أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره الموضوعاتي حول "وضعية المساواة والمناصفة في المغرب" بتعديل مدونة الأسرة "بشكل يمنح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل، فيما يتعلق بانعقاد الزواج وفسخه، والعلاقة مع الأطفال، وكذا في مجال الإرث"، وهو ما أثار جدلا بين مؤيدين للتوصية باعتبارها التزاما بالاتفاقيات الدولية، ومن رأى فيها مسا صريحا بالنصوص القرآنية الصريحة، ودعوة إلى إذكاء الفتنة في المجتمع. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتم فيها الدعوة إلى المساواة في الإرث بين الرجال والنساء، فقد سبق أن دعا إلى ذلك إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كما أن الجمعيات الحقوقية ذات المرجعية اليسارية طالما دعت إلى ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، إلا أن ما يعطي للموضوع أهميته هو صدور هذه التوصية عن مؤسسة دستورية يفترض أنها تعبر عن مختلف الحساسيات والتوجهات الفكرية والسياسية بالمغرب، وهو ما جعل توصيتها مثار جدل كبير. نزهة الوافي، النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، اعتبرت، في اتصال مع "اليوم 24″، أن موضوع الإرث محسوم بصريح القرآن، ومحسوم كذلك دستوريا، حيث ينص الدستور على إسلامية الدولة، وأضافت الوافي، التي نوهت بمضامين تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن موضوع الإرث وغيره من الموضوعات ذات الطابع الديني يجب اللجوء فيها إلى المجلس العلمي الأعلى، "ولا ينبغي أن يقفز على الموضوع من ليسوا أهلا له وليسوا ذوي اختصاص". الوافي، أكدت أن إثارة الموضوع تأتي خارج أولويات نساء المغرب، اللواتي ينتظرن مزيدا من الحقوق في الشغل والتطبيب ومحاربة العنف، لا أن يتم شغلهن بموضوع ليس ضمن أجندتهن. وترى الوافي "أنه على الداعين إلى مراجعة أحكام الإرث الرجوع إلى المجتمع أولا، واستفتائه في الأمر، لنرى ما إذا كان يوافق على هذا المطلب أم لا". ومن جهتها، قالت فوزية العسولي، رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، إن موضوع المساواة في الإرث الذي طالب به المجلس الوطني لحقوق الإنسان اقتضته ضروريات الحياة الآن، التي أصبحت فيها المرأة تشتغل وتتحمل كل الأعباء مثلها مثل الرجل، مبرزة أنه على علماء الدين أن يجتهدوا في هذا الإطار، وينصتوا إلى شكاوى النساء، كما انصت إليهن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مضيفة أن المشكلة ليست في النصوص الدينية، ولكن في العلماء والمجلس العلمي الأعلى، الذي لا يريد أن ينتبه إلى هذه المستجدات، مبرزة أنه من الظلم أن يرث العم مع البنات ويخرجهن من منزل والدهن المتوفي. أما الأستاذ الجامعي والكاتب المغربي اليساري، عبد الصمد بلكبير، فيرى أن دعوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى المساواة في الإرث تحركها أياد خارجية، غرضها خلق الفتنة وإلهاء المغاربة عن أولوياتهم الرئيسية. واتهم بلكبير أعضاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالتبعية للخارج، ومحاولة إشعال نار الفتنة في المجتمع. وأوضح بالكبير أن موضوع المساواة في الإرث ليس مطروحا في المجتمع المغربي على الإطلاق، مبرزا أنه يجب تحرير الأوطان من التبعية السياسية والاقتصادية أولا، ثم يمكن بعدها للمجتمع أن يقرر ما يريد في إطار ثوابته وحضارته.