يوم السبت 2 أبريل 2016 أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني أن وزراء الخارجية بدول المجلس سيعقدون اجتماعا مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في البحرين يوم الخميس 7 أبريل للتحضير للقمة الخليجية الأمريكية التي ستعقد في الرياض في 21 أبريل في إطار الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين. وقال الزياني في بيان له "إن الاجتماع سيبحث نتائج مجموعات العمل المشكلة بناء على نتائج قمة كامب ديفيد في مايو 2015 لتدارس تعزيز العلاقات الخليجية الأمريكية في مختلف المجالات السياسية والدفاعية والأمنية والاقتصادية، وكذلك تطورات الأوضاع في المنطقة والجهود التي تبذل لتسوية الصراعات الدائرة في سوريا واليمن والعراق وليبيا ومكافحة الإرهاب بتنظيماته كافة بالإضافة الى القضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك". وكان المكتب الصحفي بالبيت الأبيض قد ذكر في السادس عشر من شهر مارس 2016 أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيزور السعودية في أبريل. وأوضح المكتب، في بيان، أن أوباما سيصل إلى السعودية في21 أبريل، لإجراء مباحثات مع الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والمشاركة في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربي. وأشار البيت الأبيض إلى أن هذه القمة ستتناول سبل تقوية التعاون بين واشنطن ومجلس التعاون لدول الخليج العربي في مجال الأمن، حيث سيناقش أوباما وقادة البحرين وقطر والكويت وعمان والإمارات والسعودية "خطوات إضافية رامية إلى تشديد الضغط" على تنظيم "داعش"، وكذلك تسوية النزاعات الإقليمية وتخفيف حدة التوتر الإقليمي والطائفي. البلاغان الصادران في الرياض وواشنطن لم يشيرا إلى أن القمة القادمة ستدرس سبل تسوية حالة التوتر التي تسود علاقات دول مجلس التعاون بدرجات مختلفة من الحدة مع واشنطن، غير أن المحللين ومراكز الرصد أكدوا أن تسوية الخلافات أو ما تسميه بعض الأوساط حالة عدم الفهم المتبادلة، لها الأولوية، مشيرين في نفس الوقت أن مسألة التوتر في العلاقات ليست جديدة فمنذ سنوات تظهر من حين لآخر ما يسمونه بوادر أزمة لا تلبث بعدها أن تسود أجواء التراضي والإتفاق تماما كما حدث بعد قمة كامب ديفيد الخليجية الأمريكية في مايو 2015. ويكاد أغلب الملاحظين يؤكدون أن السبب الرئيسي للتوتر الحالي خاصة بين السعودية والولاياتالمتحدة هو الشعور أن البيت الأبيض بصدد تغيير تحالفاته في منطقة الخليج العربي بالعودة إلى جعل إيران شرطي الغرب في المنطقة والسماح لطهران بفرض هيمنتها على دول الجوار. فئة من المحللين تقول أن القمة الأمريكية الخليجية ما كانت لتعقد لو لم يكن قد تم الإتفاق مسبقا على أغلب المواضيع المطروحة، ربما بقيت بعض النقط التي ستتم تسويتها لاحقا، فهذا هو الوضع السائد أو المتعارف عليه في غالبية مؤتمرات القمة. منعطفات حادة في العلاقات السعودية الأمريكية كتبت صحيفة نيويورك تايمز في الثلث الأخير من شهر مارس 2016 : من النادر بالنسبة إلى أي رئيس أمريكي أن يقوم بانتقاد حكومة صديقة في العلن. ولكن هذا ما فعله الرئيس أوباما منتصف مارس في عرض مدروس جيدا لتحليل مشاكل علاقته مع المملكة العربية السعودية. وقد اعتبر أوباما أن السعودية وبعض الدول السنية الأخرى هي حكومات قمعية تتبنى تفسيرات صارمة للإسلام يسهم في زيادة التطرف، وذلك في مناقشة حادة ومطولة مع الصحفي "جيفري غولدبرغ" في صحيفة "ذا أتلانتيك"، ووصف أوباما حلفاءه السعوديين بأنهم "راكبون بالمجان" وأنهم ينتظرون من الولاياتالمتحدة خوض المعارك نيابة عنهم وهم يرغبون من استخدام العضلات الأمريكية من أجل خدمة مصالحهم الخاصة وسردياتهم الطائفية. وقال أوباما، الذي اتهم السعودية وحكومات عربية سنية أخرى بتشجيع التشدد المناهض للولايات المتحدة، إلى "غولدبرغ" أن السعوديين يجب عليهم أن يبذلوا جهدا أكبر للتشارك في المنطقة والوصول إلى نوع من السلام البارد مع أعدائهم في إيران. محللون أشاروا إلى أن الرئيس الأمريكي فاجأ العالم بالحوار الذي أجراه مع المجلة الأمريكية "ذا أتلانتيك" والذي استغرق اعداده مع المحرر أكثر من شهر، وقد بدا فيه الرئيس الأمريكي وكأنه يعلن تصفية أعماله في البيت الأبيض قبل تسعة أشهر من نهاية رئاسته، فبطريقة غريبة هاجم أوباما السعودية والرئيس التركي أردوغان ورئيس وزراء بريطانيا ورئيس وزراء فرنسا السابق ساركوزي وغيرهم". البعض قال أنه "يبدو أن أوباما يشوق الناس من اليوم للكتاب الذي سيصدره بعد نهاية رئاسته، ليفك لغز أقواله وليحصل على ملايين الدولارات من المبيعات". الرد السعودي جاء سريعا وقويا. حيث قام الأمير "تركي الفيصل" رئيس جهاز الاستخبارات السعودية الأسبق بكتابة مقال جادل خلاله بأن أوباما يبدو أنه لا يقدر ما تقدمه له الحكومة السعودية بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية في مجال مكافحة الإرهاب. وذكر الفيصل في مقاله الذي نشر في عدة صحف ومواقع أن الرياض تحارب العقائد المتطرفة التي تسعى لاختطاف الدين الإسلامي، مذكرًا أوباما بأن السعودية هي الممول الوحيد لمركز مكافحة الإرهاب في الأممالمتحدة. وأكد تركي الفيصل، أن بلاده تشترى السندات الحكومية الأمريكية ذات الفوائد المنخفضة والتي تدعم إقتصاد أمريكا، وتبعث آلاف الطلبة إلى الجامعات الأمريكية وبتكلفة عالية، كما تستضيف المملكة أكثر من 30 ألف مواطن أمريكي وبأجور مرتفعة. وتساءل الفيصل عن سبب هجوم أوباما على السعودية قائلا هل هذا نابع من استيائك من دعم المملكة للشعب المصري، الذي هب ضد حكومة الإخوان المسلمين التي دعمتها أنت؟، أم هو نابع من ضربة ملكنا الراحل عبدالله رحمه الله، على الطاولة في لقائكما الأخير، حيث قال لك: لا خطوط حمراء منك مرة أخرى يا فخامة الرئيس"، أم أنك انحرفت بالهوى إلى القيادة الإيرانية، إلى حد أنك تساوى بين صداقة السعودية المستمرة لثمانين عاما مع أمريكا، وقيادة إيرانية مستمرة في وصف أمريكا بالعدو الأكبر والشيطان الأكبر، والتي تسلح وتمول وتؤيد الميلشيات الطائفية فى العالمين العربي والإسلامي. واختتم الأمير تركى الفيصل مقاله "نحن لسنا من أشرت إليهم بأنهم يمتطون ظهور الآخرين لنيل مقاصدهم، نحن نقود في المقدمة ونقبل أخطاءنا ونصححها، وسنستمر في اعتبار الشعب الأمريكي حليفنا، يا سيد أوباما هذا نحن". مصادر سعودية أخرى ذكرت إدارة البيت الأبيض بأن السعودية تعتبر أفضل زبون للمصانع الأمريكية خاصة في مجال التسلح. هل يمكن الاستغناء عن واشنطن قبل الأزمة التي صعدتها تصريحات أوباما في مارس 2016 وبحوالي ثمانية أشهر وبتاريخ 16 يوليو 2015 جاء في تحليل لوكالة فرانس برس عن أزمة أخرى: دخلت العلاقات الأمريكية السعودية منعرجا حادا قد يغير من مجراها في السنوات المقبلة بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني. ويرى عدد من المراقبين أن الرياض ستكون مجبرة مستقبلا على تنويع حلفائها. ساد جمود جليدي في الرياض عند الإعلان عن الاتفاق النووي الإيراني، واكتفت السعودية بالترحيب ببند في الاتفاق يبقي عقوبة حظر التسلح على طهران لمدة خمس سنوات دون أي إشارة أخرى إلى المضامين الأساسية في الاتفاق والقاضية بتعطيل أي إمكانية لامتلاك إيران للقنبلة الذرية. وجاء تعليق السعودية على الاتفاق في شكل بيان مقتضب في وقت متأخر من يوم الثلاثاء 14 يوليو، أوضحت فيه أنها تدعم أي اتفاق يمنع طهران من امتلاك قنبلة ذرية، وشددت على الحاجة لعمليات تفتيش صارمة وإمكانية إعادة فرض العقوبات. وقد تشكلت صورة جيدة عن مستوى الاستياء السعودي من التقارب الأمريكي الإيراني، إذ نقلت وكالة رويترز عن صحيفة "ديلي ستار" اللبنانية أن الأمير بندر بن سلطان، الرئيس السابق للمخابرات السعودية وسفير المملكة السابق في الولاياتالمتحدة، اعتبر أن الاتفاق النووي سيتيح لطهران امتلاك قنبلة ذرية وسيجعلها "تعيث فسادا في الشرق الأوسط الذي يعيش بالفعل أجواء كارثية أصبحت إيران فيها لاعبا رئيسيا في زعزعة استقرار المنطقة". وأوضح بندر بن سلطان منتقدا الاتفاق أن "التحليل الإستراتيجي للسياسة الخارجية ومعلومات المخابرات الوطنية ومخابرات حلفاء أمريكا في المنطقة لا تتوقع نفس نتيجة الاتفاق النووي مع كوريا الشمالية وحسب بل ما هو أسوأ"، في إشارة إلى نجاح بيانغ يونغ في تطوير قنبلة ذرية. من جهته، اعتبر المختص في الشأن الإيراني حسن راضي ، في تصريح لفرانس 24، أن الاتفاق النووي الإيراني "تضررت منه العلاقات السعودية الأمريكية كثيرا"، وأضاف أن الاتفاق جاء "على حساب المنطقة والسعودية بشكل خاص". ويرى راضي أن الاتفاق هو بمثابة "ضوء أخضر لتحركات إيران بالمنطقة"، وأضاف أنه "أنهى توتر العلاقات الإيرانية الأمريكية لكنه زاد من توتر العلاقات السعودية الإيرانية". وكان الرد السعودي على التقارب الإيراني الأمريكي مبكرا، وفقا لمحدثنا، عندما دخلت الرياض في صفقات اقتصادية مع روسياوفرنسا، وكان هذا الرد، في رأيه، "رسالة من السعودية إلى الولاياتالمتحدة" على كون التوجه الدبلوماسي للرياضي يمهد لانطلاقة جديدة. وينفي راضي صرف الرياض نظرها عن حليفتها التقليدية واشنطن، موضحا أنه "لا يمكن لأي دولة الاستغناء عن الولاياتالمتحدة ومن الحكمة ألا تخسر دول الخليج تحالفها مع الولاياتالمتحدة"، إلا أنه يؤكد في الوقت نفسه أن السعودية وجميع بلدان الخليج "أصبحت مجبرة على تنويع حلفائها". الثقة أصبحت معدومة كتب المحلل والصحفي عبد الباري عطوان يوم 17 مارس 2016: "العلاقات السعودية الامريكية تعيش "ازمة حادة" تهدد ب"ضمور" تحالف تاريخي امتد لأكثر من ثمانين عاما، انعكست في مقابلة مليئة بالألغام ادلى بها الرئيس الامريكي باراك اوباما الى مجلة "اتلانتيك"، ورد عليها الامير تركي الفيصل "وزير خارجية الظل" بمقالة غير مسبوقة، اتسمت بالغضب والشراسة، وتجاوزت الاعراف السياسية والدبلوماسية، وخرجت عن التقاليد الرسمية السعودية المتبعة لعقود في مثل هذه الظروف، مما يعني بكل بساطة ان امريكا تغيرت، والسعودية تغيرت ايضا، فمن الكاسب ومن الخاسر من هذا التغيير؟ الرئيس اوباما سيحاول "ترميم" هذه العلاقة المتوترة، اثناء زيارته للرياض، ولكن من المؤكد ان مهمته هذه لن تكون سهلة، ان لم تكن مستحيلة النجاح، تماما مثل مثيلتها قبل عام التي جاءت بعد الصدمة السعودية من جراء الكشف عن مفاوضات ومن ثم الاتفاق النووي الامريكي الايراني، فالثقة باتت شبه معدومة، ولوح سميك من زجاج العلاقات انكسر. اذا تأملنا النقاط الرئيسية التي جاءت في مقالة الامير تركي الفيصل، لتحسس مواقع الغضب، او بالأحرى، مواطن الجرح السعودي "النازف" من تصريحات الرئيس اوباما، نجد ان اتهامه للسعودية، والدول العربية الخليجية الاخرى "بنشر الكراهية الطائفية، وبشكل مباشر ودون مواربة، ومحاولة جر الولاياتالمتحدة لخوض حروبا اقليمية نيابة عنهم،" هو اكثر ما اوجع صانع القرار السعودي على وجه الخصوص، وضرب مثل نشر السعودية للمذهب الوهابي في اندونيسيا، عبر اعداد كبيرة من الائمة والمدارس وبناء المساجد، ولان الرئيس الامريكي "برأ الخصم" الايراني من هذه التهمة، فالاتهام بنشر التطرف و"الارهاب"، ومن اعلى مسؤول غربي، ربما تترتب عليه تبعات قانونية مرعبة ومكلفة لاحقا. لهذا جاءت مقالة الامير الفيصل ردا على هذه التهمة وتفنيدها، حيث قال في فقرتها الاولى "نحن لسنا من يمتطي ظهور الآخرين لنبلغ مقاصدنا، نحن من شاركك معلوماتنا التي منعت هجمات ارهابية قاتلة على امريكا.. نحن المبادرون الى عقد الاجتماعات التي ادت الى تكوين التحالف الذي يقاتل فاحش"، اي "الدولة الاسلامية". واضاف "نحن من يحارب العقائد المتطرفة التي تسعى لاختطاف ديننا وعلى كل الجبهات، نحن الممولون الوحيدون لمركز مكافحة الارهاب في الاممالمتحدة"، وتابع "نحن من يشتري السندات الحكومية الامريكية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم بلادك". الغضب السعودي مفهوم ومبرر، ولكننا لا نعتقد انه سيغير استراتيجية امريكية خارجية جديدة، الرئيس الامريكي ليس من وضع خطوطها العريضة، وانما "المؤسسة" الامريكية الحاكمة التي لا تتغير مع تغير الرؤساء، وابرز معالمها انه ليس من مصلحة الولاياتالمتحدة مواصلة سياساتها القديمة في تقديم الدعم والحماية الكاملين للمملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين. فعندما يقول الرئيس اوباما في المقابلة نفسها انه "يفتخر" بقراره بعدم ارسال طائراته لقصف "سوريا الاسد" في 30 اغسطس عام 2013، بسبب اختراقها لخطوطه الحمر، واستخدامها اسلحة كيماوية ضد معارضيها، فان هذا يؤكد اول تطبيق عملي لهذه السياسة الجديدة في عدم خوض حروب لتغيير انظمة عربية، على غرار ما حدث في كل من ليبيا والعراق، واعاد جون كيري وزير الخارجية التأكيد على هذه السياسة عندما قال مستهجنا سؤالا استفزازيا لاحد النشطاء السوريين على هامش اجتماع حول اعادة اعمار سوريا في لندن "هل تريدني ان اخوض حربا مع الروس من اجلكم". ما نعرفه جيدا ان حلفاء امريكا في الشرق الاوسط، مثل تركيا والسعودية ودول الخليج، كانت واثقة ان الادارة الامريكية لن تتردد في التدخل عسكريا للاطاحة بالنظام السوري، ولكنها لم تكن تعلم ان الحليف الامريكي بات اكثر حذرا، واستوعب جيدا دروس تدخلاته السابقة في العراق وافغانستان وليبيا، حتى ان الرئيس اوباما ابدى ندمه علنا على التدخل في الاخيرة، ووجه نقدا قاسيا لكل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، واتهمهما بالفشل وسوء التقدير، وربما لهذا السبب سيتوقف في لندن في طريقه الى الرياض، لتطييب خاطر الاخير، ودعمه وموقفه في الاستفتاء حول مستقبل عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي الذي سيجري بعد اسبوع من الزيارة. هناك تحليلات وتقارير اخبارية تفيد بان الحكومة السعودية ترى ان اوباما انتهى، وتراهن على فوز حلفائها الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل لإعادة التحالف مع امريكا الى قوته، ولكن هذا الرهان، اذا وجد فعلا محفوف بالمخاطر، لأننا لا نعتقد ان دونالد ترامب المرشح الجمهوري الاوفر حظا، والمجاهر بعدائه للمسلمين، سيكون مختلفا في سياساته ومواقفه عن الرئيس اوباما. قد يجادل البعض بأن القيادة السعودية، ومثلما قال الامير الفيصل، باتت تعتمد على نفسها، ولم تعد تراهن على احد، وهذا ما يفسر "عاصفة الحزم" في اليمن، ومناورات "رعد الشمال" التي شاركت فيها حوالي 20 دولة كأول خطوة عملية للتحالف الاسلامي الذي شكلته المملكة ليكون "ناتو" اسلاميا، ولكن بالنظر الحالي الى اوضاع الدول الرئيسية في هذا "الحلف" والازمات الامنية والاقتصادية التي تواجهها، ونضرب مثلا بكل من تركيا تفجيرات انقرة، ومصر ازمة اقتصادية طاحنة وانهيار في العملية الوطنية، والسعودية حرب في اليمن تدخل عامها الثاني دون حسم، فان الصورة لا تبدو وردية على الاطلاق، وهذا لا يعني ان وضع معسكر "الخصم" الايراني اقل سوءا، وهذا موضوع آخر. امريكا، باختصار شديد، تعبت من حلفائها العرب وحروبهم، وباتت تبحث عن مصالحها في اماكن اخرى "اقل صداعا"، مثل افريقيا وجنوب شرق آسيا، ولعل ادارة الظهر هذه تكون نقطة تحول رئيسية تصب في مصلحة شعوب المنطقة، من حيث الاعتماد على نفسها، وتطوير انظمة حكم رشيدة، وولادة نظام امني وسياسي واقتصادي عربي جديد يعود الى اولوياته الوطنية، ويعدّل بوصلته نحو الاعداء الحقيقيين. محور إقليمي منذ سنوات عديدة تشير تقارير عديدة أن مصالح الولاياتالمتحدة في المنطقة العربية جعلتها وبقيادة المحافظين الجدد تضع مشروع الشرق الكبير أو الجديد، الذي يقضي بتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أساس ديني وعقائدي ومناطقي بحيث يمكنها التحكم في ثروات وتوجهات كل المنطقة وتأمين إسرائيل. من أجل ذلك شكلت طهران وتل أبيب محور قوتين إقليميتين يمكن بهما تأمين تنفيذ هذا المشروع. وكان من الضروري التوصل إلى تفاهم على تقاسم الأدوار أو توزيع مناطق النفوذ وما يسميه البعض تفريق الكعكة أو الغنائم. البعض فند فكرة قيام مثل هذه التحالفات خاصة على ضوء الخلافات العلنية بين طهران وواشنطن وتل أبيب ولكن آخرين ردوا بإعطاء دلائل مادية على مثل هذه الروابط مثل قضية الكونترا حيث تم مد إيران بأسلحة أمريكية وإسرائيلية خلال حرب السنوات الثمانية مع العراق. رغم مرور سنوات على ظهور ملامح هذه التحالفات ظلت غالبية الدول العربية وفي الخليج خاصة منكرة لحدوثها، ومقتنعة بأهمية الإلتزامات الأمنية الأمريكية تجاهها. في الفترة الواقعة ما بين سنة 2011 و سنة 2014 وما سمي بالربيع العربي أخذت العديد من الأوساط الحاكمة تشعر بخطورة المخططات الأمريكية وتحاول التحرك لصدها. مفاتيح العراق جاء في تقرير نشره في 27 مارس 2015 إيف بونة الرئيس الأسبق لجهاز مخابرات فرنسا على موقع "هافينغتون بوست" الإخباري الأمريكي: في تواصل محترم لا تزال الولاياتالمتحدة تعد وتبقى أفضل حليفة لإيران مهما تكن الحكومة التي تحكم في طهران. الولاياتالمتحدة كانت أفضل صديق ومدافع عن شاه إيران. وقد استمرت واشنطن في دعمها له وخلصته من الحكومة الديمقراطية للدكتور مصدق عبر انقلاب. وإذا كانت قد حثت في آخر السبعينات على تنحي محمد رضا بهلوي عن السلطة فلأنها كانت غير راضية عنه كثيرا حيث لم يكن ينفذ كل ما كانت تأمره به واخذ يريد نصيبا أكبر من الكعكة التي يجري تقسيمها. وبعد ذلك ابتكرت الولاياتالمتحدة صفقة مع الخوميني. وكان من المقرر أن يوافق الخوميني على بقاء مهدي بازركان في السلطة في طهران ولكن سرعان ما أقاله من منصبه. ومن ثم لعبت الولاياتالمتحدة دور منقذ للجيش الإيراني الذي كان قد تورط في مشاكل جادة أمام جيش صدام حسين وتم ذلك بفضل عملية "إيران غيت". وكان على الولاياتالمتحدة أن تكمل سلسلة سياساتها عبر حربين خاضتهما ضد العراق لتقدم مفاتيح هذا القطر العربي ل "حليفها الفعلي" الإيراني. بتاريخ 12 فبراير 2015 أكد الأكاديمي حسان قصار، الأستاذ المحاضر بالجامعة التونسية، أن ما تشهده المنطقة حاليا من تحركات إيرانية متسارعة "يعكس غزلا إيرانيا للولايات المتحدة بحثا عن مدخل تستطيع إيران من خلاله فرض هيمنتها على المنطقة، عبر الحصول على دور إقليمي يتكامل مع توجهات واشنطن". واعتبر قصار، أن تصريحات المسئولين الإيرانيين السياسيين والعسكريين الذين توزعوا في المنطقة بشكل لافت خلال تلك الفترة "لم تخرج عن سياق البحث عن هذا الدور الإقليمي، مهما كان الغطاء أمريكيا أو إسرائيليا". وكان عدد من المسئولين الإيرانيين، قد عكسوا هذا التوجه، على غرار حسين أمير عبد اللهيان، نائب وزير الخارجية الإيراني، الذي أعلن أن الولاياتالمتحدة طلبت من بلاده المساعدة في حربها على الإرهاب، وعلاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني الذي صرح بأن إسرائيل طلبت من إيران، عبر قناة رسمية، عدم التصعيد بعد عملية القنيطرة السورية التي قتل فيها جنرال في الحرس الثوري الإيراني وستة من عناصر "حزب الله" اللبناني. بالتوازي مع ذلك، بدأ قائد قوات حرس الحدود الإيراني العميد قاسم رضائي زيارة إلى أفغانستان مثيرة للجدل بالنظر إلى توقيتها، ما دفع الباحث حسان قصار إلى القول "إن ما تقوم به إيران اليوم من تحركات لافتة هو امتداد لتوجهها الاستراتيجي التوسعي منذ تدمير العراق". وأضاف قصار أن الاستراتيجية الإيرانية "هي نتاج تراكم بدأ مع تدمير العراق، وتحول إلى لبنان بحثا عن دور إقليمي، بدعم من الولاياتالمتحدة". الإرتباك الاستراتيجي جاء في دراسة تحت عنوان الارتباك الاستراتيجي... اقترابات القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وضعتها الباحثة نادية سعد الدين: تأثرت أنماط تدخل القوى الدولية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، الرازحة تحت وطأة أحداث وتحولات حادة منذ زهاء الست سنوات تقريبا، بمتغيرات النظام الدولي إزاء التوزع المتغير للقوة العالمية، والحقائق البنيوية المغايرة، وموازين القوى الدولية المختلفة. يأتي ذلك ضمن مسار تحولي "ملتبس"، قد يأذن بنهاية، أو سقوط، نظام دولي قديم نحو تبلور آخر جديد لن تستقر ملامحه أو تتضح قواعده إلا بعد فترة من الزمن، قد تطول أو تقصر، وفق ديناميات التغيير وسرعتها. فإزاء صعود قوي دولية كبرى، مثل ألمانيا والصين، وتعافي روسيا الاتحادية لاستعادة مكانتها الدولية، بعد مرحلة من الوهن والتخبط، وإصرارها، مع الصين، علي التحول نحو القطبية التعددية، واستمرار تصاعد قوة اليابان، واستكمال القوة الشاملة للاتحاد الأوروبي، لم يعد نظام الهيمنة الأحادية مستمرا. وإذا كانت أمريكا لا تزال الدولة الأقوى في العالم، أقلها علي المستوى التكنولوجي، إلا أنها لن تكون القوة الوحيدة الفاعلة، في ظل جدل، لم يحسم أواره بعد، حول مستقبل المكانة الأمريكية في بنية النظام الدولي. بينما أضحت المقومات الاقتصادية، والمالية، والثقافية، والاتصالية المتطورة تشغل مكانها المعتبر في ديناميات التغيير، إزاء نظام كوني يتسم بالتشابك "العلائقي"، وسيولة تدفق القضايا العابرة لحدود ما بعد العولمة، والقاطعة لمسافات "القرية الكونية"، بما أنتجته من مؤسسات عالمية أممية، وشركات متعددة الجنسيات، ومتخطية القوميات، و"فورة" معلوماتية ومعرفية وتكنولوجية، وتنقل مؤثر للعنصر الأمني بين البيئات المحلية، والإقليمية، والدولية، حيال ما طرأ من اختلاف في أدبيات الصراع بشأن طبيعة الأطراف الداخلة فيه، لاسيما عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، والذي يشكل من منظور "الجغرافيا السياسية" نظاما جيوسياسيا عالميا جديدا، حيث أصبح الصراع أو المواجهة بين نظام عالمي، مقابل جماعات وأطراف، وليس دولا، حتى وإن كانت داعمة لها، مما أبرز نظريات "نهاية الجغرافيا"، وفتح دائرة جدل، لا متناه، حول دور الدولة ووزنها في الساحة العالمية، من دون أن يعني ذلك إلغاء الانشغال بالمحلي والقومي لمصلحة الاهتمام بالكوني. وتعد منطقة الشرق الأوسط الأكثر قابلية للتأثر بإرهاص متغيرات النظام العالمي بحكم قدراتها وإمكانياتها المحدودة، وضعف تماسكها، لاسيما اقتصاديا وسياسيا، واتساع نطاق وعمق صراعاتها، وأزماتها البنيوية العميقة، والتي تكشفت حدتها خلال الأحداث والتفاعلات الجارية في ساحتها، وتجلت مواطنها بين هويات وطنية قطرية، وقومية عربية، ودينية إسلامية متصارعة، ونزعات طائفية ومذهبية متنامية، و"تحركات" انفصالية، و"ولاءات" أولية استبدلت بالدين، أو القبيلة، أو العرق، الأمة وعاء حاضنا للهوية والانتماء، وحركات "جهادية" متطرفة تتقاطر تحت "حلم" إقامة الدولة الإسلامية، وجماعات مسلحة تتمدد في ساحات عربية بفعل التغذية الخارجية، مالا، وسلاحا، وعتادا. ومع غياب الإطار الجمعي القادر علي حل الخلافات وضبطها، فإن النظام الإقليمي العربي بات، غالبا، مهيأ لبروز النزاعات البينية، ومهددا بالاختراق الخارجي، وظهور المحاور والأحلاف، وموئلا خصبا لأنماط متمايزة، وربما متضادة، من تدخل القوى الدولية الكبرى، تحت ذرائع أخلاقية، وإنسانية، وقانونية، أحيانا، فشهدت انكفاء أمريكيا لمصلحة "الانعطاف" نحو آسيا والمحيط الهادي، من دون مغادرة المنطقة كليا بحكم مصالحها الاستراتيجية، وحراكا روسيا نشطا لاستعادة مكانتها كدولة عظمي في بنية النظام الدولي، إدراكا منها للمأزق الأمريكي العام كقوة دولية، مقابل أدوار مؤثرة، ولكنها ليست حاكمة، مما فتح المجال أمام تحول في طبيعة التحالفات الإقليمية العربية والدولية، وتنامي أدوار فواعل إقليمية، متضاربة المنافع حينا إلي حد الخصومة، لاستثمار التغير، طبقا لمعطيات القوة فيها، مما يعني، في المحصلة، السير بالمنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار. توجهات جديدة شكل الإعلان الرسمي لسحب القوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 2011، ومن أفغانستان بحلول نهاية عام 2014، تحت وطأة المقاومة المضادة، طلائع الانكفاء الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، والأخذ بناصية النأي عن التدخل المباشر في أزماتها، من دون مغادرتها كليا، تزامنا مع صوغ مضامين توجهات جديدة للاستراتيجية الأمريكية في ساحة المنطقة. قادت تلك "الانعطافة" في ترتيب مكانة الأقاليم الجيوستراتيجية، عند الإدارة الأمريكية، إلي تحول في طبيعة التحالفات الإقليمية العربية، وتنامي أدوار الفاعلين الإقليميين ضمن النظام الإقليمي العربي، واحتدام التوتر بينهم علي مقاليد النفوذ والسيطرة، والاصطدام أحيانا مع السياسة الأمريكية في المنطقة، فضلا عن فتح المجال أمام روسيا لاستعادة دورها في المنطقة، وتعزيز مكانتها في بنية النظام الدولي. ويتضح ذلك في المسائل الآتية: أ- خرجت التوجهات الجديدة للاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط من بين ثنايا أتون "الفوضى" غير الخلاقة، بطبيعة الحال، التي أوجدها الاحتلال الأمريكي في الساحة العراقية، منذ عام 2003 أسوة بالحال مع أفغانستان، وسط تنامي تيار أمريكي لإعادة النظر في التوسع الأمريكي، وترتيب أجندة واشنطن تجاه الأقاليم الجيوستراتيجية في العالم، بعيدا عن الإنغراق في إقليم الشرق الأوسط وحده، وتخفيف الاعتماد علي الحضور العسكري المباشر، صوب المزيد من توظيف "القوة الناعمة" والوسطاء الإقليميين أو من يوصفون بالشرطة المحلية. وقد اندرجت سياسة التحول نحو منطقة الباسيفيكي الآسيوية، التي دشنتها الدبلوماسية الأمريكية بزيارة تاريخية لدولها الخمس، ممتدة من 29 أكتوبر حتى 1 نوفمبر 2015، أسفرت عن قرارات ذات أبعاد أمنية واقتصادية مهمة، ضمن سياق توسيع النفوذ الأمريكي فيها، لما تشغله من مكانة معتبرة في التفكير الاستراتيجي الأمريكي، ومحاولة اختراق الحديقة الخلفية لروسيا، الممثلة في منطقة آسيا الوسطي، واستهداف احتواء نفوذ الصين المتصاعد، والتحكم في أحد أهم مصادر الطاقة تجاهها، لاسيما بعد توقيع موسكو وبكين بيانا مشتركا لإنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والحزام الاقتصادي "طريق الحرير" في 8 مايو 2015، مما يسمح بمساحة صدام مع كل منهما، فضلا عن استهداف تقييد سياسات الاتحاد الأوروبي واليابان، والبحث عن مصادر بديلة للطاقة، في ظل تعزيز نزعة الاستقلال الأمريكي "الطاقوي"، عبر التخفيف التدريجي من الاعتماد علي نفط الشرق الأوسط، وتقليص وارداته بشكل عام. ولا يعني الانكفاء الأمريكي عن واجهة المشهد الإقليمي العربي، صوب أقاليم أخرى تحمل مكانة وازنة في منظورها الاستراتيجي، انسحابا أو مغادرة الساحة، فهو أمر لم تعد واشنطن قادرة عليه، في ظل مصالحها الاستراتيجية المعتبرة في المنطقة، وضرورة الحفاظ علي الأمن والوجود الإسرائيلي، والحرص علي الإمساك، علنا علي الأقل، بتلابيب ملف الصراع العربي- الإسرائيلي، بعيدا عن المنابر الأممية والأوروبية، رغم غياب رؤية استراتيجية أمريكية واضحة لحله، وإنما إدارته فقط. ب- أفضت المقاربات الأمريكية للأحداث والتحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط إلي "توتر" علائقي مع بعض دولها، نظير التراوح بين خانتي تشابك المصالح والقطع معها، مما سمح بتنامي أدوار قوي عربية وإقليمية علي حساب تهدئة الأوضاع، وتسوية الصراعات، وبتغيير طبيعة التحالفات البينية، وبانخراط روسي بدا حذرا قبل أن يؤول فاعلا، فجر تقاربا مع واشنطن في ساحات، وتعارضا في أخرى، الأمر الذي أضاف أزمات مضاعفة في المنطقة. [email protected]