السينغال هي المحطة الأولى في الجولة الجديدة الذي بدأها الملك محمد السادس إلى إفريقيا، والتي ستشمل كذلك، الكوت ديفوار، ثم الغابون، وتنهي بدولة «غينيا بيساو» التي سيُخصص لها «زيارة رسمية»، وتشكل هذه الجولة، حسب المراقبين، «نقلة جديدة» في تعزيز التوجه الإفريقي للرباط. الزيارة الملكية تعتبر الثالثة من نوعها في ظرف ثلاث سنوات، وهو ما يؤكد أن منطقة غرب إفريقيا أصبحت ثابتة في الأجندة السنوية للملك. كما أنها تصادف مرور إحدى عشر سنة كاملة على أول جولة إفريقية للملك في يونيو سنة 2004، كانت قد شملت الغابون والبينين والكامرون والنيجر. ويبدو أن الزيارة الحالية بقدر ما تسعى إلى ترسيخ وتعزيز وتقوية الحضور المغربي المتزايد في المنطقة، بقدر ما تكشف عن أبعاد جديدة في الأفق. من الأبعاد الجديدة للحضور المغربي في غرب إفريقيا، برمجة زيارة رسمية إلى غينيا بيساو، التي تنتمي إلى المنطقة «الليزوفونية»، أي الدول التي تتحدث اللغة البرتغالية، وتشمل أربع دول أخرى هي «أنغولا»، و»الموزمبيق»، و»سوتومي برينسيبي»، و»الرأس الأخضر». وقال عادل الموساوي، الخبير المختص في الشأن الإفريقي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن أهمية «غينيا بيساو» السياسية والجيوستراتيجية بالنسبة إلى المغرب، تتمثل في كونها مرتبطة بتجمع دولي ناطق بتلك اللغة، ويستقطب قوى إقليمية صاعدة مثل البرازيل. واعتبر الموساوي أن عودة الملك إلى السنغال، ثم الكوت ديفوار، فالغابون، وهي الدول التي تربطها بالمغرب علاقات تقليدية متعددة الأبعاد، تشير إلى أن هناك «إصرارا من المغرب على جعل الدول الثلاث الأولى بمثابة النواة الصلبة في بناء استراتيجية للتأثير» تتجاوز حضوره التقليدي في المنطقة خلال العشرية الماضية. وشرع الملك محمد السادس في تعزيز التواصل المغربي مع إفريقيا منذ سنة 2000، حين أعلن خلال أشغال القمة الأوروإفريقية الأولى بالقاهرة، عن إلغاء ديون المغرب المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموّا وإعفاء منتوجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية. وفي مايو 2001، قام بزيارة رسمية إلى السنغال أشرف خلالها على مشاريع همّت البنيات التحتية وصناعة الأدوية، تلاها دخول القطاع البنكي المغربي إلى هذا البلد الصديق للمغرب منذ سنة 2003. لكن منذ يونيو 2004 شرع الملك في القيام ب»الجولات» التي تشمل أكثر من دولة إفريقية جنوب الصحراء، ويشرف خلالها على إبرام اتفاقيات تعاون ثنائي متعدد الأبعاد، اقتصادي وتجاري واجتماعي وديني. وتقوم الاستراتيجية المغربية في إفريقيا على فكرة مفادها أن «تنمية المغرب مرتبطة ارتباطا وثيقا بتنمية إفريقيا سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي»، ويركز التعاون على أربعة محاور أساسية تهم تكوين الأطر الإفريقية، دينيا وأمنيا وإداريا وتعليميا، وتقديم المساعدة والخبرات الفنية المغربية، وتكثيف التعاون الاقتصادي، وتعزيز التواصل الإنساني والديني. وبلغ حجم الاستثمارات المغربية في إفريقيا تطورا كبيرا خلال السنوات العشر الماضية، جعلت من المغرب ثاني بلد إفريقي مستثمر في إفريقيا، بقيمة استثمارات تتجاوز 400 مليون دولار، وتتركز في دول الساحل والصحراء ودول غرب إفريقيا، التي تربطه بها علاقات تاريخية قديمة. وتتنوع الاستثمارات لتشمل الاتصالات، الأبناك، التأمين، البنيات التحتية، الفلاحة، النقل الجوي، والكهرباء والمعادن، الصحة والصيدلة، الصناعة والإسمنت والتجارة. وباتت البنوك تتصدر حجم تلك الاستثمارات، إذ منحت المصارف المغربية ما يزيد على 40 في المائة من حجم القروض في دول إفريقيا جنوب الصحراء. واستطاع البنك المغربي للتجارة الخارجية الاستحواذ على مجموعة «بنك أوف إفريقيا»، التي لها حضور في 20 دولة، في حين ينشط «التجاري وفا بنك» في 12 دولة، يليه البنك الشعبي. ويعتبر خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة، أن المغرب يتبنى «مقاربة تنموية» تجاه إفريقيا، مشيرا إلى الخطاب الملكي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، والذي أكد أن «إفريقيا تريد تنمية ولا تريد مساعدات»، وأضاف شيات أن المقاربة المغربية تصطدم ب»المقاربة الريعية» التي تعتمدها الجزائر. وقال الباحث المغربية إن المقاربة الريعية قد تُغري بعض النخب الإفريقية، لكنها لن تصمد طويلا، خصوصا وأن دولا إفريقية باتت تحقق نسب نمو مرتفعة مثل كينيا. وأبرز المتحدث نفسه أن المقاربة المغربية تحتاج إلى «سند حقيقي»، يسمح لها ب»جلب استثمارات كبرى» إلى دول المنطقة، مؤكدا أن ذلك «لن يتحقق إلا بالتوافق مع أمريكا»، مادامت «فرنسا قد استنفدت أغراضها، ولم تعد قادرة على المنافسة».