في بداية غشت الماضي توصلت مراكز الحدود الجزائرية بتعليمات من قيادة الجيش بإطلاق النار على المهربين المغاربة الذين يدخلون إلى التراب الجزائري للتزود بالمواد الاستهلاكية الجزائرية بغرض تهريبها وإعادة بيعها في المغرب. تعليمات نقلها العسكريين أنفسهم إلى المهربين المغاربة، ليشرع هؤلاء منذ ذلك الحين في أخذ الحيطة والحذر عند ولوج التراب الجزائري لممارسة نشاطهم. تعليمات إطلاق النار جاءت مباشرة بعد توصل الوزير الأول عبد المالك سلال بتقرير عن وضعية الحدود من قبل قيادة حرس الحدود، وهو التقرير الذي خلص إلى أن المغرب هو المستفيد من استمرار تدفق السلع الجزائرية على مدن الشرق المغربي.
قنص المهربين! "الحدود هذه الأيام تعيش حالة من الإحتقان لا يمكن تصورها" يقول البشير وهو من أبناء "بني أدرار" البلدة المتاخمة للحدود مع الجزائر، بلدة تنتمي وفق مصادر مطلعة إلى "منطقة التوتر" الأكثر التهابا على الحدود، فمعظم الذين سقطوا برصاص حرس الحدود الجزائري، سقطوا في مناطق مقابلة للبلدة أو مجاورة لها "الشاب الذي سقط مساء فاتح أكتوبر الجاري ينتمي إلى منطقة أولاد الطاهر القريبة من بني ادارر"، يعلق رفيق البشير الذي يعمل في تهريب المحروقات، قبل أن يكشف بشأنه حسن عماري عضو اللجنة المركزية للهجرة ب"الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"، أنه وصلته أنباء بكون المعني نقل إلى مستشفى تلمسان و لفظ أنفاسه هناك". عماري إلى جانب استعراضه لحالة الضحية ذكر بعدد الذين سقطوا فقط خلال الأشهر القليلة الماضية منذ بدء الإجراءات الأمينة الجديدة "وصل عددهم إلى حدود الساعة خمسة ضحايا، سقطوا برصاص حرس الحدود الجزائري بين قتيل وجريح" يقول عماري في تصريح ل"اليوم24"، قبل أن يضيف "مجموعة من المواطنين المغاربة من سكان الشريط الحدودي أصبحوا يتخوفون بشكل جدي من التصعيد الجزائري، خاصة بعد حوادث الاعتقالات والقنص الذي لم يسلم منه قطعان الحمير".
هذه هي الأسباب يسود في الأوساط المتابعة لتطورات الإجراءات الأمنية الجزائرية على الحدود الغربية، التي تتكشف كل يوم المزيد من التفاصيل حولها (تشييد الخنادق في هذه اللحظة بالمنطقة المقابلة للكربوز)، تعتبر هذه الأوساط أن الأمر له علاقة بحجم الخسائر التي تتكبدها الخزينة الجزائرية جراء تهريب المحروقات، غير أن الإشكال وفق سعيد هادف الباحث الجزائري بمركز الدراسات والبحوث بوجدة له علاقة ب"الصراع الداخلي الجزائري" حول السلطة والمواقع، والذي ينعكس بشكل بديهي على الحدود "المؤكد أن التصعيد بهذا الشكل من قبل السلطات الجزائرية يندرج في إطار التحولات والتغييرات التي تعرفها الاستخبارات والأجهزة العسكرية، وفي سياق صراع النخب الطاحن حول المواقع". الصراع الجزائري الداخلي وحرب المواقع التي تنعكس على الحدود اعتبرها نفس المصدر مسوغات للوقوع في منزلق خطير، فتطاحن جناح بوتفليقة وجناح الجنرال "توفيق"، أو الجناح الرئاسي والجناح العسكري، سيؤدي إلى تطورات غير متوقعة على جميع الأصعدة.
لمن الشكوى؟! هناك العشرات من العائلات التي تعيش على الشريط الحدودي فقدت ذويها بنفس الطريقة التي سقط الشبان خلال الفترة الأخيرة، البعض منهم لا يخفي سخطه من الرد الرسمي المغربي إتجاه التصرفات المتكررة، ولم يتمكن العديد منهم من متابعة الدولة الجزائرية بعدما تأكد أن مكان الاعتداء عليه لم يكن فوق التراب الجزائري! "حماية حياة المواطنين تقع على كاهل المسؤولين، خاصة عندما يتبين أن الضحايا ليسوا دائما مهربين، كما هو الحال للشاب الذي سقط في فاتح اكتوبر الجاري" يقول عماري الذي اعتبر أن الوضعية الحدودية لا يمكن التعامل معها إلا ب"روح الحوار" وليس ب"لغة الرصاص".