قرابة نصف السجناء المحكومين بالإعدام والقابعين في السجن المركزي بالقنيطرة، يعانون من اختلالات في صحتهم النفسية، وحوالي ثلث المحكومين بعقوبات كبيرة يعانون من تلك الاختلالات؛ هذه أولى النتائج التي رشحت عن دراسة تنجزها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، حول عيّنة من السجناء المغاربة. بوادر أولية لهذه الدراسة التي لم تنته بعد، قال رئيس المنظمة محمد النشناش، إنها تشير إلى أن عددا كبيرا من المحكومين بمدد طويلة أو عقوبة الإعدام، تقدّر بنحو الثلث، يعانون من اختلالات نفسية، ليتساءل «هل يكون مسؤولا من يرتكب جريمة ما تحت وطأة المخدرات أو ارتباك نفساني عميق قد يكون مؤقتا؟». تساؤلات بادرت المنظمة إلى تنظيم يوم دراسي حول دور الطب النفسي في تقدير المسؤولية الجنائية للمريض، احتضنها مقرّ المجلس الوطني لحقوق الإنسان صباح أمس. الأمين العام للمجلس، محمد الصبار، قال إن المطلوب هو «تحديد وتدقيق دور كل من الطبيب النفسي والأخصائي النفساني في عملية تشخيص العقوبة من خلال دراسة شخصية المتهم ومحيطه وظروفه الاجتماعية أثناء ارتكابه الجريمة وتقدير مسؤوليته الجنائية»، فيما شدّد النتشناش على أن القيام بالجرائم له بواعث مختلفة، «منها الاقتصادية والظروف الأسرية والمخدرات والحالة النفسية، كما أن ميولا قد تكون وراثية تدفع إلى ارتكاب الجرائم. اختلالات وفراغات كثيرة كشفتها ندوة أمس حول المسؤولية الجنائية وخبرة الطب النفسي؛ حيث أبانت مداخلات المشاركين عن خصاص تشريعي وتقني كبير، يجعل القضاء المغربي غير قادر على إنصاف من يمثلون أمامه، وتحديد درجة مسؤوليته ووجودها من انعدامها؛ بل إن القوانين المعمول بها قضائيا وداخل المؤسسات السجنية، تجعل من المرضى النفسيين والمختلين عقليا، نزلاء في السجون ومختلطين مع باقي المعتقلين، مما يشكّل خطرا وظلما كبيرين. الأخصائي النفسي الذي ترأس الجلسة الأولى لصباح أمس، أحمد الحمداوي، قال إن أولى الملاحظات المسجلة في التشريع المغربي، تتمثل في عدم التنصيص على إجبارية القيام بالخبرة النفسية، «وقاضي التحقيق يجوز له دون إلزام، اللجوء إلى طلب خبرة طبية على الحالة النفسية للمتهم». وأضاف الحمداوي أن المشرع همّش خبرة الطب النفسي في تحديد درجة الارتباط بين الخلل النفسي وارتكاب الجريمة من أجل تقدير العقوبة السالبة للحرية، «ونادرا ما تتم هذه الخبرات، واليوم نكتشف أن أكثر من ثلث إن لم نقل نصف المحكومين بالإعدام يعانون من اضطرابات نفسية، وهي ما يؤكد إما عدم إجراء الخبرة أو عدم الأخذ بها، خاصة في جرائم قتل الأصول وهذا خرق لحق من حقوق الإنسان ومبادئ المحاكمة العادلة». القاضي المتخصّص ومؤلّف أول كتاب يصدر في المغرب حول هذا الموضوع، عبد الكافي ورياشي، قدّم مداخلة مطوّلة وجّه فيها انتقادات قاسية لكيفية تعاطي القوانين والمحاكم مع الخبرة النفسية. فأكثر من 90 في المائة من قرارات الإحالة على الخبرة النفسية، يطرح فيها القاضي السؤال التالي على الطبيب: «ما هي درجة المسؤولية الجنائية؟»، سؤال قال ورياشي الذي يشغل مهمة محام عام في محكمة النقض، إنها تكشف كيف يتنازل القاضي عن مسؤوليته ومهمته، «والخبراء النفسيون استطابوا ذلك، وآلمني جدا أن إحدى المحاكم استدعت الخبير لأنه نسي تحديد نسبة المسؤولية الجنائية، بينما ما يجب أن يفعله الخبير، هو أن يحدد للقاضي ما إن كان الجاني لحظة ارتكاب الفعل مدركا لما يفعله ومريدا له، وما إن كان الجاني في درجة من الخطورة تستوجب عدم رجوعه إلى المجتمع نهائيا، وليس إصدار الحكم بدلا من القاضي». ورياشي خصّص مداخلته المطوّلة لدعوة المشرّع إلى تجاوز الفراغات الحالية، و»ترك ما لله لله وما لقيص لقيصر». الفراغات القانونية تتمثل حسب ورياشي في نماذج عديدة، من قبيل إمكانية إحالة قاضي التحقيق المتهم على الخبرة الطبية، وإذا جاءت هذه الخبرة حاملة لنتيجة مفادها أن المتهم يعاني اختلالات نفسية تجعله غير مسؤول جنائيا، فإن قاضي التحقيق لا يستطيع اتخاذ قرار بإعفائه من العقوبة، بل عليه إحالة الملف على قضاة الحكم، وهو ما يعني استمرار مكوث المتهم المختل نفسيا في السجن مدة قد تتجاوز السنة الكاملة. «وقد يصاب شخص باختلال عقلي بعد ارتكابه الجرم، والمشرع ساكت هنا أيضاً، وليست هناك أية إمكانية لخروجه من السجن رغم ثبوت اختلاله، وكل ما ينص عليه القانون هو إمكانية عرضه على أطباء فقط». واستغرب ورياشي بشدة، كيف أن الخبرات النفسية التي تجرى، تنتهي إما إلى القول بوجود المسؤولية الجنائية الكاملة أو انعدامها، « ولا يولون أي اهتمام لنقصان المسؤولية، علما أن هذه الحالة هي أقرب إلى الحقيقة».