مفكرة الاسلام: عندما يأتي الحديث عن برنامج إيران النووي دائمًا ما تردد الولاياتالمتحدة أن جميع الخيارات مطروحة بما فيها مبدأ التدخل العسكري، كما أن "إسرائيل" كذلك طالما أعربت عن استعدادها لتنفيذ ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية؛ إلا أن حسابات مثل ذلك الهجوم ترجح على الدوام كفة الحل السلمي مع إيران نظرًا للعواقب المقلقة التي قد تتسبب في زعزعة استقرار المنطقة، وتهديد الأمن الأمريكي والصهيوني . كذلك فإن الاعتبارات التاريخية والدبلوماسية والأمنية بين إيران وإسرائيل غالبا ما تصب في مصلحة التقاء المصلحتين دائما , وهو ما أوضحه كثير من الباحثين والمهتمين بالشأن الإيراني اليهودي , لكن على مدى آخر فإن اسرائيل قد يظهر فيها اصوات تدعو لضرب إيران ضربة غير مؤثرة ابدا لكن تمنعها عن النووي أو تدفعها لصفقة مع قبول اسرائيل للنووي الايراني ! لكن الكاتب السياسي "آندي زيليك"، والمحلل "روبرت دوجاريك" قدما سيناريو مختلف عن هذه الرؤية، مثيرين السؤال المألوف: ماذا يحدث لو .... ضربت "إسرائيل" إيران؟ ويحاول كلاً من زيليك ودوجاريك الربط بين ضرب إيران وإمكانية إنهاء الصراع (الإسرائيلي- الفلسطيني)، وقيام دولة فلسطينية، وعودة اللاجئين. وسنعرض في السطور التالية مقالهما الذي نشرته صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" وجاء فيه: على خلفية فرض عقوبات جديدة على إيران، والزيارة المتفائلة التي قام بها رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" للمكتب البيضاوي في شهر يوليو، فإنه من غير الممكن أن تتطلع أيًا من واشنطن أو تل أبيب لإضافة حرب جديدة إلى القائمة الطويلة من الصراعات الساخنة في أفغانستان، والعراق، وباكستان، وكوريا، وغزة. ولكن مع تقييم أجهزة الاستخبارات الأمريكية لكون إيران في طريقها لامتلاك أسلحة نووية في غضون عامين، فإن حدوث مواجهة مع طهران ربما سيعتبر قريبًا أمر لا مفر منه؛ في تل أبيب إن لم يكن في واشنطن. وحتى إن اضطلعت به "إسرائيل" بمفردها، فإن توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية يُشكل مخاطرة كبيرة بالنسبة للمصالح الأمريكية. ولهذا السبب ينبغي على البيت الأبيض الإصرار على أن توجيه ضربة "إسرائيلية"- إذا حدثت - لن تتسبب في إضعاف قدرات طهران فحسب ولكنها ستستوجب أيضًا كسر حاسم لحالة الجمود (الإسرائيلي- الفلسطيني). وفي الوقت الذي لم تستبعد فيه إدارة أوباما إمكانية القيام بعمل عسكري مباشر ضد إيران، فإن الولاياتالمتحدة من شأنها بالأحرى أن تركز طاقاتها على كم التحديات التي تواجهها فعليًا بالداخل والخارج. كما أن الناخبين الأمريكيين ليس لديهم أي حماس يذكر لحرب جديدة بعد نحو تسع سنوات في أفغانستان وأكثر من سبع سنوات في العراق. تهديد غير مقبولإلا أنه يكاد يكون من المستحيل تصور قبول "إسرائيل" لوجود إيران ذات تسليح نووي، وما لم تظهر عاجلاً في الأفق عقوبات اقتصادية أكثر صرامة للقيام بذلك، فإن التدخل العسكري يبدو محتملاً. وقد أعلنت حكومة الليكود "الإسرائيلية" على الملأ، بدعم من أحزاب سياسية أخرى، أن وجود إيران نووية يعد بمثابة تهديد قائم لا يمكن احتماله. ومنذ قيامها، طالما أظهرت "إسرائيل" ميلاً إلى متابعة تحذيراتها لأعدائها حتى وإن كانت التكلفة المصاحبة قاسية. وخطورة التهديد الذي يراه "الإسرائيليون" في وجود إيران نووية- ولا سيما مع رئاسة "محمود أحمدي نجاد"- يعني أن مجرد منع توجيه ضربة عسكرية ليس واحدًا من خيارات إدارة أوباما. وربما منذ نحو خمسة عقود مضت كان لدى واشنطن السلطة لتملي قرارها على "إسرائيل" (وكذلك على كلٍ من بريطانيا وفرنسا) لإنهاء أزمة السويس المصرية، لكن تطور السياسات الداخلية منذ عهد إيزنهاور قد قلص من النفوذ الأمريكي على "إسرائيل". و"إسرائيل" في عام 1956 كانت بلد فقير من العالم الثالث، بينما هي اليوم تعد اقتصاد واثق بنفسه، وغني، وفائق التقنية. وحتى إن كانت الولاياتالمتحدة لا تستطيع منع ضربة "إسرائيلية"، فإن في إمكانها المعارضة علنًا. ولكن في حال هاجم "الإسرائيليون" إيران بالرغم من الرفض المعلن لواشنطن، فإن تقارب العلاقات الثنائية بينهما- أمريكا و"إسرائيل"- سيُعرض الولاياتالمتحدة للتداعيات نفسها كما لو كانت مؤيدًا متحمس. صفقة كبرى وبالتالي، إذا كان النزاع العسكري مع إيران هو ما تتجه إليه المنطقة، فإن من الجوهري أن تصيغ إدارة أوباما إستراتيجية تعد بما هو أكثر من مجرد تدمير (ربما بعض وليس كل) الأصول النووية الإيرانية. وينبغي على الولاياتالمتحدة الإصرار على أن يكون توجيه حليفتها الوثيقة لضربة عسكرية جزءً من "صفقة كبرى" أوسع نطاقًا تنتهي أخيرًا بحل النزاع "الإسرائيلي- الفلسطيني". وفي حين أن هذا النزاع المستمر ليس هو المصدر الوحيد للعنف في المنطقة، فإن وضع حد له هو ضرورة إستراتيجية من شأنها أن تفعل الكثير لمصالح الولاياتالمتحدة وحلفائها في جنوب غرب آسيا وما وراءها. وجوهر هذه "الصفقة الكبرى" هو أن تمنح الولاياتالمتحدة الضوء الأخضر لضربة "إسرائيلية" ضد منشآت إيران النووية بهدف التخلص من التهديد الوحيد الذي يخشاه "الإسرائيليون" أكثر من أي شيء. إلا أن الثمن الذي ستطلبه واشنطن سيكون التزامًا صارمًا من جانب حكومة نتنياهو لاتفاق سلام مع العرب بشروط مصدقة أمريكيًا: ليس استمرار تجميد النشاط الاستيطاني، وليس استئناف المحادثات المباشرة؛ بل اتفاق حقيقي (يتوقف فقط على قبول هذه الشروط من جانب الفلسطينيين والحكومات العربية الأخرى". ونحن لا نفترض أن نحدد هنا كل بند في ذلك الاتفاق؛ ولكنه بلا شك سيتضمن العودة إلى حدود ما قبل عام 1967 وبناء دولة فلسطينية، إلى جانب بعض التعديلات المقبولة للطرفين. ومن بين البنود المرجحة الأخرى وجود ضمانات أمنية دولية، وتواجد لقوات حفظ السلام، فضلاً عن رد "إسرائيل" لمرتفعات الجولان إلى سوريا. أما الولاياتالمتحدة وحلفاؤها- وفي المقام الأول الاتحاد الأوروبي، واليابان، والأنظمة الملكية العربية الغنية بالنفط- سوف يقدمون عشرات المليارات من الدولارات لكلا الطرفين من أجل تسهيل الاتفاق؛ تلك الإسهامات من شأنها تمويل نقل المستوطنين اليهود، وتقديم تعويضات سخية للاجئين الفلسطينيين، وتمويل أمن الحدود، وتعويض سوريا وبعض الجماعات الفلسطينية عن فقدان التمويل الإيراني. وسيتم تقديم صفقات تجارية تمييزية "للإسرائيليين" والفلسطينيين مع كلٍ من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. كما ستبدأ دولاً كالسعودية ودول الخليج في إقامة علاقات مع "إسرائيل"، وفتح أسواقها أمام السلع والخدمات "الإسرائيلية"، وإنهاء الدعايات المناهضة ل "إسرائيل". صفقة غير سهلة وتنسيق صفقة بهذه الصعوبة والأوجه المتعددة، على أقل تقدير، سيمثل تحديًا؛ حيث سيتضمن مفاوضات عسيرة جدًا، في ظل علاقات متوترة من الأصل، مع حكومة "إسرائيلية" تفضل بقوة عدم الربط بين القضية الإيرانية والقضية الفلسطينية. كما أنها، بالطبع، ستتوقف على صلاحية عملية عسكرية نجاحها أبعد ما يكون عن الضمان وربما لن تكون الولاياتالمتحدة قادرة على إيقافها. وقد يتحول الوضع وتُحل الأزمة النووية الإيرانية على نحو سلمي، ربما كنتيجة للعقوبات؛ أو ربما تنتهي حكومة نتنياهو إلى أن احتواء إيران نووية أفضل من شن هجوم لمنعها. ولكن مع عدم وجود أية خيارات أخرى إلا الإعداد للاحتمال الواقعي لضربة "إسرائيلية" ضد إيران، فإنه يتعين على البيت الأبيض الإصرار على أن أي عمل من هذا القبيل، إذا ما تم المضي فيه، لابد وأن يُدمج في إطار إستراتيجية أوسع تعد بمزايا دراماتيكية توازي حجم المخاطر الكبيرة. * كتبه "آندي زيليك" وهو محاضرًا بكلية "هارفارد كينيدي"، و"روبرت دوجاريك"، مدير معهد الدراسات الآسيوية المعاصرة بجامعة تيمبل باليابان