ثمة زوايا متعددة، يمكن من خلالها تقييم السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، إذ يمكن قياس نجاحها أو إخفاقها إلى الرؤية الأمريكية المعلنة في عهد إدارة أوباما، ويمكن تقييمها بناء على تقدير صناع القرار الأمريكي لآثارها على المصالح الأمريكية، ويمكن تقييمها بالقياس إلى الدور الأمريكي المحوري في المنطقة، ويمكن في الأخير تقييمه بناء على تقدير آثار خياراتها الاستراتيجية على مستقبل تحالفاتها وبالتالي مصالحها في المنطقة. من الزاوية الأولى، يمكن أن نتقاسم مع بعض صناع القرار السياسي الأمريكي ومستودعات التفكير الأمريكية، الانتقادات التي تؤكد تراجع الدور الأمريكي في العالم، وفشل أمريكا في مختلف الملفات(تصحيح صورتها أمام العالم العربي والإسلامي، التقدم في مسار تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، دعم التحولات الديمقراطية في العالم العربي، مكافحة الإرهاب، إدارة التفاوض مع إيران، الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في المنطقة..). أما من الزاوية الثانية، فهناك حالة من عدم الثقة في فعالية هذه السياسة وقدرتها على تحصين المصالح الأمريكية في المنطقة، فثمة، من يجادل في صوابية الانعطاف الاستراتيجي الأمريكي لجهة إيران على حساب علاقاتها التقليدية مع دول الخليج ودول ما كان يعرف بمحور الاعتدال، ويستدل بتحول الموقف الأمريكي في سوريا، ويعتبر ذلك عنوانا لتقدم الدور الروسي والإيراني في المنطقة. ويكفي في هذا الصدد أن نسوق انتقادات السناتور "ليندسي غراهام"، الذي وصف سياسة أوباما الخارجية على أنها تقوم بتسليم سوريا إلى روسياوإيران! أما من الزاوية الثالثة، فقد تراجع دور الولاياتالمتحدةالأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وفي العراق بسبب تغول الدور الإيراني، والذي وصل حد تهديد الأمن القومي الخليجي من خلال استهداف اليمن عبر استخدامها للحوثيين، وتراجع دورها في مكافحة الإرهاب، إذ تضخم دور تنظيم الدولة، وصارت له تداعيات إقليمية خطيرة، حيث ضربت هجماته العمق الأوربي أكثر من مرة (فرنسا مرتين، ثم بلجيكا..) وضعف الدور الأمريكي في سوريا بعد أن أنتج خصومها واقعا جعلوها تختار فيه بين الأسد وبين "داعش"، فكانت النتيجة هي امتلاك روسيا لزمام المبادرة في سوريا باسم محاربة الإرهاب. أما من الزاوية الرابعة، أي تقييم هذه السياسة بناء على تقدير آثار خياراتها الاستراتيجية على مستقبل تحالفاتها ومصالحها في المنطقة، فيبدو أنها لم تنتبه إلى كلفة الانعطافة نحو إيران على حساب دول الخليج، خصوصا بعد أزمة علاقتها مع السعودية ومصر، وبعد المواقف الأمريكية الأخيرة التي مسّت المغرب في قضيته الوطنية وصورته الحقوقية. إذ بدا وكأن هناك أجندة جديدة تتجاوز مبادئ الشراكة الاستراتيجية المعلنة بين البلدين. خلاصة الموقف، أن السياسة الأمريكية التي بدأت بعنوان تصحيح الصورة في العالم العربي، انتهت إلى تكريس نفاق هذه السياسة وازدواجيتها في التعامل مع حلفائها في المنطقة، كما أن سياستها لدعم التحولات الديمقراطية في العالم العربي، انتهت في إلى حالة فوضى وعدم استقرارباستثناء الحالة المغربية والتونسية. والنتيجة من فقدان الحلفاء، وتشجيع حالة اللاستقرار، هو التهديد الحقيقي للمصالح الأمريكية في المنطقة، إذ يمكن لحلفائها الذين تخلت عنهم، أن يتجهوا مستقبلا إلى دبلوماسية تنويع الشركاء بما يضعف الدور الأمريكي، وهذا ما قامت به السعودية والمغرب، بل يمكن أن يتجه تفكيرهم إلى لعب أدوار إقليمية مزعجة لأمريكا وللأمن الإسرائيلي، تماما كما كانت تفعل إيران من قبل، حتى تضغط على أمريكا للتفكير في مراجعة سياساتها وإضفاء نوع من الوضوح في التزاماتها في شراكتها الاستراتيجية معهم.