تصوير: رزقو يواصل المخرج الكوري الجنوبي، بارك سوك يونغ، في فيلمه "زهرة الفولاذ"، الذي دشن اليوم السبت عروض المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الخامسة عشرة، تسليطه الضوء على مشاكل بعض الشباب الذين يوجدون في وضعية صعبة في كوريا الجنوبية. فبعد فيلمه السابق "الزهور البرية" الذي رصد أيضا مشاكل الشباب في هذا البلد، يرسم سوك يونغ من خلال هذا العمل الفني بورتريه لفتاة شابة بدون مأوى تدعى "ها دام"، تجد نفسها مشردة في الشارع، فتبدأ في استغلال بعض المنازل المهجورة للمبيت بعد اقتحامها. وبحلول فصل الشتاء تغادر "ها دام" مدينة سيول إلى بوسان، أملا في العثور على عمل. ولكن بحثها كان دون جدوى بسبب عدم توفرها على رقم هاتف أو عنوان لإقامة دائمة، وهذا كان شرطا أساسيا لحصولها على عمل. وفي أحد الأيام التي كانت تبحث فيها عن عمل انجذبت ها دام فجأة للرقص الإيقاعي. ومنذ تلك اللحظة، شرعت "ها دام"، مسحورة بالإيقاع، ترقص في الشارع فأحبت ذلك، وشكل لها هذا الأمر متنفسا لمراوغة المشاكل والتحديات التي تواجهها يوميا. لكن احتفاء "ها دام" بجماليات الحياة الصغيرة وتفاصيلها واكتشافها لأشياء سارة عفوية، لن يدوم طويلا حيث سيترصد لها واقع الحياة القاسي من جديد ليورطها مجددا في متاهة من المشاكل والمواقف الصعبة بعد طردها من الوظيفة التي وجدتها بمشقة الأنفس. لقد عكس هذا الفيلم بكل مصداقية هموم بعض الشباب والتحديات التي قد تواجههم خلال رحلة البحث عن عمل، وذلك من خلال هادام الشخصية المحورية للفيلم، وقدم وجها آخر لحياة الشباب بكوريا الجنوبية بكل ما فيها من صعوبات واحتمالات سيئة، وإن كان منح لبطلته الفرصة لتنتصر لنفسها على قسوة الحياة من خلال لحظات فرح اقتنصتها من خلال ممارسة الرقص الإيقاعي. شخصيات الفيلم تبدو حقيقية من الواقع تنبض بالطموحات وبالمخاوف أيضا. ورغم بساطة قصة هذا العمل الفني إلا أن المخرج بارك سوك يونغ، قدمها بأسلوب درامي مكثف وعبر مادة بصرية تكاد من فرط واقعيتها تبدو قطعة من الحياة ذاتها. سيناريو الفيلم محبوك بشكل جيد، حيث تنساب الأحداث بشكل سلسل، ويضيف كل مشهد شيئا جديدا لمسار القصة، فضلا عن التصاعد في الإيقاع مع تقدم زمن الفيلم، وحسن اختيار الموسيقى التصويرية في المشاهد الأخيرة التي عبرت عن حالة الفرح التي عاشتها بطلة القصة بفضل الرقص التعبيري. ومن جهة أخرى، كان أداء بطلة الفيلم مقنعا جدا، فقد نجحت في أداء دور فتاة في وضعية صعبة وهشة، تعيش معاناة مزدوجة: الفقر وغياب الحضن العائلي. كما كان أداء باقي الممثلين جيدا بتعابيرهم الغنية وردود أفعالهم وانفعالاتهم، تحت إدارة المخرج بارك سوك يونغ المتقنة وهي عناصر قوة شكلت مرتكز أسلوبه التعبيري إلى جانب دينامية الصورة التي ظلت دائما قريبة من ملامح الشخوص وانفعالاتهم. يشار إلى أن المخرج بارك سوك يونغ، ولد سنة 1973 في سيول (كوريا الجنوبية)، ودرس الأدب الكوري في جامعة سوكانك والسينما في جامعة كولومبيا في نيويورك، انقطع عن الدراسة للانضمام إلى فريق إنتاج فيلم روائي طويل هو "الزهور البرية"، فكانت الانطلاقة التي تعد بمستقبل لامع لهذا الإسم في المشهد الثري والمجدد للسنيما الكورية الجنوبية.