في هذا الحوار يتحدث محمد نبيل بنعبد الله، وزير الإسكان والتعمير وسياسة المدينة، عن رؤيته بخصوص محاربة الفساد داخل وزارته،مؤكدا على أن الخطوات التي أقدم عليها وزراء العدالة والتنمية ليست كافية وناجعة لتحقيق هذا المبتغى. ويطلق الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية النار على حزب الأصالة والمعاصرة، معتبرا تصويته على ميزانية رفيقه في الحزب الحسين الوردي في البرلمان ضحكا على الذقون ومحاولة لتفجير تحالف الأغلبية. ولم يتوان بنعبد الله عن التأكيد على أن تحالف الأغلبية سيبقى صامدا، رغم محاولات جهات معارضة داخل الحقل السياسي تشتيته، شارحا وجهة نظره بخصوص السياسات العامة للحكومة خلال المائة يوم الماضية، ومعتبرا أن عملية الشيطنة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية أدت إلى نتائج عكسية. - أعلنت مؤخرا أنك لن تطارد المفسدين داخل وزارة السكنى ولن تضيع الوقت في البحث عنهم. ألا يعتبر مثل هذا الكلام تراجعا عن التوجه الحكومي الذي عبرت عنه الأغلبية الحالية في التصريح الحكومي؟ كثيرا ما يؤخذ الكلام المعبر عنه من قبل بعض المسؤولين على مستوى وسائل الإعلام بما يمكن أن نعبر عنه بالمثل الشعبي «إما محبوب، إما متروك». أنا لم أعلن أبدا عن ذلك، غير أنني أرى أن هناك مقاربتين لمحاربة الفساد: الأولى أشبه ما تكون ب«سباق المائة متر»، وهي المقاربة التي تبلورت بإطلاق تصريحات رنانة في موضوع محاربة الفساد والرشوة دون أن تكون لذلك تبعات على المستوى الإجرائي. أما الثانية فهي مقاربة «سباق الماراتون»، التي تدرك جيدا أن محاربة الفساد ترتكز على مقاربة عميقة، وتقتضي نفسا طويلا ومعالجة في إطار بلورة ما هو منتظر منا في مجال السياسات العمومية، وهي المقاربة التي أؤمن بها. وبالنسبة إلى مسؤوليتي، بصفتي وزيرا وصيا على القطاع، فقد انكببت في البداية على معالجة قضايا السكن والتعمير وإعداد مضامين سياسة المدينة. وأدرك أنه في ظل بلورة هذه السياسة سنصطدم بصعوبات جمة مرتبطة بالحكامة ومظاهر الفساد والرشوة. حينذاك سأعمل على محاربة تلك الظواهر. أما أن نعتبر أن وزير السكنى مطالب، تماشيا مع الموضة وتصريحات البعض، بأن يضع جانبا الانكباب على دراسة ومعالجة قضايا ملحة من قبيل وضعية السكن بالمغرب والبحث عن الإجراءات الكفيلة بتوفير السكن لفئات واسعة من المغاربة، وتحديد الإشكالات المطروحة في مجال التعمير، وينزوي في مكتبه لدراسة الملفات والحسابات السابقة وما قامت به مؤسسة العمران ومن استفاد من البقع، فلست متفقا مع هذا الرأي. ودعني هنا أتساءل: بِمَ سيفيد مثل هذا الأمر والحال أن المواطنين ينتظرون أشياء ملموسة؟ على أي حال، لا يتعين أن نسقط في نوع من الاستسهال. - لكن مثل هذه التصريحات تبعث برسالة تطمين إلى المفسدين. قلت إنني لم أصرح يوما بأنني لن أطارد أو أتساهل مع الفساد والمفسدين، بل قلت إنه في خضم معالجتي لقضايا السكن والتعمير وإعداد التراب، ستطرح أمامنا مشاكل تتصل بالحكامة والفساد، وحينها سنتخذ كل الإجراءات اللازمة في حق المفسدين، وسننزل بكل الذين سولت لهم أنفسهم خرق القانون أشد العقوبات، وسنبعدهم عن مناصبهم. وأؤكد في هذا الصدد أن حزب التقدم والاشتراكية كرّس حياته لمحاربة الفساد السياسي والديمقراطي والحزبي والاقتصادي.حزبنا أنشئ من أجل بناء مجتمع ديمقراطي. - بيد أنه هناك من يتحدث عن وجود جهات تدفعك إلى فرملة التوجه الجديد لوزراء حزب العدالة والتنمية بغاية فضح مظاهر الفساد والمفسدين. لقد عبرت في العديد من المناسبات عن مطالبتي بمحاربة الفساد والرشوة بكل حزم، غير أنني أخال أن الأمر لا يتم بإطلاق التصريحات وبنشر اللوائح فقط. المسألة أكبر من ذلك بكثير. هي سياسات كبرى وإجراءات وقوانين ومساطر. وفي هذا السياق ما يسجل إلى حدود الآن أن ما يتم القيام به هو مجرد تصريحات ونشر بعض المعطيات دون أن يصاحب ذلك أي إجراء ملموس، ولذلك أقول: حذار من السقوط في هذا الخطأ لأنه في نهاية المطاف، وبعد مرور أشهر أو سنة، ستكون الحكومة الحالية برمتها محط محاسبة من قبل المواطن، وهي ليست حكومة لحزب العدالة والتنمية وحده، فالمواطن سيسائلنا عن الإجراءات التي قمنا بها من أجل محاربة الفساد بعد نشر اللوائح. وفي هذا السياق، لنسق مثالا عن لوائح «الكريمات»، ودعنا نتساءل: هل حذفتم هذه الكريمات؟ هل فرضتم الضرائب على أصحابها؟ بماذا قمتم بالضبط؟..وفيما يرتبط بلائحة الجمعيات، التي تستفيد من الدعم العمومي، والتي كانت موجودة أصلا، كان الأمر كأنه يتعلق بتوجه معين أو ممارسات غير شفافة. - ما الأهداف الحقيقية الثاوية وراء نشر هذه اللوائح، من وجهة نظرك؟ من فضلكم لا تسيروا في اتجاه إحداث تعارضات قوية داخل الأغلبية. أعتقد أن حسن النية هو الذي حذا بوزراء العدالة والتنمية إلى نشر تلك اللوائح رغبة منهم في تكريس الشفافية وممارسة العمل الحكومي بشكل مغاير. لكن في السياسة يتعين أن تحسب الأمور جيدا. إذ حينما تقدم على نقلة في لعبة الشطرنج عليك أن تفكر في كل الخطوات التالية. لا أتصور أن هناك أهدافا معينة من وراء القيام بذلك عدا الرغبة في التعامل بشكل مختلف، وهو نابع من التجربة في ممارسة الشأن العام، فحزب العدالة والتنمية جاء بإرادة قوية للإصلاح، وهذا ما اتفقنا عليه. - لكنك تُتهم بأنك لا تساير وتيرة الإصلاح التي يسير بها وزراء العدالة والتنمية. رجاء لا تحاولوا إدخالنا في هذه المتاهات، التي لا تجدي شيئا. أنا لا أنادي فقط بنشر تلك اللوائح، بل بنشر كل شيء. لكن هذا الأمر لا يكفي، فقبل النشر يجب أن نتفق على الإجراءات التي سنقوم بها لا أن نفكر في استمالة جزء من الرأي العام أو من أجل أن يصفق لهذا أو لذاك أو احتلال أعمدة الصحف. الأهم من كل ذلك، في تقديري، أننا مطالبون بتفعيل إجراءات ملموسة لتطبيق سياستنا، لأنه عندما يحين موعد الحساب لن تنفعنا حينها التصريحات. ودعني هنا أورد مثالا بحكومة عبد الرحمان اليوسفي التي لا يمكن لأحد أن ينكر ما حققته. إذ رأينا كيف أن الشعب طلق تلك الحكومة لأن سقف انتظاراته كان كبيرا، وهذا ما نخشى أن يحدث للحكومة الحالية. - نفهم من كلامك أن هاجس فشل التجربة الحكومية التي يقودها الحزب الإسلامي يؤرقك؟ بطبيعة الحال، فحذار أن تنقلب الآية علينا. علينا أن نشتغل في العمق، ونسعى إلى تحقيق النتائج في الميدان. وفي هذا السياق، لنفترض أنني خرجت إلى وسائل الإعلام وقلت إن قطاع السكنى مملوء بالفساد والرشوة، ألن أتسبب في إحداث قطيعة حقيقية مع كل الذين يشتغلون معي أولا. وثانيا، هل بإمكاني في لحظة وجيزة أن أحدث تغييرا فيما يجري في رخص البناء والتعامل مع السماسرة وبيع بقع الأرض، وأعالج كل تلك المعضلات بين عشية وضحاها؟ أدرك أشد الإدراك وجود مظاهر الرشوة والفساد في قطاع السكنى، لكن المنتظر مني هو سد الخصاص الحاصل في السكن، وبلورة تصور شامل حول المشاكل التي يعاني منها القطاع. وهذا ما قدمته أمام أنظار رئيس الحكومة، فيما أفردت المحور الخامس من ذلك التصور للحديث عن الحكامة والشفافية في تدبير القطاع. وهو محور واحد فقط من سلسلة محاور أخرى. أعتقد أنه يجب الابتعاد عن إيجاد تعارضات كبرى على هذا المستوى، ونحن متفاهمون، واتفقنا على عدم السقوط في تشويه مواقفنا من أي جهة كانت، سواء المعارضة أو وسائل الإعلام. وربما هناك جهات في مصلحتها أن يحدث التعارض داخل مكونات الأغلبية. - لكن هذا التعارض أثارته مبادرات لوزراء من الأغلبية دفعتك إلى اعتبار نشر لوائح دعم الجمعيات من لدن وزيرة التضامن الحالية إساءة إلى نزهة الصقلي. ونفس الأمر أيضا بالنسبة إلى حزب الاستقلال الذي اعتبر النبش في ملفات الفساد في وزارة الصحة من قبل وزير تقدمي تصفية حسابات معه. هذه فقط حساسيات سياسية لا أقل ولا أكثر، يتعين علينا أن نعالجها ونأخذها بعين الاعتبار. شخصيا، أؤكد أنه ليس بمقدور هذه الحكومة أو حزب التقدم والاشتراكية أن يتستر على أي تدبير فاسد اتسم بالاختلاس أو الزبونية أو الاستعمال غير القانوني للأموال العمومية. بيد أنه كثيرا ما تطرح الأمور على أساس اختلاف في تدبير الأولويات، وهذا ما يجعلنا نكون حذرين من مغبة السقوط في تسرع يؤدي بنا إلى القول بأن وراء هذا التدبير المختلف دوافع فاسدة. أما فيما يخص نشر لوائح وزارة الأسرة والتضامن، فهذه مسألة ليست جديدة، فاللوائح كانت منشورة، لكن جزءا من المنابر الإعلامية قدمها للرأي العام كأن الأمر حدث لأول مرة، مع العلم أنها كانت منشورة سلفا في الموقع الالكتروني للوزارة. الآن، وفي استغلال لهذه المعطيات، هناك من يتحدث عن استفادة جمعيات دون أخرى في مقاربة سياسوية محضة. وحتى أكون واضحا معكم، ثمة في قائمة الجمعيات المستفيدة جمعيات قريبة من العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي والاستقلال و«البام»، فضلا عن جمعيات مستقلة ومن أوساط مختلفة. لكن الأمر المثير في قصة نشر اللوائح أن البعض ادعى أن حصة الأسد كانت تذهب إلى جهة معينة على حساب أخرى، بل ذهب آخرون بعيدا حينما قالوا إن الدعم يستفاد منه بشكل شخصي، وهذا أمر خطير جدا. في هذا الصدد، لا أتهم بسيمة حقاوي ولا أقول إنها كانت تفكر بهذه الطريقة، غير أنه يتعين حين الإقدام على أي مبادرة التفكير في العواقب التي قد تنتج عنها. - هل تقصد بكلامك أن الخطوات التي قام بها وزراء العدالة والتنمية هي إجراءات لوزراء مبتدئين؟ ما يربطنا بالعدالة والتنمية، اليوم، هو البرنامج الحكومي وميثاق الأغلبية. وأخال أنه من الطبيعي أن يكون هناك عدم ضبط للأمور وفق ما يتعين أن تدبر به، بالنظر إلى مسار الحزب، الذي بقي في مقعد المعارضة طويلا، وتربى عدد من أعضائه في ظل السرية. وهو أمر ندركه جيدا لأننا مررنا بنفس الفترة. كما أنه وصل إلى تدبير الشأن العام بعدما تعرض له من شيطنة من طرف الجميع في فترة معينة، وتحقيقه فوزا كاسحا بعد الحراك الاجتماعي والسياسي والإصلاح الدستوري الذي عرفه المغرب. لكن ثقتي كاملة في عودة الأمور إلى نصابها في القريب العاجل، والدليل على ذلك أن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي نثق فيه ثقة كاملة، يقوم باستمرار بواجبه للحفاظ على تماسك الأغلبية، ولإثارة الانتباه إلى أن بعض التصريحات لا تفيد في شيء، وقد أكد على ذلك في استجوابات متعددة وداخل المجلس الحكومي. وعلى هذا الأساس، لا يمكن أن نعتبر أن هناك تعارضا بين بنكيران ووزرائه لأن الأمر يتعلق بدعوة إلى التفكير في العمل بشكل جماعي. في نفس السياق، لا أطالب وزراء العدالة والتنمية بالتخلي عن حيويتهم وجرأتهم وتطلعهم وطموحهم للإصلاح، فحزبنا تحالف معهم على هذا الأساس. بيد ما أريده هو أن نسير معا في نفس الاتجاه بحثا عن الطرق القمينة بضمان الإصلاح. وربما هناك من يسعى إلى تفجير هذا التحالف أو أنه لا يفكر في واقع بلادنا أو لا يأخذ بعين الاعتبار أننا استطعنا التحكم في مرحلة حساسة بسبب مبادرة ملكية جريئة. - ما هي هذه الجهات التي تريد تفجير أغلبيتكم، هل تقصد هنا حزب الأصالة والمعاصرة؟ هي جهات معارضة في الحقل السياسي لها تأثيرها في المجتمع المدني ووسائل الإعلام. فالتصويت الأخير على قانون المالية وتصويت البعض بالإجماع على ميزانية بعينها لم يكن قطعا حبا في الحسين الوردي وزير الصحة- «حنا ماكنرضعوش صباعنا»- وإنما كان الهدف منه تعميق الخلافات التي ظهرت بيننا وبين حزب الاستقلال. لكننا لن نسقط في الفخ، وسنسعى إلى إنجاح هذه التجربة على مختلف المستويات. هذه هي رسالتي إلى تلك الجهات. أما بالنسبة إلى أولئك الذين يدّعون بأن حزبنا التزم الصمت بعد انضمامه إلى الأغلبية الحكومية فأقول لهم: هل نسيتم أنني كنت أول من كان ضد معالجة بعض الأمور بطريقة معينة؟ وهل تنتظرون منا أن ندخل في حرب التصريحات والتصريحات المضادة؟ نحن بصدد تدبير الشأن الحكومي وليس بصدد تدبير التصريحات. هناك من لديه مصلحة في تعميق مثل هذه الخلافات.إذ عندما ننظر إلى القرارات التي اتخذتها الأغلبية الحكومية ننطلق من ميثاق الأغلبية، باعتباره قرارا مؤسسا، وبعد ذلك التصريح الحكومي، حيث لم تجد تلك الجهات ما تنتقده، سواء في القرار الأول أو في القرار الثاني. إثر ذلك تمت بلورة هذه القرارات من خلال اعتماد قانون للمالية لم يسمح لنفس الجهات بإيجاد ثغرات لانتقاده. وقانون المالية يعبر عن مشروع مجتمعي، وهو لا يتضمن إجراءات نكوصية أو محافظة أو تعاكس التحولات التي نبتغيها أو تضرب في صميم المشروع التقدمي الديمقراطي لحزبنا. وبالنسبة إلى القوانين والمشاريع التي صوتنا عليها، لم تكن مخالفة لمضامين ميثاق الأغلبية ولا تتعارض مطلقا مع مبادئ حزبنا باستثناء خلاف بسيط حول دفاتر التحملات بالنسبة إلى قنوات الإعلام العمومي، بمنأى عن التصريحات التي تصدر من هنا وهناك مادامت لن تؤدي إلى تبني القرارات. ولنكن واضحين، إذا كانت هناك في المستقبل إجراءات قانونية تمس في الصميم السياحة المغربية أو تمس الحريات سننسحب من الحكومة، لكنني، بالمقابل، لن أتصرف بناء على تصريح وزير لأنه لا يتوفر على قوة التفعيل. بعض الأوساط التي تؤاخذنا على صمتنا يمكنها أن تحاسبنا على هذا المستوى وليس على مستوى التصريحات. ومن هنا أتساءل: هل هناك قرار حكومي رسمي يقضي بمنع المهرجانات أو إغلاق الفنادق بمراكش؟ طبعا لا. من البديهي أن تظهر بعض الاضطرابات في البداية بين مكونات الأغلبية، لكننا قررنا أن نلتقي في الأيام المقبلة في إطار حكومي- بطلب مني شخصيا- سيخصص لمناقشة ما يخرج إلى الصحافة وللجهات التي تتربص بنا، «ونكادو لوتار باش نعرفو أش كانديرو». إذ حين تصير وزيرا «ماكتوليش ديال راسك»، إذ يتم تأويل تصريحاتك وإعطاؤها أبعادا أخرى. وعلى هذا الأساس، يجب التقيد بواجب التحفظ. وهنا أسوق مثالا بوزير الصحة، الحسين الوردي، الذي له دراية كبيرة بما يجري في قطاعه. صحيح أنه لن يسمح لنفسه بالتغطية على الفساد الموجود في القطاع، لكن عليه أن يفكر في المستقبل. يجب أن أؤكد أن عمل الأغلبية لم تتخلله أي مزايدة سياسية أو شيء من هذا القبيل، وحتى اجتماعات المجلس الحكومي لم تشهد يوما صراعات أو مناوشات، ورئيس الحكومة يقوم بدوره التوجيهي، ويظل ممسكا بالعصا من الوسط دائما. لذلك نحن نسانده بهدف إنجاح العمل الحكومي. - تحدثت عن وجود جهات تريد تفجير أغلبيتكم الحكومية. نريد أن نعرف ما إذا كانت هناك جهات من المحيط الملكي تستهدف الحكومة الحالية. إلى حدود الآن لم تصلنا أي إشارات من هذا القبيل، والحكومة تحظى بدعم صاحب الجلالة، ورئيس الحكومة يؤكد باستمرار هذا الأمر، ولم تطرح أي مشاكل في تدبير العلاقة بين الهيئة الاستشارية لصاحب الجلالة والحكومة. - وكيف هي علاقتك بمستشار الملك فؤاد عالي الهمة، الذي كانت لك معه حروب حين كان قياديا في حزب الأصالة والمعاصرة؟ ليست هناك إلى حدود اللحظة مناسبات لتدبير قضية معينة بشكل مشترك. وبالنسبة إلي أحرص أن تكون علاقاتي طيبة مع الجميع، فلست من الذين يحبون خلط المسائل السياسية بالشخصية. ولذلك، أنا على استعداد تام لتكون علاقتي بفؤاد عالي الهمة وباقي مستشاري الملك طيبة شخصيا وسياسيا. - اتهمت المعارضة حكومتكم بأنها تتخفى وراء الملك لتبرير عدم قدرتها على الاضطلاع بالصلاحيات التي خولها لها الدستور، مستدلة على ذلك بالقانون المتعلق بتعيين مدراء المؤسسات الاستراتيجية، حيث تنازل رئيس الحكومة عن مؤسسات حساسة لصالح الملك. ما هو رأيك؟ هذا مجرد تأويل. على أي حال كان بالإمكان أن تكون هناك تعيينات أخرى تدخل في الاختصاص المباشر لرئيس الحكومة. التقدير الذي انطلقنا منه في حكومتنا مفاده أن بلادنا عرفت تغييرا جذريا، بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور الجديد من صلاحيات كبيرة لرئيس الحكومة، حيث هناك ما يتجاوز ألف منصب يعينها رئيس الحكومة. ونعد هذا تحولا كبيرا. وربما هناك بعض الأوساط بالمغرب تطالب بأن تكون التعيينات بكاملها من اختصاصات الحكومة. - لكن تنازلكم عن بعض المناصب الحساسة في الدولة يعيدنا إلى دستور 1996. قطعا لا. إذ بالنسبة إلى عدد من الوظائف السامية الهامة تظل من اختصاص الملك في إطار مسلسل جديد لم يكن قائما من قبل، أي أن تأتي المبادرة من الوزير المعني. هذا فيما يخص جزءا من هذه التعيينات، أما الجزء الآخر فهو من الاختصاص المباشر للملك، فيما يرتبط بالحقل الديني والعسكري، وهذه أمور لم ينازع فيها أحد. وقد احترمت مسطرة التعيين أثناء تعيين بوشعيب الرميل مديرا للأمن الوطني، حيث قدم رئيس الحكومة الاسم إلى الملك وصودق عليه في المجلس الوزاري. ومن المعلوم أنه لم يكن يتم الأمر على هذا النحو في الدستور القديم، بل هناك العديد من المسؤوليات الكبيرة التي يمارسها رئيس الحكومة بشكل مباشر. أعتقد أننا لسنا في وضعية دستور 1996، التي كان يتم بها التعيين في كل شيء من طرف صاحب الجلالة. ربما كان بالإمكان أن تظل بعض المؤسسات الأخرى التي ليس لها بعد استراتيجي في يد رئيس الحكومة، لكن الدستور الجديد متقدم كثيرا عن دستور 1996.