رغم مرور أزيد من أربع سنوات على وضع دستور 2011، فإن المقتضيات التي نصّ عليها فيما يخص الحكامة الأمنية «لازالت جامدة»، ومنها المجلس الأعلى للأمن، بحيث لم تفعل بعد، سواء من قبل الحكومة أو البرلمان. إدريس بلماحي، أستاذ جامعي وحقوقي، قال، خلال ندوة: «الحكامة الأمنية وحقوق الإنسان بالمغرب»، نظمتها جمعية «عدالة» أول أمس، إن بداية النقاش حول الحكامة الأمنية بدأ عقب العمل الذي قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة، ثم تقوّى أكثر مع وضع دستور 2011. وقال بلماحي إن من خلاصات هيئة الإنصاف والمصالحة «النقص في الحكامة الأمنية»، ما أدى إلى «ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان»، الأمر الذي دفعها إلى ضع ثماني توصيات. ولاحظ بلماحي أنه إثر العمل الذي قامت به الهيئة «لاحظنا غياب مبادرات من قبل مؤسسات الدولة لتفعيلها»، وهو ما دفع بهيئات حقوقية، وخاصة مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية إلى التفكير في الموضوع. التطور الثاني حدث مع وضع دستور 2011، حيث تقدم المركز بتوصيات دقيقة حول الحكامة الأمنية، تخص الحق في الأمن، وخضوع قطاع الأمن للقانون، وللمراقبة الداخلية والخارجية من قبل البرلمان والقضاء، وإحداث هيئة مشتركة للتفكير في الأمن. وهي الاقتراحات التي لم يُؤخذ بها كلها. وأكد بلماحي أن الدستور تضمن نصا يقضي بإحداث المجلس الأعلى للأمن (الفصل 54)، وينص على تشكيلته كاملة، كما ينص على تنظيمه بقانون داخلي، لكن بلماحي اعتبر أن «التشاور حول اختصاصاته يهم قطاعا واسعا من الفاعلين، وليس حكرا على أية جهة». هذا، وكان الملك محمد السادس قد استعرض القوانين التي نص عليها الدستور، خلال خطابه في افتتاح السنة التشريعية الجديدة يوم الجمعة الماضي 13 أكتوبر الجاري، سواء أكانت قوانين تنظيمية أو عادية إلا أنها لم تخرج بعد إلى حيّز الوجود، مطالبا الحكومة بتسريع العمل على الانتهاء منها خلال السنة التشريعية الحالية، غير أنه لم يشر إلى المجلس الأعلى للأمن باعتباره مؤسسة دستورية، والتي لم تفعل بعد. المبادرة الوحيدة التي أقدمت عليها الحكومة، منذ تنصيبها سنة 2012، هي تلك التي تتعلق بقانون 01.12 المتعلق ب»الضمانات الممنوحة للعسكريين»، وأثار، يقول بلماحي، نقاشا واسعا، وخاصة المادة 7 منه التي لا تساير مقتضيات حقوق الإنسان، كونها تمنح «حصانة شاملة للعسكريين» من المتابعة القضائية، ما دفع بمجلس النواب إلى إحالة الموضوع على المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أدار نقاشا حول القانون انتهى بالمصادقة عليه بالإجماع، بعد تعديل المواد المثيرة للنقاش فيه. مصطفى المانوزي، رئيس مركز الديمقراطية والأمن ومنتدى الحقيقة والإنصاف، قدّم تجربة المركز فيما يخص تجربته حول الحكامة الأمنية، مؤكدا أنه يعمل منذ سنة 2007 على مسارين: الأول يتعلق بتوفير الضمانات القانونية والمؤسسية لكي لا يتكرر ما جرى في الماضي، من انتهاكات حقوقية جسيمة. والثاني، العمل على ألا يستمر تحصين الانتهاكات مجددا. واعتبر في هذا السياق أن المادة 7 من قانون الضمانات الممنوحة للعسكريين، هي بمثابة «صفقة مشبوهة» بين الحكومة وجهات أخرى في الدولة، أرادت من خلالها «شرعنة الإفلات من العقاب». واعتبر المانوزي أن النقاش حول اختصاصات وصلاحيات المجلس الأعلى للأمن «قضية تهم كل الحقوقيين»، معبّرا عن أمله في أن ينظم «هذا المجلس بقانون، حتى يُسمح برقابة البرلمان عليه»، وأضاف «قد لا يكون لدينا ما نقوله بخصوص الأمن الخارجي والمؤسسة العسكرية، لكن لنا رأي في كل ما يتعلق بالسياسات العمومية، لذلك لابد من الإشراك». هذا، واستغرب المانوزي كون هذا الموضوع لازال خارج تفكير الأحزاب السياسية، فمن «أجل ترسيخ فعل أمني مواطن»، لابد من النقاش وإبداء الرأي، «لكننا صُدمنا يوم دعونا إلى ندوة داخل مجلس المستشارين الأحزاب السياسية غير أنها لم تستجب».