قدم المخرج السينمائي والتلفزيوني عبد الواحد مجاهد فيلمه «صنع في المغرب» ضمن فقرة «ليلة الفيلم القصير» في مهرجان الداخلة السينمائي، والذي لاقى إعجاب الجمهور. في هذا الحوار، يتحدث عن هذه التجربة، كاشفا موقفه من زملائه، ورؤيته للفيلم القصير، وهو يستعد لإخراج تاسع عمل سينمائي له، عاقدا مقارنة بينه وبين الفيلم الطويل الذي يعتبره أسهل الأجناس. عرضت شريطك السينمائي الثامن وأنت الآن بصدد التحضير للفيلم التاسع، لماذا هذا التأخر؟ هل تعتقد أنك مازلت بحاجة إلى تجارب قصيرة قبل المرور إلى فيلم طويل؟ أولا، أعتقد أن الفيلم الطويل من أسهل الأجناس السينمائية بخلاف الفيلم القصير الذي أعتبره من أصعبها، ذلك أن الفيلم القصير يقدم من خلاله المخرج قصة ورسالة في مساحة زمنية قصيرة، وهذا أمر صعب تحقيقه بنجاح، أي تقديم شخصيات وحبكة بإيقاع متسارع، بخلاف الفيلم الطويل الذي تتاح له مدة زمنية طويلة، إذ إنه يتم على مراحل وتمهل يمكنان من المخرج من أن يقدم بداية ووسطا ونهاية، حيث تتطور الأحداث بتفاصيل أكبر. أما عن استمراري في إخراج أفلام قصيرة فذلك أمر ليس من أجل اكتساب تجربة أكبر وإنما حبا في هذا الجنس، لأن هذه التجربة اكتسبتها في الإخراج التلفزيوني على مدى عشر سنوات داخل القناة الأولى. ما الذي يشدك تحديدا إلى الفيلم القصير لتواصل الاشتغال عليه، حتى إنك بصدد تحضير فيلمك التاسع؟ بالنسبة إلي الفيلم القصير هو تحد أكثر منه فكرة تجربة، فبفريق عمل بسيط وتقنيات بسيطة وقصة بسيطة تحاول أن تقدم عملا بإمكانه أن يلامس الجمهور ويصل إلى مهرجانات، وهو أمر لا ينجز إلا باعتماد وحب هذا التحدي، عكس الفيلم الطويل الذي يتيح إمكانيات كثيرة. وإذا ما قسمنا ميزانيته تماشيا والمدة الزمنية التي يعرض فيها مقارنة بالمساحة الزمنية للفيلم القصير، نجد أن هذا الأخير سيتطلب ما بين 60 و50 مليون سنتيم، في الوقت الذي نستطيع فيه نحن إنجاز فيلم قصير بميزانية تبدأ من 4 ملايين إلى 10 ملايين سنتيم، وعلى أكثر تقدير ب20 مليون سنتيم. وهو ما يدل على أن الإمكانيات المادية ليست هي ما ينجز فيلما حقيقيا، وأن الإمكانيات الضرورية والأهم في إنجاز فيلم هي إمكانيات فكرية. لكن قيمة هذه الإمكانيات الفكرية لا تخرج إلى حيز الوجود في صور سينمائية جيدة دون توفر إمكانيات مادية؟ من أجمل الأفلام القصيرة التي شاهدتها في حياتي، والتي حازت جوائز دولية مهمة، هي أفلام أنجزت بإمكانيات بسيطة جدا. لا يهم أن تكون الصورة جميلة جدا، المهم ما يوجد داخل الصورة وعمقها والحوار الذي تقدمه، لأن الفكرة هي الأساس، إذ يمكن الاشتغال على فكرة بسيطة بطاقم بسيط ووسائل بسيطة وتنجح أكثر من فكرة قوية بوسائل قوية وممثلين أقوياء. في فيلمك «صنع في المغرب»، الذي عرض خلال «ليلة الفيلم القصير» في مهرجان الداخلة السينمائي، لم تعتمد الحوار واعتمدت تقنية الراوي، لماذا هذا الاختيار؟ أنا متأثر جدا بتقنية حكي الراوي، لأن الراوي يقدم الشخصيات وفقا لرؤيته الخاصة، ويوصل عبر الحكي كل ما يريد إيصاله دون تدخل، أما أسلوب الحوار بين الشخصيات فيجعل هذه الشخصيات تقدم لنا ما تفكر فيه في سياق هي من يخلقه. تقصد بذلك أنك تتحكم في الشخصيات أكثر بهذه التقنية؟ أريد أن أقول إنني بذلك أستطيع وضع الشخصيات في السياق الذي أريده بالضبط، لأن مجرد نطق الشخصية يخرج حوارها من مسؤوليتي، أما حين يتحدث الراوي فإنني أكون مسؤولا عن كل دقائق الحكي، متحملا مسؤوليتها بصفتي سيناريست ومخرج الفيلم. ألا تعتقد أنه يمكن للمخرج التحكم أيضا في الحوار مثلما يتحكم في حكي الراوي عن طريق إدارة جيدة للممثلين؟ حاولت تغيير الحوار إلى حكي على لسان راو، ليس لأن الحوار أهم من الشخصيات بالنسبة إلي، وإنما لأني أرى أني كنت الأقرب إلى التعبير عما يخالج الشخصيات أكثر منهم بصفتي كاتب السيناريو. جميع أعمالك كتبت لها السيناريو، ألا ترى أن من شأن القيام بمجموعة أدوار في إنتاج عمل سينمائي أن يحرمك من الاستفادة من تجارب وأفكار أخرى؟ لا أرى ذلك صحيحا، فمثلا حين نتحدث عن عملاق السينما على مدى قرن من الزمن «شارلي شابلن» نجد أنه كان يقوم بمهام كثيرة، سيناريست وممثل وموسيقي وغيرها، وبذلك نحن نتحدث عن شخص يضبط آليات اشتغاله على عمل هو من كتبه، تبعا للصور التي رآها وهو يكتب. بالنسبة إلي يمكنني إخراج سيناريو كتبه شخص آخر، لكنني متأكد أنني لن أرى الصور نفسها وأنا أخرجه، لأنني لن أكون قريبا منه بنفس مسافة قرب كاتبه منه. أعتقد أنني دائما بحاجة إلى تلاحم بين ما يكتب وبين الإخراج. قدمت صورا سلبية عن المخرج في المغرب تمس الأخلاق داخل فيلمك «صنع في المغرب»، هل يعكس ذلك شيئا من الواقع؟ أجل، قدمت ذلك تماشيا ومواقفي من بعض المخرجين الذين يتخذون عملهم وسيلة لاستغلال الممثلة. عدد منهم يختفي وراء المهنة لاستغلال فتيات ممثلات في بداية مشوارهن، بممارستهم مجموعة من التصرفات اللاأخلاقية للأسف. قدمت أيضا صورا عن الوضع المادي للمخرج في المغرب ووصفته بالمتردي، هل هي حالة عامة برأيك؟ هناك كثير من المخرجين في المغرب يعانون ماديا على نحو قاس لا يمكن أن تتوفر معه ظروف الإبداع في أحيان كثيرة، بخلاف مخرجين أجانب وحتى عرب، ومنهم المصريون، الذين يعيشون حياة جيدة تصل أحيانا إلى حد الرفاهية. ورسالتي هذه ليست موجهة إلى المخرجين، وإنما هي موجهة بالأساس إلى المسؤولين لإعادة النظر في هذا الأمر، خاصة أن كثيرا من المخرجين لا يمنحون فرصة الاشتغال، وبينهم من لم يشتغل منذ سنوات طويلة نسبيا. قلت أثناء تقديمك الفيلم على خشبة قاعة قصر المؤتمرات إنك بصدد التحضير لفيلم روائي طويل. حدثنا عن هذا المشروع؟ هو مشروع في طور الكتابة، ويضم خمس قصص اجتماعية متشابكة تبدأ شهرين قبل وفاة الملك الحسن الثاني، وتنتهي بوفاته. هل يتضمن الفيلم نفَسا سياسيا؟ لن يتضمن الفيلم شيئا من ذلك، وإنما يطرح كيف كان تأثير رحيل الملك على عدد من الشخصيات الاجتماعية، ذلك أنه بوفاته أجلت أو توقفت مناسبات احتفالية عديدة، أعياد ميلاد وأعراس وما شابهها، وهو ما أريد الاشتغال عليه.