تعتبر الانتخابات المقبلة ثاني انتخابات تجرى في المغرب في ظل دستور 2011. وإذا كانت الانتخابات التشريعية لسنة 2011 قد تميزت بقدر من النزاهة وخلت من أي طعن سياسي، فإن للانتخابات الجماعية خصوصية، لأنها تهم انتخاب الجماعات الترابية، من جماعات محلية وأقاليم وجهات، ولهذا، فإن الأحزاب تراهن عليها كثيرا لتعزيز حضورها في التسيير المحلي. السؤال المطروح هو: هل ستمحو انتخابات شتنبر 2015 ما جرى من تحكم في انتخابات 2009؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة لهذه الانتخابات؟ سيناريو الانتخابات المزورة على مدى تاريخ المغرب الانتخابي، كان التزوير هو سمة المحطات الانتخابية المتعاقبة منذ أول انتخابات جرت بعد الاستقلال. التزوير تحول بذلك إلى معطى بنيوي، وكان يتم بترابط مع مسار الصراع السياسي بين أحزاب المعارضة والسلطة حول شكل نظام الحكم الذي ينبغي أن ينهجه المغرب. فأمام نظام سياسي متحكم ومغلق، لم يكن مسموحا بلعبة انتخابية مفتوحة وديمقراطية، خاصة أن الملكية كانت تنظر إلى أحزاب الحركة الوطنية المعارضة كمنافس على الحكم. وهكذا، فإن أول انتخابات عرفها المغرب تم رفضها من طرف كل من حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ووصفاها ب«الفضيحة» لأنها تميزت بتدخل السلطة لصالح فوز حزب «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية،» الذي كان يعرف ب«حزب الملك». والأمر نفسه انطبق على انتخابات 1970، و1976، ثم انتخابات 1977، التي فاز بها اللامنتمون ونددت بها المعارضة. وفي انتخابات 1983، جاءت الإدانة ليس فقط من أحزاب الحركة الوطنية، إنما أيضا من حزب محسوب على الإدارة هو «التجمع الوطني للأحرار». ثم جاءت انتخابات 1992 الجماعية و1993 التشريعية لتكرس الممارسات نفسها رغم اعتماد عدد من الضمانات لأول مرة، ومنها التمويل العمومي للحملات الانتخابية، واستعمال وسائل الإعلام العمومية، وتقديم الضمانات الإدارية والقضائية المتصلة بالتسجيل في اللوائح الانتخابية، ومع ذلك وصفت المعارضة نتائجها بأنها اتسمت ب«التزوير المكشوف بأحط أشكاله». ثم جاءت انتخابات 1997 في سياق خاص يتسم بتحضير المعارضة لقيادة الحكومة، في إطار مصالحة مع الملكية، وفي سياق موافقة المعارضة لأول مرة على دستور 1996. وأحيطت هذه الانتخابات بضمانات سياسية وقانونية، وحرص الملك الراحل الحسن الثاني على تأكيد التزامه المباشر بالسهر على نزاهة الانتخابات، ووضع «ثقله» و«هيبته» وصلاحياته الدستورية «لتمر جميع الانتخابات في جو من الاستقامة والشفافية»، وكان مما قاله الحسن الثاني: «إنني مللت أن أسمع أو أن يسمع عن بلدنا أن انتخاباته لم تكن نزيهة، أو أن استشاراته كانت مشوبة». وبناء على ذلك، صدر تصريح مشترك بين الأحزاب والسلطات، لضمان النزاهة مع التزام أخلاقي، وتم التصويت بالإجماع على مدونة الانتخابات. ومع ذلك، بعدما صدرت النتائج، فإن التزوير بقي سيد الموقف، وتم لأول مرة تسجيل رفض برلمانيين اتحاديين مقعديهما «المزورين». ويرى مراقبون أنه بعد تجربة التناوب لم تعد السلطة تلجأ إلى التزوير الفاضح، إنما إلى أساليب التحكم في الانتخابات بمختلف الوسائل، ولهذا يرى عبد المغيث بنمسعود تريدانو، الأستاذ الجامعي، أن «الأساليب التقليدية للتزوير» تم التخلي عنها، وأصبحت مستبعدة في الانتخابات اللاحقة، مقابل ما يصفه ب«التأطير» الانتخابي، أي التحكم في النتائج من خلال عدة وسائل. الموقف نفسه يعبر عنه عبد الله بوانو، رئيس فريق العدالة والتنمية، الذي يرى أن «التزوير الفاضح لم يعد ممكنا»، لكنه يركز على دور النخب الحزبية في إفساد الانتخابات. ويرى المهدي مزواري، برلماني الاتحاد الاشتراكي، الذي يستعد للترشح للانتخابات في المحمدية، أن «المال هو أكبر خطر حاليا وهو الذي سيحسم الانتخابات». سيناريو الانتخابات النزيهة هناك ثلاثة معايير للحكم على أي انتخابات بأنها نزيهة. أولا، أن تكون حرة، بحيث تتسم بحرية الناخبين والمرشحين في التجمع وتنظيم حملات للدعاية وفقا للقانون، وحقهم في الذهاب إلى صناديق الاقتراع من عدمه، والتصويت على من شاؤوا بناء على قناعاتهم. ثانيا، أن تكون شفافة، حيث تجرى بوضوح وأمام المراقبين والملاحظين، وفي صندوق شفاف لا يخضع لأي تلاعبات، وأن تحصى الأصوات أمام المراقبين والملاحظين، وتسلم المحاضر للأحزاب، ثم أن تكون نزيهة، أي خالية من تدخل السلطة للتأثير على العملية الانتخابية، وبعيدة عن تأثير المال لاستمالة الناخبين، وهذه مسؤولية الأحزاب والنخب. وإذا كان المغرب قد حسم في السنوات الأخيرة في مسألة حرية الانتخابات، حيث لم يعد يساق الناس بالترهيب إلى مراكز الاقتراع، مع تهديدهم بأنهم لن يحصلوا على وثائق إدارية إن لم يصوتوا، كما تم الحسم في شفافية الانتخابات باعتماد الصناديق الشفافة وبحضور المراقبين، سواء من ممثلي الأحزاب أو من ممثلي المنظمات الوطنية والدولية، إلا أن سؤال النزاهة مازال مطروحا، ولكنه بات يسائل أساسا السلطة والأحزاب على السواء. يقول عبد الله بوانو، رئيس فريق العدالة والتنمية، ل«أخبار اليوم»، إن تجارب الانتخابات الأخيرة أظهرت أن «المسؤولية الأكبر باتت تتحملها النخب الحزبية، التي تستعمل المال وتبحث عن التواطؤ مع السلطة». ويرى بوانو أن الأحزاب أصبحت تضع نصب أعينها الفوز بأي ثمن، ولهذا فإنها تبحث عن الأعيان الذين لهم نفوذ مالي وعلاقات مع السلطة تمكنهم من الفوز. ويكاد يتفق معظم السياسيين من أحزاب مختلفة على خطورة استعمال المال، فحسب نور الدين مضيان، فإن السلطة تعرف من يستعمل المال لكنها لا تتدخل، معتبرا أن المال «أكبر خطر». وفي غياب إجراءات ووسائل لردع مستعملي المال ووضع حد للحياد السلبي للسلطة، فإن فرضية انتخابات نزيهة كليا في المغرب تبقى موضع سؤال، ما يجعل سيناريو التحكم الذي حصل في انتخابات 2009 يعود إلى الأذهان. سيناريو التحكم الانتخابي طالما مورس التحكم في الانتخابات بالموازاة مع عمليات التزوير الفاضح للانتخابات. ويتم التحكم في الانتخابات من خلال عدة وسائل، منها نمط الاقتراع: إن النمط اللائحي يعتبر أقل إتاحة لاستعمال المال، لكنه في المغرب لا يطبق سوى في حوالي 200 دائرة، في حين أن أزيد من 1300 دائرة تعرف الاقتراع الفردي، الذي يساعد على استعمال المال. ثانيا، يتم التحكم في التقطيع الانتخابي، فرغم صدور قانون يحدد معايير التقطيع، فإن وزارة الداخلية لم تعد النظر بشكل كبير في التقطيع الحالي، ما يجعل التقطيع يساهم في دعم التحكم الانتخابي. وحسب نور الدين مضيان، رئيس فريق الاستقلالي، فإن «التقطيع يسمح بوضع دوائر على المقاس». ثالثا، هناك مشكل دعم رجال السلطة للأعيان المرشحين محليا، وحثهم على الانتقال إلى أحزاب معينة، والتغاضي عن ممارساتهم سواء باستعمال المال، أو الإغراءات. ويمارس التحكم بشكل كبير في العالم القروي، حيث تنتشر الأمية، وتسود سلطة الشيخ والقائد. وقبيل الانتخابات المقبلة، تنشط حركية كبيرة للأعيان ومحترفي الانتخابات من حزب إلى آخر، ما يوحي بأن النتائج ستكون متحكما فيها عموما، ما يرجح سيناريو التحكم في الانتخابات المقبلة.