فكرت جيدا في موضوع اللغة التي يمكن أن نتكلم بها، فنحن ما شاء الله بعد أن نجحنا في كل الاستحقاقات جلسنا نتداول في كيف نخاطب بعضنا البعض وقد فتح الله على أحدنا فاقترح أن نتكلم بالدارجة، ولعلي به بذل مجهودا مضنيا لَخَّصَ فيه سيرته العلمية ليصل إلى هذه النتيجة، ولن أخفيكم سرا فقد أعجبتني الفكرة: ما حاجتنا نَحْنُ إلى وزارة للتعليم؟ ما حاجتنا إلى المدارس والجامعات والمعاهد؟ بل ما حاجتنا إلى وزارة التعليم بالأساس؟ يخرج الولد من بطن أمه، ينظر إلى لَكْنَةِ وَالِدَيْهِ، يرثَهَا عَنْهُمَا، ويدخل بها إلى معترك الحياة، وَلَنْ يحرم منها سوى الأخرس، فهي في ملك الجَمِيع ِ!! وَفَّرَ علينا صاحب الفكرة نفقات كانت تضيع سدى: في النحو والإعراب والجناس والطباق والانفتاح على باقي اللغات، وضمن بذلك مساواة كانت مفتقدة بين الأمي والقارئ، فَهُمَا سيان كأسنان المشط!! والحق أقول: إِنّ المحيط الذي نحيا فيه يؤيد موقف صاحبنا، فإذا كانت الدارجة النابية قد اقتحمت الوزارات وقُبَّةَ البرلمان والجامعة المغربية لكرة القدم، فلا يجد الوزير حرجا في أن يقول لمن حوله «مَيْكُو».. ولا يخجل البرلماني أو المستشار أن يتفوه بما يشاء دفاعا
عمّا يعتبره حقا، ويتقاذف الرياضيون بأحط السباب في أيّ استحقاق انتخابي، فما الغريب إذا نحن اعتمدنا الدارجة لغة رسمية للبلاد!! بل إنّ ظروف الحال هي مبرر منطقي لما يلوح به بطل الدراجة!!. أَلسْتَ تسمع بالإذاعة وترى بالتلفاز نماذج للهلوسة وقد تحولت بقدرة قادر إلى لغة الفن؟ وانبرى للحديث والدفاع والتأليف فيها من لا شغل له، فقد خلا لها الجو فباضت واصفرت!! واستنشق النقاد رائحة الكيف والحشيش فأسهبوا في مدحها!! على أنني فكرت في لغة جريئة ومفيدة وذات مزايا، «كوكتيل» جامع مانع ينزل بردا وسلاما على قلوب دعاة العربية والفرنسية والأمازيغية وباقي اللهجات سواء بسواء. لغة صنعناها صغارا، وتعلمنا أصولها من كتاب سِحِْر هَارُوتْ ومَارُوتْ، وفن الحلقة وهلوسة المشعوذين بالأسواق، هي نوع من الدمياطي سَيُمَيّزُنَا عن باقي أمم الأرض، ومن يدري؟ فقد ينجح سفراؤنا في الترويج لها فتصبح لغة العلم بديلا عن لغتنا العربية الأصلية التي تُصاب في مقتل يوما بعد يوم. تلك التي قال عنها حافظ إبراهيم: أَنَا البَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُرُّ كَامِنٌ فَهَلْ سَأَلوا الغَّواصَ عَنْ صَدفاتِي الغوص لغة جامعة..مانعة، فيها كل اللكنات واللهجات والخزعبلات: يتكلم بها هَدَّاوَة وَعِيسَاوَة وَكنَاوَةْ. يتكلم بها رواد الحلقة وقطاع الطرق. يتكلم بها الحشاشون والسكارى وأفراد العصابات. لم يبق لنَا شيء نخجل منه أو نخشى عليه: نُقَبِّلُ بعضنا البعض في الشارع العام ذكورا ذكورا، إناثا إناثا، وَنَحْتَكِمُ للقوانين الكونية. نَسُبُّ بعضنا البعض علنا وجهارا بالدارجة النابية بلا حسيب ولا رقيب. نتناسل، نتزاحم، نتَلاسَنُ نتبرج ..نتحرش عُنْوَةً بدعوى احترام الحرية الفردية. لم تبق لنا إذَنْ سوى اللغة الكفيلة باحتواء كل هذا، لذلك أقترح من هذا المنبر استعمال الغوص: لقاح يصح به كل الأطراف، ولربما لم يعد هناك مبرر لتفعيل مضامين الدستور في باب اللغة الرسمية للبلاد: الغوص، ثم الغوص...لغة الحاوي والدجال والحمقى، لغة عرفية لا تحتاج إلى تَدْويِن فَلاََ أَصْلَ لهَا ولاَ فَصْل، لغة المستقبل هي مزيج من كل شيء، بَعْدَ ذلك يمكننا أن نقول مع المتنبي: يَا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهْلِهَا الأُمَمُ