف المدة الانتدابية على تنظيم الانتخابات، لكن هناك سقفا زمنيا يتعلق بالتسع سنوات التي يمنحها الدستور القديم، وسنكون ملزمين بتنظيم الانتخابات الجماعية في 2015، ومنها انتخاب أعضاء مجلس المستشارين. - هناك من يقول إن تنظيم الانتخابات الجماعية قرار سياسي أكبر من الحكومة؟ السؤال وجيه: لما ينص الدستور على أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس يسهر على التوجهات الكبرى للبلاد، معنى ذلك أنك تضع في الحسبان كل القضايا الجوهرية، والانتخابات تنتمي إلى هذا الباب. وعليه، فكل المؤسسات ينبغي أن يكون لها رأي، وفي مقدمتها المؤسسة الملكية. - إضافة إلى سيناريو تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، تم الترويج لسيناريو آخر يتعلق بتشكيل حكومة ائتلاف وطني. هل كان هذا السيناريو قائما؟ لم يكن هذا السيناريو مطروحا. - تحدثت تسريبات عدة عن وقوف فؤاد عالي الهمة وراء هذا التوجه. أرجوكم، كفى من إقحام فؤاد عالي الهمة في كل القضايا التي تهم الحكومة بطريقة سلبية. سبق أن كان لي معه نقاش مؤخرا، ويمكن أن أقول لكم إن عالي الهمة يضع نفسه رهن إشارة صاحب الجلالة، بصفته مستشارا لدى صاحب الجلالة، وأنه يقوم بمهامه بناء على توجيهات جلالة الملك. وبالتالي لا تحملوه عددا من الأمور التي لا تدخل في اختصاصاته. أتحدث لكم بكل جرأة ووضوح، فلأول مرة أسمع بأن فؤاد عالي الهمة كان يريد حكومة ائتلاف وطني، فأنا لم أسمع بهذا الأمر أبدا داخل الأوساط المقررة. - لكنه على الأقل هو المستشار الملكي الأكثر احتكاكا واشتغالا مع الحكومة الحكومة تشتغل في عدد من الملفات، وعندما يقتضي الأمر التنسيق مع المؤسسة الملكية فصاحب الجلالة هو الذي يتخذ القرار لتعيين المستشار الذي سيشتغل حول ملف معين مع وزير معين. وهذا أمر طبيعي، فعندما يقتضي الأمر تحضير ملف معين أو مشروع قانون له أهمية أو أي مبادرة أخرى فصاحب الجلالة هو الذي يعين المستشار الملكي الذي سيتتبع الأمر مع الحكومة أو الوزراء أو وزير منها. - سبق أن صرحت بأن التنقيص من الأحزاب سيؤدي بنا إلى وضع مشابه لما يحدث في ليبيا وسوريا ومصر. على أي أساس تبني ذلك؟ لا أبدا. قلت إنه يتعين أن نستفيد مما يحدث في بلدان أخرى تعاني اليوم من عدم قدرتها على تدبير ما سمي بالربيع العربي. المغرب كان متفردا، وتقريبا نموذجيا، بفضل تضافر إرادة أساسية، هي الإرادة الملكية وجرأة صاحب الجلالة في التعامل الإيجابي مع المطالب المعبر عنها آنذاك في الشارع ومن قبل عدد من القوى السياسية. لم يكن له موقف أحمق مثل ما كان لقادة دول أخرى، نعتوا المتظاهرين بالمتآمرين على الدولة والوطن، بل تعامل صاحب الجلالة على أساس أن هذه المطالب نابعة من قوى مختلفة في المجتمع. وبالتالي فخطاب 9 مارس خطوة جريئة وأساسية، وهناك إرادة موازية نابعة من أهم مكونات الجسم السياسي الحزبي في المغرب، حيث إن هذه المكونات واكبت هذه الإرادة ودعمتها، مما أدى بنا إلى مسلسل تحضير للدستور والمصادقة عليه بشبه إجماع، وتنظيم الانتخابات فيما بعد. يتعين دائما أن نبقى حريصين على الحفاظ على استقرار البلاد، وعلى الفضاء الديمقراطي السليم الذي ينبثق من صناديق الاقتراع، والذي يؤدي إلى التداول على الحكومة من قبل كافة الأحزاب السياسية المتبارية على الساحة السياسة المغربية. كما يتعين أن نحترم ذلك, وأن يتم هذا الأمر بشكل عادي وطبيعي دون أن نخرج عن هذا المسار بمحاولات يمكن أن تؤدي إلى الإضراب باستقرار البلاد، أو أن نلغي كل هذه المكتسبات عوض أن نستفيد منها. كما يجب أن نبقى متفردين ونموذجيين في الموقع الجغرافي الذي ننتمي إليه، و لا نسقط بدورنا في بعض المتاهات التي من شأنها أن تؤثر على استقرار بلادنا. ليس هناك مجال للمقارنة مع مصر، فهذه الدولة كانت لها رئيس، لكن بضغط من الشارع المصري تمت تنحيته، فتم تنظيم انتخابات أدت إلى صعود رئيس آخر ينتمي إلى التيار الإسلامي وحصل ما حصل. هذا شأن مصري داخلي، وقد عبرنا عن موقفنا حياله، وعلى الشعب المصري أن يحسن تدبير شؤونه. أما نحن في المغرب فنمتاز بتوفرنا على مؤسسة ملكية لها شرعية ومشروعية لها جذور في أعماق تاريخ المغرب وحضارة المغرب والنسيج الذي كوّن هذا الشعب، وهي مؤسسة لها دور ديني وسياسي، وهناك اعتراف، فيه إجماع، بهذه المؤسسة والدستور يقر ذلك، بمعنى أنها مؤسسة تؤمن للمغرب ألا يسقط في مثل هذه المتاهات. عسى أن يحترم الكل ذلك، وأن نعمل على أن تظل هذه المؤسسة مستمرة فيما تقوم به، وأن تُحترم أيضا المستويات الأخرى، من حكومة وبرلمان وأحزاب سياسية، حتى يتمتع الشعب المغربي بفضاء يتيح له ألا يبحث عن مسالك أخرى إذا تبين له في مرحلة ما أن عليه أن يعبر عن غضبه أو رفضه لتوجه ما. ومن يحاولون مقارنتنا بمصر لا مجال لهم للقيام بهذه المقارنة، وتأكدوا بأن حزب التقدم والاشتراكية من الموقع الذي يوجد فيه، وكيفما كانت محاولة البعض للتغليط، سيكون على رأس المدافعين عن هذا الاستقرار المؤسساتي الذي تلعب فيه الملكية دورا رياديا وأساسيا. - ننتقل الآن إلى القطاع الذي تشرف عليه. في عدد من المناسبات حذرت من التراخيص الاستثنائية، في الوقت الذي تعرف مجموعة من المدن فوضى في منح هذه التراخيص. لمن تحمل هذه المسؤولية؟ من المكتسبات التي حققناها في السنتين الأخيرتين تراجع هذه التراخيص الاستثنائية في كثير من الحالات. لقد أعددنا الوثائق التعميرية الضرورية لجزء كبير من هذه الفضاءات، حتى نخرج من وضعية التراخيص الاستثنائية. التراخيص تمنح لما يكون هناك فراغ على مستوى وثائق التعمير، واستثناء أكثر عندما يوجد مشروع معين خارج النطاق الذي تحكمه الوثيقة التعميرية. ما قلته هو أنه يتعين أن نعمل على إنتاج وضع طبيعي يتميز بتوفر وثائق التعمير في أهم الفضاءات، بدءا بالفضاءات الحضارية الكبيرة، لتفادي ذلك. ففي الدار البيضاء، مثلا، أصدرنا عددا من الوثائق التعميرية خلال السنتين الأخيرتين، وهناك ما هو في طور الصدور. البديهي هو أن يكون الاستثناء فعلا استثناء، وما سقطنا فيه في فترة ما هو أن الاستثناء أصبح قاعدة. - هل السبب في ذلك هو التحايل على القانون، لأن هناك شركات في المغرب تحصل على الأراضي بثمن بخس وتمر عبر الاستثناء لتجاوز مجموعة من المساطر الإدارية، وقد تم تنفيذ مشاريع داخل المدن؟ مشكلتكم أنكم تعالجون أوضاع بلادنا انطلاقا من نظرة سلبية، وكأنها تآمرية. أنتم تأخذون الكلام بشكل معزول، فلا يكفي بالنسبة إلى مسؤول، كيفما كان، أن يتفرج على ما يجري، ويعلق عليه دون أن يكون واعيا تمام الوعي بأنه أصبح في موقع المسؤولية، وبأن عليه أن يجد الحلول، وليس التنديد فقط. الحل الوحيد بالنسبة إلى هذه الظاهرة التي تنامت في السنوات الأخيرة هو أن نحضر وثائق التعمير، وأن يصبح الاستثناء فعلا استثناء. وسأفسر بعض الحالات التي يكون فيها الاستثناء مقبولا وضروريا، فمثلا إذا قررنا إحداث مدينة جديدة أو قطب حضاري جديد بمبادرة من الدولة دون الرجوع إلى كبريات الشركات العقارية، لكن لم هناك عقار يمكن أن نطور فيه هذا المشروع، فإن الدولة تتدخل وتقول إن أفضل مكان لإنجاز ذلك، دون السقوط في السكن العشوائي ومدن الصفيح، هو إحداث قطب حضاري خارج المدار الحضاري. ويمكن في هذا الإطار أن تطالب الدولة بنفسها باعتماد مسطرة الاستثناء، لأن ذلك سيكون في مصلحتها، وهو الاستثناء المعقول في هذه الحالة. - هناك من يربط سحب حقيبة التعمير منكم بالصراع الذي خضته مع رئيس مؤسسة العمران. هل هذا صحيح؟ أنفي هذا الأمر قطعيا، فمؤسسة العمران ما تزال تحت وصاية وزارة السكنى وسياسة المدينة ووصاية رئيس الحكومة. ليس ثمة أي صراع، وكل ما في الأمر أن وزارة السكنى وسياسة المدينة حريصة على أن تلعب هذه المؤسسة الدور الاجتماعي المنوط بها، وأن تساهم في القضاء على مدن الصفيح، والتدخل في الأحياء ناقصة التجهيز. ومنذ أن عينت في هذه الوزارة، وعدة أوساط تسعى إلى فبركة صراع بين وزارتنا وبين مؤسسة العمران. دعوني أشرح لكم خلفيات هذا الكلام: في نهاية ولاية زميلي السابق، الذي كان على رأس الوزارة، حدث تغيير على مستوى مؤسسة العمران، وعين رئيس جديد. آنذاك وقعت بعض الاحتكاكات بين الوزارة والمؤسسة، وقد التحقت بالوزارة في ظل هذا الجو، وسعيت إلى تبديد هذه «السحب» التي كانت تخيم على العلاقات بين الطرفين. من طبيعتي أني لا أشخص الصراع ولا أدخل في سجالات مجانية، وحاليا نشتغل في إطار من التكامل بين الوزارة ومؤسسة العمران، ولا ضير أن تكون هناك تباينات في وجهات النظر، فهي قابلة للنقاش على كل حال. - قلتم في بداية ولايتكم الحكومية إنكم أرسلتم لجان افتحاص مالية. ما مصير تقارير مفتشية وزارة السكنى والتعمير؟ ينبغي أن لا يبتر كلامي من سياقه، فقد صرحت بذلك في ظرفية اتسمت بإطلاق تصريحات مبالغ فيها من طرف وزراء العدالة والتنمية، لا تأخذ بعين الاعتبار الواقع المعقد، إذ كانوا يتحدثون عن الرشوة والفساد والكثير من التلاعبات. بطبيعة الحال كانت وسائل الإعلام تطرح علي أسئلة: وأنتم متى ستفضحون الفساد؟ وقتها كان البحث عن مكامن الفساد هو الموضة، وجوابي كان دائما هو أنني لست ضابط شرطة، بل رجل سياسة جئت إلى الوزارة لأبلور برنامجا سياسيا. وإذا ما وجدت في طريقي ممارسات فاسدة أو تلاعبا بمصالح الناس واغتناء غير مشروع، سأتخذ قرارات صارمة بشأنها، أي أني أفضل المقاربة القائمة على الحكامة التدبيرية في علاقتها بالحاضر والمستقبل. والحال أنه يقال كلام كثير عن مجال السكن والتعمير والوكالات الحضارية، ومقاربتي هي أني لن أفتش في كل هذه الأشياء لأني سأضيع معظم الوقت في التفتيش «وماندير والو»، ولن أتفرغ لمشاكل توفير السكن والأمور المرتبطة بها، فإذا أردنا التشبث بهذا المنطق يتعين علينا أن نعود إلى سنة 1956 وألا نقتصر فقط على سنة أو سنتين. المقاربة الصحيحة في تقديري هي منع هذه الممارسات إن وجدت. والظاهر أن وزراء العدالة والتنمية تعلموا واستنبطوا الدروس وبدؤوا يشتغلون على الملفات الكبرى، وفهموا أن ليس بوسعهم ترجمة تصريحاتهم لأنهم لا يتوفرون على أجهزة للقيام بهذا العمل. أعود قليلا إلى العلاقة بين مؤسسة العمران ووزارة السكنى، فقد أنجزت المفتشية العاملة للمالية تقريرا بخصوص منظومة السكنى والعمران قبل مجيئي إلى الوزارة، اطلعت على مضامينه، وقد عملنا مع مؤسسة العمران والوزارة لإصلاح ما يمكن إصلاحه وتجاوزنا كل هذه المشاكل، ونحن نعمل بشكل طبيعي.