كشف آخر تقرير أنجزه مركز بروكينغ بالدوحة في شهر غشت 2015 الجاري يحمل عنوان: «المقاتلون الأجانب العائدون: تجريمهم أم إعادة دمجهم»؟ أنه بالرغم من تقديرات الأممالمتحدة الأخيرة بشأن عدد المقاتلين الأجانب الذين انضموا للجهاد في سورياوالعراق إلى حدود أبريل الماضي في 22 ألف مقاتل أجنبي، فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار وجود مقاتلين أجانب غير مسجلين، ليصبح من الممكن أن يصل العدد إلى 30 ألف مقاتل أجنبي. هذا، ناهيك عن إشارة التقرير إلى الرحلات المتزايدة لمقاتلين أجانب إلى سورياوالعراق رفقة آخرين ممن يقومون بأدوار «مدنية» ضمن سياق جهادي بمن فيهم النساء والأطفال. لذلك، يؤكد التقرير أن حجم قضية المقاتلين الأجانب يمثل تحديا خطيرا للدول التي ينتمون إليها وللمجتمع الدولي على مستوى السياسات الأمنية. ويكشف التقرير أن سورياوالعراق شهدتا أكبر حركة تنقلات للمقاتلين الأجانب: بلغ عدد المقاتلين من تونس 3 آلاف مقاتل، ومن السعودية 2500 جهادي، و2200 مقاتل من الأردن، وحوالي ألفي مقاتل مغربي، إضافة إلى 900 مقاتل لبناني، و600 مقاتل من ليبيا، و360 من مصر. هذا، وحسب الرسم البياني رقم 1 المرفق بالتقرير يعتبر المغرب رابع كتيبة جهادية انضمت للقتال في سورياوالعراق داخل قائمة 20 بلدا أجنبيا مُصدِّرا للمقاتلين الأجانب تضم فرنسيين وروس وأتراك وبريطانيين وألمان وأوزبك وباكستانيين ومقاتلين من بلجيكا وقيرغيرستان والبوسنة وحتى من الصين والسويد. تهديدات محتملة لا مفر منها يشير التقرير لتحليلات خبراء مختصين مثل توماس هيجهامر الذي يعتقد أن وقوع هجوم من قبل أحد المقاتلين العائدين يبقى «أمرا لا مفر منه تقريبا»، وأن 11 في المائة من المقاتلين العائدين سوف يشكلون تهديدا إرهابيا عقب عودتهم إلى أوطانهم، وحسب التقرير يقول هيجهامر «إن معدل حدوث ارتدادات سلبية يتفاوت بشكل كبير بين الصراعات، لذلك لا يمكننا تعميم متوسطات الصراعات على حالات فردية مثل سوريا». وتشير دراسات توماس هيجهامر الأولية لحالات الصراع السوري إلى أن 1 فقط، من كل200-300 من المقاتلين الأجانب العائدين قد شكل تهديدا. وهنا يطرح التقرير عدة تساؤلات من بينها: هل سيعود هذا العدد من المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم؟ وإذا ما عادوا بالفعل، فهل يشكلون تهديدا على بلدانهم؟ بالتأكيد، يقول تقرير معهد بروكينغ في الدوحة، إن الدافع الإيديولوجي للمشاركة في الجهاد في سوريا هو دافع قوي. فعلى سبيل المثال، يعتقد عدد من الجهاديين الغربيين على الخصوص أن النبي عيسى سوف يعود إلى الأرض عند المنارة البيضاء في المسجد الأموي بدمشق قبل نهاية العالم. كذلك وجد جهاديون تفسيرا لحديث آخر تنبأ به النبي محمد أن ثلاثة جيوش ستظهر في آخر الزمان: جيش الشام وجيش اليمن وجيش العراق. وعندما سأل أحد الصحابة النبي محمد أن يختار له جيشا كي ينضم إليه لو عاش ليرى ذلك اليوم – كما يزعم العديد من الجهاديين- فقال له النبي أن يذهب إلى الشام فهي خير أرض الله. ويوضح التقرير أنه طالما أن الصراع لازال مستمرا في سوريا، فإنه من الممكن للمقاتلين ممن لهم دوافع إيديولوجية أن يظلوا أكثر التزاما بالبقاء من أجل القتال في تلك الساحات بدلا من عودتهم للتخطيط لهجمات في بلدانهم الأصلية، غير أنه مع ذلك، فإن وحشية الصراع الناشب واستمرار العداوات بين المجموعات الإسلامية المقاتلة قد أوجدت شعورا بخيبة الأمل لديهم، ما يجعل العودة سيناريوها معقولا بالنسبة إلى البعض. وفي السياق نفسه، يؤكد التقرير أن معدل تدفق المقاتلين المتلاحق على سوريا رفع من التهديد المحتمل، فاشتراك مقاتل أجنبي واحد ضمن خلية إرهابية يزيد، إحصائيا، من احتمال تنفيذ هجوم ناجح والتسبب في حدوث الوفيات، وهي ظاهرة تعرف حسب التقرير باسم «تأثير المحارب القديم»، لاسيما وأن الدولة الإسلامية اعتمدت حتى الآن على إلهام ما يسمى ب»الذئاب المنفردة» لتنفيذ هجمات محلية. ثقل المسؤولية الأمنية يشير التقرير إلى أنه مع عودة المقاتلين الأجانب إلى ديارهم، ينتقل عبء المسؤولية إلى حكومة البلد الذي يعودون إليه لتحديد الاستجابات الأكثر فعالية لهذه المسألة. وهكذا سيتم التعامل مع كل عائد كحالة خاصة، مضيفا أن التحليلات الإحصائية تشير إلى أن أغلبية كبيرة من المقاتلين الأجانب العائدين من غير المرجح أن تكون لديهم نوايا عدوانية. وحسب التقرير دائما، شجع حجم القضية المتعلقة بالصراع في سوريا على تكوين رد فعل أمني للتعامل مع المشكلة، وكان ذلك صحيحا بشكل خاص في أوروبا، إذ يبدو أن التهديد المحتمل أكبر مما هو عليه في الدول الأبعد كالولايات المتحدةالأمريكية وكندا وأستراليا. بين التشدد والسياسات الاندماجية يوضح التقرير أن الدول تبنّت في تعاملها مع مقاتليها العائدين أساليب تنقسم في الغالب إلى نوعين: متشددة أو ليبرالية. غير أنه يمكن أن يترتب محليا على وجود خلل في السياسات المعتمدة تداعيات خطيرة، خاصة عندما يتجاهل تحقيق الأهداف الأمنية على المدى القريب القضايا الأخرى طويلة الآجل، مثل الاندماج الاجتماعي والتماسك المجتمعي والعلاقات بين الدولة والمواطن. في حين أن للسياسة المتشددة (التجريم) أو الليبرالية (إعادة التأهيل وإعادة الإدماج) مزاياها وعيوبها. مع اعتماد شبكة التوعية ضد التطرف وانتهاج سياسة فعالة للتعامل مع المقاتلين الأجانب العائدين، والتي تتطلب إجراء حوار ومشاركة مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، كأفراد العائلة المباشرين أو الأبعد، وأفراد المجتمع وقادته ورجال الدين والمعلمين والسلطات المحلية والشرطة وأجهزة المخابرات، أي حسب تقرير بروكينغ في الدوحة، نهج سياسات أمنية واندماجية متعددة المحاور في إطار عملية مكثفة ودقيقة للتعامل مع المقاتلين الأجانب العائدين ضمن بيئة من التعاون والشفافية، وتمكين الفاعلين المحليين، حسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2178، العمل على نزع التطرف والعمل على إعادة الدمج في المجتمع وإعادة التأهيل. تجارب مقارنة للدمج والتجريم وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى تجربة الدانمارك في مدينة آرهوس، ثاني أكبر مدينة دانماركية، والتي انخرطت فيها الشرطة والمجلس البلدي بالتنسيق مع منظمات غير حكومية في برنامج لمنع المقاتلين العائدين من المغادرة من خلال برنامج الوقاية المبكرة، وتشجيع الآخرين على العودة من خلال برنامج «الخروج»، مع اعتقال ومحاكمة المقاتلين العائدين الذين تأكدت مشاركتهم في الإرهاب بموازاة مع تقديم المساعدة للآخرين، عبر تأمين فرص العمل والسكن والتعليم والإرشاد النفسي لهم. ولا ترمي هذه البرامج إلى تغيير العقيدة الإسلامية المحافظة مادامت غير عنيفة. أيضا يشير التقرير إلى مشروع يُعرف باسم «حياة» الجاري به العمل في ألمانيا، والذي يعمل على تقييم فردي للمقاتلين الأجانب العائدين وتوجيههم عندما يكون ذلك ممكنا من خلال عملية الإرشاد، وإعادة الدمج في برلينوألمانيا الشرقية وفق رؤية مستشارة المشروع برزك، التي ترى ضرورة التفريق بين أنواع العائدين وإدراك أن الزج بهم في السجن قد يعزز في الواقع من التطرف. وتضيف جوليا «نحن في حاجة إلى فتح بعض الأبواب من أجل تأمين مخارج». ويكشف التقرير أن بلجيكا تسير على النهج الدانماركي والألماني في التعامل المزدوج مع المقاتلين الأجانب العائدين: التجريم والعقاب والدمج ومكافحة التطرف الوطني وإعادة دمج الأفراد المعرضين للخطر، مع ضرورة الأمن في المقام الأول. والشيء نفسه بالنسبة إلى برنامج «القناة» في بريطانيا الذي يحدد أولئك المعرضين لخطر التطرف ويضع خطط الدعم المناسبة لحماية العائدين من تكرار تجربة الجهاد. معهد بروكينز-الدوحة