بشكل مفاجئ وغير متوقع قرر حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال التخلي عن كرسي المعارضة بعد أن نزل قبل ذلك من سفينة الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية، القرار الذي وصفه البعض بالانفرادي والموجه ضد حزب الاصالة والمعاصرة الذي لم يدعم الاستقلاليين في انتخابات رؤساء الجهة اختار من خلاله حزب الاستقلال العودة إلى سفينة الحكومة، لكن هذه المرة بطريقة مختلفة سبق لحزب العدالة والتنمية أن تبناها في زمن حكومة التناوب وهي "المساندة النقدية". القيادية في حزب الاستقلال كنزة الغالي عبرت بوضوح ولأول مرة عن قوة العلاقة التي تجمع حزبها بحزب العدالة والتنمية الأمر الذي يؤكد صوابية اختيار المساندة النقدية لدرجة الحديث على أن التحالف مع البيجيدي هو التحالف الطبيعي لحزب الاستقلال. موقف سياسي جديد وقد عودتنا قيادة حزب الاستقلال على انتظار المواقف الجديدة والمتناقضة أحيانا، لكنها هذه المرة صدمت بهذا الموقف قطاعات واسعة من مناضلي حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية أولا، والرأي العام الوطني ثانيا، وبذلك يصلح هذا المواقف كمؤشر أساسي على حجم التخبط الداخلي الذي يعيشه حزب الاستقلال، وتفكك الرؤية السياسية لقيادته، وغياب حسن تقدير الموقف السياسي. لكن يبدو أن قيادة حزب العدالة والتنمية وقواعده لن تسلم بسهولة لنزوات شباط السياسية، فالمؤمن في ثقافة إخوان بن كيران لا يلدغ من الجحر مرتين، وكما تخشى قيادة حزب العدالة والتنمية من غدر التماسيح والعفاريت، تخشى أيضا من لدغة الثعابين، ولأن نوايا الأمين العام لحزب الاستقلال متقلبة جدا وتوجد في بئر عميق لا يعرفه حتى بعض من قيادة الحزب نفسه، فقد ينطبق على قرار شباط ونواياه قول المثل العربي "النية السيئة تفسد العمل الصالح". وبعيدا عن عالم النوايا وتقلبات رجال السياسة بشكل دوخ المتخصصين في الشأن السياسي قبل غيرهم من عامة الناس، يستوقف كل متتبع وملاحظ اختيار حزب الاستقلال ليس فقط دعم بن كيران في انتخابات الجهة بل يزيد على ذلك بإعلان المساندة النقدية للحكومة وهو ما يستوجب الوقوف على ملاحظتين أساستين: الملاحظة الأولى: اختيار المساندة النقدية للحكومة في هذه الظرفية السياسية التي كان عنوانها البارز السقوط الكبير لحزب الاستقلال وأمينه العام بمدينة فاس والمقاطعات التابعة لها، هو اعتراف صريح بالهزيمة وعدم صوابية الاختيارات السياسية التي اتخذها حزب الاستقلال منذ تولي أمينه العام الحالي لمسؤولية إدارة الحزب، وأبرز هذه الاختيارات بدون شك قرار الانقلاب على الأغلبية والخروج من الحكومة؛ الملاحظة الثانية: لازال حزب الاصالة والمعاصرة بقيادة الرجل النافذ داخل الحزب وخارجه الياس العماري يشكل تهديدا جديا لحزب الاستقلال كما هو الحال بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، وهو ما يفسر رغبة جزء من قيادة الاستقلال في دعم بن كيران بانتخابات الجهة، في حين تمسك جزء من القيادة بدعم الياس العماري بالدار البيضاء وطنجة، وبذلك تعمقت جراح حزب الاستقلال وخلافاته بسبب نفوذ حزب الاصالة والمعاصرة وتحكمه في خريطة الجهة وأصوات الناخبين الكبار، الأمر الذي أثر في اختيارات أعضاء من اللجنة التنفيذية للحزب كانوا إلى عهد قريب من مناصري حميد شباط ضد تيار لا هوادة. الآن وقد اختار الأمين العام لحزب الاستقلال المساندة النقدية للحكومة، ماذا يعني هذا الاختيار بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي سبق له أن ساند وفق مقاربة نقدية حكومة عبد الرحمان اليوسفي؟ وما هي الالتزامات والتعاقدات الجديدة لقيادة حزب الاستقلال اتجاه الأغلبية الحكومة بمناسبة اختيار المساندة النقدية؟. في سنة 1999 أصدر حزب العدالة والتنمية كتيب صغير بعنوان "المساندة النقدية لحكومة التناوب"، بسط من خلاله التصور العام للحزب لفلسفة المساندة النقدية التي تقوم على منطلقين أساسيين: الأول مبدئي يتمثل في الحرص على مد جسور التواصل والتعاون مع جميع الاطراف المكونة للساحة من أجل الصالح العام وفق قوانين وعقود ومواثيق تضمن توفر أرضية هذا التعاون، والثاني واقعي يتمثل في أن المشروع التنموي لمغرب المستقبل لا يمكن أن ينجح في ظل تطاحنات حزبية لا تنقضي. من هذا المنظور، وبالرجوع إلى رؤية حزب العدالة والتنمية لمفهوم المساندة النقدية للحكومة – الذي اعتبره اختيار استراتيجي وليس تكتيكا مرحليا – يمكن استخلاص الالتزامات الجديدة التي على قيادة حزب الاستقلال الوفاء بها في حالة تصويت برلمان الحزب على قرار المساندة فيما تبقى من الولاية الحكومية وإلى غاية إجراء الانتخابات التشريعية لسنة 2016. سيكون من واجب حزب الاستقلال أولا: تفهم قرارات الحكومة كلما تبين أنها "مضطرة" إلى اتخاذ مواقف صعبة أو اختيارات مؤلمة بالنسبة لجزء من فئات الشعب لكنها تصب في المصلحة العليا للدولة والشعب معا، ثانيا: كما عليه واجب التعاون ما أمكن وتجنب أساليب الضرب تحت الحزام وعرقلة القرارات ذات الطابع الاجتماعي بحجة استغلالها كشعار في الحملات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، فالناخبون منحوا هذا الحزب المرتبة الأولى ليتخذ القرارات السياسية التي يرى أنها في صالح الشعب، وللشعب حق المحاسبة بعد ذلك في صناديق الاقتراع إما سلبا أو إيجابا، ثالثا: كما عليه الحذر من الانزلاق إلى منطق المعارضة من أجل المعارضة، والالتزام بمبادئ المعارضة البناءة التي تقتضي المساندة في كل ما يخدم مصلحة الوطن والشعب، والتنبيه إلى الخطأ ومعارضته إذا تبين غير ذلك، رابعا: وأخيرا المساهمة في الارتقاء بلغة الخطاب السياسي والابتعاد عن الاتهامات المجانية والمتناقضة التي تعزز منطق العزوف عوض المشاركة. باحث بسلك الدكتوراه علوم سياسية بالرباط