منذ إعلان حصاد عن أجندة الانتخابات المقبلة، وآلة الاستقطابات بمدينة وجدة لم تتوقف، والتي كشفت عن العديد من مظاهر الحملات السابقة لأوانها، من ولائم ومنح ومساعدات طبية وغذائية. فرغم تأكيده بأن الحملات الانتخابية السابقة لأوانها «تقليد» مغربي راسخ، درجت عليه الأحزاب السياسية المغربية بشكل متفاوت الوتيرة، إلا أن إسماعيل أزواغ، الباحث في سلك الدكتوراه بمختبر الدراسات السياسية والدستورية بكلية الحقوق بوجدة، يتوقع أن تكون الاستحقاقات الانتخابية المقبلة حاسمة وتشكل تحديا كبيرا لبعض الأحزاب السياسية، وهو ما يفسر الحملات الاستباقية قبل أوانها، للبحث عن أصوات وإرادات بغرض تجميعها وضمان الاستمرارية. موسم «الزرود» في الثامن من فبراير الماضي، وقف جمع من الناس أمام منزل لخضر جدوش، رئيس المجلس الإقليمي لوجدة، والرئيس السابق للجماعة، ينتظرون قدوم الوزير «أنيس بيرو» لتناول وجبة العشاء بمنزل لخضر. لم يكن عشاء عاديا، فالضيف إلى جانب كونه وزيرا في حكومة بنكيران، فهو قيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار، قدِم خصيصا في تلك الليلة في مهمة حزبية على درجة كبيرة من الأهمية، إذ أكد والعدة على عدد ممن حضروا هذا العشاء أنه منح التزكية للخضر حدوش، لخوض الانتخابات الجماعية المقبلة على رأس لائحة «الحمامة»، ولم يكن قد مضى على التحاق حدوش بحزب الأحرار سوى أيام فقط، بعد ثلاثة سنوات تقريبا قضاها في «اليتم السياسي». تزكية حدوش كوكيل للائحة الأحرار لم يمر مرور الكرام، فرغم غياب قرار مكتوب يؤكده كوكيل مستقبلا، إلا أن العشاء الذي أقيم بمنزله بحضور القيادي التجمعي بيرو، خلق حالة من الشد والجذب بينه وبين من يوصفون في وجدة ب»جناح الصقور»، بحزب الحمامة، وعلى رأسهم المستشار البرلماني لحبيب لعلج، الذي نظم في المقابل وليمة لعدد من أنصاره عبروا عن رفضهم لحدوش كوكيل للائحة. بعد عشاء منزل حدوش بأسبوعين تقريبا، وبالتحديد يوم 21 فبراير المنصرم، احتضن منزل سياسي آخر بالمدينة غذاءً انتخابيا من العيار الثقيل، إذ استقبل الحركي عبد الرحمان مكروض، الأمين العام للحزب امحند العنصر، والوزير السابق محمد أوزين، ورئيس المجلس الوطني للحزب محمد الفاضلي، غذاء وصف ب»غذاء لم الشتات»، فالحركة الشعبية منذ أن غادرها لخضر حدوش في اتجاه الأصالة والمعاصرة خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2009 وهو يعيش على وقع «الفراغ التنظيمي»، وكان واضحا من خلال كلمة العنصر في الغذاء المذكور، أن الهاجس الأساسي الذي تحكّم في قدوم الوفد الحزبي المهم إلى وجدة هو الانتخابات المقبلة، وهو ما أدى بهم في نهاية المطاف إلى إعلان «مكروض» منسقا للحزب. في اليوم نفسه، أي 21 فبراير، عاد حدوش من جديد ليعقد لقاءً قال بأنه تواصلي مع ممثلي بعض الجمعيات، لقاء يندرج في سياق الأنشطة العادية التي يقوم بها الحزب، ولا علاقة له بالحملة الانتخابية. هذا الكلام لا يقنع عبد الهامل، الكاتب الجهوي لحزب العدالة والتنمية، الذي قال بأن الحملة الانتخابية السابقة لأوانها بالمدينة، في حقيقة الأمر، بدأت حتى قبل انطلاق «موسم الزرود» هذه: «الحملة غير المشروعة بدأت مع توزيع الجماعات الترابية لمنح الجمعيات، وقد بلغنا أن مجلس الجهة مثلا وزع أكثر من مليار سنتيم كمنح، وما يقارب من 400 مليون منحها المجلس الإقليمي أيضا، وهو ما يعتبر حملة غير مشروعة سابقة لأوانها»، يؤكد الهامل في تصريح ل»اليوم24». لا يحصر الهامل مظاهر الحملة في الدعم السخي الذي تتلقاه بعض الجمعيات من المجالس المنتخبة، أو في «الزرود»، فهو يتعدى وجدة إلى باقي المناطق الأخرى بالمغرب، إذ يستهدف «استمالة الناخبين عن طريق الأعمال الاجتماعية كتسهيل حصول البعض على خيام الأعراس وتنظيم الجنائز، والختان وتوزيع المساعدات الغذائية». زيت ودقيق الجدل حول الحملات الانتخابية المبكرة بوجدة لا يتوقف عند تنظيم «الزرود»، بل يتعداه إلى «بونات» (قسيمات) المساعدات الاجتماعية، فمنذ أسابيع، مباشرة بعد إقدام الجماعة الحضرية لوجدة على توزيع مجموعة منها على المواطنين «الفقراء» بالمدينة، خرج حزب العدالة والتنمية ببلاغ ناري يتهم فيه الرئيس حجيرة بقيادة حملة انتخابية سابقة لأوانها، وهي «التهمة» التي نفاها حجيرة، مؤكدا أن توزيع «البونات» جاء بعدما تخلفت رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية، التي تنتمي إلى فريق العدالة والتنمية عن اجتماعات، كان مقررا أن تُحسم فيها طريقة التوزيع. بعدما كان في موقع المدافع، عاد حجيرة في 13 فبراير ليتبوأ مكانة المهاجم، إذ وجه سؤالا كتابيا إلى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، يشير فيه إلى أن المدينة تعرف تناميا لمظاهر الحملات الانتخابية السابقة لأوانها، والتي تقوم بها بعض الأحزاب السياسية تحت غطاء جمعيات خيرية، وجمعيات تقوم بقوافل طبية وتوزيع مساعدات على الفقراء، وهو الأمر الذي اعتبره مؤشرا سلبيا على تكافؤ الفرص والنزاهة المتوخاة من الانتخابات المقبلة. مصدر متتبع للشأن السياسي أكد أن المقصود من سؤال حجيرة ليس خصومه بالمجلس الجماعي، بالنظر إلى الأفعال الواردة في السؤال، وإنما المستهدف هو البرلماني الذي يقود جمعية للعمل الخيري بالمدينة، وهي الجمعية التي قادت طوال الفترة الماضية العشرات من القوافل الطبية والمساعدات الغذائية لسكان الأحياء الهامشية وسكان المناطق المجاورة. أسلوب المنح والمنافع في تقدير خالد الشيات، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الأول بوجدة، فهذه الولائم والمساعدات هي نوع من المنح التي يقدمها مجموعة من الأشخاص خلال هذه الفترة، ويتابع شيات في تصريح ل»اليوم24» أنه في الوقت الذي تتجه فيه الدولة أكثر نحو الشفافية لضمان استقلالية العملية الانتخابية، «بعض الأحزاب لازالت مستمرة في السير على النهج القديم نفسه، بحيث أنها تعتمد على أسلوب الانتفاع والمنحة، إلى درجة أن الناخب نفسه يعتقد بأن صوته لن يغير شيئا في الواقع، وبالتالي وجب التعامل معه من زاوية ماذا سيجنيه صاحبه من نفع خلال فترة الانتخابات». ويعتبر المتحدث نفسه أن أسلوب المنح والامتيازات، يتخذ أشكالا متعدّدة، قد يكون في شكل ولائم كما هو حاصل اليوم في وجدة، ومنحٍ لجمعيات بعينها، لكن يبقى السؤال العريض الذي يطرحه شيات بحدة هو: «كيف أن بعض الأحزاب السياسية لتثبيت وكيل لائحتها تقوم بتقديم ولائم؟»، في حين كان يجب عليها أن تمر من القاعدة السياسة، لكن هذا الأمر لن يتأتى مع مجموعة من الأحزاب السياسية التي تعمل بمنطق «المقاولة السياسية» على حد تعبيره. الأحزاب هي المسؤولة لفهم هذه الظاهرة جيدا، ينصح عبد الله الهامل بالعودة إلى دراسة الأحزاب السياسية خاصة على مستوى الخطاب، الذي «صار مترهلا ومتجاوزا، ولم يعد يستهوي الرأي العام، الشيء الذي يدفع بالمترشحين إلى هذا النوع من الأساليب»، يضيف الهامل. مفتش حزب الاستقلال بوجدة محمد زين، اعتبر بدوره أن تنظيم «الزرود»/ الولائم وكل مظاهرة الحملة الانتخابية السابقة لأوانها، هي أعمال يأتي بها في الغالب «أصحاب الشكارة»، الذين يختفون وراء بعض الأحزاب، والتي لا ينبغي السكوت عنها. لذلك ندعو السلطات المعنية إلى ضرورة إعمال القانون ومنع مثل هذه الأنشطة»، التي قال بأنها مرفوضة وممنوعة حتى أيام الحملة الانتخابية. أزواغ لم يختلف كثيرا في هذه النقطة عن الهامل، إذ اعتبر أن لجوء بعض الأحزاب إلى هذه الأساليب والممارسات المخلة بالمشهد السياسي تريد أن تقول بالمباشر، «لازلنا نشتغل بمنطق الماضي، وهذا يلخص جوهر الأزمة الحزبية، أزمة التعاطي مع لحظة الانتخابات باعتبارها لحظة رهان وتنافس، في تأكيد واضح بأن الأحزاب السياسية المغربية لازالت مسكونة بهاجس انتخابوي كغاية وهدف في حد ذاتها، رغم أن العكس هو ما كان منتظرا»، يقول أزواغ.