فضائح الكرة المغربية ليست جديدة، وفضيحة ملعب مجمع الأمير مولاي عبد الله الأخيرة لا يمكنها أن تكون آخرها، ذلك أن بنية الكرة في المغرب لم تبن على أساس شفاف، ما جعلها حاضنة للكوارث، ومولدة للمآسي، عوض أن تكون منبتا للأفراح والمسرات. فضيحة المظليين في «كان 1988»… كان واضحا في ذلك اليوم أن الجو ليس صحوا تماما، إذ أن بعض الرياح كانت تهب بقوة خفيفة. وبتفكير بسيط، كان يفترض العدول عن مقترح إنزال الأعلام بواسطة المظليين، لأنه سيتعذر عليهم، والحالة هاته، النجاح في مهمتهم. المشكلة أن من قرروا لم يتراجعوا، بل أصروا على «فعلتهم»، فلما كان المظليون ينزلون من الحوامات (الهليوكبتير) في اتجاه وسط الملعب، كانت الرياح تغير مساراتهم، كل حسب هبوبها، فتبدا أن الأمر سيفضي إلى مهزلة، وهو ما كان بالفعل. أحد المظيين، ولعله كان الأخير، صادف نزوله هبوبا قويا للرياح، ما جعله يجنح بعيدا عن المسار الفعلي، ويتجه، مجبرا، إلى مكان آخر، ليسقط في نهاية المطاف، على عامود الأضواء الكاشفة، ويتحول بالتالي الحفل الافتتاحي إلى «فضيحة كبيرة». ما زاد الطينة بلة ساعتها أن الأضواء كانت موقدة، حتى تنير الملعب المعد لاستقبال المباراة الأولى، ما استدعى إطفاءها، تفاديا للأسوأ، وهو احتراق المظلة، وسقوط المظلي من علو شديد الارتفاع، مما كان سيؤدي بالضرورة إلى إصابة خطيرة، وربما الوفاة. بطبيعة الحال لم يكن هناك إنترنيت في تلك الأثناء، بل كانت قناة واحدة فقط، تبدأ بثها في السادسة مساء، وتقطعه في الثانية عشرة ليلا، ولديها «حراس» همهم الأساس «أمني بامتياز»، مما جعلهم يغيرون وجهة الكاميرات، فلم يتضح في ما بعد بأي طريقة أنقذ المظلي، ومن أدى ثمن الفضيحة. الحدث أخذ حينها حظه من التعاليق اليومية بين الناس، في الشارع، وفي الأماكن العامة، وربما في الإدارات، وغيرها، غير أنه لم يحظ بالانتشار السريع، والكبير للحادث الذي وضع يوم السبت الأخير، والمتمثل في «فضيحة ملعب مولاي عبد الله» بالرباط. جمع أبريل.. اليوتيوب يخلد «فضيحة الجامعة».. يمكن القول إن الجمع العام الاستثنائي لجامعة الكرة، المبرمج في العاشرة من نونبر 2013، كان كله عبارة عن فضيحة. فمن ناحية كان الاتحاد الدولي نصح علي الفاسي الفهري، الرئيس حينها، بتأجيل انعقاد الجمع لاعتبارات عديدة من ضمنها قرب تنظيم النسخة الأولى من كأس العالم للأندية في بلادنا، ما جر ويلات على الجامعة، ومن ناحية ثانية فقد شهد الجمع، أثناء انعقاده، مشادات كلامية وبالأيدي، مما جعله يخلف أصداء سيئة لدى الرأي العام في المغرب وخارجه. من الناحية الأولى جاء عذر علي الفاسي الفهري أقبح من زلة، إذ قال، أثناء انعقاد الجمع العام في موعده، وهو العاشر من نونبر، بأنه لم يتوصل برسالة «فيفا» إلا في وقت متأخر، وبأنه توصل بها بتقنية «MMS»، وهي التقنية التي لم تكن متوفرة في هاتفه المحمول، ومن تم فهو لم يقرأها، فكان أن عقد الجمع في وقته. غير أن الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يكن ليأخذ بعين الاعتبار ذلك العذر، إذ جاء قراره، بعد حين، واضحا، ولا لبس فيه، إذ أجبر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على إعادة الجمع العام، وفق شروط جديدة، وتدخل هو نفسه في الإعداد له. ومن الناحية الثانية فقد شهد الجمع نفسه، المنعقد في العاشر من نونبر، كوارث كبيرة، إذ مر بعض المسؤولين من الصراخ، إلى السباب، فالتوعد بالضرب، إلى المشاجرة، ونقل الحدث مباشرة على أثير إذاعات خاصة، ثم على موقع اليوتيوب، الذي أرخ للمهزلة. «الديربي» والمراحيض يسقطان ملف المونديال لأن المغرب ترشح أكثر من مرة لنيل شرف احتضان كأس العالم في كرة القدم، ونال خبرة في إعداد الملف، فقد بدا له أن حظه للوصول إلى نتيجة إيجابية بشأن مونديال 2006 كبير للغاية، ومن تم أعد نفسه، وشحذ الهمة لذلك. من بين «المقبلات» التي وضعها المغرب رهن إشارة الاتحاد الدولي لكرة القدم مباراة الديربي البيضاوي، ذلك أن جماهيرية المواجهة، وحدة التنافس بين قطبي المغرب الكروي، والعرس الرياضي الكبير الذي تعيش عليه «كازابلانكا»، كل ذلك كان من شأنه تدعيم الملف المغربي. الكارثة أن المعنيين كانوا تعهدوا أمام مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم بعدد معين من الجماهير، على اعتبار أن «فيفا» لديها معايير خاصة في هذا الجانب، غير أن العدد الذي شوهد يوم الديربي في ملعب مجمع محمد الخامس فاق كل المنتظر، وتبين أن المحظور قد وقع، وأن جزءا من العرس قد سقط أرضا. ولأن الفضائح لا تأتي فرادى، على حد زعمهم، فإن فضيحة أخرى ستقفز في طريق المسؤولين الآتين باسم الاتحاد الدولي لمعاينة مدى استعداد المغرب لاستقبال كأس العالم، وكانت باسم «أين المرحاض يا سادة؟». ذلك أن أحد المسؤولين، حسب من عايشوا الحدث، احتاج «قضاء حاجته»، فلم يعثر له على مرحاض يفي بالغرض في العاصمة الاقتصادية. لا شك أن المسؤولين المغاربة، حينها، شعروا بأن ملف طلب احتضان نهائيات مونديال 2006 صار في خبر كان، وأن كل ما سيأتي بعد ذلك سيصبح مجرد تكملة للمسار إلى نهايته، والتي لم تكن سوى منح الكأس لألمانيا، حيث جرى على أرضيات عالية الجودة، وفي مدن راقية جدا، وفازت به إيطاليا كنافارو على حساب فرنسا زين الدين زيدان. إصلاح ملعب محمد الخامس.. الخطأ الكبير كان المغرب يستعد لتدبير ملف احتضان كأس العالم 2006، الذي فازت بشرف تنظيمه ألمانيا، بعد تفوقها على كل المنافسين، فإذا به يقرر إصلاح ملعب مجمع محمد الخامس، على اعتبار أنه ضمن الملاعب الرئيسية التي ستحتضن المباريات الكبيرة. الإصلاح جيد، فأين المشكلة؟ المشكة أن من وكل إليه أمر إصلاح ملعب مجمع محمد الخامس بالدار البيضاء قرر أن يعمد إلى «دك» أرضيته الأساس، على أن يضع عشب، المجلوب من الخارج، فوق التراب «المضغوط»، مما سد كل منافذ تسريب المياه المتدفقة بفعل المطر. وما هي إلا فترة، حتى تبين مصدر الخطأ، ذلك أن أولى الأمطار كشفت العيوب، وإذا بالعشب يصبح عرضة للتلف، بما احتاج إلى إعادة الإصلاح، في عملية جرت على فريقي الوداد والرجاء الكثير من المتاعب، إذ أنهما لعبا أكثر من مباراة خارج ملعبها الأصلي. طبعا كلفت إعادة إصلاح ملعب مجمع محمد الخامس أموالا طائلة، غير أن أحدا لم يحاسب على الخطأ الأول، بل إن الملعب نفسه يوجد اليوم قيد الإصلاح، مرة أخرى، بعد أن قررت وزارة الشباب والرياضة أن تخصص له غلافا ماليا كبيرا ل»إصلاحه»، رغم أنه صار متجاوزا، ولم يكن مدرجا أصلا في نهائيات «كان 2015». يشار فقط إلى أن «تقريرا» للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم كان انتقد، قبل أشهر، ملعب مجمع محمد الخامس بالدار البيضاء، على خلفية تنظيم كأس إفريقيا للشبان، المؤهل إلى كأس العالم بالإمارات العربية المتحدة، على اعتبار أنه لم يكن مناسبا البتة لتجرى فيه التصفيات، سواء من حيث حجمه، أو أرضيته، أو بينته. ملعب الرباط.. من يتحمل مسؤولية الفضيحة؟ سوق الوزير أوزين كثيرا لجاهزية ملعب مجمع الأمير مولاي عبد الله بالرباط، حتى إنه نظم زيارة مفتوحة للإعلاميين، وعقد بعدها ندوة صحفية قال خلالها إن الملعب صار يتمتع بكل المواصفات التي تجعل منه قلعة للمباريات الكبيرة. ورغم أن ملعب أكادير كان جاهزا بالفعل لاحتضان النسخة الثانية من كأس العالم للأندية، بعد أن نجح في احتضان النسخة الأولى (بعلاته، وضمنها وجوده في مكان خلاء، ودون مداخل جيدة)، إلا أن الوزير أصر على نقل وقائع الموندياليتو إلى الرباط، مشيرا إلى أن ملعبها سيكون جاهزا في الوقت المناسب. كانت التحذيرات تترى بخصوص ملعب مجمع الأمير مولاي عبد الله، على اعتبار أنه بحاجة إلى إصلاحات كبيرة للغاية، ليس فقط على مستوى أرضيته، بل وأيضا، وهو الأهم، على مستوى المدرجات، والمداخل والمخارج، والبنيات التحتية الأخرى، غير أن أحدا لم يعر اهتماما لتلك التحذيرات. حينما وقعت الكارثة، وتحول ملعب مولاي عبد الله إلى برك، ونقلت الصور المسيئة إلى العالم كله (دفع الماء بالكراطات، وجمعه بالإسفنج)، وتحولت إلى مادة للسخرية (المفروض أن المغرب خسر ملايين الدولارات لتلميع صورته، على أنه لم يكن ليربح ماليا من الموندياليتو)، إذا بالخطاب يتغير تماما، ويصبح هناك غش، وخيانة، بل وتحقيق أيضا. الوزير، وقبل أن ينتقل إلى هذا المستوى من الخطاب، كان أكد، في تصريح صحفي، بأن طرق المغرب كلها «تحفرات، عساك عشب الملعب»، مشددا على أن «فيفا» اعتمد الملعب، وأن العشب مثيل لذلك الذي يوجد في بيرنابيو الإسباني (في ملكية الريال)، وأنه يحتاج فقط إلى بعض الوقت لكي يلتئم، بل أكثر من ذلك، قال أوزين إن معالجة بسيطة للملعب ستجعله جاهزا لمباراة الريال وكروز أزول، لولا أن «فيفا» كان حازما، ونقل المواجهة إلى مراكش. سؤالان فقط:»إذا كان عشب الملعب يحتاج 6 أشهر كي يلتئم، لماذا أصر الوزير على أنه جاهز لاحتضان كأس العالم للأندية؟ ثم ما مدى ضلوع «فيفا» في الفضيحة، بما أنها اعتمدت الملعب بما هو عليه؟».