ظهور الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي في قفص الاتهام يوم أمس بداية «ساعة الحقيقة» بالنسبة إلى كبار جنرالات الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي. آثار الجريمة التي وقعت في 3 يوليوز بدأت تظهر، ولهذا جندت المؤسسة العسكرية 20 ألف رجل أمن من أجل إحضار مرسي من سجنه غير المعلن إلى قاعة المحكمة على متن طائرة هيلوكبتر. روبرت فيسك، الصحافي البريطاني الخبير بأحوال العالم العربي، كتب أمس يقول: «مصر مكان خطر للحكم. إذا كان رئيس منتخب وجد نفسه في قفص الاتهام، فما بالك بجنرال وصل إلى السلطة على ظهر دبابة». من يحاكم من؟ الرئيس الذي انتخبه %51 من الشعب قبل سنة، أم الجنرال الذي خان القسم الذي أداه يوم تعيينه، وعمد إلى تعليق العمل بالدستور وإقالة الرئيس، وإطلاق الرصاص الحي على المصريين في ساحة رابعة العدوية والنهضة، فقتل أكثر من 1500 مصري باعتراف وزارة الصحة المصرية، و5000 حسب جماعة الإخوان المسلمين. الرئيس المنتخب لأول مرة ديمقراطيا في انتخابات أشرف عليها الجيش بنفسه، وشهد بنزاهتها العالم.. هذا الرئيس ارتكب أخطاء كثيرة في الحكم، ولم يعرف كيف يخلق توافقا سياسيا حوله في مرحلة صعبة في تاريخ بلاد النيل، لكن هذا لا يبرر الانقلاب عليه وإراقة وديان من الدماء في شوارع القاهرة والاسكندرية وغيرها من الشوارع المصرية. أن يخرج ملايين المصريين من معارضي مرسي إلى الشوارع ينددون بأسلوب حكمه، هذا لا يعطي للجيش تكليفا بالانقلاب على الرئيس الذي لم يمض في السلطة سوى سنة، وهي فترة قصيرة جدا في الحكم، ولا يمكن لأي رئيس، كيفما كان لونه الإيديولوجي وقدراته السياسية، أن يحقق معجزات في مصر في ظرف سنة. إلى الآن، مصر غارقة في مشاكل بلا حصر رغم أن الجيش يحكم البلاد بقبضة من حديد، ورغم حالة الطوارئ التي رجعت من أيام مبارك، ورغم المليارات من الدولارات التي وضعتها دول الخليج في صناديق حكومة الببلاوي خشية أن يصل الربيع الديمقراطي إلى صحرائها القاحلة. الأسبوع الماضي لم تحتمل مصر «السيسي» برنامجا ساخرا كان يعده ويقدمه باسم يوسف على قناة «cbc». امتدت يد الرقابة العسكرية إليه ومنعته كما منعت قنوات تلفزية أخرى للإخوان المسلمين وغيرهم... رغم أن حلقته الأخيرة كانت متوازنة وكان يمشي فوق حبل رقيق ويزاوج بين نقد العسكر والإخوان في ذات الوقت، رغم أن هؤلاء خرجوا من الحكم إلى الزنازين والمنافي وحتى القبور. لقد خُدِع اليساريون والليبراليون والقوميون الذين اعتقدوا، تحت تأثير عداوتهم للإسلاميين، أن الجيش يمكن أن يكون بديلا ديمقراطيا عن صناديق الاقتراع. إن الثورة المصرية بدأت الآن، وما شهدناه في 25 يناير 2011 كان مجرد «بروفات» إعدادية. إن الثورة في بلاد مثل مصر لا تتم في 11 يوما. لقد خُدع الثوار عندما اعتقدوا أن عزل مبارك يمكن أن يشكل طريقا نحو الخروج من الاستبداد، وأن الدولة العميقة (الجيش، المخابرات، الأمن، وزارة الداخلية، الإعلام الرسمي، رجال الأعمال المتحالفون مع السلطة، كبار الكوادر الإدارية، ورؤوس المؤسسة القضائية الفاسدة) سترفع الراية بسهولة... أمام مصر طريق طويل من الدموع والدماء واللااستقرار قبل أن تصل إلى إرساء نظام ديمقراطي حقيقي. الربيع العربي لم يكن حلما كاذبا، لكنه في الوقت نفسه ليس هدية على طبق من ذهب جاء ليعطي الشعوب المقهورة ثورة «clé en main» جاهزة.