في هذا الحوار يتحدث نبيل عيوش، مخرج فيلم «يا خيل الله» الذي انتزع جوائز مهمة في مهرجانات دولية عديدة، آخرها جائزتي الإبداع الفني وجائزة أحسن سيناريو، في مهرجان الإسكندرية ، (يتحدث) عن فيلمه الأخير «أرضي»، الذي خرج إلى القاعات السينمائية مؤخرا، وعن ظروف تصويره في إسرائيل ولبنان، وعن صداه في كل من فرنسا وأمريكا، بالإضافة إلى حديثه عن كيفية تسويقه ل»خيل الله» المرشح للأوسكار، ومساهمة المخرج الأمريكي جوناثان ديم في ذلك.
كيف كانت أجواء تصوير فيلمك الأخير «أرضي»، الذي خرج أخيرا إلى القاعات المغربية، في كل من إسرائيل ولبنان؟ في إسرائيل لم يكن هناك أي مشكل، لأنهم لا يطلبون رخصة للتصوير. فالتصوير متاح لكل من يريد ذلك فقط، شرط ألا يقترب من المنشآت العسكرية. في لبنان، كانت الأمور شيئا ما معقدة. تبعا لبيئة المخيم ولاختلاف مكونات المجتمع اللبناني (المسيحيون والشيعة...) وتباين رؤية اللبنانيين للفلسطينيين، فهناك من يقف إلى صفهم وهناك من يرفض وجودهم على أرض لبنان. في لبنان تحتاج من أجل التصوير إلى رخصة من وزارة الداخلية، وفي الجنوب اللبناني تحتاج أيضا إلى إذن من الجيش اللبناني هناك. ثم في المخيم تحتاج ترخيصا من السلطة التي تحرص على أمن اللاجئين في المخيم.
المعروف عن نبيل عيوش أنه يرفض دخول إسرائيل تبعا لدعمه لفلسطين، رغم رغبته في المعرفة، هل غيّرت موقفك حتى دخلت إسرائيل؟ رأيي لم يتغير، كنت قبل ذلك أرفض الذهاب إلى إسرائيل لأني لا أومن بحق الإسرائيليين في تلك الأرض. تلك الأرض هي للفلسطينيين. وهدفي كان بالأساس هو إيصال صوتي إلى أكبر عدد ممكن؛ صوت مغربي من أب مغربي مسلم، وأم يهودية تونسية، مسكون بالهمّ الفلسطيني.
كيف دخلت إلى إسرائيل لتصوير الفيلم؟ كثيرا ما تلقيت دعوات من إسرائليين لزيارة إسرائيل وعرض أفلامي هناك، لكني كنت أربط ذلك بشروط، لم تقبل يوما، إلى أن استدعتني يهودية إسرائيلية في مهرجان هناك وهي الدعوة التي رفضتها، وكررت شروطي وطلبت أن تعرض أفلامي في فلسطين أولا، قبل أن تعرض في إسرائيل، وأن لا يمر جواز سفري عبر الجهات المسؤولة في إسرائيل، بالإضافة إلى شرطي أن أتحدث في جريدة إسرائيلية عن موقفي من دولة إسرائيل. وهو ما وفرته لي هذه السيدة التي وفت بوعدها بعد موافقتها على شروطي. لا أعرف كيف تمكنت من ذلك، لكنها وفت بوعدها، فاستطعت أن أعبر إلى إسرائيل بشروطي، ومنها عرض الفيلم في غزة وفي القدس، وهذا كله دون أن يمس مسؤول إسرائيلي جواز سفري.
بماذا خرجت من فيلمك الوثائقي «أرضي»؟ ما استخلصته من هذا الفيلم هو أن أسمع لكل طرف. ذلك أني قبل سنة 2005 كنت أرفض الانصات لوجهة نظر الإسرائيليين. وهذا الفيلم لم يغير وجهة نظري السياسية تجاه القضية الفلسطينية فقد كنت وما أزال أعترف بحقهم دون غيرهم في تلك الأرض. ما تغير هو أني صرت أقبل وأرى من الواجب الإنساني أن استمع للجميع، خاصة بعد أن اكتشفت حقيقة الشباب الإسرائليين الذين لا يعلمون الحقيقة كاملة، تبعا للتعتيم الذي تمارسه عليهم وسائل إعلامهم وتكوينهم. كما اكتشفت أن أكبر المدافعين عن الفلسطينيين هم يهود، وهذا بخلاف ما يعتقده أغلب العرب، صحيح أنهم ليسوا كثيرين، لكنهم موجودون.
كيف كان صدى الفيلم بعد عرضه في القاعات السينمائية في فرنسا؟ في فرنسا، كان هناك نوعان من الآراء، الأول يهم أشخاص منفتحين على الآخر راقهم الفيلم، وفئة أخرى، تهم أشخاصا لا يريدون الإنصات إلى الرأي الآخر، رفضوا قبول فكرة الفيلم، وأحيانا حتى مشاهدته. كما أن الفيلم عرض أيضا في أمريكا.
هل أغلب الذين يرفضون الفيلم صهاينة؟ لا، لو تعلق الأمر بالصهاينة وحدهم لكان الأمر سهلا نسبيا، بل إن هناك أشخاصا، مسيحيين، في أمريكا، أكثر تطرفا وعنصرية من اليهود والصهاينة أنفسهم، هؤلاء رفضوا قطعا لغة الفيلم، والإنصات لأي رأي جديد، يخص القضية الفلسطينية.
لنمر إلى فيلمك «يا خيل الله» الذي حصد عددا كبيرا من الجوائز العالمية، والمرشح لنيل جائزة الأوسكار، كيف تسوق له الآن؟ هذا سؤال مهم، لأنه في أمريكا لا قيمة ولا معنى لترشح الفيلم للأوسكار ما لم يتم تسويقه بشكل جيد. وعليه، فقد تعاملت مع مؤسسة فنية في لوس أنجلس، وطلبت من المشرفين عليها الاشتغال معنا بإتاحة الإمكانيات اللازمة لإظهار الفيلم. ولولا هؤلاء الأشخاص ومساعدة المخرج الأمريكي جوناثان ديم لي، عبر مؤسسته الفنية «ويليام موري» ما كان ممكنا تسويق الفيلم، من أجل مروره إلى نهائيات الأوسكار، فقد ساعدني كثيرا.
هناك من يقول إن اشتغالك على فيلم «يا خيل الله» كان الهدف منه الترشح به لنيل «الأوسكار». ما ردك على هذا؟ هذا قول لا يعني لي شيئا، فأنا لا أضيع جزءا من حياتي في الاشتغال على فيلم فقط، من أجل الترشح به لنيل الأوسكار. وليس منصفا أن ينظر إلى هذا العمل المجهود على هذا النحو. هدفي من الفيلم كان هو محاولة إظهار حقيقة كانت غائبة عن العموم، إظهار أسباب أدت إلى حادث هز صورة البلاد.
بما تحتفظ في ذاكرتك من لقائك مع عائلات شباب «سيدي مومن»؟ لم يكن اللقاء سهلا، فقد شرحت لهم الفكرة جيدا أولا، وحدثتهم عن القصة، وبأي طريقة سأشتغل. بعد ذلك قبلوا، بل إنهم كانوا متحمسين لإظهار واقعهم للعالم. لأن واقعهم ليس أبدا سهلا، كما هو في المدن. فالوصول إلى درجة تفجير المحيط، خلفه أسباب حقيقية. وكان كل منا، أنا وهم، يحتاج إلى الآخر، لذلك حصل تعاون بيننا.
في لقاء ما جمعت عائلات الضحايا وعائلات أبناء المفجّرين، هل استطعت بفيلمك مصالحتهم؟ اعتقدت أنه بعد مرور 10 سنوات، على الحادث، بدا لي أنه حان الوقت للمواجهة بين هذه العائلات. الفيلم يمكنه أن يساعد في ذلك. لكن، لا يمكنني أن أقول إنه استطاع ذلك. لأن هناك ما هو أكبر من الفيلم الذي لن يتعدى كونه فيلما، مهما بلغ مستواه. ما هو أكبر هي قلوبهم وما تحتويه من رغبة في المصالحة، والغفران، أو عدمه. وهي أشياء إن توفرت فسيفعلون بفيلم أو بدونه.
الملاحظ في أعمال عيوش أنها تركز على الأشخاص في الأوساط المهمشة، هل هذا اختيار؟ اخترت هؤلاء لأنهم مغيبون في وسائل الإعلام، نحن لا نسمع أصواتهم في كل مكان، لأنه لا تتاح لهم فرصة للتعبير عما لديهم من مشاكل. اشتغلت معهم لأني أردت إخراج الحقيقة إلى الوجود، فقبل فيلم «ياخيل الله» مثلا، لم يكن أحد يعرف حقيقة هؤلاء، بعيدا عن صورة «الإرهاب». وأحب أن أذكر أن تفجيرات الدارالبيضاء لم تهمني بقدر ما كنت أهتم بسيرة هؤلاء الشباب والأسباب التي كانت وراء إقدامهم على ما فعلوه.
من جانب آخر، أثار حصولك على الدعم واشتغالك على مشروع 30 فيلما، قبل سنوات، في ظرف وجيز جدلا واسعا بحيث اتهمت أفلامك بكونها دون المستوى، ما قولك في هذا؟ الأفلام التي اشتغلت عليها باتفاق مع التلفزة المغربية، حصدت أرباحا أيضا من وراء ذلك، مثلما ربح المخرجون الشباب والممثلون، في ما يشبه مشروع تكوين. إخراج هذه الأفلام كان بتكلفة عادية، بالإضافة إلى أنه بفضل تلك الأفلام حظيت الساحة الفنية بمخرجين وممثلين جدد، صاروا نجوما. اليوم، صار لدينا أسماء شابة من بينها هشام العسري، إبراهيم الشكيري، ياسين فنان... وآخرين. لا أقول إن كل تلك الأفلام جيدة، فبينها أيضا المتوسط والذي تنقصه أشياء ليكون فيلما مقبولا، وهو شأن كل الأعمال الأخرى. ويبقى الأهم أن هذه الأفلام شاركت في مهرجانات وحصلت على عدد من الجوائز. أخلص لأقول لقد ربحنا من الناحية الفنية، ومن ناحية التكوين أيضا، بالإضافة إلى الربح المادي الذي حققه التلفزيون المغربي.
وماذا عن مشروعك المقبل؟ هناك فيلم جديد أحضره، كتبت له السيناريو، سيكون في بدايات 2014 وأنا بصدد اختيار ممثليه، لن أفصح عنه قبل إتمام ذلك.
أين وصل مشروعك في محاربة القرصنة؟ حقق المشروع منذ بدايته إلى الآن نتائج واضحة. بحيث تراجعت نسبة قرصنة الأفلام المغربية، صارت أقل من قبل.
هل تتوفر على إحصائيات؟ صعب تقديم أرقام، لكن السوق تتحدث عن ذلك، فلم يعد متاحا عرض أفلام مغربية جديدة مقرصنة في السوق، وحتى إن وجدت فمن الصعب تداولها. فحماية الإنتاجات الوطنية، كان هو الهدف الأول من هذا البرنامج، وتأتي بعده حماية الأفلام الأجنبية. ولكي أجيبك جوابا واضحا، فإن الحد من القرصنة، يبقى بيد الدولة، والسؤال الذي يطرح هو ماذا تريد الدولة؟ هل تريد الاستمرار في محاربة القرصنة ومساعدتنا في حماية إنتاجاتنا، بتوفير الإمكانيات المادية والبشرية من أجل ذلك، أو أن الأمر ليس من أولوياتها، ذلك لأن عمل المراقبة ليس من واجبنا نحن، ولا نستطيع الاستمرار في القيام به ما لم تقم به الدولة.
كيف تقيم دور الدولة في هذا السياق؟ للدولة المغربية دور لا يمكن إنكاره في محاربة القرصنة، لكنه يبقى دورا صغيرا ونسبيا، ونحن نحتاج إلى أكثر من ذلك، إلى إرادة سياسية حقيقية، وتكثيف جهود عدد من الجهات المسؤولة. الدولة قد تكون ماضية في هذا المشروع أيضا، لكن ذلك بطيء جدا.