رغم شعارات محاربة الفساد، والدعوة إلى شفافية ونزاهة الانتخابات، إلا أن الانتخابات المحلية والجهوية الأخيرة التي نظمها المغرب، كأول انتخابات جماعية بعد دستور 2011 لم تخل من المظاهر المسيئة إلى العملية برمتها، حيث اشتكى مرشحون من توزيع المال وترهيب المواطنين من أجل التصويت على مرشحين بعينهم. وما إن تم الإعلان عن نتائج انتخابات 4 شتنبر الجاري حتى بدأت مرحلة ثانية من مسلسل، ما يعتبره العديد من المراقبين، وجه من أوجه "إفساد" العملية الانتخابية، حيث بدأت الأخبار تتناسل هنا، وهناك حول عمليات اختطاف تعرض لها بعض المنتخبين، مما أعاد إلى الأذهان مرة أخرى صور عملية شراء "الناخبين الكبار" قصرا أو اختيارا. ومما يوضح خطورة الأمر أن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، المشرف الأول عن الانتخابات، أكد في ندوة صحفية، السبت الماضي، أن عددا من مستشاري حزبه بمدينة أرفود مختبئون في مكان ما خوفا من اختطافهم. وفي مدينة كلميم، نظمت هيآت سياسية وحقوقية وجمعوية مسيرة حاشدة، مساء أمس الأحد، جابت شوارع المدينة تنديدا ب"اختطاف" عبد الوهاب بلفقيه رئيس بلدية كلميم المنتهية ولايته لمستشارين من حزب التجمع الوطني للأحرار من أجل التفاوض معهم في شأن التصويت لأخيه وترجيح كفته رئيسا للمجلس، بعد أن اتفقت أحزاب الأغلبية ممثلة في حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، إضافة إلى حزب الاستقلال على منح رئاسة المجلس لحزب التجمع الوطني للأحرار . ويرى الحبيب شوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني سابقا، أن ظاهرة اختطاف المستشارين بعد إعلان نتائج الانتخابات تعود إلى أسباب موضوعية بعضها مرتبط بالشق القانوني، حيث إن القوانين المنظمة للانتخابات متخلفة جدا عن روح الدستور، الذي حسم في قضية رئاسة الحكومة بمنحها للحزب المتصدر للانتخابات، مبرزا أنه لو نص القانون صراحة على منح رئاسة المجالس المحلية والجهوية للحزب الذي احتل المرتبة الأولى، لما بقيت مثل هذه الظواهر المشينة والمسيئة للعملية الانتخابية موجودة. وشدد الشوباني على أن الحل لظاهرة اختطاف وشراء الناخبين الكبار يتمثل في مسألة وحيدة وهي أن تنص القوانين المنظمة للانتخابات على منح الرئاسة للحزب الأول، وهو إجراء من شأنه، حسب الحبيب الشوباني أن يجعل التصويت على الأحزاب والبرامج بدل الأشخاص، مما سيساهم حتما في اختفاء اللامنتمين، وسيعزز من شفافية ومصداقية العملية الانتخابية، يقول الشوباني، قبل أن يخلص إلى أن الإشكال قانوني بالأساس، داعيا إلى حله في المستقبل. وأوضح القيادي في حزب العدالة والتنمية أن الأمر الثاني الذي يساهم في ظاهرة "اختطاف المستشارين" متعلق بالأحزاب السياسية التي انتهت إلى حالة من الضعف وأصبحت تزكيتها للمرشحين من دون مضمون سياسي، مبرزا أن كثيرا من التزكيات يمكن أن نطلق عليها عبارة "تزكيات آخر ساعة"، مما يفسر أن الإشكال يتعلق في جزء منه بالوضعية الحزبية المعطوبة، إذ إن المرشح بمجرد ما أن ينجح في الانتخابات حتى يقطع علاقته بالحزب الذي ترشح باسمه. ومن جهته، أوضح المحلل السياسي، المعطي منجب، في اتصال مع موقع "اليوم 24 " أن اختطاف المستشارين في المغرب عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات يمكن أن نطلق عليها عبارة "الاختطاف الاختياري"، إذ إنه في الغالب الأعم لا يكون قسريا، بل برضاهم، حيث إن هذه العملية تحفظ لهم ماء الوجه أمام الذين سبق أن تعاهدوا معهم على التحالف ودعمهم، مما يعني أنهم يجدون في "الاختطاف الاختياري "أو اختطاف خمس نجوم وسيلة للاختفاء عن الأنظار حتى لا يضعون أنفسهم في موقف محرج مع باقي المنتخبين". وأشار المؤرخ السياسي إلى أن هذه الظاهرة قديمة ورافقت كل الانتخابات التي عرفها المغرب، مبرزا أنها تؤكد أن "سوق الانتخابات" في المغرب يمر عبر مرحلتين، مرحلة شراء الناخبين الصغار، ثم الكبار، مبرزا أن ثمن الصوت الواحد لهؤلاء يقدر بالملايين، عكس الناخبين الصغار، الذين لا يتجاوز صوتهم في الغالب الأعم 200 درهم. ويرى المعطي منجب أن القوانين الانتخابية تزكي الفساد واستشراء هذه الظاهرة المسيئة للعملية برمتها.