يشكل الاتفاق المبدئي، الذي أبرم الأسبوع الماضي بمدينة لوزان السويسرية، بين إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية صفحة جديدة في التاريخ المتوتر بين البلدين، من شأنه أن يضع حدا للعقوبات المفروضة على الشعب الإيراني منذ سنة 2006 وأن يطمئن الغرب بخصوص إمكانية تطوير أسلحة نووية بإيران. أكيد أن انتخاب حسن روحاني رئيسا للجمهورية الإيرانية ساهم كثيرا في الوصول إلى حل وسط يسمح لإيران بأن تحافظ على حقوقها النووية مقابل التخفيض من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم ومراقبة منشآتها النووية مدة عشر سنوات. ودون شك، فإن الولاياتالمتحدة تحتاج إلى تحسين علاقتها بإيران في ظروف جهوية مضطربة جدا، بالخصوص بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية، والتضخم السريع لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام («داعش») وتدهور الأوضاع في اليمن. وفي كل هذه البلدان، يمكن لإيران، بفضل علاقتها الجيدة بالنظام السوري ودعمها للتنظيمات الشيعية في العراق واليمن، أن تساهم في محاربة التنظيمات الإرهابية وأن تحافظ على الاستقرار في المنطقة. ومن منظور المصالح الأمريكية، فإن التنظيمات المسلحة المحسوبة على السنة، مثل الدولة الإسلامية، هي أخطر بكثير من المليشيات الشيعية في العراق أو اليمن. إذن، الاتفاق المبدئي حول النووي الإيراني الذي أبرم في لوزان من شأنه أن يساهم في التقارب بين واشنطن وطهران ومحاربة أعدائهما المشتركين في المنطقة. وهذا التغيير المهم الذي شهدته السياسة الخارجية الأمريكية قد يؤثر سلبا على علاقة واشنطن بأهم حلفائها في المنطقة، ألا وهما إسرائيل والعربية والسعودية. ورغم محاولات الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتكررة لإقناع أعضاء الإدارة الأمريكية بأن اتفاقا حول النووي الإيراني قد «يهدد أمن إسرائيل وأمن العالم بأسره»، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تنجح في إفشال المفاوضات الإيرانيةالأمريكية، بل تدهورت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعد أن تحدى نتنياهو الرئيس باراك أوباما بإلقائه خطابا أمام الكونغرس ودعوته المنتخبين الأمريكيين إلى أن يرفضوا الاتفاق المرتقب مع إيران. وبالنسبة إلى العربية السعودية، فإن الاتفاق الأمريكي الإيراني يثير تساؤلات حول مدى التزام الولاياتالمتحدة بحمايتها ضد أعدائها الإقليميين، في ظل أوضاع إقليمية مضطربة ومواجهات طائفية تتحكم إيران في جزء منها. إذن، فالتخوفات الإسرائيلية والسعودية من تداعيات اتفاق إيراني-أمريكي حول النووي مرتبطة بالأساس بإمكانية تراجع الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة، والذي من شأنه أن يهدد الأمن القومي للبلدين لأن إيران تظل أهم قوة عسكرية في المنطقة بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي الواقع، فإن التقارب الإيراني-الأمريكي لا يعني الرجوع إلى التحالف القائم بين البلدين أيام الشاه، عندما كانت إيران أول حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وإنما يعني بناء علاقات بين البلدين على أسس جديدة تحترم فيها سيادة الشعب الإيراني الذي قاوم بشدة القوى الاستعمارية بعد أن حاولت السطو على خيراته والتحكم في قراراته في القرن العشرين.