شتوتغارت : اليوم24 كشفت المعطيات التي حصلت عليها «أخبار اليوم» من داخل المقر المركزي للقيادة الإفريقية العسكرية الأمريكية، التي تجاور القيادة العسكرية الأوروبية للجيش الأمريكي في مدينة شتوتغارت الألمانية؛ عن تحوّل المغرب تدريجيا إلى بوابة استراتيجية في تعزيز الحضور العسكري الأمريكي في إفريقيا وتمكين أقوى جيش في العالم من الخبرة واللوجستيك الضرويين لجاهزيته للقيام بعمليات وتدخلات ميدانية في إفريقيا، إما بشكل مباشر أو بتنسيق مع الجيوش المحلية للدول الإفريقية. معطيات تفسّر تحويل الجيش الأمريكي مناورات الأسد الإفريقي التي تمت قبل أيام بجنوب المغرب، إلى أكبر مناورات عسكرية يقوم بها الجيش الأمريكي في إفريقيا. ورغم أن المعطيات الداخلية لقيادة «أفريكوم» تصنّف الجزائر ضمن الدول الثمانية الأكثر أهمية وتأثيرا من الناحية العسكرية في إفريقيا، فيما يوجد المغرب خارج هذه اللائحة، إلا أن التطورات الأخيرة تكشف توجّه واشنطن المستمر نحو تكثيف تعاونها العسكري مع المغرب وتونس، في ظل التوجّس والتحفّظ الذي تتعامل به الجزائر مع المبادرات العسكرية الأمريكية، وانتماء مصر إلى القيادة العسكرية المركزية (الشرق الأوسط)، بدل القيادة الإفريقية للجيش الأمريكي. مسؤولون عسكريون من مختلف الرتب والمكاتب وشعب الجيش الأمريكي، أي قوات برية وجوية وبحرية وقوات خاصة، أجمعت على اعتبار المغرب أحد الشركاء الأساسيين لقيادة «أفريكوم»، في الوقت الذي تستعد فيه هذه الأخيرة للقيام بأكبر خطوة للاقتراب من القارة السمراء وتثبيت أقدامها داخلها، من خلال إقامة قاعدة عسكرية في إسبانيا هي الأكبر من نوعها خارج شتوتغارت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث ينتظر أن يصبح قرابة 2000 عسكري أمريكي من مختلف الرتب والتخصصات، على بعد كيلومترات من السواحل الشمالية للمغرب، كما تعتبر المملكة على رأس الدول التي يحرص الجيش الأمريكي على الحصول على منصات دعم لوجستيكي داخلها، واستعمالها في دعم عملياته العسكرية المحتملة في إفريقيا. ففي الوقت الذي اقتصر فيه الوجود العسكري الميداني الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على قواعد عسكرية أوروبية توجد، أساسا، في ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا؛ وفيما يعتبر الوجود العسكري الأمريكي في جيبوتي، مرتبطا أكثر بالأهمية الاستراتيجية لمضيق (باب المندب) الذي يفصل بين آسيا وإفريقيا ويعتبر البوابة الشرقية نحو قناة السويس وطريق عبور إمدادات نفطية وتجارية كبرى؛ كثّف الجيش الأمريكي في الفترة الأخيرة من تحركاته الرامية إلى الحصول على حضور أكبر في القارة الإفريقية، المجال الحيوي التاريخي لدول أوروبية مثل فرنسا. المسؤولون العسكريون بقيادة «أفريكوم» أكدوا استعداد هذه الأخيرة على رفع مستوى حضورها العسكري في إفريقيا مشددين على أن الهدف هو مساعدة الدول الإفريقية على القيام بالمهام الأمنية والعسكرية بنفسها، وضمان أمن واستقرار القارة الإفريقية ومحاربة كل من الإرهاب وأنواع التجارة غير المشروعة والجماعات التي تمسّ بأمن الحدود. جيس هارفي، الذي تحدث باسم القوات الجوية الأمريكية في القيادتين الأوروبية والإفريقية، قال إن الفترة المقبلة ستشهد رفع القدرات العسكرية المخصصة للمنطقة الإفريقية. ففي الوقت الذي يخصص فيه الجيش الأمريكي حاليا ما يفوق 250 طائرة ومقاتلة عسكرية لأوروبا، ويفوّض بعضها بين الحين والآخر للقيام بمهام مراقبة ودعم وتدريب في إفريقيا، تكشف المعلومات التي تسربت حول مشروع القاعدة العسكرية الجديدة في إسبانيا، عن تخصيص قرابة 40 طائرة ومقاتلة عسكرية للمهام الإفريقية. من جانبه، ممثل القوات البحرية الأمريكية في شتوتغات قدّم عرضا يبيّن فيه كيف ارتفعت تغطية السواحل الافريقية بالمراقبة في السنوات الأربع الأخيرة، موضحا أمام وفدين صحافيين من كل من المغرب وتونس أن البلدين وعكس معظم دول إفريقيا التي تركّز قواتها البرية والجوية، طوّرا كثيرا قدراتهما البحرية في الفترة الأخيرة. منصات الدعم اللوجستيكي التي يبحث عنها الجيش الأمريكي في دول القارة الإفريقية، ومن بينها المغرب، تتمثل في ما سمته مواقع الأمن التعاوني (cooperative security location CSL)، وهي عبارة عن مواقع تضمن الدعم اللوجستيكي للقوات العسكرية التابعة للأفريكوم، ويمكن أن تتوفّر على مكاتب ومخازن ومواقع لهبوط الطائرات وتزويدها بالوقود… وفي الوقت الذي اكتفى فيه ممثل القوات الخاصة للأفريكوم بالقول إن الأمر يتعلّق بعمليات دعم موجودة أصلا؛ قال مصدر عسكري آخر طلب عدم ذكر اسمه إن هذه المواقع تتجسّد، أساسا، «في اتفاقيات ترخّص بموجبها الدول للقوات الأمريكية باستعمال مجالها الجوي أولا، ثم الهبوط أحيانا واستعمال بعض المواقع العسكرية في التزود بالوقود والدعم اللوجستيكي». دعم أكد المصدر نفسه، اندراج المغرب ضمن الدول التي تقدّمها القوات الأمريكية إلى جانب نحو 10 دول أخرى، «لكن الأمر وإن كان يتعلّق باتفاقيات دائمة، فإن كل عملية تحتاج إلى ترخيص خاص من السلطات العسكرية المغربية، والتي تتولى تقدير الوضع وما إن كان لا يشكل خطرا عليها». المتحدث باسم قوات «الحرس الوطني» لولاية يوتا الأمريكية، والمرتبطة باتفاقية شراكة خاصة مع المغرب، كشف عن وجود ضابط عسكري أمريكي في السفارة الأمريكية بالرباط، مهمّته تنسيق علاقات هذه الولاية الأمريكية مع المغرب، موضحا أن قوات الجانبين تستفيد من برامج مشتركة مكثفة، تتعلّق، أساسا، بتدريبات حول التدخل في حالات الكوارث، وجزء خاص بتداريب مشتركة حول مقاتلات f16 التي اقتناها المغرب في السنوات الأخيرة. المتحدث العسكري نفسه قال إن المغرب يعتبر الدولة الإفريقية الوحيدة التي تتوفر على برنامج خاص بال»f16»، حيث تجري كل سنة وموازاة مع مناورات الأسد الإفريقي التي تتم جنوب المملكة، تمارين خاصة بالمقاتلات الأمريكية الشهيرة بمنطقة بنكرير قرب مراكش. مصدر عسكري آخر أسرّ ل»أخبار اليوم» أن الجيش الأمريكي يستفيد بدوره كثيرا من هذه البرامج المشتركة، «حيث توفّر المملكة، ليس للقيادة الإفريقية فقط، بل للقيادة الأوروبية نفسها، فرصة سانحة للتدريب وإجراء مناورات لا يسمح المجال البيئي والقانوني في أوروبا بإجرائها، حيث تركّز تمارين بنكرير على الجزء الأكثر خطورة في عمل الf16، وهي العمليات التي تجري على علو منخفض».