قال الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، محمد العبادي، في الذكرى الأولى لوفاة مرشدها ومؤسسها عبد السلام ياسين: «إن يد الجماعة ممدودة إلى كل الأطراف من أجل التعاون على البر والتقوى، والنهوض بالبلاد الغارق شعبها في الفقر والمهانة والظلم». وأضاف خليفة ياسين على رأس أكبر جماعة إسلامية بالمغرب: «نطمئن الجميع إلى أن الجماعة باقية على العهد، وأنها كانت وستبقى سلمية وعلنية تدعو إلى طريق الحق بالحكمة والموعظة الحسنة». خطاب العبادي العام، والمغلف بقشرة سميكة من الطابع الصوفي والتربوي المعروف عن جماعة العدل والإحسان، سيفصل توجهاته السياسية أكثر فتح الله أرسلان، المتحدث الرسمي باسم الجماعة، حيث قال: «إن الجماعة تريد أن تبعث رسالة وفاء إلى الخط الذي سطره شيخنا، وإن حركتنا تبقى متماسكة بأفكار ومطالب متناسقة». وكان أرسلان قد قال السنة الماضية: «نحن نؤمن بالديمقراطية، ونحن حركة يمكن أن تتحول إلى حزب سياسي لكن الدولة تحظرنا». وكرر أرسلان، أول أمس السبت في حفل كبير دعت إليه الجماعة شخصيات كثيرة من مختلف ألوان الطيف المغربي كعنوان عن إرادة جديدة للانفتاح على الفضلاء الديمقراطيين، دعوته «الفاعلين السياسيين، وخصوصا النظام، إلى أن يغيروا من نظرتهم إلى الجماعة، خاصة وقد ظهرت حدود الوعود بالإصلاحات رغم الدستور الجديد ورغم مناخ الربيع العربي». هذه ليست لهجة جديدة في خطاب العدل والإحسان لكنها نبرة أقوى في جماعة كانت دائماً تقف على حافة مشروع إصلاحي بلهجة راديكالية، فهي «تعترف بالملك ذي النسب الشريف، لكنها تطالبه بالتوبة العمرية والتنازل عن لقب أمير المؤمنين»، و«تتوسم في الجالس على العرش الجديد محمد السادس الخير لكنها تطلب منه في الوقت ذاته رد المظالم إلى أهلها، وإرجاع ثروة أبيه إلى خزائن بيت مال المسلمين». (رسالة إلى من يهمه الأمر)، وتخرج في 20 فبراير للتظاهر مع الشباب سلميا ودون رفع خطاب «ارحل»، لكنها لا تريد تحديد سقف سياسي معلن لنضال الحركة الشبابية منذ البداية. هذه هي العدل والإحسان، حركة دينية صوفية بمطالب سياسية، نجحت في تشكيل أكبر قوة دينية في المغرب بقدرة كبيرة على التنظيم والتعبئة والحشد، لكنها فشلت في بلورة مشروع سياسي واضح المعالم رغم كثرة أدبيات مرشدها الذي صار يلقب بعد موته بالإمام. لا تعرف أين تبدأ السياسة في عملها وأين تقف الصوفية بظاهرها وباطنها. اليوم هناك من يعتقد أن العباءة الصوفية هي كل ما يجمع أتباع العدل والإحسان، وأن الجماعة إذا ما دخلت إلى مرحلة الوضوح السياسي فإن وحدتها ستصير في خطر، ولهذا جرى انتخاب العبادي الأكبر سنا وسط مجلس الإرشاد مكان الشيخ الراحل رغم أن أرسلان كان هو الأقرب إلى زعامة الجماعة سياسيا. كنت أتوقع أن تفتح الدولة صفحة جديدة مع الجماعة الإسلامية الأكبر في المغرب، والبداية ببعث رسالة تعزية من القصر إلى عائلة الشيخ يوم وفاته، باعتباره من كبار علماء المغرب وشيوخها المتصوفة وأطرها التربوية، لكن شيئا من هذا لم يقع، بالعكس أحالت الدولة ملف العدل والإحسان على المقاربة الأمنية، وليس المعالجة السياسية. هال السلطة أن تستغل العدل والإحسان أجواء الربيع العربي، وأن تنزل لتقديم الدعم المادي والبشري واللوجستيكي لحركة 20 فبراير، وأن تصر على عدم تحديد سقف للتظاهرات التي امتدت سنة كاملة، وكادت تزعزع أركان النظام لولا سرعة تجاوب الملك مع مطالبها، والمرونة والدهاء الكبير الذي تعاملت به الدولة مع ممثلي الربيع العربي في المغرب (لا للدم في الشوارع، لا للتصلب مع مطالب الحركة وتظاهراتها، نعم لدستور جديد وحكومة جديدة وانتخابات جديدة، ولعب ورقة العدالة والتنمية بشكل ماهر). بنكيران لم يساعد الدولة على الانفتاح على العدل والإحسان، ولا ساعد الجماعة على التقدم على طريق التطبيع مع القصر. وقف بعيدا، وهناك من حزبه من رأى أن هذا ملف لا يعني الحكومة في شيء، وأن التطبيع مع العدل والإحسان قد لا يكون في صالح العدالة والتنمية انتخابيا على الأقل، فيما رأى آخرون أن المصباح سيكون بخير مع القصر طالما ظل بعيدا عن جماعة ياسين وترك الدولة تتعامل مع الجماعة بالمقاربة القديمة التي تعود عليها الطرفان معا: لا عداوة ثابتة ولا صداقة قائمة، بل كر وفر. الجماعة شبه محظورة، لكن الدولة تغض الطرف عن أنشطتها، والجماعة تتحرك لكنها لا تتجاوز سقفا معينا، وبين الحين والآخر هناك ضربات تحت الحزام من الطرفين. صار هذا الوضع شبه مألوف، وكل طرف لا يريد أن يحيد عنه، لأن مغامرة البحث عن وضع آخر ربما تكون مكلفة، الدولة ترى أنها إذا لم تكن قادرة على هضم الإسلاميين المعتدلين، أي حزب العدالة والتنمية، فكيف تبلع الإسلاميين الراديكاليين. والجماعة ترى أن الدخول في التطبيع مع السلطة دون ضمانات قد يؤثر على صورتها لدى أتباعها باعتبارها النقيض السياسي لإسلاميي القصر، الذين دخلوا إلى اللعبة دون ضمانات، وتحولوا إلى إسلاميين ممخزنين يطبعون مع الوضع القائم عوض تغييره. في كل هذا الوضع المعقد الخاسر في النهاية هو مسار الانتقال الديمقراطي، وهو قطار لا ينطلق بطرف دون آخر، بل إن شرطه للانطلاق هو أن يركبه جميع الفرقاء السياسيين، لأن القواعد تحدد أثناء الرحلة، وقبل النزول في محطة الديمقراطية يكون الجميع قد اعترفوا ببعضهم البعض، ووضعوا مدونة السلوك السياسي للتباري حول الوصول إلى السلطة بدون عنف ولا إقصاء ولا غش وضرب تحت الحزام.