على امتداد أسبوعين عاش المرشحون للانتخابات التشريعية في المغرب «معارك» دعائية بدأت خافتة وانتهت صاخبة، شارك فيها حوالي 30 حزبا، وعشرات المرشحين الخارجين عن طوع الأحزاب، وآلاف «المناضلين» الراكضين خلف منصب برلماني «مؤخر» في انتخابات تشريعية مبكرة. تابعت «المساء» جهود المرشحين وطرق استعطافهم واستمالتهم للناخبين، وكيفية إقناع المصوتين بضرورة محاربة المفسدين، والتقطت مجموعة من المواقف الطريفة أثناء جهود المرشحين ل«خدمة الوطن»، ورصدت بعض الابتكارات الغريبة التي لجأ إليها المرشحون وفيالقهم الموجودة في الخطوط الأولى من معركة الدعاية الانتخابية، التي تحاول استقطاب الأصوات، ولأن الحاجة أم الاختراع فقد لجأ العديد من المرشحين إلى أساليب «مشروعة» وأخرى محظورة لدعم حظوظهم في مباراة يوم 25 نونبر، يوم يعز المرشح أو يهان. قبل 25 نوفمبر، موعد الاقتراع، عاشت مدن وقرى ومداشر المغرب «كرا وفرا» بين المرشحين بمختلف انتماءاتهم وأطيافهم، في حملات تبدو منظمة على الهواء مباشرة من خلال البرامج الدعائية التلفزية، ومبعثرة على الطبيعة. قبل الموعد استنفر المرشحون كل إمكانياتهم وإمكانيات أحزابهم وأقاربهم وكتائبهم من أجل حملات تدعو المواطن إلى «لعن الشيطان الرجيم» وإنهاء حالة العزوف السياسي، والتصويت ولو بالحضور، وذلك أضعف الإيمان. وعلى الرغم من استنفار عدد كبير من المراقبين المحليين والدوليين والمخبرين، وإعلان الحكومة عن اتخاذ إجراءات صارمة خلال الحملات الدعائية، فإن ذلك لم يمنع من ظهور ممارسات تعيدنا إلى الوراء وتوقف عقارب الساعة لتذكرنا بأن «اولاد عبد الواحد واحد». ولأن بنود الدستور الجديد تمنح الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية فرصة رئاسة الحكومة في نسختها المنقحة، فإن هذا المعطى رفع درجة الاستنفار، وحول شوارع وأزقة ودواوير المملكة الشريفة إلى سوق انتخابي، بالرغم من انتصاب علامات مرورية تدعو إلى مقاطعة الانتخابات وضعتها في طريق الحملة حركة 20 فبراير. تابعت «المساء» جهود المرشحين وطرق استعطافهم واستمالتهم للناخبين، وكيفية إقناع المصوتين بضرورة محاربة المفسدين، والتقطت مجموعة من المواقف الطريفة أثناء جهود المرشحين ل«خدمة الوطن»، ورصدت بعض الابتكارات الغريبة التي لجأ إليها المرشحون وفيالقهم الموجودة في الخطوط الأولى من معركة الدعاية الانتخابية، التي تحاول استقطاب الأصوات، ولأن الحاجة أم الاختراع فقد لجأ العديد من المرشحين إلى أساليب «مشروعة» وأخرى محظورة لدعم حظوظهم في مباراة يوم 25 نونبر، يوم يعز المرشح أو يهان. مرشحون يخاطبون غرائز الناس رغم أن الولائم والحفلات لم تعد تشكل قطب الرحى في استراتيجية الحملات الانتخابية، فإن كثيرا من المرشحين ظلوا يؤمنون بالمثل القائل «ضربو لحلقو ينسى اللي خلقو»، في إشارة إلى ما تفعله الموائد ببعض الكائنات الانتخابية، التي ما أن تمتلئ بطونها حتى تحرض الرأس على الغناء والتصويت، لكن بعض الولائم تجاوزت حدود الاحتفال بالمرشح والتغني بخصاله السياسية وجوده وكرمه، إلى تنظيم ليال ماجنة يعيش فيها الناخبون لحظات مستقطعة من زمن «أبي نواس». ورغم أن سلطات إقليم خريبكة، منعت مرشحا من إحياء موسم أحد الأولياء الصالحين، الذي ألغي بالتقادم، فإن رجال حملته الانتخابية أصروا على نصب الخيام على مقربة من الضريح، واستدعاء ساكنة الدواوير إلى حفلات يومية وزعت فيها الخمور والوعود على إيقاع «عيوط وسواكن» من زمن «الخير والصابة» والمرشح الدائم. بركة الأولياء الصالحين عزف كثير من المرشحين على وتر الثقافة الشعبية للناخبين، واختاروا تدشين حملاتهم الانتخابية بحمل «المرفودة» إلى الأولياء الصالحين، الذين أنعشتهم الحملة الانتخابية فطردت عنهم غبار النسيان. بعض المرشحين قاموا بتبييض أضرحة تعرضت حيطانها لعوامل التعرية، وآخرون أراقوا على جوانبها الدم. ورغم أن بعض الأحزاب تنصب نفسها نصيرة للحداثة، فإن سطور البرنامج لم تمنع من التبرك بالأولياء، كما حصل في مكناس حين زار صلاح الدين مزوار، رفقة وفد تجمعي حداثي، ضريح الشيخ الكامل الهادي بنعيسى، حيث نال بركات دفين العاصمة الإسماعيلية ولو من باب الفأل، واستجابة لنصائح «رجال البلاد»، إذ خصصت للمرشح، الذي يتزعم لائحة مرشحي حزب الحمامة، تعبئة دعوات مضاعفة تيسر له سبيل النجاح. وفي مراكش اختار المرشح الدستوري نجيب رفوش الملقب ب«ولد العروسية»، تأخير «الزيارة»، إذ لم يستهل حملته بتفقد الأولياء الصالحين، ولكنه نحر كبشين، وفي رواية أخرى أربعة أكباش، على عتبة الولي الصالح «سيدي بن سليمان الجزولي» أحد الرجال السبعة لمدينة مراكش، وسط هتافات المناصرين الذين تفاءلوا خيرا بالزيارة، ودعوا رجالات مراكش السبعة لدعم «ولد العروسية»، الذي امتطى صهوة حصانه، رمز الاتحاد الدستوري، وقصد دائرته الانتخابية «المدينة/سيدي يوسف بنعلي»، بعد أن تزود ببركات الأولياء، فيما ظل أطفال يدعمون خصمه «التراكتوري» يشيعونه بلازمة تقول: «العود ها هو والعلف فينا هوا». وتوجهت أم مرشح، يحتل الصف الثاني في ترتيب لائحة الدار، إلى الولي الصالح عبد الله بني مغار، وحملت إلى ضريحه في ساعة مبكرة صورة ابنها وبرنامجه الانتخابي وشمعا، والتمست منه مساعدته على هزم منافسيه، وذكرته بمواظبته على حضور المواسم، قبل أن تحمل قنينة ماء من أمواج البحر وتعود من حيث أتت بعد إنهاء المهمة. صوتوا علي وعلى أولادي آمن أحد المرشحين بمقولة «الصدقة في المقربين أولى» فحاول تجسيدها في معركته الانتخابية من أجل الظفر بمقعد تحت قبة البرلمان، وهداه تفكيره وقناعاته إلى لائحة عجيبة تضعه على رأسها كوكيل للائحة الحركة الديموقراطية الشعبية في دائرة قرية بامحمد غفساي، وعن يمينه زوجته وعن يساره ابنه، وهي لائحة وصفت بالعائلية والأكثر انسجاما من بين جميع لوائح الدوائر الانتخابية. وعلى الرغم من صمود الوكيل «الديمقراطي» أمام التعاليق الساخرة لسكان المنطقة، فإن عددا من المتتبعين للمشهد الانتخابي في هذه المنطقة، المصنفة في خانة المغرب غير النافع، أكدوا أن الوكيل لم يكتف بتعيين زوجته وابنه مرشحين ثانويين، بل اعتمد على أفراد عائلته الموسعة في الترويج لبرنامجه الانتخابي الذي يجعل الأسرة في خدمة الشعب. ويرى المقربون من مرشح حزب عرشان أن الحكمة في هذا الترشيح هو توزيع المهام، إذ أن خصوصيات المنطقة وسيادة النمط التقليدي في الحياة العامة، حتمتا على الوكيل انتداب زوجته مخاطبة للنساء وابنه مخاطبا للشباب. ولم يقتصر الترشيح العائلي على هذه الدائرة، بل إن كثيرا من المرشحين دخلوا غمار الانتخابات برغبة التواجد في البرلمان إلى جانب زوجاتهم وفلذات أكبادهم، حتى يتحول مجلس النواب إلى فضاء للتجمع العائلي. مرتزقة الانتخابات يقول محمد معضاضي، وهو رجل تعليم متقاعد، ل«المساء» إن الانتخابات لا تقل مردودية بالنسبة إليه عن حملة بيع أضاحي العيد. «أحصل على مدخول مالي إضافي لا بأس به خلال الانتخابات، من خلال تأجير محل تجاري في ملكيتي من عائدات المغادرة الطوعية، كنت أستغله في غسل السيارات خلال الأيام العادية، لأحد الأحزاب السياسية التي حولته إلى مقر مؤقت للحملة الانتخابية، وهو المحل الذي أكتريه خلال عيد الأضحى لباعة الأكباش. كما تلاحظ، لازالت رائحة الخرفان تنبعث من المكان». يستنفر وكلاء اللوائح الانتخابية وبعض الأحزاب السياسية عددا من الأشخاص من مختلف الأعمار لوضعهم رهن إشارة المرشحين خلال الحملة، وغالبيهم من العاطلين والعاطلات، حيث يخصص لهم في الغالب تعويض يومي يتراوح ما بين 50 درهما و200 درهم، حسب طبيعة المهام الموكولة إلى فيلق الدعاية، وغالبا ما تتم الاستعانة بأصحاب السوابق ومرتزقة الانتخابات، الذين لا علم لهم في الغالب بالحزب الذي ينتمي إليه المرشح، ويكتفون بمعرفة رمزه الانتخابي أو لونه. ومن الطرائف المسجلة في هذا الباب، إقدام رئيس الحملة الانتخابية لمرشح الحصان بمنطقة مولاي رشيد بالدارالبيضاء على طرد أحد أفراد فريق الدعاية بعد أن ضبط في حالة تلبس وهو يحث السكان على عدم التصويت على المرشح الذي كلفه بتوزيع منشوراته، وهو ما يطرح إشكالية الاستراتيجية الدعائية ومنفذيها ميدانيا. ومن المواقف الغريبة التي سجلتها الحملة وجود أشخاص وقفوا في الصفوف الأولى لحركة 20 فبراير وصرخوا في مختلف المحطات النضالية بأعلى أصواتهم داعين إلى مقاطعة الانتخابات، قبل أن ينضم بعضهم إلى حملة انتخابية تحت إكراهات الزمن. وقد عبر الكثير من «كتائب» وكلاء اللوائح عن سر مشاركتهم في توزيع المنشورات واختزلوا الأمر في محاولة تأمين كسرة خبز، وليس إيمانا بالمشروع الحزبي أو الوعد الانتخابي الذي قطعه وكيل اللائحة على نفسه، وقالوا إن دورهم آلي يقتصر على توزيع المنشورات دون التحدث إلى العامة عن أخلاق المرشح ونواياه، وكثير منهم لا يتوفر على بطاقة الناخب. لصوص الانتخابات بدون متابعة يفضل مديرو الحملات الانتخابية عدم متابعة لصوص يستغلون صخب الانتخابات لممارسة هواية النشل، ويكتفون بإخلاء سبيلهم كي لا يشغلهم حدث عابر عن الهدف المسطر. أحد النشالين قال مازحا: «إنهم لا يبالون بالسرقات الصغرى لأن عيونهم منصبة على السرقات الكبرى». وتعرض الهاتف المحمول لياسمينة بادو، وزيرة الصحة ووكيلة لائحة حزب الاستقلال بدائرة آنفا بالدارالبيضاء، للسرقة دون أن تحمل هما، وقالت بعض المصادر الصحفية إن عملية النشل تمت بأنامل رجل من رجالات الحملة في منطقة درب غلف. كما تعرض دكان دعاية في منطقة احمر، لسرقة «بونات» البزنين التي كان يوزعها مدير حملة مرشح التفاحة على سائقي سيارات الأجرة قبل كل خرجة دعائية. وفي الصويرة تجاوز الاختفاء حدود الهواتف النقالة و«بونات» البنزين، إلى حدود اختفاء شخص كان يعتزم دخول معركة الانتخابات، وتداول الشارع الانتخابي خبر اختفاء كمال صعصاع، الذي كان يعتزم الترشح للانتخابات التشريعية وكيلا للائحة الحزب العمالي، وقال شهود عيان إن الرجل اختفى فجأة حين كان في طريقه إلى الخزينة العامة لتسديد رسوم الترشيح، ليجد نفسه خارج المنافسة، حينها قرر تمزيق التزكية التي منحها له الحزب العمالي وإنهاء علاقته بانتخابات تقود إلى مخفر الشرطة، حسب مصادر صحفية من آسفي. مدرسة النجاح «الانتخابي» وسادت أوساط التلاميذ حالة من الفرح، بعد أن استفادوا من عطلة «سياسية»، بسبب استعمال حجرات الدرس كنقط للتصويت، واستنفار بعض رجال التعليم لإنجاح العملية الانتخابية، كما استغلت بعض المعلمات بمدرسة عمومية بحي اليوسفية في الرباط فرصة إشرافها على نشاط تربوي لتفتح نقاشا لا تربويا مع التلاميذ والتلميذات وتدعوهم إلى حث أولياء أمورهم على التصويت لفائدة حزب الوردة مقابل سند تعليمي على امتداد الموسم الدراسي. وفي دائرة بفاس الجديد، لم يجد مدير تربوي حرجا في الاستعانة بزملائه في مدرسة خصوصية، وجابوا عبر سيارة النقل المدرسي الأحياء من أجل إقناع الآباء بضرورة التصويت على المدير، الذي «نذر حياته لخدمة النشء»، وقرر أن يكون صوت التلميذ في البرلمان فيما يشبه التمرد على برلمان الطفل. وفي كثير من المدن والقرى شوهدت سيارات النقل المدرسي مزينة بصور المرشحين في حملة تجعل المدرسة في خدمة السياسة. حملة في سيارة إسعاف استعان أحد وكلاء لائحة حزب النحلة في تازة بسيارات إسعاف الغاية منها نقل المرضى مجانا طيلة فترة الحملة الانتخابية، وعلق أحد منافسيه في خطبة ساخرة على المبادرة بأنها إيجابية، قبل أن يستدرك «ومن مرض خارج الحملة لا تقبل منه شكاية». وشوهدت سيارات إسعاف خصوصية وهي تجوب شوارع العاصمة الرباط، وعلى نوافذها صور مرشح ينتمي إلى الأسرة الطبية، قيل إنه رئيس جمعيات تهتم برعاية مرضى القصور الكلوي، وأنه لا يقصر جهدا في متابعة الحالات المرضية لهذه الفئة مجانا. وتقول الأخبار الواردة من عاصمة عبدة إن وكيل لائحة حزب الميزان حول سيارته إلى عيادة طبية متنقلة وضع فيها السماعة الطبية، وكمية من الأدوية تخص داء السكري الفيروس الكبدي، علما بأن الدكتور «ابتعد عن ممارسة الطب منذ سنين وعاد لمزاولتها في سيارته خلال الحملة الانتخابية». الانتخابات تنقذ منظمي الحفلات يرى صاحب وكالة تموين للحفلات أن الانتخابات التشريعية ساهمت في انتعاشة مهنة «التريتور»، التي أصيبت بانتكاسة، ناتجة أولا عن اختراق شهر رمضان لنصف موسم الصيف الذي يعتبر موسم ازدهار المهنة، وللحراك العربي الذي أثر سلبا على الحفلات. وأضاف أن الحملة الانتخابية التشريعية ساهمت في خروج المهنة من أزمة عمرت شهورا. ولوحظ أن مجموعة من المرشحين استعانوا ببعض الأجواق المحلية، التي هيأت أغاني وأهازيج لها علاقة بلون الحزب ورمزه الانتخابي، وشوهد «الدقايقية» و«الطبالة» و«الغياطة» وهم يطردون غبار العطالة ويرددون أمام موكب وكيل لائحة حزب الأحرار أغنية «شد حمامك آدريس، طار وخلا لي غا الريش»، بالرغم من محاولات أحد مسؤولي الحملة، الذي نبه قائد الفرقة إلى الحمولة العبثية للمعزوفة. كما استعان كثير من المرشحين بمطربي الراب، الذي كان بعضهم ينادي بمقاطعة الانتخابات قبل أن يجد نفسه في وسط الحملة يحث الشباب على التصويت على مرشح شبابي من وصلات غنائية صاخبة لا يفهم الحاضرون إلا إشاراتها. عسى أن تكرهوا شيئا ظل سكان حي سيدي مومن ينصحون مرشحا بعد تكرار التجربة، بعد أن سئم الناس وعوده، التي تموت فور وصوله إلى قبة البرلمان، إلا أن الرجل أصر على الترشح ودعا رفاقه إلى منحه آخر فرصة لإنهاء حالة الجفاء التي تولدت عن قطيعة مع الذين وضعوا فيه الثقة يوما وحملوه على أكتافهم إلى قبة البرلمان، وعن غياب غير مبرر عن الدائرة الانتخابية التي حولته من شخص نكرة إلى برلماني «محترم» يجالس علية القوم ويطل بين الفينة والأخرى على رفاق الأمس من شاشة تلفزة البرلمان ليقدم سؤالا شفويا يهم دائرة انتخابية أخرى. أصر الرجل على الترشح، وحين استنفر مجموعة من الشبان لوضع ملصقه الدعائي على جدار مدرسة ابتدائية، اكتشف أن مجهولين ينزعون الملصق ويعبثون بصورته، ولما استشار أحد الناخبين في النازلة دعاه إلى إضافة عبارة لها دلالات عميقة في آخر سطر من الورقة الدعائية، تقول: «عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم». الخيرية في خدمة الحملة الانتخابية استعمل أحد رؤساء الجمعيات الخيرية في دكالة ورقة العمل الخيري لرفع رصيده من الأصوات، ودعا موظفي الخيرية إلى مساندته في حملته الانتخابية، التي تدعم موقفه كمناضل اجتماعي، ولم يتردد في دعوة مدير المؤسسة إلى استنفار كل المستخدمين لتسجيل النزلاء الذين بلغوا سن التصويت في اللوائح الانتخابية للدائرة واستخلاص بطاقة الناخب، وهو ما استجاب له الجميع على مضض، واستثمر المسؤول معاناة النزلاء وأولياء أمورهم، وهو يجوب الدواوير معلنا نفسه مرشحا باسم الخير، وبين الفينة والأخرى يقدم المعوزون وزبائن المؤسسة الخيرية شهادات حول أفضاله على الأيتام والفقراء وكيف «أمنهم من خوف وأطعمهم من جوع». وعلى الفور اشتكى منافسوه من إشراك مرفق خيري في حملة انتخابية ظاهرها إحساني وباطنها سياسوي، على حد تعبير أحد خصومه. لكن للأمانة فإن النزلاء استفادوا من الحملة حيث ارتدى آباؤهم قمصان الحزب وتمكن التلاميذ من ادخار كمية من أوراق مرشحهم تكفي لإنجاز التمارين طيلة عام كامل. حديدان لحرامي يركب الحصان شوهد الفنان الكوميدي كمال كاضمي، الشهير بحديدان لحرامي وهو يساند مرشحي حزب الحصان في دائرة سباتة، ليس فقط لأنه من أبناء المنطقة أو من مناضلي الحزب أو لشعبيته الجارفة في سباتة، بل لامتلاكه من «تاحراميات» ما يكفي لتدبير حملة انتخابية في جو من المرح. دخول كاضمي الحملة دعما لأحد أصدقائه يرمز، كما هو الشأن في سلسلة حديدان، لغباء النافذين، الذي حوله إلى شخصية ماكرة اخترقت شهرتها الأجيال. بطل سلسلة حديدان، الذي حطم أرقاما قياسية في نسبة المشاهدة، يجعله قادرا على تحقيق نفس الأرقام في المشهد السياسي، ويجعل من مخرجة السلسلة فاطمة بوبكدي تفكر جديا في حلقات لها بعد انتخابي من خلال إقحام السياسي في الفني التراثي، حتى يحس المشاهد بأن العمل قريب منه. وانخرط فنانون آخرون في الحملات الانتخابية من أجل استقطاب أصوات جديدة تجد نفسها وجها لوجه مع نجوم التمثيل والطرب، كما هو الحال في حملة رئيس تحرير جريدة الاتحاد الاشتراكي الذي كانت حملته أكثر استقطابا لنجوم الفن. منسق حملة أوباما في عين الشق اتصل محمد فاضل، رئيس جمعية شيكاغو للأعمال الخيرية، وهو مواطن مغربي مقيم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، مساء يوم الجمعة الماضي بالفنان محمد عاطر، ودعاه إلى الالتحاق به في إحدى مقاهي عين الشق لأمر هام، وفي الموعد المحدد وبدون مقدمات، قال فاضل إن شخصا مصابا بمرض نفسي طلب منه أن يحضر له الفنان عاطر للترويح عن نفسه، وطلب منه الانتقال إلى بيت المصاب عاجلا تنفيذا لرغبته، دون أن يترك لعاطر فرصة مناقشة العرض الإنساني، وبعد دقائق توقفت السيارة، التي كان مقعدها الخلفي مكدسا بأوراق الدعاية الانتخابية لأحد مرشحي حزب يستوحي شعاره من البادية المغربية، أمام منزل أشبه بمقر حزب في عز الحملة الانتخابية، وطلب منه النزول، لكن عاطر انتبه إلى وجود مقلب يراد به استغلاله في الدعاية غير المباشرة لحزب فيه شيء من نفحات «ريحة الدوار»، فرفض النزول والتمس من «فاعل الخير» إعادته إلى المقهى مع وعد بزيارة المريض بعد انتهاء الحملة وظهور النتائج. استشاط رئيس الجمعية غضبا بعد فشل مخططه الدعائي، وعلى امتداد مسافة رحلة الإياب ظل يروي فتوحاته الانتخابية وتجربته الأمريكية، كواحد من «أقطاب» حملة الرئيس الحالي باراك أوباما.