بنكيران ظاهرة سياسية، وآلة تواصلية، وقوة خطابية، وزعامة فرضت نفسها اليوم.. هذه حقائق لا يختلف حولها خصوم بنكيران كما أصدقاؤه.. هو رجل مثير للجدل طبع مرحلة سياسية بأكملها، بما له وما عليه. هو رئيس أول حكومة بعد الدستور الجديد والربيع الجديد والوعود الجديدة بالإصلاح والتغيير… عندما يفرح يطلق نكتا وضحكات لا تخلو من رسائل سياسية. عندما يغضب يخرج أسلحته الثقيلة في وجه خصومه، ويبدأ في إطلاق النار، يتحدث بأكثر من لغة إلا لغة الخشب.. سيرة بنكيران صارت اليوم على كل لسان، فهناك من يحبه وهناك من يكرهه، وهناك من يقف في الوسط بين الحب والكره، يتفق معه ويختلف حسب الظروف والأحوال، لكن الجميع يتابع خطبه، قراراته، معاركه، خرجاته، وحتى صمته صار يؤول اليوم في الساحة السياسية، وتعطى له مبررات ودلالات… للاقتراب أكثر من بنكيران الإنسان، نخصص هذه السلسلة الرمضانية للحديث مع الرجل الثاني في الدولة على لسانه، وبالرجوع إلى ذاكرته هو دون وساطة أو توسط.. بعيدا عن السياسة، قريبا من بنكيران المواطن، والغرض أن نفهم زعيم العدالة والتنمية أكثر، أن نعيد قراءة سيرته، ومراحل تشكل وعيه، وتضاريس الواقع الذي أحاط به. إنها سلسلة للاقتراب أكثر من هذا الذي صار سيرة على كل لسان.. لنتابع… بنكيران: والدي تزوج أربع نساء وأخي الأصغر نال حظا أكبر من حنان الأم اول ما يبادر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى إثارته والحديث عنه حين تسأله عن أصوله العائلية وطفولته الأولى، هو والده الراحل المختار بنكيران. حديث تكاد تغالبه دموعه وهو يسترسل في تذكّر تفاصيل علاقته القوية والاستثنائية بوالد يعتبره السبب في الشخصية التي باتت اليوم تتصدّر أكبر حزب في المغرب وتقود حكومته، لما أحاطه به من عناية و»حماية» وتمكينه من حرية مطلقة في القول والتصرّف. فرغم أن أولى حلقات هذه الدردشة البعيدة عن السياسة انطلقت بقصة «السلخة» التي نالها عبد الإله بنكيران من أحد إخوته حين حاول أن يصوم قبل الأوان، إلا أن ذاكرته تحتفظ بمرات عديدة حاول فيها أحد إخوته ضربه ليتدخّل الأب ويمنع ذلك. «والدي هو ثالث الإخوة الذكور في أسرة جدّي المرحوم حماد بنكيران، هذا الأخير خلّف كلا من الأمين وأحمد، وهما عمّاي، والحاج المختار الذي هو والدي رحمة الله عليهم»، يقول بنكيران في لحظة تذكّر مثيرة. الحاج المختار وعلى عادة رجال العهود القديمة من التاريخ الحديث للمغرب، تزوّج أربع نساء. «تزوّج بالأولى وخلّفت له ولدا واحدا، ثم الثانية فخلّفت له ولدين وبنتا واحدة، كلّهم توفّوا الآن رحمهم الله، آخرهم الأخت التي توفّيت مؤخرا وأقيمت جنازتها بالدار البيضاء، ثم تزوّج امرأة ثالثة لم تلد له أولادا، قبل أن يتزوّج بالرابعة، والتي هي والدتي، حيث خلّفت له بنتا واحدة وأربعة أولاد، أي أننا خمسة إخوة أشقاء»، يقول بنكيران. كان الطفل عبد الإله بنكيران ما قبل الأخير في ترتيب إخوته الأشقاء، أي قبل أخيه يوسف، آخر العنقود. هذا الأخير وُلد قبل أن يتمّ عبد الإله سنته الأولى، ما جعل مهمة رعايته وتتبّعه صعبة إلى جانب شقيق يقاسمه حضن والدته. «شعرت دائما أن أخي الأصغر نال حظه من حنان الوالدة أكثر مني، بينما ساعدتها كل من زهرة وفطومة، وهما سيدتان كانتا تقيمان معنا، في رعايتنا، وإحداهما مازالت تعيش معي إلى اليوم، وهذا ما قد يفسّر شكلي الذي أبدو فيه شعبيا إلى حدّ كبير، حيث كبرت في وسط شعبي وبتربية شعبية»، يضيف بنكيران.