بعد فوز حزبه الساحق بالانتخابات البرلمانية، أصبح أردوغان داخليا الرجل القوي بلا منازع. بيد أن هذا الانتصار يثير قلق الأوربيين في أن يواصل أردوغان استخدام ورقة اللاجئين لابتزاز المزيد من الامتيازات من الاتحاد الأوروبي. من كان يشك من قبل في أن أردوغان هو الرجل القوي في تركيا، فسرعان ما تبين له – بعد فوز حزبه حزب العدالة والتنمية الكاسح في الانتخابات البرلمانية – أن الرئيس التركي سياسي محنك وذو نفس طويل: فبعد أن كان سجينا سياسيا، عندما كان يشغل منصب عمدة اسطنبول بسبب تصريح استخدم فيه صورا دينية، ها هو اليوم يثبّت رئيسا للبلاد وحزبه يحكم بلا منازع. ومن غير المستبعد أن يحوّل كذلك النظام البرلماني في تركيا إلى نظام رئاسي يكون هو على رأسه، ليقترب من تحقيق حلمه، على ما يقول منتقدوه، في أن يكتب اسمه بخطوط عريضة في تاريخ بلاده، وأن يكون إلى جانب مصطفى كمال أتاتورك – مؤسس الدولة التركية الحديثة – قائدا عظيما في عيون الأتراك. الصحف الأوروبية، والألمانية على وجه الخصوص، ترى فيه الآن "سلطانا" على خطى السلاطين العثمانيين في أوج قوتهم. ولكن هذا النصر الانتخابي لحزب أردوغان يثير المخاوف في أوروبا، ففي سياق متصل، علقت صحيفة نورد فيست بريسه في عددها الصادر مطلع هذا الأسبوع قائلة: "لقد نجحت المهمة: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو بلا منازع الفائز بالانتخابات البرلمانية في تركيا. (بيد أن) أردوغان ضعيفاً على الصعيد السياسي الداخلي كان من شأنه أن يشكل البديل الأفضل (لأوروبا)"، ذلك أن مراقبين يرون أن انتصار أردوغان قبل أسبوعين من قمة مجموعة العشرين في مدينة أنطاليا التركية سيزيد الضغوط على الحلفاء الغربيين، الذين هم بحاجة إلى تعاونه في عدة ملفات أهمها ملف اللاجئين وملف مكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية". ويبدو أن قلق الغربيين مبرر، ذلك أن أردوغان لم يظهر دائما تعاونه، بل كان مفاوضا قويا، وتعاون فقط عندما كان الأمر يصب في مصلحته مثلا من خلال السماح للأمريكيين باستخدام قواعد جوية على الأراضي التركية لضرب داعش. جاء ذلك فقط بعد العملية الانتحارية، التي نسبت لتنظيم "الدولة الإسلامية" في بلدة سروج التركية وأسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 30 قتيلاً. نائبة رئيس البرلمان الألماني كلاوديا روت تتوقع أن يكون لفوز حزب أردوغان بالانتخابات التشريعية عواقب سلبية على الاتحاد الأوروبي في أزمة اللاجئين. ففي حوار مع إذاعة "دبليو دي آر 5″ (WDR5) مطلع الأسبوع قالت روت، المنتمية لحزب الخضر الألماني المعارض، إنها تعتقد أن الرئيس التركي سيُملي على الاتحاد الأوروبي شروطه في المستقبل. كما انتقدت روت المستشارة الألمانية التي كانت أجرت محادثات مع أردوغان في إسطنبول قبل الانتخابات التشريعية المبكرة بأسبوعين، بحيث قالت: "أعتقد أن ميركل ارتكبت خطأ سياسيا كبيرا من خلال سفرها قبيل الانتخابات إلى أردوغان". لكن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي إلمار بروك اعتبر زيارة ميركل إلى تركيا في محلها، مشيرا إلى مدى دور تركيا، التي إلى جانب أنها تستضيف نحو مليونين ونصف المليون من اللاجئين، أغلبيتهم الساحقة من السوريين، تعد دولة عبور نحو أوروبا. وفي تصريحات لإذاعة إر.بي.بي. الألمانية قال بروك: "سوف لن نتمكن من حل أزمة اللاجئين بدون تركيا. ولذلك، فإن أردوغان في موقف القوي. يتعين علينا في كل الأحوال أن نتحدث معه إذا ما أردنا وقف سيل اللاجئين"، مضيفا: "الكثير يتعلق بمدى منة أردوغان علينا." تكلفة تعاون أردوغان باهظة جدا للأوروبيين فهل سيستخدم أردوغان ورقة اللاجئين لانتزاع المزيد من الامتيازات لبلاده من الاتحاد الأوروبي الذي ترك أبوابه موصدة أمام انضمام الأتراك إليه رغم المفاوضات المستمرة منذ عام 1999؟ صحيفة ميتلبايرشه تسايتونغ (Mittelbayrische Zeitung) لا تستبعد ذلك، حيث كتبت في عددها الصادر نهاية الأسبوع قائلة: "لقد أدرك الأوروبيون وبشكل متأخر وضع العديد من اللاجئين، فيما تجاهلوا الحرب والمعاناة في سوريا.(…) والكل بما ذلك يونكر (رئيس المفوضية الأوروبية) و(المستشارة الألمانية) ميركل يرفضان إقامة أسوار على الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي كحل (لمشكلة تدفق اللاجئين)، لأن ذلك من شأنه أن يبرهن على فشل أوروبا. بدلا من ذلك، يريدان حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تحت شعار: بعيد عن العيون، بعيد عن القلب." وتضيف قائلة: "ولكن أردوغان جعل راحة الضمير لأوروبا أمرا مكلفا للغاية: فإلى جانب المليارات لبناء مآو جديدة للاجئين، طالب باستئناف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وبتسهيلات على سفر المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي." وشددت الصحيفة في الوقت نفسه على أن "أوروبا ستستجيب لمطالبه ضد كل مثاليات الديمقراطية وضد كل مفهوم لسياسة المصالح الواقعية." رأي تشاطرها إياه صحيفة فرانكفورتر ألغيماينه (Frankfurter Allgemeine) التي علقت في عددها الصادر مطلع هذا الأسبوع على تداعيات فوز حزب أردوغان بالانتخابات البرلمانية قائلة: "تركيا تعد منذ زمن طويل دولة مفتاحا ما بين أوروبا والشرق الأوسط. فهي تؤثر على النزاعات في منطقة الجوار العربية، وتؤثر كدولة عبور للطاقة على رخاء أوروبا، ولكنها كدولة عبور للاجئين أصبحت تركيا تتحدى أوروبا. (…) وبالتالي، فإن تركيا شريك لا يمكن الاستغناء عنه، ولكنها شريك غير مريح". وأن ينظر إلى تركيا كشريك هو في الواقع مكسب لأردوغان في حد ذاته، على ما يقول أنصاره، الذين اعتبروا أنه جلب لهم الاحترام في أوروبا، حتى وإن كان ذلك احتراما تحت ضغط الحاجة إلى تعاونه في ظل تواصل سيل مئات الآلاف من اللاجئين على أوروبا. "لابد من لغة القوة مع أردوغان" ولكن البعض يحذر من ترك زمام الأمور بيد الأتراك. ففي سياق متصل، كتبت صحيفة نوردفيست بريسه في عددها الصادر مطلع هذا الأسبوع قائلة: "من الخطأ التعامل مع هذا النظام بحركات خنوع وخضوع. ذلك أن أردوغان لا يعرف إلا لغة القوة". وأضافت معلقة: "من الصواب دفع أموال للأتراك لكي يبقى اللاجئون في المنطقة ويحظوا بمعاملة إنسانية، ولكن يجب المطالبة بمقابل مناسب لذلك ومراقبة كيفية صرف الأموال. من مصلحة أوروبا ألاّ تخضع لابتزازات أنقرة، حتى وإن اقتضى الأمر أن يقوم الاتحاد الأوروبي بحماية حدوده". تركيا ملهمة العرب؟ ولكن ورغم كل التحفظات إزاء أردوغان وسياسته التي يغلب عليها الطابع القمعي، إلا أن تركيا قد تلعب دورا مهما بالنسبة لجيرانها العرب، على ما ترى صحيفة فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ، التي كتبت في عددها الصادر اليوم الثلاثاء (03 نونبر) قائلة: "فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات سيكون له إشعاع في العالم العربي. فالتركي أردوغان كان في عام 2011، عام الثورات العربية، بطل الشارع العربي وخاصة بطل الإخوان المسلمين. (وفوزه) سيدعم المحور السني مع السعودية. وقد تتحول تركيا إلى ملهم للجيران العرب، إذا ما سمح أردوغان في بلاده بما يتوق إليه العرب: ألا وهو الحرية."