تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمودي: تعليم اللغات ومصير الأجيال
نشر في اليوم 24 يوم 28 - 03 - 2015

يطرح تعليم اللغات إشكالات حقيقية في المغرب منذ سنوات، ويزيد من تعقيد أزمة التعليم المزمنة ببلادنا. في هذه الدراسة يبسط الانثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي وجهة نظره في الموضوع ويبين وجوه القصور في تناول المنظومة التعليمية المغربية لتعليم اللغات
عبد الله حمودي *
أجمعت اليوم كل الأطياف الثقافية والسياسية في البلاد على أن منظومة التعليم بلغت حد الاختناق. وكما هو معلوم، فإن هذا القطاع يبتلع النصيب الأعظم من ميزانية الدولة، بينما لا يقوم بوظائفه الأساس. إنها أزمة ما فتئت تزداد تفاقما منذ سنوات رغم الدراسات والإصلاحات والتوجيهات. ولربما كانت بعض جوانب هذا التفاقم بسبب هذه الأخيرة. والحال أن ذلك يرجع إلى ضبابية الأسس والأهداف التي توجه الاختيارات.
اختيارات متناقضة
من تلك الاختيارات الأساس اختيار اللغات المعتمدة في تربية الأجيال. ففي هذا المجال، يظهر بجلاء أن حالة تعليم اللغات داخل منظومتنا التربوية نتجت عن اختيارات متناقضة، تلك الاختيارات التي خضعت للظروف السياسية وكانت أهدافها غامضة.
نلمس هذا الواقع المقلق في المناقشات الدائرة حاليا حول لغة التعليم وأسس الاختيارات في هذا الشأن. ولهذه الإشكالية جانبان: الأول هو ما هي اللغة أو اللغات التي نعلمها ونتعلم بها؟ والثاني هو ما هي المناهج التي تعتمد في تعليم اللغة حسب الأهداف المتوخاة من ذلك التعليم. الجانب الأول يحتاج قدرا من التفصيل، أما الثاني فسأقدمه صيغة خاتمة للأفكار المقترحة.
هناك عدة لغات تروج في الساحة الوطنية، وهناك اللغات التي تدخل في المنظومة التربوية. فالدوارج مثلا تروج في الساحة وكذلك الأمازيغيات. لكن تعليم اللغة يشتمل على اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية الممعيرتين، مع فرق بينهما، دون الدوارج والأمازيغيات. ثم هناك اللغات الأجنبية الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية التي تنال حصتها في برامج التدريس. ولا ندخل هنا في تفاصيل أخرى مثل اللغات الاختيارية في التعليم الثانوي أو اللغات المقترحة في التعليم العالي.
فما هي معايير الاختيار، وما هي الأهداف؟ ما هي المعايير التي تستنبط من الأهداف؟
هناك أول هدف يتلخص في العمل بمقتضى الدستور. فدستور 2011 ينص على لغتين رسميتين هما العربية والأمازيغية. وإذن، فالأساس هو تعليم اللغتين، وتوفير الإمكانيات لهما مع الأخذ بعين الاعتبار التوازنات والحاجيات.
هناك الهدف الثاني، وهو الذي يؤسس للأول، ويتمثل في التمفصل الهادف بين تعليم اللغات والهوية. من هذه الزاوية، فإن اختيار اللغة العربية والأمازيغية يمثل الاختيار الصحيح. وأما الدارجة، فهي راسخة في محلها، واقتراحها باعتبارها مادة مدرسية في برامج التعليم تشويش ربما له أغراض…
هناك الهدف الثالث، ويتلخص فيما نرومه من وراء تعليم اللغات. في الحقيقة ليس هناك هدف واحد في هذه النقطة، لكن أهدافا عديدة ومتشعبة لا فائدة في تعدادها في هذا المقام. فتعلم اللغات يكون بهدف ترسيخ الهوية في جو من الحرية، مع استنباع طاقاتها الإبداعية في مجالات العلوم والفنون والآداب. هذا الهدف لا بد وأن يكون حاضرا بقوة في برامج التعليم.
لهذا الهدف الأخير وجه آخر، هو التنمية المستدامة في مجال العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد، والفكر والثقافة، مع التوزيع العادل للثروة المادية والمعرفية. ولا يمكن فصل ذلك عن هدف تعميم الانتفاع بتلك الموارد من طرف جميع الشرائح الاجتماعية والطبقات بأكملها: أي التوزيع للإمكانات والاشتراك في مؤسسات القرار ومواقعه؛ والتوزيع العادل للثروة من محركات الإنتاج القوية، سواء إنتاج المواد الاقتصادية أو الروحية أو العلمية الثقافية.
الاختيار اللغوي الملائم؟
وعلى كل، فإن السؤال المطروح هو: ما هو الاختيار اللغوي الكفيل بتنمية الإنتاج كما عرَّفناه؟
الجواب عن هذا السؤال لابد أن يخضع لمعيار الهوية؛ لكن معيار الهوية- وهذا حيوي- يكون في جدلية مع تعلم اللغات الأجنبية. وهي جدلية خطيرة وملغومة لا مناص من مواجهتها.
وجوهر الموضوع هو أن هدف التنمية العلمية – التكنولوجية – الاقتصادية يرتبط عندنا بالوضعية الخاصة لتعليم اللغات الأجنبية. وذلك لأسباب عدة منها الإرث التاريخي منذ الاستعمار واستمرار هذا الإرث إلى يومنا هذا. ومنها أن رصيد اللغة العربية في العلوم الحديثة والتكنولوجيا وتقنيات الإدارة والتسيير العالية ضعيف، ولن ينمو إلا تدريجيا، وعلى المدى المتوسط والطويل. وهذا يعني أن تعليم اللغة الأجنبية يبقى حتميا من ناحية تعليم وتنمية تلك الميادين الحيوية التي تمثل العمود الفقري لاقتصادنا.
ومن أجل الوضوح، فإن اللغة العربية كلغة في حد ذاتها ليس فيها ضعف أو شيء يعرقل تحصيل العلوم أو إنتاجها. وماضيها خير دليل على ذلك. فهي لغة عجيبة القوة، ظهر بها دين اعتنقه الملايين، ومن رحمها خرجت حضارة غيرت وجه الأرض. وكذلك تظل اليوم من كبريات لغات العالم بفضل رصيدها التاريخي في العلوم والآداب، وكذلك بالنظر إلى أعداد الناطقين بها في الحاضر. فالضعف الموجود اليوم في العلوم بالأخص وفي الميادين الأدبية والفكرية الأخرى إنما راجع إلى أسباب تاريخية واجتماعية وسياسة معروفة.
يبقى أن الضعف الحالي للغة العربية في الميادين التي ذكرنا أمر قائم لا يمكن تجاهله. وأما ما يروج في الساحة، خاصة ذلك الرأي الذي يقول إن البلدان التي نجحت في التنمية هي التي عممت التعليم في جميع المجالات باللغة الوطنية، فهو كلام صحيح؛ لكنه يبقى في العموميات ولا ينفذ إلى واقع الحال في بلادنا والظرف التاريخي الراهن. إذ بقدر ما تجب تنمية اللغتين الرسميتين في المجالات الأدبية والفكرية، والتسليم بواجب النهوض بها في الميادين العلمية، بقدر ما يكون الإصرار على تعميمهما اليوم بالذات في الميادين العلمية والتقنية كارثيا بالنسبة للمستقبل. وليس هناك أي بلد عربي حقق طائلا يذكر في هذه الميادين من بين الدول التي اعتمدت اللغة العربية وعممتها في تعليم تلك المواد بعد القضاء على الاستعمار. وهذا رغم الأموال الخيالية التي تتمتع بها بعض هذه الدول من عائدات النفط والغاز منذ عقود طويلة. طبعا، هناك عوامل أخرى تفسر هذه الأحوال، وليس اختيار اللغة وحده. لكن يبقى واقع التراكم العلمي في اللغة العربية كما هو عليه: أكيد أن التراكم سوف يحصل، ولكن ببطء، كما أن وتيرته سوف لن تتوازن مع وتيرة النمو المطلوب إلا في الأمد المتوسط والطويل.
كيف الخروج من الحلقة المفرغة؟
وإن نحن أخذنا التنمية بالجد، فإن الحل الوحيد هو تعليم لغتينا الوطنيتين بحزم وإمكانيات قوية ومستدامة، لكن مع تعميم تعليم اللغة الأجنبية وليس التقليص من حصصها. وذلك على جميع مستويات المنظومة التربوية سواء في القطاع العمومي أو الخصوصي. وألح على أن تعريب القطاعين معا سوف يعمم الضعف بدل غرس القوة. وإن نحن علّمنا جميع اللغات بمناهج العقل الصارمة، فإننا سنحافظ على هوية لن تتزعزع، وسنربح في الآن نفسه مزاولة التراكم العلمي والتقني. وإن علمنا الناشئة بالمنهج والصرامة المعقولين، فإن تلك الناشئة سوف تعرّب بسهولة وبنفسها ما يكون قد تراكم بوسيلة اللغة الأجنبية. وبذلك نخرج من الحلقة المفرغة التي تتلخص اليوم في تزايد أعداد الشباب الذين لا يملكون إلا عربية هشة وليس لهم رصيد علمي مهم، مقابل أعداد لها رصيد علمي وتكنولوجي هائل يحصل باللغة الأجنبية مع ضعف مؤسف ومكبل في اللغتين الوطنيتين.
المعضلة الأخطر
لكن هناك معضلة ربما أخطر سوف تظهر مخلفاتها السلبية عن قريب إن نحن تمادينا في الخطابات السياسوية من قبيل: «الأمن الروحي»، والانشطار»، والاستلاب، أو الكلام في عموميات العلاقة بين التنمية واللغة الوطنية. هذه المعضلة ترتبط بالتوزيع العادل لموارد وعائدات النمو، أي بتقليص الفوارق الطبقية. ويمكن طرح هذه المعضلة كالآتي: إننا نعرف تمام المعرفة أن غالبية التلاميذ في القطاع العمومي لا يلجون الشعب العلمية والتكنولوجية، والمدارس العليا لتلك المواد لا في الداخل ولا في الخارج. ومقابل ذلك، فإن الطبقات المحظوظة تتوفر على إمكانية تسجيل أبنائها وبناتها في القطاع الخاص. وبفعل هذا الامتياز في القطاع الخاص الذي تعلم فيه اللغة الأجنبية، ويتم تدريس العلوم بها، تكونت نخبة متمكنة من العلوم والتكنولوجيا باللغة الأجنبية المسيرة للاقتصاد. هذا واقع لا يمكن التغافل عنه، وهو يكرس فروقات اجتماعية حادة. وإذا كان الهدف بالفعل هو التوزيع العادل لفرص الشغل، فإن تعليم اللغة الأجنبية يكون هو الوسيلة الناجعة في القطاعين العمومي والخصوص. وذلك لتمكين شباب الطبقات ذات الدخل المتواضع من دخول سوق الشغل في الميادين الاقتصادية الحيوية، وألا تبقى تلك الميادين حكرا على الطبقات المحظوظة.
من هذا المنظور، يظهر أن الإصلاح الحقيقي في مجال التعليم المرتبط عضويا بالإصلاح الاجتماعي هو التعليم الجدي والجيد للغة الأجنبية في القطاع العمومي لمنظومتنا التربوية في جميع المستويات.
إشكالية جديدة
(…) لا يسعني إلا أن أنبه إلى ظهور إشكالية جديدة، وهي إشكالية أظنها مفتعلة، تعتم على سبل الاختيار الواقعي: تلكم هي ظاهرة الترويج للإنجليزية على حساب الفرنسية.
لكن قبل التطرق لهذه الجوانب، يجب أن أوضح موقفي ككاتب لهذه السطور. لقد كان تكويني الأول في اللغة العربية بفضل حفظ القرآن، ثم في المدرسة «الأهلية» إبان الاستعمار حيث كان تعليم العربية معقلنا وجديا، رغم أن حصصها كانت متواضعة من حيث العدد مقارنة بحصص اللغة الفرنسية، وهي آنذاك لغة المستعمر. غير أن تعلم العربية كان عن طريق مناهج سليمة تحبب اللغة بوسيلة الآداب الرفيعة. واليوم أنا أحاضر بالعربية والفرنسية، وأدرس بالإنجليزية في جامعة أمريكية. وليس لي ارتباط لا باللوبيات الفرانكوفونية، ولا الأمريكية، ولا اللوبيات الخليجية، أو غيرها…إني أحاول أن أنظر إلى المشكل من زاوية مصلحة الوطن الذي أنتمي إليه.
إن الدفاع عن أولوية الإنجليزية راهنا يستند إلى معلومات معروفة؛ منها كون هذه اللغة أصبحت هي اللغة الأولى من بين لغات العالم؛ ومنها أنها غزت اللغة الفرنسية في عقر دارها؛ ومنها أن ولوج المجلات الدولية المفهرسة يتم عن طريق هذه اللغة، وأن الفرنسيين أنفسهم يستعملون اليوم الإنجليزية لتلك الأسباب. هذه المعلومات صحيحة. غير أن الاقتراح المبني عليها مغلوط في نظري. إذ لازال الفرنسيون يحتلون، بجانب شعوب أوروبية أخرى، الريادة في علوم وتكنولوجيات عديدة. ولازالوا يعملون بلغتهم، وزيادة على ذلك، يدونون تراكماتهم بلغتهم وبالإنجليزية بكل سهولة.
وقد تستورد الولايات المتحدة الأميركية علماء وخبراء فرنسيين للعمل في جامعاتها ومعاهدها الكبرى. لكنه يجب أن نلاحظ أن المنظومة التربوية الأمريكية في الابتدائي والثانوي هي منظومة ضعيفة المردودية بالمقارنة مع المنظومة الأوروبية الفرنسية منها على الخصوص. وهذا بشهادة الأخصائيين الأمريكان بأنفسهم. أما في التعليم العالي، فتتفوق أميركا على العموم.
لكن الأهم في نظري هو اعتبار ظروفنا الخاصة. وهنا أظن أن اقتراح اللغة الإنجليزية في الظرف الحالي ينم على استخفاف كبير بالتراكم العلمي والتكنولوجي الذي تأصل في بلادنا منذ ما يقارب قرنا من الزمان. والتراكم حاصل ولازال يحصل باللغة الفرنسية. وبها وظفت أجيال من المغاربة والمغربيات العلوم الحديثة والتكنولوجيات المعاصرة التي نحيا بها. وإذا افتقدناها، فلربما سنفتقد أشياء حيوية منها بكل بساطة وعلى سبيل المثال لا الحصر الكهرباء والحصول على مياه الري والشرب وهياكل السيارات، والمطارات، والموانئ وتسييرها… فالتخلي عنها سيكون تخريبا. أما الخطابات التي تروج ل»الاستلاب» و»الانشطار»، فلا أساس لها في هذا المجال. فالمغاربة الذين يسيرون هذه القطاعات لا تنقصهم «تمغربيت» ولا «تأسلاميت»، عكس ما تدعيه الأوساط الدعوية والأنكلوفونية التي تنصب نفسها للدفاع عن حقوق «الوطن» و»الأمة».
وليس في هذا أي رفض مبدئي للإنجليزية نفسها، أو عدم اعتراف بمكانتها الخطيرة، بل العكس هو الصحيح. وعلى كل حال، فهي في تقدم متزايد. ويجب أن نرتاح لتقدمها ولتعلمها، ما دمنا نتشبث باللغتين الوطنيتين، وبإصلاح جذري لمناهج تعليمهما قصد تعزيز مكانتهما واستمراريتهما. وإذا كانت أمريكا تستورد الأدمغة، وتلزمهم بالبحث والتدريس بلغتها، فهذا أمر طبيعي. لأن لغتها لغة قوية في جميع المجالات بما فيها العلمية والتكنولوجية. وهو ما يختلف تمام الاختلاف عن واقعنا اللغوي الراهن، إذ إن لغتينا الوطنيتين ليست لهما بعد القوة المطلوبة في تلك الميادين. وفي الحقيقة، فإن المطلوب هو إعداد لغتينا بغاية اكتساب تلك القوة. وإذا نحن وضعنا برنامجا محكما لتعليم اللغات كما أشرت إلى ذلك، فإننا سوف نصبح قادرين مستقبلا على استيعاب أية لغة في مجتمعنا. ولكن لن يتم ذلك إلا بتجنب المجازفات والقرارات المرتجلة التي طالما عطلت سبل التقدم.
كل ما قلناه سابقا يدخل في موضوع تعلم اللغات. وقد آن الأوان للانتقال إلى المسألة الثانية التي تطرح علينا مشكل منهاج تعليم اللغات لأبنائنا وبناتنا.
باختصار شديد، يجب أن نعي بمشكل المناهج وبمحتوى مادة تعلم اللغة، ثم التعلم بوسيلة اللغة.
هشاشة تعلم اللغة
إن هشاشة تعلم اللغة هي الظاهرة التي تطغى على الموقف، سواء بالنسبة للغتين الوطنيتين أو اللغة الأجنبية في قطاعنا العمومي. أما في القطاع الخصوصي، فإن تعليم اللغة الأجنبية لا يعرف على العموم نفس الصعوبات التي يعرفها القطاع العام، حيث يشكو تعليم الفرنسية يشكو من خصاص مهول في تكوين الأساتذة. أما مشكل العربية، فإنه يكمن، في القطاعين معا، في الخلط بين تعليم اللغة وتعليم المواد الدينية. فالمنهج اليوم هو منهج غامض يعلم الدين عن طريق اللغة، ولا يعلم اللغة كلغة، وكلغة تعلم في جميع الميادين دينية كانت أو علمية أو أدبية. فهذا المنهج يهمل الكنوز الأدبية الرفيعة، وكنوز الفكر التي تراكمت باللغة العربية عبر العصور بما فيها الفلسفة. وهو تصور منهجي يوجه كل الروافد البيداغوجية نحو التربية الإسلامية فقط، وهي في الحقيقة تربية على إهمال اللغة وآدابها، واختزالها في رصيدها الديني، وذلك باسم تحصين الهوية.
ولطالما طغت تلك الميول على تعلم اللغة كلغة، أولا وقبل كل شيء. ولا حرج طبعا في تخصيص حصص للتربية الإسلامية والوطنية إضافة إلى حصص العلوم والآداب. ولكن المشكل يكمن فيما يظهر وكأنه محاولة للتعتيم على مركزية هذه المواد. لكن مع هذا، يكون من المفيد هنا إدراج الملاحظة الآتية: فالمتتبع لشؤون التعليم في بلادنا قد يقف على مجهودات حميدة ومهمة في الاتجاه السليم، أي تعليم اللغة كلغة أولا وقبل كل شيء؛ ولكنه يشعر وبكل أسف بأن تلك المجهودات لا تنال نصيبها اللائق في التطبيق، وعلى العموم تبقى محاصرة.
إن الحسم في هذه المعضلة لا يقبل التأجيل، فلا مناص من الحسم إن نحن رمنا الخروج من أزمة التعليم.
* أنتروبولوجي مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.