خلص باحثون مشاركون، في ندوة دولية بمدينة تازة حول: «أزمة القراءة في العالم العربي»، إلى أن معضلة تراجع القراءة عند المواطن المغربي والعربي تكتسي طابعا بنيويا، حيث أجمعوا على أن أسبابا متعددة تحول دون أن تكون القراءة سلوكا يوميا في حياة المواطنين. فمن جهة، تعود أسباب هذه الأزمة، في نظر البعض، إلى تفشي ظاهرة الأمية في المجتمعات العربية بشكل كبير، بالإضافة إلى الانحسار الاقتصادي والمعرفي لدى الفرد العربي، وإلى غياب ثقافة القراءة لدى الأسرة والمدرسة، وغياب البنيات التحتية الثقافية المناسبة لتعليم أبجديات القراءة. ومن جهة ثانية، اعتبر البعض الآخر أن الأزمة مردّها غياب تراكم نوعي على مستوى العلوم والمعارف، ومزاحمة الكتاب الإلكتروني للكتاب الورقي. ورغم أن البعض عبر عن تخوفه من أن تساهم التكنولوجيا والتقنية في تفاقم أزمة القراءة، إلا أن الباحث المغربي إبراهيم العمري نبه، إلى ضرورة خوض مغامرة العصر الرقمي، على اعتبار أنه لا ينبغي الحكم على عدم فعاليتها إلا من خلال الجواب الذي ستحمله الأجيال المقبلة. ومن جهة ثالثة، قالت أطراف أخرى إن المشكلة تكمن في مجموع هذه الأسباب، واصفين الأزمة بأنها «سوسيو ثقافية وتربوية وسياسية وتقنية»؛ مرتبطة بالسياسة العامة للبلاد، وبمجالات ممارسة «مهن الكتاب» من طبع ونشر وتوزيع ومعارض وجوائز ومهرجانات، وبانحسار دور الآباء والمدرسة وباقي المؤسسات المهتمة بالتربية والتثقيف والتنوير. في هذا السياق، قالت الباحثة التونسية، حياة الخياري، إن أزمة القراءة تمثل حملا تنوء تحته المجتمعات العربية، مشيرة إلى أنه آن الأوان لكي تخرج القراءة من مرحلة الاندثار إلى مرحلة رد الاعتبار. ومن جهته، أكد الباحث الجزائري، عبد الوهاب باشا، على ضرورة وجود إرادة سياسية لدى الحكومات العربية لإخراج القراءة من وضعها المتأزم، متحدثا هو الآخر إلى أن الوقت حان لكي تعود روح القراءة إلى جسد القارئ والمثقف العربي. وأشار الباحث حسن مالك إلى أن فعل القراءة لا يمكن أن يسود داخل المجتمع بدون وجود خطط استراتيجية تهدف إلى جعل القراءة عادة يومية لدى الإنسان المغربي. كما اعتبر أن إخراج القراءة من وضعها المتأزم يفرض وجود نظرة توافقية بين كل الفاعلين والمهتمين بالشأن الثقافي والسياسي في المغرب. في حين، عبر الباحث، الخمار العلم، عن اختلافه مع الفكرة القائلة بوجود أزمة في القراءة في المجتمع المغربي، موضحا أن التأكد من هذه الأزمة يحتاج إلى دراسة سوسيولوجية، وهو الأمر الغائب حتى الآن، داعيا إلى النظر إلى المسألة من منظور مختلف. غير أن المشاركين في هذه الندوة، التي انعقدت يوم السبت الماضي بمقر غرفة التجارة والصناعة والخدمات بتازة، لم يتوقفوا عند توصيف واقع القراءة في العالم العربي، بل حاولوا وضع مقترحات وتوصيات عملية من شأنها تقديم بعض الحلول. فعلى سبيل المثال، اعتبروا أن من شأن تأسيس شبكة مغاربية للقراءة والكتاب المساعدة على الخروج من هذه المعضلة، حيث اقترحوا، تأسيس نواد مغاربية للقراءة، وإطلاق قوافل للقراءة، وإحداث جوائز تحفيزية للتشجيع على القراءة، بالإضافة إلى تأهيل المكتبات المدرسية والجامعية. كما اقترحوا إحداث مرصد للقراءة على غرار بعض الدول المتقدمة. أما فيما يتعلق بتطور وسائط الكتاب والقراءة، فقد دعوا دور النشر والمكتبات إلى تطويرها قصد مسايرة الطفرة الإلكترونية التي تشهدها القراءة في القرن الحادي والعشرين. جدير بالذكر أن اللجنة التنظيمية لهذه الندوة العلمية الدولية ستصدر في الأيام القليلة المقبلة إعلان تازة للقراءة والكتاب.