فبين تاريخ الجريمة التي راح ضحيتها 4 من السياح الألمان، والتي هزت المدينة القديمة في ال30 من شهر أكتوبر الماضي، وتاريخ الخروج اللافت لوزير الداخلية محمد حصاد الثلاثاء الماضي 24 نونبر، في البرلمان ليقول إن «فاس تنقات»، عقب الحملة الأمنية الواسعة التي عرفتها المدينة، بين هذا وذاك، مر شهر كامل. ما الذي حدث خلال مدة زمنية لا تتجاوز الثلاثين يوما لكي تتحول مدينة فاس من بؤرة للإجرام، حيث جابت صور وفيديوهات الاعتداء الدموي على السياح الألمان، العالم ومواقع التواصل الاجتماعي وحصلت على نسبة كبيرة من المشاهدة والتعليقات، (كي تتحول) العاصمة العلمية وفي ظرف وجيز إلى مدينة خالية من الإجرام، بحسب ما أعلن عنه حصاد والمسؤولون الأمنيون بفاس. الجريمة ضد الألمان تعري الوضع الأمني تسببت الجريمة ضد السياح الألمان التي كادت أن تتحول إلى مأساة حقيقية، في فضح الوضع الأمني بمدينة فاس، الذي اهتزت صورته بشكل قوي بسبب تدخل تجار المدينة العتيقة لإنقاذ السياح الألمان وتوقيف الشابين اللذين اعتديا عليهم، في غياب رجال الأمن وعناصر الشرطة السياحية. يقول محمد الصنهاجي، رئيس جمعية فاس للثقافة والتراث الإنساني، في تعليقه على الواقعة، «إن مدينة فاس ومنذ سنة 2004، والهاجس الأمني يقفز كل مرة إلى واجهة الأحداث بهذه المدينة، مما جعله يعرقل مسارها التنموي وإقلاعها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وذلك بسبب وقوع أزقتها وأحيائها الشعبية وفضاءاتها العتيقة وشوارعها الجديدة، يقول الفاعل الجمعوي، تحت ظلال السيوف جراء عصابات «أبو سياف»، التي تعربد نهارا وتروع السكان وتتحدى رجال الأمن، مضيفا أنه كانت تسجل العشرات من حالات الاعتداء بالسلاح الأبيض كل يوم، لكن الأمن لم يتحرك، إلى أن حدثت واقعة السياح الألمان، فقامت الدنيا وتحركت الأجهزة الأمنية وفرضت تدابير أمنية مشددة لإعادة الأمن إلى المدينة» . من جهته، يرى فاعل إعلامي بجريدة إلكترونية مشهورة بفاس، فضل عدم ذكر اسمه، «أن العملية التطهيرية التي يقودها الأمن بفاس، سبقها التراخي الواضح للأمنيين، حتى أن مدينة فاس طبعت مع الجريمة، وسار الناس يسمعون ويرون الجرائم يوميا»، واليوم يردف الناشط الإعلامي، «فاس تعيش حملات تمشيطية واعتقالات بالجملة لعتاة المجرمين الذين وصلت إليهم أيدي الشرطة في ظرف وجيز، مما يؤكد، بحسب تصريحه، «أن السلطات كانت على علم بالمجرمين وقطاع الطرق داخل الأحياء، وكانت تصلهم أخبار ومكان بؤر حالات الانفلات الأمني، والدليل ما أسفر عنه التحرك الأمني بعد حادث السياح الألمان، وتمكنهم من توقيف عدد كبير من المجرمين المتلبسين بحيازة الأسلحة البيضاء، وآخرين كانوا مطلوبين للعدالة بتهم جنحية وجنائية، وظلوا يجولون ويصولون الأزقة إلى أن جرفتهم مياه الحملة الأمنية، وساقتهم إلى سجن عين قادوس»، بحسب تعبير الناشط الإعلامي. تدابير أمنية مشددة أطلقت سلطات فاس حزمة جديدة من «التدابير الأمنية المشددة»، واكبتها تدخلات أمنية لتطويق الجريمة بمختلف أحياء المدينة، حيث كشف مصدر أمني قريب من الفرق المكلفة بمحاربة العصابات والجرائم، في حديثه ل» اليوم24، أن تراجع مؤشرات الجريمة بمختلف أحياء فاس، راجع إلى الخطة الأمنية المحكمة التي تبنتها ولاية الأمن بإشراف من الإدارة العامة للأمن الوطني، بعد إنجازها لدارسة ميدانية للمشاكل الأمنية بالمدينة وتطور الجريمة بها. وبخصوص المقاربة الأمنية التي مكنت من معالجة الوضع الأمني، قال مصدر الجريدة إنها تراوحت بين وضع السلطات الأمنية أعينها على أصحاب السوابق والمجرمين المبحوث عنهم في جرائم جنحية وجناحية، والاعتماد على البيانات ومراكز التشخيص وتخزين المعلومات، والتي أسفرت، بحسب مصدر الجريدة، وفي ظرف 72 ساعة فقط، والتي أعقبت الاعتداء على السياح الألمان، عن توقيف واعتقال 1953 جانحا، من بينهم 244 في حالة تلبس بأفعال تخص السرقة وحمل الأسلحة البيضاء وترويج المخدرات، و 144شخصا كانوا موضوع مذكرات بحث في جرائم مختلفة. من جهته، كشف مسؤول أمني أن دخول الإدارة العامة للأمن الوطني على خط حالات الانفلات الأمني الذي تعيش على وقعه مدينة فاس وضواحيها، مكن المدينة من تدارك النقص الحاصل في عدد أفراد الأمن، بعد أن حلت فرق أمنية إضافية، أغلبها من «عناصر الصقور» وقوات الدعم التابعة للفرقة الوطنية، التي يتم الاستعانة بها بالتناوب من قبل ولايات الأمن بكبريات المدن المغربية، لتعزيز الحضور الأمني وشن حملات تمشيطية لمناهضة كل مظاهر الجريمة. ومكنت هذه التعزيزات الأمنية التي دفع بها الحموشي إلى فاس، يضيف مصدر الجريدة، من تعزيز دوريات الشرطة بالنقاط السوداء بمختلف أحياء المدينة، وتركيز تدابير أمنية جد مشددة بالفضاءات الأكثر استقطابا للسياح الأجانب بالمدينة العتيقة والأحياء التي تعرف تجمعات بشرية كبيرة، حيث تعززت حملة محاربة الجريمة والمجرمين بفاس، مع التدابير الأمنية المشددة بالمغرب لتطويق أي تهديد إرهابي محتمل، بحسب ما كشف عنه المصدر الأمني للجريدة. التدخلات الأمنية المتواصلة والتي لا تزال مصالح الأمن الوطني بمدينة فاس تباشرها بمختلف أحياء المدينة، أسفرت، منذ انطلاقها عقب حادث السياح الألمان حتى الاثنين 23 نونبر الأخير، عن توقيف 4272 شخصا، من بينهم 2790 تم ضبطهم في حالة تلبس بارتكاب جنايات وجنح مختلفة، و1482 شخصا كانوا موضوع مذكرات بحث لتورطهم في قضايا زجرية خطيرة، حيث كشفت ولاية الأمن، تعليقا على حملتها الأمنية الواسعة بفاس، أن الأشخاص الموقوفين واجهوا تهما مختلفة، تراوحت بين حيازة المخدرات والسلاح الأبيض، وجرائم الضرب والجرح والتهديد والاختطاف، والسرقات والعنف، ثم الجرائم المتعلقة بالأموال والماسة بالأسرة والأخلاق، إضافة إلى معتقلين في قضايا متنوعة. الحالة الأمنية بعد الحملة خلفت الحملة الأمنية الواسعة، التي عاشت على إيقاعها مدينة فاس على مدى الثلاثين يوما، عقب الاعتداء على السياح الألمان، ردود أفعال متباينة، تراوحت بين مؤيد للطريقة التي عالجت بها السلطات الحالة الأمنية، وما أسفرت عنه من نتائج في تراجع معدل ومظاهر الجريمة، وانتقاد آخرين لهذه الحملة وكشفهم عن مخاوفهم من عودة الوضع الأمني إلى سابق عهده. حميد مفكر، تاجر بحي الطالعة، ورئيس رابطة الجمعيات التجارية بفاسالمدينة، علق في تصريحه للموقع، بالقول «إن عموم تجار وسكان المدينة العتيقة، لاحظوا تغييرا جذريا في الحالة الأمنية، نتج عنه ارتياح كبير لدى الجميع، والذي تعزز بفعل ما أصبحنا نراه بأم أعيننا من حضور قوي وعلى مدى ساعات اليوم لأفراد الأمن بزي عسكري يجوبون في دوريات متواصلة الأزقة والدروب والفضاءات السياحية، مما جعل فئة التجار والحرفيين وملاكي الفنادق والرياضات السياحية، والذين تضرروا كثيرا بعد حادث الاعتداء على السياح الألمان، يتنفسون الصعداء وهم يرون الحياة تعود إلى شرايين المدينة العتيقة والتي كادت أيادي الإجرام أن تقطعها». تجار آخرون كحميد مفكر، اختاروا التعليق على الحالة الأمنية الجديدة، عبر مناشدتهم لممثلي الجمعيات وعموم ساكنة المدينة، إلى المشاركة في إنجاح الحملة الأمنية القائمة بفاس، عبر انخراطها، كما قالوا، في التبليغ عن النقاط السوداء وأماكن وجود وتحرك المنحرفين والمتسببين في حالات الانفلات الأمني، كما طالبوا في حديثهم للموقع، بالإسراع لإعادة فتح مراكز الحراسة الأمنية بمختلف أحياء المدينة العتيقة، والتي كانت تعزز بعناصر القوات المساعدة، منها مركز عين الخيل، وزقاق لحجر، وبوعقدة، وإحداث مراكز أخرى، بالنظر إلى ما تلعبه هذه المراكز في الاستتباب الأمني وتمكين المواطنين من التبليغ عن حالات الانفلات الأمني»، يقول ممثل التجار بفاسالمدينة. في مقابل التطمينات التي عممها المسؤولون الأمنيون، وعلى رأسهم وزير الداخلية محمد حصاد، الذي أعلن أن مدينة فاس «تنقات أمنيا»، تظهر مخاوف «أهل فاس» من وضع المدينة تحت مسكنات مؤقتة، كما يقولون، وعودة المشاكل الأمنية إلى أزقتهم وشوارعهم، بمجرد انتهاء ملامح الاستنفار الأمني البادي للعيان بالمدينة، ورحيل التعزيزات الأمنية وعودتها إلى ديارها، ما بات يفرض، يقول كريم المالحي، العضو بغرفة التجارة والصناعة بجهة فاس – مكناس، ورئيس «رابطة تجار حي الطالعة»، الذي جرت فيه أطوار واقعة السياح الألمان، (يفرض) تعزيز الصورة الإيجابية للوضع الأمني الحاصل الآن، بمعالجة عاجلة للنقص الكامن في عناصر الأمن، وتوفير تعزيزات أمنية قارة»، حيث شدد المتحدث للجريدة على أن عناصر الشرطة السياحية بفاس، الذين لا يتعدون 54 عنصرا، بمقابل أزيد من 160 عنصرا بمدينة مراكش، باتوا بفاس عاجزين من تأمين الفضاءات السياحية من باب بوجلود حتى باب فتوح». من جهته، توقف محمد الصنهاجي، رئيس جمعية فاس للثقافة والتراث الإنساني، في حديثه عن بعض المشاكل الأمنية العالقة بعد حملة التدابير الأمنية المشددة، عند ما اعتبره «تركيز الوجود الأمني في الفضاءات السياحية، والنقاط السوداء بالأحياء الشعبية والتجمعات السكنية بالمدينةالجديدة، فيما أغفلت الخطة الأمنية المدارس بمختلف أنواعها الخاصة والعمومية بالمدينة العتيقة والمدينةالجديدة، في ظل الارتفاع المهول لحالات الانحراف ما بين التلاميذ والتلميذات، وانتشار تعاطيهم للمخدرات والقرقوبي بمختلف أنواعه، يقول الناشط الجمعوي الذي طالب برحيل المسؤولين الأمنيين الذين عمروا طويلا بفاس على رأس الدوائر والمناطق الأمنية لمدة تزيد لدى بعضهم عن 11 سنة، مما ولد لديهم نوعا من التراخي والتطبيع مع حالات الانفلات الأمني، بحسب تعبيره.