باحث في الدراسات الدستورية والسياسية تشكل العملية التواصلية أثناء الحملات الانتخابية إحدى أهم الآليات التي تستطيع من خلالها الأحزاب السياسية تصريف خطابها السياسي و برنامجها الانتخابي، إذ تعمل هذه الأحزاب أثناء هذه المرحلة على توظيف مختلف الأساليب للوصول إلى الجسم الإنتخابي، بغرض إعلامه و إقناعه بمحتوى البرنامج الإنتخابي، و بالتالي، فالتواصل الإنتخابي إذن، هو "الإستخدام المنظم و المنسق لمختلف وسائل التواصل، لتحقيق الحد الأقصى من الدعم الإنتخابي لحزب سياسي أو مرشح أثناء العملية الانتخابية. سنحاول في هذا المقال مقاربة مختلف الوسائل التقليدية التي اعتمدت عليها الأحزاب السياسية لكسب الدعم الانتخابي أثناء فترة الحملة الانتخابي إن الحديث عن مختلف الوسائل التواصلية للأحزاب السياسية في الدول "التقليدية"، لا يستقيم إلا بالمقاربة السوسيولوجية لطبيعة البنية المجتمعية و فهم بطبيعة الثقافة السياسية السائدة، و بذلك تشكل القنوات التواصلية التقليدية إحدى أهم الوسائل التي تعتمد عليها الأحزاب السياسية أثناء الحملات الانتخابية للتواصل مع المواطنين. و القنوات التقليدية للتواصل بهذا المفهوم، هي مختلف الوسائل ذات الطابع التقليدي/ العتيق كالعرضات (الزرود) ،الموسم ، العلاقات الشخصية و الأسواق... التي توظفها الأحزاب السياسية لتسويق برنامجها الانتخابي أو مرشحها أثناء فترة الدعاية الإنتخابية لجلب تأييد الناخبين. و تضاف إلى هذه القنوات التقليدية أيضا "مختلف الرسائل المتلفزة الموجهة إلى الناخبين عبر القادة السياسين، و التجمعات و التواصل المباشر مع الشعب". - الخطابات المتلفزة للقادة السياسين : تعد الرسائل المتلفزة التي تبثها القنوات التلفزية العمومية أهم الوسائل التقليدية التي تعتمد عليها الأحزاب السياسية للتواصل غير مباشر مع الناخبين، فهي بمثابة القناة التي تمكن من إيصال الرسائل لأوسع شريحة ممكنة من المواطنين. و قد استفادت الأحزاب السياسية من وسائل الإعلام العمومية في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 (خلال الفترة الممتدة ما بين 13 يونيو و 19 غشت 2007) من حوالي أكثر من 168 ساعة من البث، أما في الحملة الانتخابية الأخيرة فقد استفادت الأحزاب السياسية في الفترة الزمنية الممتدة من 12 أكتوبر إلى 24 أكتوبر من توقيت إجمالي تجاوز 380 ساعة، شملت أكثر من 1082 برنامج تلفزي (527 نشرة تلفزية، و 555 برنامج حواري. ما يلاحظ في هذا الإطار، هو أن استغلال الأحزاب السياسية لوسائل الاتصال السمعي البصري خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، عرف نوعا من التطور الكبير، لا من حيث المنظومة الدستورية و القانونية، و لا من حيث تضاعف التوقيت الزمني المخصص لاستفادة الأحزاب من وسائل الإعلام العمومية بالمقارنة مع الحملات الانتخابية السابقة... ما يسجل أيضا هو بروز نوع من التوظيف الحديث للقنوات التلفزية بالمقارنة مع الإنتخابات السابقة، إذ ظهرت بعض بوادر اعتماد أحزاب سياسية بعينها (التجمع الوطني للأحرار، العدالة و التنمية و التقدم و الإشتراكية...) على وكالات متخصصة لإعداد وصلاتها الإعلانية، إذ بدت هذه الوصلات الإشهارية السياسية في شكل حديث بدل ما كان عليه في السابق حيث كانت تشكل خطابات القادة السياسيين السمة الأساسية للتواصل التلفزي مع الجسم الإنتخابي، و ظهرت معالم هذا التوظيف "الحديث" سواء من حيث الأسلوب الإخراجي للوصلة الإعلانية و التقنيات الموظفة في ذلك، أو من حيث مضمون هذه الوصلات التلفزية، إذ ركزت على تجسيد أهم المشاكل المجتمعية (البطالة، السكن و التعليم...) و ابراز طريقة التعامل معها و حلها من المنظور الحزبي. - "العرضات" و الإطعام الجماعي كوسيلة لكسب التأييد : يتميز تاريخ الحملات الإنتخابية بالمغرب بخاصية أساسية تجعل من الإعتماد بشكل مهم على ما يسمى ب"العرضات" و ولائم الإطعام الجماعي (الزرود) كإحدى أهم الوسائل التي توظفها جل الأحزاب السياسية أثناء الحملة الإنتخابية للحشد الجماهيري. و "العرضات هي إحدى التقاليد المترسخة في المجتمع المغربي تقوم على أساس تنظيم ولائم و دعاوى الإحتفال بحدث مهم. و أثناء الحملات الإنتخابية ترتفع حدة هذا التقليد و تظهر بشكل غير عادي." إن فهم هذه الظاهرة التواصلية التقليدية التي تعتمد عليها هذه الأحزاب السياسية، لا يستقيم إلا بالمعالجة السوسيولوجية، بمعنى النزول إلى واقع الحملات الإنتخابية و معاينة هذه الوسيلة التواصلية، فإذا كانت هذه "العرضات" بإعتبارها ثقافة متجذرة في عمق المجتمع المغربي و تجسد طبيعته التقليدية، فإن الولائم الظرفية التي تقيمها الأحزاب أثناء فترة الحملة الإنتخابية تعكس هذه الثقافة و تغذيها ... إلا أن ما يميز هذه الفترة هو التوظيف السياسي لهذه الولائم و جعلها كأداة تواصلية يعمل من خلالها صاحب الوليمة على استمالة الناخبين و التأثير في سلوكهم الإنتخابي... و تبدأ "الزرود" عادة بتناول ما جاد به صاحب الوليمة\المرشح على "المعروضين"/الناخبين، ثم مباشرة بعد ذلك يلقي المرشح خطابا يرحب من خلاله بالجمهور، و يدعوهم إلى التصويت عليه، و تختتم هذه الولائم بالدعوة للمرشح بالفوز بالإنتخابات (رفع الفاتحة). و بالمقارنة دائما مع الحملات الانتخابية السابقة، فإن حدة الولائم في الحملة الإنتخابية الأخيرة قد قلت نوعا ما دون أن تنتهي، و حتى و إن كانت موجودة فإنها لم تعد بذلك الشكل العلني الذي كانت عليه في السابق. - الأسواق و المواسم : تعد الأسواق و المواسم قنوات تواصلية مهمة بالنسبة للأحزاب السياسية أثناء الحملة الإنتخابية، إذ تشكل هذه التجمعات البشرية سوقا انتخابيا بإمتياز، تستغله هذه الأحزاب للترويج لحملتها الدعائية... و توظف عادة أثناء هذه المواسم و الأسواق مختلف الوسائل السمعية البصرية و كذلك اللافتات و الشعارات الخاصة بالمرشح، بالإضافة إلى تلك الصورة الشعبية التي يظهر بها المرشح مع تواجد المؤيدين و الداعمين له ...و تظهر أبرز ملامح تواصل المرشحين و الناخبين من خلال الأسواق و المواسم بشكل خاص في البوادي، إذ يتم تنظيم المهرجانات الخطابية للمرشحين بالتزامن مع هكذا أوقات. و تلعب هذه التظاهرات دورين أساسيين، فهي من جهة، تعمل على التعريف بالمرشح المتنافس الغير معروف و الباحث عن الشهرة ، و من جهة ثانية، تخلق نوعا من التواصل بين المرشح المعروف و قاعدته الإنتخابية - التواصل مع الجسم الإنتخابي من خلال الرموز: تشكل الرموز بمختلف أصنافها أداة معرفة و تواصل مهمة تؤدي وظيفتها السياسية لفرض السيادة و إعطاء صفة المشروعية. و بقدر الأهمية التي تكتسيها الرموز في المخيال الجماعي، بقدر ما تحرص الأحزاب السياسية على إستغلالها سواء خلال الأعياد الدينية أو من خلال الزوايا... لكسب التعاطف الشعبي و توظيفه أثناء الحملة الإنتخابية. بالإضافة إلى الإستعمال المكثف للحملات الدعائية في الأماكن الدينية ( المساجد) في ظل غياب أي إطار قانوني يمنع القيام بهذه الأعمال أثناء الحملات الإنتخابية السابقة... إلا أن الإطار القانوني المنظم للحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية ل 2011 حظر على الأحزاب السياسية القيام بالدعاية في أماكن العبادة، مما ساهم بطبيعة الحال في التأثير على توظيف الأماكن الدينية أثناء الحملة الأخيرة. - دور العلاقات الشخصية في التواصل الإنتخابي : تعتمد الأحزاب السياسية كذلك خلال الحملة الإنتخابية على العلاقات الشخصية، إذ توظف هذه الأحزاب شبكة من الأشخاص يشكلون وساطة بين الناخب و المرشح، و يعملون على نسج خيوط تواصلية معهم قوامها القرب و المعرفة الشخصية. و هكذا ينتشر مناضلو كل حزب في مختلف الأحياء لطرق الأبواب و التعريف بالمرشح مذكرين بتاريخيه و مزاياه و مركزين على إنتمائه المحلي. فقد جرت العادة أن يترشح عضو في المنطقة التي ينتمي إليها، نظرا لأهمية تأثير ذلك على الناخبين، كلما كان المرشح معروفا كانت حظوظه أوفر ، و حتى في حالة عدم إنتمائه للمنطقة التي رشح فيها يقوم عادة عضو معروف في المنطقة أو أحد قياديي الحزب للتعريف بالمرشح و تقديمه للسكان مشيدا بخصاله و مزاياه. و في هذا الإطار فإن جل الأحزاب السياسية تعتمد على "مأجوري الحملات الإنتخابية" و هم عبارة عن شباب معطلين و نساء أميات حيث يرتدون ملابس خاصة بالأحزاب تحمل رمز المرشح ، ويعملون على توزيع المنشورات الورقية الخاصة بالمرشحين، و عادة ما تضفي هذه الفرق أثناء حملاتها الدعائية طابعا احتفاليا من خلال توظيف بعض الأهازيج و بعض الفرق الموسيقية (الدقة و العرفة...)، كما يقومون أيضا بجلب الأقارب... و تؤدى هذه الخدمات مقابل ثمن يتراوح بين 100 و 300 درهم. و بشكل عام يعمل "مأجورو الحملات الإنتخابية" على تنشيط و تأثيث المهرجانات خطابية و اللقاءات، و ترديد الشعارات الحزبية في الشوارع و الأزقة و دعوة النساء و الأطفال و أعضاء عائلاتهم للحضور إلى التجمعات و التظاهرات التي تنظم من قبل المرشحين.