أثارت توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان بإقرار المساواة بين المرأة والرجل الكثير من الجدل. ففي الوقت الذي رحبت بها الفعاليات النسائية، اعتبرها آخرون مجرد "هرطقة" وأنها "لا تدخل ضمن اختصاصات المجلس". مطلب للحركة النسائية رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، فوزية العسولي، قالت إن إقرار المساواة في الإرث بين المرأة والرجل مطلبٌ للحركة النسائية مبنيٌّ على التحولات التي عرفتها أوضاع النساء، خاصة الهشاشة والفقر، مشيرة إلى أن "60 في المائة من النساء اللواتي يتكلفن بالأسر يعشن في وضعية هشة". واعتبرت العسولي، في تصريح لهسبريس، أن "أحكام الإرث لم تَنْبنِ على تمييز على أساس الجنس، بل بُنيت على بِنيات اجتماعية كان فيها الزوج والأب والأخ يتكفلون بكل نساء العائلة والقبيلة"، وهو ما اختلف الآن بسبب تطور الأسر ولكون النساء أصبحن يشتغلن ويتحملن تكاليف أسر بكاملها. العسولي أضافت أن الدراسات أثبتت أن الإطار القانوني الذي يتم اعتماده الآن "يتضمن انتهاكات للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء، وفيه عرقلة للتنمية"، بحسب قولها، داعية إلى الإصلاح في إطار التوازن والعدل وفي إطار الدستور المغربي الذي ينص على مساواة جميع الحقوق بين النساء والرجال. قراءة النصوص بلا إساءة من جانبها، شددت خديجة الرويسي، الناشطة الجمعوية والحقوقية، والقيادية بحزب الأصالة والمعاصرة، على "ضرورة الاجتهاد في قراءة النصوص بما لا يسيء للذات الإلهية"، بحسب قولها. الرويسي أوضحت، في تصريح لهسبريس، أن موقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان "ليس ضد الدين، بل هو دعوة لتجديد النظرة والنصوص بما يتلاءم والعصر"، نظرا للأوضاع الاجتماعية الحالية ولكون المرأة "دخلت ميدان العمل وتؤدي الضرائب كاملة، وليس النصف"، بحسب تعبيرها. وأبرزت المتحدثة أن هناك أوضاعا اجتماعية تخلفها أحكام الإرث وصفتها ب "الصعبة"، ساردة مثال "التعصيب" الذي اعتبرت أن له "انعكاسات سلبية جدا على الأسر". اختصاص المجلس العلمي إذا كانت الحركة النسائية، وبعض الأحزاب المغربية، ترى في توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان "ضرورة ملحة" في الوقت الحالي، فإن هناك من يعتبر أن المجلس، بتوصيته تلك، تدخَّل في اختصاصات المجلس العلمي الأعلى. وفي هذا الإطار قال عبد العزيز أفتاتي، القيادي بحزب العدالة والتنمية، إن المناداة بالمساواة بين الجنسين في الإرث تعد "مزايدة على اختصاصات المجلس العلمي الأعلى، الذي من شأنه الإفتاء في مثل هذه الأمور". أفتاتي، وفي تصرحي أدلى به لهسبريس، وجه نقدا لاذعا للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، معتبرا أنه "مختص في الهرطقة" بل "ويسطو على اختصاصات مؤسسات أخرى (...) لكونه فاشل في مجاله ويحاول البحث عن فقاعات يحاول أن يشغل بها الناس"، بحسب تعبيره. وأردف أفتاتي: "هو مجلس لا يسمع به أحد، ولا يهتم سوى بالمواضيع الهامشية"، قائلا: "الكل يسمع بالمآسي في السجون ويتابع حالة المعطي منجب، لكن الCNDH غائب عن مجال اختصاصه، ولا يصدر أي رد فعل". وأكد أفتاتي أن المجلس "لا يهتم بقضايا الحريات العامة ومعاناة المعتقلين والناشطين، في حين يشتغل على مواضيع تكون محسومة سابقا، لذا فهو يقوم بهرطقة مبرمجة من أجل شغل الناس واستفزاز مؤسسات أخرى"، على حد تعبيره. الإرث والأولويات من جانبها، اعتبرت أمان جرعود، الكاتبة العامة للقطاع النسائي بجماعة العدل والإحسان، أن موضوع المساواة في الإرث بين الجنسين يدخل في إطار المواضيع التي يراد لها أن تحتل ساحات النقاش العمومي، "بل تحوير النقاش فيها إلى ساحة للمنازلة واستعراض العضلات الحجاجية وحلبة اصطفاف واستقطاب إيديولوجي"، مشيرة إلى أن هذا لن يكون له عائد إيجابي على وضعية المرأة. وتساءلت جرعود، في حديثها مع هسبريس، "هل بالفعل موضوع الإرث يشكل أولوية لدى المرأة المغربية؟ وهل إثارة الموضوع نابعة عن حاجة مجتمعية؟ لتجيب: "بالتأكيد لا". وقالت المتحدثة: "إن من يعتبر موضوع الإرث أولوية بالنسبة إليه هو الدولة المغربية في إطار التزاماتها الدولية ورفع تحفظاتها عن معاهدة سيداو وما يستتبع ذلك من ضرورة ملاءمة القوانين مع مقتضيات المعاهدة". وأبرزت جرعود أن ما تحتاجه المرأة المغربية هو مشروع مجتمعي متكامل يطرح بوضوح تصوره للإنسان ككل، رجلا وامرأة، ويطرح تصوره لقضايا المجتمع في نظرة شمولية جامعة، "بعيدا عن الارتجالية والترقيعية".