اليوم24: شتوتغارت في صيف العام 2008، كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأولى في تاريخ هذه القوة الاقتصادية والعسكرية، التي استرعت انتباه سكان أفقر قارات العالم وأكثرها أمراضا وحروبا وخضوعا للاستغلال، أي القارة الإفريقية. الأمر لا يرتبط بتنافس مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري في تقديم الوعود السخية لانتشال هذه القارة من ظلم تاريخي لحقها على مرّ العصور، بل لأن أحد المتنافسين وأكثرهما حظوظا كان أحد أبناء جلدة الأفارقة، وسليل أسرة كينية حديثة الانتقال إلى إمبراطورية العالم الجديد، والرجل الذي سحر الأمريكيين قبل غيرهم بشعار «نعم نستطيع». إلا أن أهم ما سيميّز فترة ولايتين متتاليتين قضاهما هذا الرئيس الديمقراطي للولايات المتحدةالأمريكية، وإلى جانب زيارات خاطفة إلى كل من القاهرة ودكار وجنوب إفريقيا، سيكون تحقيقه لأكبر مشروع عسكري أمريكي غير معالم الانتشار العسكري الامريكي في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وهو المتمثل في إحداث قيادة عسكرية إفريقية على غرار نظيراتها الأوروبية والآسيوية والشرق أوسطية. «أفريكوم» ليست واحدا من وعود البرنامج الانتخابي للرئيس الديمقراطي باراك أوباما، بل إن هذا الأخير حين كان يجري آخر استعداداته ويحصي قيمة التبرعات المالية التي راكمها لخوض الانتخابات ويتفقد فرق دعايته الفيسبوكية التي ستحمله إلى البيت الأبيض، كانت إدارة الرئيس الجمهوري الشهير بغزواته المدمّرة، تصادق على حلم طالما راود القادة العسكريين الأمريكيين، يتمثل في نقل جزء من القوة العسكرية الأمريكية المتمركزة في أوروبا نحو الجنوب، لتبسط قبضتها القوية على «العالم الجديد» للعصر الحالي، بعدما كانت أمريكا نفسها قبل بضعة قرون الأرض العذراء التي تتنافس الدول في استكشافها وغزوها واستيطانها. المعطيات المؤرّخة لنشأة هذا العنصر الجديد في البنية الدفاعية الأمريكية، تقول إن تفكير جنرالات واشنطن في إفريقيا بدأ مستهل الثمانينيات، حيث تم إدخال القارة السمراء ضمن مجال إشراف القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي، باعتبارها مجرّد حديقة خلفية لحلفاء أمريكا الأوروبيين ومستعمرات «سابقة» لدول مثل فرنساوإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وهولندا… من إسرائيل إلى شتوتغارت تدريجيا أخذت طموحات الجنرالات الأمريكيين تتّسع ليطالبوا رسميا وابتداء من أواخر التسعينيات، بإحداث قيادة جديدة مخصصة بالكامل لإفريقيا، وهو ما سيتحقق في عهد بوش في العام 2006. وبما أن القرار في البنية السياسية الأمريكية لا يصدر إلا بناء على عملية ضغط و»لوبيينغ» وإقناع بجدوى الخطوة، كان في صدارة المدافعين عن الفكرة مركز تفكير أمريكي إسرائيلي اسمه «IASPS»، وكما لو كانت إدارة بوش الجمهورية تسابق الزمن لتوريث الديمقراطيين هذا المولود الجديد، أعلن عن تأسيس القيادة الإفريقية للجيش الأمريكي مستهل العام 2007، لتنتهي الإجراءات الإدارية، والتي يصفها معظم القادة العسكريين هنا في القواعد الأمريكية بشتوتغارت الألمانية ب»البيروقراطية البطيئة»، في أكتوبر 2008، أي شهرا واحدا قبل انتخابات الرئاسة، وكان أول من تحمل مسؤوليتها الجنرال وليام وورد، صاحب البشرة الإفريقية، الذي اشتغل طويلا كمنسّق أمني بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وذلك برغبة من امرأة سمراء أيضا، هي وزيرة الخارجية السابقة كوندوليسا رايس. «دورنا في ضربات حلف شمال الأطلسي أثناء تدخله في ليبيا كان المراقبة والتموين والتأكد من خلوّ الأجواء ممن لا يفترض أن يحلقوا في المنطقة»، يقول جيس، متحدث باسم القوات الجوية لأفريكوم، مضيفا أن هذه الاخيرة تقوم بمراقبة الأجواء الإفريقية بشكل مستمر، جوابا عن سؤال «اليوم24» حول ما إن كان الجيش الأمريكي يفعل شيئا لحماية المنطقة من خطر الهجمات الإرهابية الجوية المحتمل انطلاقها من ليبيا. فيما يكشف مايك أندرسون، عن القوات الأمريكية الخاصة التابعة للقيادة الإفريقية، عن لائحة داخلية للقيادة، تتكوّن من ثمان دول قال إنها تعتبر الأكثر أهمية وتأثيرها في إقليمها في نظر الجيش الأمريكي، وهي كل من الجزائر وليبيا وأنغولا ونجيريا وجنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا. لائحة قال المتحدث العسكري إن الإدارة الأمريكية، وتحديدا البيت الأبيض، من يقوم بإعدادها. ورغم أن الوحدة الجوية للقيادة الإفريقية للجيش الأمريكي لم تحدث إلا في 2012، إلا أن المتحدث باسمها كشف عن وجود توجّه قوي نحو تعزيزها، حيث لا تتوفر حاليا أي طائرة مقاتلة أمريكية مخصصة للقيادة الإفريقية، بل تتم الاستعانة بالأسطول الجوي للقيادة الأوروبية الذي يقدّر بنحو 250 طائرة، لكن الشهور القليلة المقبلة ستشهد تخصيص نحو 40 طائرة عسكرية أمريكية للقيادة الأفريقية، وذلك من خلال إقامة قاعدة عسكرية جديدة في إسبانيا هي الأكبر من نوعها خارج شتوتغارت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث ينتظر أن يصبح قرابة 2000 عسكري أمريكي من مختلف الرتب والتخصصات، على بعد كيلومترات من السواحل الشمالية للمغرب. تعزيزات جوية وبرية وبرية تطوّر ملفت آخر في القوات العسكرية الموجّهة لإفريقيا، كشفه عرض قدّمه ويلسون، القبطان في البحرية الأمريكية. هذا الأخير كشف عن رسم بياني يقارن الحضور العسكري الأمريكي في السواحل الإفريقية بين عامي 2010 و2014، يبيّن كيف تضاعفت تغطية هذه السواحل، سواء منها المتوسّطية أو الأطلسية، بالحضور والنشاط العسكريين، حيث يستعمل القادة العسكريون الأمريكيون عبارة «تطوير الشراكة» مع الجيوش الإفريقية. «عملنا في إفريقيا يهمّ تقوية قدرات الشركاء المحليين ودعمهم، وبينما في المحيط الهادي مثلا يتركز العمل والمناورات حول سيناريوهات حرب، فإننا في إفريقيا نهتمّ أكثر بدعم الشركاء المحليين»، يقول القبطان ويلسون، مضيفا أنه و»عكس جل الدول الإفريقية، فإن المغرب وتونس لم يهتما فقط، بالقوات البرية والجوية، بل طورا قدراتهما البحرية». يقسّم الجيش الأمريكي القارة الإفريقية إلى أقسام متعددة تختلف وتتباين حسب فروع الجيش واهتماماتها، فقيادة القوات الخاصة التابعة للأفريكوم، توزّع إفريقيا بين ثلاث مناطق أساسية، غربية وشرقية ووسطى، فيما يوضّح بروشير، المتحدث باسم القوات الخاصة، أن المنطقة الغربية ترتبط بتنسيق مباشر مع القيادة الأوروبية لكون الأخطار القادمة من الساحل الإفريقي من إرهاب ومخدرات هجرة سرية، تمسّ بشكل مباشر المنطقة الأوروبية. تنسيق يبدو أنه مقبل على خطوات إضافية، مع قرب التوقيع بين واشنطن ومدريد على اتفاقية إحداث قاعدة عسكرية في جنوب إسبانيا، وكشفت مصادر مسؤولة داخل أفريكوم عن وجود منصات للدعم اللوجستيكي، والتي ظل يبحث عنها الجيش الأمريكي في دول القارة الإفريقية، تتمثل في ما سمته المصادر بمواقع الأمن التعاوني (cooperative security location CSL)، وهي عبارة عن مواقع تضمن الدعم اللوجستيكي الدائم للقوات العسكرية التابعة للأفريكوم، ويمكن أن تتوفّر على مكاتب ومخازن ومواقع لهبوط الطائرات وتزويدها بالوقود… الوجه الآخر تشاك بريشار، رجل لبق وودود بزي مدني، تخرّج حاملا شهادة في مجال الصحافة واشتغل مدة سبع سنوات في صحيفة يومية، مختصا في الجرائم والشؤون المحلية. وبما أن العسكريين الأمريكيين يوصفون بكونهم متطوعين، انخرط تشاك في فترة دراسته الجامعية في برنامج تحضيري للضباط العسكريين، لهذا تخرّج وهو يزاوج بين شهادته في الصحافة وتكوينه العسكري، فقرر بعد سنواته السبع البحث عن أخبار الجرائم، أن ينخرط في الجيش لمدة ثلاث سنوات، عاد بعدها للعمل كصحافي. «وبعد الجمع بين التجربتين، استطعت العمل لحساب وزارة الدفاع الأمريكية التي كانت بحاجة إلى موظفين في العلاقات العامة كمدني، أي أنني مثل جيمس بوند»، يقول تشاك مازحا، فيما يرافقه المترجم المغربي مصطفى قجاوج، صاحب المسار الناجح رفقة الجيش الأمريكي، والذي قاده إلى قضاء سنوات في العراق والحصول على الجنسية الأمريكية. ينتقل هذا الخبير في التواصل والعلاقات العامة بسرعة إلى مهمّته الجدية، والتي تتمثل في إقناع مخاطبيه بوجود وجه آخر للجيش الأمريكي، مختلف عن الوجه الدموي الذي يلتصق به. «القيادة الإفريقية مسؤولة عن القارة كلها، باستثناء مصر التي تنتمي إلى قيادة الشرق الأوسط، فعندما أحدثت القيادة الإفريقية اقتطعت مناطق من قيادتي أوروبا والشرق الأوسط، وكان هناك تفاوض مع هذه القيادتين، وتقرر ترك مصر ضمن قيادة الشرق الأوسط»، يقول تشاك، مقدما حكاية خروج جنرال أمريكي من مهمة حراسة أمن إسرائيل إلى قيادة منطقة عسكرية جديدة تفصل الجزء الغربي من العالم العربي عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتلحقها بالمنطقة الإفريقية، بينما تبقي مصر تابعة للقيادة المركزية، أي منطقة الشرق الأوسط. «أفريكوم لا تقوم بأي شيء بدون موافقة الدول الإفريقية، أو استجابة لطلب منها، وكل ما نفعله في القارة يأتي بدعم وتنسيق مع السفارات الأمريكية في إفريقيا وبرامجها، أي من خلال الاتصال والتنسيق مع ما هو محلي، وبالتالي، أفريكوم ليست لها أي علاقة مع إفريقيا، بل الولاياتالمتحدة من لديها علاقات مع 54 دولة إفريقية، والقيادة الإفريقية تنفذ الجانب العسكري من هذه العلاقات فقط»، يضيف تشاك، موضحا أنه، وعلى غرار البنية العامة للجيش الأمريكي، تتوفر القيادة الإفريقية على ثلاثة فروع أساسية، أي قوات برية وأخرى جوية وثالثة بحرية، «أما المارينز فهم كما تعلمون مشاة البحرية ونخبة القوات الأمريكية التي تعتبر أول من يصل إلى ساحة المعركة». ويمضي تشاك في شرح مهام القيادة الإفريقية بالقول إن «الفروع البرية تقوم بتشكيل قوات برية، والبحرية مسؤولة عن التدخل السريع في نقاط استراتيجية لحماية منشآت أو مواطنين أمريكيين، ومشاة البحرية هم أول من يدخل المجال المعني بالحرب، تتبعهم القوات البرية، أما القوات الجوية فمسؤولة عن الجو والفضاء، حيث تتوفر الأفريكوم على مصلحة خاصة بالمجال الجوي والفضائي وحماية الأنظمة الخاصة بها، كما أن هناك حرس السواحل الذين لا ينتمون فعلا إلى وزارة الدفاع، بل إلى الامن الوطني ومهمتها حماية المياه الوطنية». تشاك، وعلى غرار كل المسؤولين العسكريين والمدنيين الذين التقتهم « اليوم24» على مدى أسبوع كامل، شدّد على أن المهام الأساسية للقيادة الإفريقية للجيش الأمريكي تهمّ محاربة المنظمات المتطرفة العنيفة، وتقوية ودعم مؤسسات الدفاع في إفريقيا. ويقدّم قادة الجيش الأمريكي عشرات الأمثلة والدلائل الخاصة بتحقيق هذه الأهداف، من خلال برامج متنوعة للتكوين والتدريب المشترك لفائدة جيوش الدول الإفريقية، وعمليات الدعم والمساندة في حالات الكوارث، آخرها ما قام به الجيش الأمريكي في ليبيريا من عمل مكثف لمحاربة المرض الناجم عن فيروس «إيبولا». وبعد تأكيدهم على أن قاعدة شتوتغارت الألمانية ليست سوى مكاتب شبيهة بمكاتب الموظفين وألا وجود لقوات عسكرية خاصة بإفريقيا، يعودون للكشف عن أرقام متضاربة، لكنها بالآلاف، عن تعداد القوات العسكرية المخصصة للقارة السمراء. نحو ألفي جندي على الأقل يقيمون في أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في إفريقيا، وقد تم تجديد عقد استقرارها في جيبوتي مؤخراً، حيث سيمكث الجيش الأمريكي هناك عشرين سنة إضافية على الأقل. فيما كشفت حرب «عاصفة الحزم» الأخيرة في اليمن، عن انخراط قاعدة جيبوتي مباشرة في تأمين مضيق عدن الحيوي، والذي يؤمّن جزءا كبيرا من التجارة العالمية التي تعبر قناة السويس المصرية. فيما ستؤمن قاعدة «مورون» التي سيقيمها الجيش الأمريكي قريبا في إسبانيا، والتابعة، أيضا، للقيادة الإفريقية، مضيق جبل طارق، المدخل الحيوي الغربي للبحر الأبيض المتوسط. أي أن الجيش الأمريكي أخذ يخرج من معاقله التاريخية لما بعد الحرب العالمية الثانية للدفاع عن مصالحه الاستراتيجية انطلاقا من قارة إفريقيا. مستعدون للتحرّك «بعض القوات العسكرية أفريكوم مستقرة في إيطالياوألمانيا، وفي الحقيقة نحن لا نتوفر على قوات، بل مجرد مكاتب إدارية، ومثل هذا اللقاء نتوخى منه توضيح الصورة الحقيقية فأغلب الذين يكتبون عن القيادة لا يعرفون حقيقتها»، يقول تشاك بريشار، مصيفا أنه وعند تأسيس القيادة الإفريقية «كان جل الموظفين العارفين بالقارة ينتمون إلى القيادة الأوروبية، لهذا تم إحداث مقر هذه القيادة في شتوتغارت. نحاول من خلال عدة برامج التواصل المباشر مع الشعوب الإفريقية وليس الدول فقط. الغريب هو أن جل الدول الإفريقية كانت لها علاقات تعاون عسكري مع أمريكا، ورغم ذلك، عندما أُحدثت هذه القيادة، الكل تساءل لماذا». وأوضح المتحدث نفسه، أن كل سفارة أمريكية في إفريقيا تتوفر على عنصر أو عنصرين ينتميان إلى قيادة أفريكوم للبقاء على تواصل دائم مع الجيش المحلي ومعرفة ما الذي يجب فعله، «هدفنا هو السلم والاستقرار، وهذا في مصلحة الجميع، فالكل يريد إفريقيا آمنة ومستقرة، وهذا يخدم مصلحة الجميع بمن فيه نحن، إننا نريد شراكة حقيقية وليس تحقيق ما نريده نحن فقط». غايات نبيلة يردّدها المسؤولون العسكريون أيضا، حيث قال القبطان بارسونس إن «أهدافنا الرئيسية تتمثل في محاربة الإرهاب والتجارة غير المشروعة وأمن الحدود وإيجاد حلول ثنائية وجماعية لهذه المشاكل، هدفنا الأساسي هو مساعدة شركائنا على تعزيز قدراتهم الدفاعية وتشجيع التعاون الإقليمي، حيث شارك مؤخرا 21 تونسيا في مناورات الأسد الإفريقي التي جرت في المغرب، إلى جانب حوالي 3000 عسكري أغلبهم مغاربة وبعضهم أمريكيون، ومن المانيا وبلجيكا وهولندا… وهناك نوع آخر من المناورات هي تلك الإقليمية، حيث يلتئم خبراء من تخصصات مختلفة لوضع سيناريو كارثة طبيعية أو وضع يتطلب التدخل ونحاول تطوير مساهمة كل طرف في التدخل ومعالجة الوضع». إلى جانب المناورات والتكوين وتدريب الجيوش الإفريقية والتنسيق مع الجيش الأمريكي، تسهر القيادة الإفريقية على تشكيل جيوش إقليمية توحّد قوى الدول المتجاورة، وهو ما نجح على مدى سنوات في منطقة القرن الإفريقي، وتعمل واشنطن بقوة على إقناع نيجيريا بقبول تكتّل عسكري مع جيرانها المعنيين بتهديدات جماعة «بوكو حرام» الإرهابية. «نحن نستطيع أن ننتصر أينما ذهبنا، لكننا نعتبر أن جل المشاكل تحتاج إلى حلول سياسية واقتصادية محلية»، يقول متحدّث باسم قوات المارينز التابعة للقيادة الإفريقية مشددا على عدم ذكر اسمه. المصدر كشف أن قاعدة «مورون» الإسبانية أصبحت تتوفّر فعلا على أكثر من 800 رجل من المارينز، على بعد بضع كيلومترات من سواحل إفريقيا شمال المغرب، «وبحكم جاهزيتنا الدائمة، فإننا لا ننتظر إلا إشارة من شركائنا كي نقوم بالتحرك والتدخل»، يقول القائد الشاب في قوات المارينز. فيما كشف ماتيو كمبر، القائد العسكري بالقوات البرية للأفريكوم، أن «القارة الإفريقية شاسعة جدا، كما أنها صعبة الولوج، ووضعها معقد ولغاتها متعددة…»، وأوضح كمبر أن قيادة أفريكوم كانت إلى وقت قريب تتوفّر على لواء عسكري واحد، «لكن مؤخرا تمت إضافة لواء ثان، وسيصبح مجموع القوات البرية الخاصة فقط، بالقيادة الإفريقية حوالي 3000 جندي». من ستحارب أمريكا؟ فلمن تدقّ واشنطن طبول الحرب في العقود أو السنوات المقبلة؟ هل ستصبح إفريقيا مجال الصراعات الاستراتيجية والعسكرية الدولية في المستقبل، في ظل شروع إدارة أوباما في خفض حجم الحضور الأمريكي في الخليج العربي وتوجّهها نحو التوافق مع إيران؟ أم أن زحف العملاق الصيني على اقتصاد القارة الإفريقية وراء خروج المارد الأمريكي من قمقمه الأوروبي الذي أدخلته إليه الحرب العالمية الثانية؟ أم هو التنافس الغربي- الغربي وراء هذا الاهتمام الأمريكي بقارة يجمع الكل على أنها مصدر أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم والخزان الغذائي لمستقبل الأيام؟ إعلام ودين وقانون في المعسكر الأمريكي داخل إحدى البنايات التي لا تلج إليها إلا بإذن خاص من القائد العسكري الأمريكي للموقع، تقبع استوديوهات إذاعية وتلفزيونية لا تبث إلا للأمريكيين الذين خرجوا من بلادهم في مهمة رسمية، أي العسكريين بالدرجة الأولى، ثم باقي موظفي الإدارة الأمريكية. إذاعة AFN العسكرية تبث منذ أربعينيات القرن الماضي، أي منذ فترة الحرب الإعلامية والدعائية الطاحنة ضد النظام النازي لهتلر وحلفائه. عسكري شاب برتبة رقيب اسمه جيل، يسهر على إدارة هذه المحطة الإذاعية بنشاط وحيوية بعدما تلقى تكوينا مكثفا لبضعة أشهر في إحدى أكبر مؤسسات التكوين الإعلامي في أمريكا. «انطلق بث هذه الاذاعة في 1943، وكانت حينها تبث من لندن لفائدة الجنود الأمريكيين المشاركين في الحرب ضد ألمانيا، ثم انتقلت بعد ذلك، إلى هنا لتبث لباقي أوروبا» يقول جيل. انتقال تم في أواخر الأربعينيات، وحيث استقرّت الإذاعة في فندق قديم مازال قائما بالقرب من محطة القطار الرئيسية بشتوتغارت، «أما البناية التي نوجد فيها الآن، فهي حديثة وتم تدشينها في 2014»، يضيف جيل، الذي لا يتمالك نفسه حين تتناهى إلى سمعه الموسيقى المنبعثة من الأستوديو فيهتز برقصة خفيفة. طاقم المحطة الإذاعية والتلفزيونية يتكوّن من بضعة عناصر شابة كلّها بالزي العسكري، يبلغ عددهم حاليا نحو 12 شخصا، وموازاة مع تقليص الحضور الأمريكي في القواعد العسكرية الأوروبية سيتم تقليصهم تدريجيا ليصبحوا أربعة فقط، دون أن يؤثر ذلك على انتشار الإذاعة، حيث ستعتمد أكثر على التقنيات الحديثة، كما ستواصل تلقي البرامج والنشرات الإخبارية مجانا من كبريات الشبكات الإعلامية الأمريكية لتقوم ببثها. وفيما يمكن لباقي المواطنين الأوربيين التقاط الإذاعة في بيوتهم وسياراتهم، يتطلّب الحصول على البرامج التلفزيونية للجيش الأمريكي التوفّر على جهاز التقاط خاص، لا يوجد إلا في القواعد العسكرية الأمريكية، ولا يباع إلا لموظفي الإدارة الأمريكية. مقر القيادة الإفريقية للجيش الأمريكي، لا يخلو من فئة ترافق الجيوش الأمريكية حيثما حلّت وارتحلت، وهي فئة القساوسة أو المرشدين الدينيين. ويتعلّق الأمر برجل يرتدي بذلة عسكرية، لكنّه يقدّم نفسه على أنه ليس محاربا. بدل إشارة الرتبة العسكرية التي تظهر على صدور باقي العسكريين هنا، يوجد رمز الصليب في الجانب الأيسر من ياقة بذلته. مهمة هذه الفئة، حسب أحد المكلفين بها، هي السهر على طمأنينة الجنود الأمريكيين ورعايتهم روحيا كلّما احتاجوا إلى المساعدة. اهتمام قال أحد القساوسة إنه يشمل كل الديانات، دون أن يصل إلى درجة ممارسة التبشير أو المساس بعقائد الساكنة المحلية، موضّحا أن الجنديات الأمريكيات كنّ يرتدين الحجاب كلّما خرجن إلى الشارع في العراق أو أفغانستان احتراما للمجتمع المحلي. فيما تولّت سيدة شقراء بلباس مدني أنيق، تقديم الوجه القانوني للجيش الأمريكي، حيث تعتبر الاستشارة القانونية غذاء ضروريا لكل القادة العسكريين، وعندما كانت «اليوم24» تحضر جلسة اتصال مباشر بتقنية الفيديو مع قاعدة جيبوتي العسكرية، كان قائد هذه الأخيرة يحيل المسائل القانونية إلى مستشاره القانوني، وهو رجل ببذلة عسكرية ويحمل صفة محامي يجلس إلى جانبه