مائتي خادمة أندونيسية أحصتها سفارة هذا البلد الآسيوي فوق التراب المغربي، عبر ما تتلقاه من مكالمات يومية بمعدل مكالمة هاتفية في كل يوم، من هؤلاء الخادمات اللواتي تشتكين قسوة المشغّلين المغاربة وسوء معاملتهم وعنفهم ومساسهم بالحقوق الأساسية لهؤلاء الخادما . وتبيّن معطيات السفارة الإندونيسية بالرباط، أن جلّ حالات الاعتداء على خادمات منحدرات من هذا البلد الإسلامي الآسيوي، تتركّز في مدينة الدارالبيضاء، حيث تسجّل عودة 8 حالات إلى العاصمة الاقتصادية من أصل 20 حالة تمت معالجتها في سنة 2012 ، متبوعة بمدينة مراكش ب5 حالات، ثم الرباط ب3 حالات. وينضاف هذا الظلم الذي تواجهه هؤلاء الخادمات إلى ما كشفته تقارير حديثة من فضاعة معاملة الخادمات الفلبينيات، دون حاجة للإشارة إلى ما تعانيه الخادمات المغربيات من تعنيف وتحرّش وضرب وقتل؛ وتزيد المنظومة القانونية وعطب الآلة القضائية من معاناة هذه الفئة الجديدة من خادمات بيوت الأغنياء المغاربة. ففي سنة 2012 وحدها، توصلت السفارة إلى معالجة مشكلة 20 خادمة إندونيسية مع مشغليهن، عبر التفاوض والتوصل إلى اتفاقات ودّية تحصل بموجبها تلك الخادمات على جزء من حقوقهن وتغادرن تراب المملكة نحو بلدانهن. « عالجت سفارة جمهورية إندونيسيا بالرباط مشاكل 20 خادمة في سنة 2012، وهي تتوقع أن تكون حالات معاناتهن بالمغرب أكثر من تلك المسجّلة بأندونيسيا»، يقول مسئول في مصلحة الشؤون القنصلية بسفارة إندونيسيا بالمغرب، خلال ندوة احتضنها مقر المركز المغربي لحقوق الإنسان أول أمس. هذا الأخير قدّم بدوره تقريرا قال إن المغرب يعرف وجود شبكة من السماسرة المتخصّصين في استغلال الظروف المعيشية التي تتخبط فيها نساء بعض الدول من أجل التغرير بهن للعمل داخل بيوت أثرياء مغاربة. وضع، يفاقمه حسب هذا التقرير، غياب المراقبة من جانب وزارة التشغيل، و»غياب الوازع الأخلاقي والضمير الإنساني لدى بعض المواطنين من فئة الأثرياء الذين يفضلون استقدام خادمات من بلدان جنوب شرق آسيا كإندونيسيا والفلبين، بهدف الحفاظ على أسرار بيوتهم، أو بهدف استغلال إمكاناتهن اللغوية وتلقينها لأبنائهم، أو بهدف استغلالهن في أعمال شاقة أو غير أخلاقية، دون أن يكون بمقدورهن كشف ممارسات مشغليهن». أنيتا بنت سوكانجي، خادمة أندونيسية في السادسة والعشرين من عمرها، حضرت ندوة أول أمس، لتحكي كيف انتقلت قبل نحو عام ونصف، بناءا على تعليمات وسطاء لم تحتفظ بما يدلّ على هويتهم، إلى المطار رفقة ثلاث من مواطناتها. لم تكن الفتيات الأربع تعلمن الوجهة التي ستأخذهن إليها الطائرة، لأن الوسطاء يحتفظون بأسرار الصفقة إلى آخر لحظة. فكان أن حطّت بهن الرحلة الجوية في مطار محمد الخامس بالدارالبيضاء، لتفترق الفتيات الأربع وتفقد كل منهن أثر الأخريات. مصير أنيتا كان إحدى فيلات حي كاليفورنيا الراقي بالدارالبيضاء، حيث التحقت بالعمل لدى أسرة ثرية مقابل وعد بتلقي أجر يقدر بمائتي دولار. الحقيقة المرة التي اكتشفتها أنيتا بين أسوار تلك الفيلا الفاخرة، تقول إنها لم تأت لتعمل كخادمة في إطار وضعية قانونية وأخلاقية واضحة، بل باتت مطالبة بالخضوع لدور الجارية المطيعة لمشغلتها، والمعرّضة لعنف زوج هذه المشغلة في حال تردّدت أو تأخرت في تنفيذ الأوامر. حرمات تام من الأجر الموعود، وسحب لوثائق الهوية، وتسخير للعمل في بيوت الأهل والأقارب دون أي اعتراف بحق العطلة الأسبوعية أو القيام بالاتصال هاتفيا بالأسرة، أو التعرف على أصدقاء أندونيسيين، فبالأحرى سفارة بلادها في الرباط. ممثلو السفارة الأندونيسية الذين حضروا ندوة أول أمس، سردوا قصة أنيتا المقيمة منذ عشرة أشهر في أحد أركان سفارة بلادها في الرباط، دون أن يتقدّم ملفها المعروض على محكمة الدارالبيضاء. فبعدما تعالت صرخات أنيتا قافزة فوق أسوار فيلا مشغلتها، وضاق الجيران بسماع أصداء الضرب والتعذيب المتكر، تحرّكت المصالح الأمنية بالدارالبيضاء، لتضبط وجود الخادمة الإندونيسية في ذلك البيت الفاخر. وفي انتظار الإجراءات القانونية والقضائية الضرورية في مثل هذه الحالات، تكفّل أحد ضباط الشرطة، الذي قال مسئولو السفارة إنه صاحب الفضل في اطلاعهم على هذه القضية، باستضافها في بيته أسبوعا كاملا، قبل أن يربط الاتصال بالسفارة الأندونيسية ويسلمها المواطنة. «تأكدت المصالح الأمنية من حالة التعذيب في حق المواطنة الأندونيسية، كما كان الحال للطبيب الشرعي الذي عرضت عليه الفتاة»،وذلك حسب تقرير المركز المغربي لحقوق الانسان، مضيفا أنه وبعد مرور عشرة أشهر من إبلاغ القضاء بمأساة هذه المواطنة الأندونيسية، «لا زال الملف لم يجد بعد طريقه للمعالجة من قبل المحكمة الابتدائية الزجرية بالدارالبيضاء». لتعلن السفارة الإندونيسية في هذه الندوة، اتخاذها قرار نقل أنيتا إلى بلدها بعد يأسها من إنصاف القضاء المغربي لها، وذلك على نفقة السفارة الأندونيسية وبعدما تمكّنت عبر النيابة العامة، من استعادة جواز سفر أنيتا بنت سوكارجي. هذه الحالة ليست سوى نموذجا لعشرات الحالات الأخريات، منها ما يظل طي الكتمان، ومنها ما يتفجّر ليصل إلى علم سفارة أكبر بلد مسلم في العالم. أرشيف السفارة يحتفظ بلوائح الأندونيسيات اللواتي جئن إلى المغرب للعمل كخادمات، لتتحوّلن إلى إماء في عز القرن الواحد والعشرين. فالإندونيسية «كارتيكم»، هربت من بيت مشغلها المراكشي، وبعد تدخل السفارة تم ترحيلها على نفقته إلى بلدها. و بدورها مواطنتها «سري رهايو» هربت من بيت مشغلها الرباطي، و»أمينة نفسين» هربت بدورها من بيت مشغلها المراكشي ورحلت إلى بلادها متنازلة عن أجر ثمانية أشهر...