مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن السيناريو .. الكتابة للسينما
نشر في هسبريس يوم 09 - 10 - 2012

هناك عوامل عدة تساهم في تواري الإبداع السينمائي والمسرحي إلى خلفية المشهد الفني ،.بينما نجد في المقدمة، ظواهر فنية أخرى تنمو وتتكاثر، وإن كان ذلك النمو كميا، كالأغنية والفنون الاستعراضية الأخرى.
الفرق بين الاثنين هو أن السينما لا تقوم إلا على مشروع فني ووطني مرتبط بما هو إنساني ،توطده بنية صناعية متينة. ومن ضمن الحلقات التي يحتاجها بناء هذا المشروع ، نجد كتابة السيناريو، كخزان يتغذى جماليا على مظاهر الثقافة الأخرى ، ومعرفيا على الإشكاليات الاجتماعية والفكرية .
ترى من يكون كاتب السيناريو هذا الذي يمثل هذا الأساس؟ وما هي المنطلقات والإمكانيات الذاتية والفنية التي يحاول المراهنة عليها من أجل تقديم مشاريع تتصف بالإثارة والتشويق ،دون أن تغفل طرق بناء الحكاية وسردها تبعا للمكونات السردية في الحوار والصورة وباقي المؤثرات الفنية الأخرى؟
الفكرة
ينطلق أي عمل فني، أكان مسموعا أم مرئيا، من فكرة تدور بذهن الكاتب أو المؤلف،أو يتم اقتباسها عن شخص آخر يظل المالك لها. ونقول للتمييز، هذا سيناريو أصلي، وذاك مقتبس عن عمل أدبي أو درامي .وقد يعمد لتسجيل هذه الفكرة أو تلك، لدى جهات تعنى بحفظ ملكية التأليف،كما هناك الثيمة ،وهي المعنى العام للفيلم،لذلك يجب تحديد الثيمة في جملة لا أكثر، كقولنا مثلا أن ثيمة فيلم " تيرمينيتر"هي الخير في مواجهة الشر".
الفكرة يمكن أن تساعد كاتب السيناريو على كتابة قصة وفي بعض الأحيان يتم اقتباس فكرة السيناريو من خلال قصة قصيرة ،وقد يلجأ كاتب السيناريو إلى المزج بين ثلاث قصص، أو بين مسرحيتين للحصول على سيناريو واحد،أو ينطلق من مجرد خبر يرد في إحدى الجرائد أو المجلات.كما قد يلجأ لاقتباس بعض الأعمال الروائية التي يجد فيها ضالته للتعبير عن قضايا تشغله، ويريد إشراك الآخرين معه فيها.
غير أن مسألة الاقتباس، وخصوصا من النصوص الشعرية تبقى متعلقة بقدرة الكاتب على تحويل ما هو ذهني وروحاني، إلى ما هو ملموس ويمكن مشاهدته، أو يدور حول محور يسمى بملخص الفيلم، أو ما يعرف synopsis. وهناك من يعترف بصعوبة تحويل ماهية الحلم مثلا إلى شيء مرئي وإلا فلن يصبح حلما تماما.
هناك العديد من المشاكل التي تنجم عن سوء تقدير لأخلاقيات المهنة وعلاقتها بحقوق التأليف المادية والفنية.فما قد يسميه السيناريست سيناريو، يسميه المخرج مجرد "تطوير لفكرة" وهذه إشكالية أخرى من المفروض أن تبذل فيها جهود من طرف مكتب حقوق المؤلفين، ونقابات الفنانين، والمركز السينمائي المغربي لتوضيح ما يجب توضيحه في ما له علاقة بهذا المجال ،وبالتبعات الفنية والتقنية والقانونية التي تترتب عنه، تجنبا لكل إضرار بحقوق المؤلفين .
ملخص الفيلم
للسينوبسيس أهمية خاصة حيث يسمح للقارئ و المنتج، أو لجنة اختيار الأفلام من تكوين فكرة واضحة عن محتوى الفيلم، من دون تزيين أدبي أو استعراض مجاني.إذ يفترض أن يبين فيه السيناريست بطريقة ذكية وجذابة، أجواء الفيلم ودوافع الشخصيات باختصار ودقة.لذلك يقتصر العديد من المهتمين بالسيناريو، أكانوا نقادا أو منتجين أو مخرجين،على قراءة الجمل الثلاث الأولى التي ينطلق بها السيناريو،أو على الأكثر الصفحات الثلاث للسيناريو.فإما أن تشدهم لمتابعة قراءة ما تبقى، أو يتوقفون من دون تكليف أنفسهم عناء الاستمرار.
نبدأ بملخص الفيلم للانطلاق نحو تفاصيل السيناريو، أو العكس.هناك العديد من الأفكار الرائعة والمعبرة والمؤثرة،لكن تحويلها إلى لقطات ضمن مشاهد ومتتاليات لخلق مستوى معين من التشويق في السرد الفيلمي ليس بالأمر الهين.إن كتابة السيناريو عمل متناه الدقة والصقل، يشبه عمل المجوهراتي الذي لا يكف عن إيجاد أدق التفاصيل، وفق هندسة جمالية تتآلف فيها الأنساق والألوان، بشكل يخلق قطعة متميزة في المضمون، وخلابة في الشكل.
لقطات ومشاهد ومتتاليات
لا يجب أن يفهم أن المشاهد و المتتاليات أشياء تتناقض، بل هي مكملة لبعضها البعض.فأول وحدة فيلمية هي اللقطة. وللتذكير،لابد من التمييز بين سيناريو فيلم طويل،وبين آخر قصير،كما هناك الفيلم المتوسط .وتبرز صعوبة الفيلم القصير لكونه يتطلب الدقة في تقديم الشخصيات، وخلفيات الحدث، كما أنه لا يسمح بالإطالة في عبارات الحوار مثلا.
هناك من يشتغل بطريقة المشاهد التي تنبني على وحدة الحدث والمكان، كما هناك من يكتب بطريقة المتتاليات التي تحكي عن مجموعة من الأحداث بدءا من دافعها ومكان انطلاقها،وانتهاء بإنجازها ومكان تحقيقها.تتابع المتتالية، مثلا البطل الذي أراد شراء منزل من عملية التوجه للوكالة لزيارة موقع المنزل، مرورا بالعمليات الإدارية والمالية، وانتهاء بجمع أثاثه والرحيل.
ينصح بالوقوف على حالات من الصراع والمواقف الحياتية التي يعيشها الكاتب ومحاولة الكتابة عنها، كما هو الأمر بالنسبة لبعض المخرجين العالميين كفلليني أو برتولوشي.المطلوب هنا أن يتخيل كاتب السيناريو حبه الأول، وماذا كان يفعل لكي يلفت انتباه حبيبته،أو يحاول أن يكتب عما فعله، وبماذا أحس، لما أبلغه أحد أصدقائه أن حبيبته تخونه من دون أدبية مرتبكة أو رغبة نرجسية تستعرض دون أن تعرض.لكن يجب إدراك أنه ليست كل قصة مؤثرة وقوية صالحة لتعرض سينمائيا،لأنها تتطلب الاشتغال على مكوناتها الدرامية وتحويل ما هو أدبي فيها إلى ما هو بصري،وبالتالي خلق ما يعرف بالخط التصاعدي المؤدي للذروة ثم السقوط نحو النهاية المفاجئة.
يمكن للسيناريست أن يكتب عن موقف وجد فيه نفسه يدافع عن اتهام وجه له، وماذا كان عليه أن يفعله، ويقوله ليبرئ نفسه.ويحاول مثلا تقديم مجموعة من النهايات المحتملة لقصة من دون نهاية،أو يقدم بدايات لحدث له نهاية ما.كما أن متابعة طرق ابتداء الأفلام وطرق إنهائها مهمة لأنها تمكننا من الوقوف على منطق الأحداث والرابط بينها.وتسمح لنا بإدراك تقدم الأفكار بالطرق الدرامية المناسبة.بل يمكن مشاهدة فيلم ما وإعادة نفس اللقطات والمشاهد لمعاينة الوسائل والطرق التي يلجأ لها المخرج من أجل التعبير عن فكرة أو إحساس.
وجدير بالذكر،أن بناء المشاهد لا بد أن يتم وفق بناء هرمي يتقدم حينا، ويتراجع آخر.إذ يمكن أن نتيح للمشاهد فرصة للاستراحة واسترداد النفس بعد أزمة صغيرة،لكن هذه الاستراحة لا يجب أن تكون طويلة حتى نفقد التحكم في السرد. والتناوب يتم تارة لخلق الفضول، وتارة أخرى لتقديم جانب من الحقيقة.
يتأكد مما سبق أن ما يجب أن يراعى في بناء المتتاليات هو المشهد في حد ذاته كوحدة درامية في علاقته بما تقدم وما سيأتي من مشاهد، حينها يصبح بناء المشاهد مرتبطا بإيقاع الفيلم المبني عبر المونتاج،ثم بكيفية تحكمه في خطه السردي.كما يجب أن يراعي ما تم بسطه في العرض،وما يعترض سبيل ذلك من مثبطات وعوائق،وأخيرا كيفية تجاوز هذه العوائق أو السقوط بسببها.
بعدها نقول كيف سيأتي الجواب عن الإشكال الذي طرح.أي هل سيتم تجاوزه سلبا أم إيجابا؟ ثم هل سيحقق البطل ما رسمه من خطة للوصول إلى هدفه، أم لا؟ كما أن طريقة تقديم الفيلم منذ أولى اللقطات أو الشخصيات تعطينا نظرة جزئية عن أجواء الفيلم ،وعن الإنشغالات التي يدعى المشاهد للدخول في عوالمها وتفكيكها سواء من خلال الأسئلة التي يطرحها على نفسه،أو من خلال الاحتمالات التي ترافق عرض الصور والأصوات.
السيناريو
لا يمكن تصور بناء منزل من دون خطة أو تصميم هندسي، كذلك الحال بالنسبة لأي فيلم.والمقصود بالسيناريو ،هو الطريقة الفنية في تحويل المشاعر والأفكار إلى أفعال وأحداث، يمكن مشاهدتها وتقديمها في قالب سردي يحكي حكاية ما ،لكن هذا لا يمنع بعض المخرجين من التخلي عن السيناريو ككتاب مقدس يتبع بحذافيره، حيث أن المخرج يكون على علم مسبق بما يريده، وتكون مشاهد السيناريو في مخيلته، وتتم إضافة بعض التفاصيل من خلال التصوير، واجتهادات الممثلين المرتجلة على البلاتوه التي تصبح محبذة.
السيناريو الجيد يمكن أن يعطينا فيلما رديئا أو رائعا،أما السيناريو الرديء، فلا يمكن أن ينتج عنه سوى فيلم رديء.نفس الشيء ينطبق على الأفكار والحكايات الرائعة،إذ لن تعطينا بالضرورة سيناريوهات رائعة. الطريقة السيئة لكتابة السيناريو هي محاولة الإيغال في الوصف الأدبي باستعمال الأكليشيهات كقولنا مثلا "ما أروع مشهد الغروب" أو قولنا " يتردد البطل ويفكر في درجة حبه للبطلة".
لأن أفعال الشخصيات تكتب في صيغة الحاضر،يجب تجنب كل إشارة لما يدور بذهن ومخيلة البطل، إذ على السيناريست أن يسأل نفسه عن الوسيلة الناجعة التي بواسطتها سيعرض ذلك، وهل ستدخل الكاميرا لمخ البطل أو البطلة لنرى فيما يفكر أو تفكر؟ وبالتالي عليه أن يعرض أحداث الفيلم في مخيلته ويحاول أن يلمس مدى قابليتها للعرض.
عوض الإكثار من عبارات التودد لإظهار الشغف بشخص ما، والقول إن هذا الشخص يهيم حبا بحبيبته، ويمضي ساعات وهو يفكر فيها، ويفكر كيف بإمكانه أن يفصح لها عن إعجابه.يمكن أن نتصيد فرصة ما ونجمعهما في حدث يبادر هو لتقديم مشموم ورد لمعجبته. وهنا تتجلى عبقرية كاتب السيناريو في قدرته الخلاقة على تحويل المجرد واللامرئي، إلى محسوس مرئي،وعلى اقتناص أدق الأفعال أو الحركات أو العبارات لتشخيص موقف أو تمرير إحساس. وإذا ما كان ذلك ضروريا، فالمعمول به أن تكتب تلك الملاحظات حول طرق الحديث، ونبرات الصوت، وكيفيات النظر على هامش المشاهد.
لذلك يقال إن السيناريو يعرض الأفكار عن طريق الأفعال، أو ما هو قابل للمشاهدة من حركات وأشكال، وألوان.لذا نلاحظ كيف يعمد الأمريكيون إلى التدقيق في دوافع الممثل وربط ذلك بالحدث مكانيا وزمانيا.فعوض سرد تفاصيل تقدم المشهد على الطريقة الأدبية كما يفعل بالزاك مثلا، يستحسن الربط من خلال فعل تقدم فيه الشخصية الزوجة وهي مثلا تستخدم المقص لقطع رسائل غرامية من جيب الزوج.وعادة ما يستلزم الكاتب حسب تجربتي الربط بين عناصر ثلاث وهي:الحدث ،الشخصية،ثم الأداة أو الشيء المحوري في المشهد كان مسدسا أو رسالة أو غيرهما.ثم التنصيص على العامل النفسي والزمني في اللقطة.
هاته الدلالات الأخيرة تعتبر بحق، المعادل الموضوعي للمشاعر والأحاسيس. وهذا ما تلخصه القاعدة الفرنسية التي تقول: Montrer c'est Dire .المشكلة تتحدد في مدى واقعية هذا القول، وكيفية تقديمه.فهل سيكون أقرب إلى النثر من حيث الإشارة للأشياء ،أم إلى الشعر من حيث جعل المشاهد واللقطات تتحدث عن نفسها محاولة الكشف عن الجمالي والجوهري فيها؟
العديد من الدارسين يشبهون بناء السيناريو بالفصول الثلاثة لمسرحية ما .في الأول تعرض القضية أو تطرح المشكلة وفي الفيلم القصير لا يتعدى ذلك ستين ثانية.وفي الفصل الثاني،يتم بناء العقدة في تصاعد درامي يؤثر على المشاعر ويتحكم فيها.أما في الفصل الأخير،فيأخذ المنحى الدرامي وجهة ما لحل العقدة.
هناك قضايا تقنية ومشاكل قد تعوق طريقة كتابة السيناريو.منها ما يتعلق أولا وقبل كل شيء بوضوح الرؤية والقصد الذي يتوخاه السيناريست،وهناك كيفية صياغة الحبكة،وهذا متعلق بتآزر الأفعال والسلوكيات في تطور الخط الحكائي،وهناك تآزر زاوية الرؤية و القيمة الفكرية ،وهذا يشكل النغمة السائدة،كما هناك تآزر التكنيك البلاغي والقدرة التقنية وهذا يشكل الجانب الفني.
كما هناك تداخل متشعب بين خلق الشخصية مع الإحالة على تكوينها النفسي والاجتماعي والثقافي،وميولاتها السوية أو الشاذة،ومبرراته المنطقية للإقدام على هذا الفعل أو ذاك بحيث أن كل فعل يجب أن يكون مبررا.ومن أجل تأزيم الوضع أمام الشخصيات وخصوصا البطل أو البطلة،لا بد من وضع مجموعة من العراقيل التي يتوجب عليه أو عليها تخطيها وتجاوزها من أجل الوصول لهدف مادي أو معنوي. لا يجب أن تفرش الطريق أمام البطل بالورود بل بالصعاب والإكراهات.كما بإمكان الكاتب أن يزاوج بين لحظات التأزيم ولحظات الإفراج لإعطاء إيقاع وتشويق لمشاهده.
نقول إن ثمة العديد من أشكال الصراع: منها ما هو داخلي وشخصي ،ومنها ما يتعلق بطرفين ،ومنها ما يتجاوز ذلك ليشمل أطرافا متباينة. كما يجب خلق الشروط الأولية لخلق الأفعال ونقيضها في حبكة لا تستصغر ذكاء المشاهد، ولكنها تحاول اللعب معه حينا بخلق التشويق وحينا بتأزيمه، وحينا آخر بإسعاده من أجل خلق دينامية سردية تنتقل بالحكاية من العقد الصغرى إلى العقدة الكبرى،وحينا بإيهامه بحلول غير حقيقية أو مسارات غير متوقعة.إلا أن مبررات هذا كله، لا يمكن أن تسقط من السماء، أو كما يقول الفرنسيون تجرها الخيول.
يجب أن يتحكم السيناريو في عملية توزيع المعلومات بين الإفشاء والكتمان للحصول على فضول ما،الهدف من ذلك هو توسيع دراية المشاهد أو تضييق معرفته وافتعال المواقف،والقفز على ما تم تبليغه لإيصال فكرة غير منتظرة أو محشوة كرها في سياق الحكي هو أخطر ما يمكن أن يربك تماسك المشاهد، وروابط الفيلم السردية .والمشاهد دائما يدرك ذلك بحكم حسه العام وموقعه كحكم عندما تبدأ حبات عقد الحكاية في التناثر،أو عندما تنضاف بعض الأمور الواضحة لتشرح أو تعقد أكثر.
السيناريو بين الكاتب والمخرج
هناك من يرى أن طريقة كتابة السيناريو تختلف بين المقاربة الفرنسية وبين المقاربة الأنكلوسكسونية.الفرنسيون مثلا، يقدمون شخصيات أفلامهم من خلال ما يقولون، أو ما يقال عنها في الحوار، لذلك يكثر الحشو والتفسير في حواراتهم، وغالبا ما تضيع القصة في خضم الأحداث، بينما نجد عكس ذلك لدى الأمريكيين، فهم يصرون على بناء القصة أولا،ثم يتم تقديم الشخصيات من خلال أفعالها.
ومن بين الأشياء التي على كاتب السيناريو أن يتذكرها دائما حجم الإمكانيات التقنية والمالية لتحويل مشروعه لفيلم.كما عليه أن التقليل من الانتقال من مكان إلى مكان آخر نظرا للمصاريف التي يكلفها ذلك،مع الإمكانات التقنية والفنية التي يفرضها التصوير في مكان مظلم او يصعب الوصول له.فلا يمكن مثلا، رصد ميزانية تصوير مشاهد من الخيال العلمي حيث الصحون الطائرة أو الطائرات المقنبلة لمنتج بإمكانيات متواضعة.ويستحسن بالنسبة للسيناريست أن يكون على علم بكيفية التصوير وماهية المونتاج حتى يساعده ذلك على تخيل اللقطات وموضع الديكور وحركات الممثلين.
لا حاجة للتذكير أن الفيلم الجيد يبدأ مع السيناريو الجيد،إلا أن طريقة الإخراج هي المحك النهائي، لتدارك أخطاء الكتابة، وإضفاء مسحة إبداعية على ما كتب على الورق.غير أن هناك من يعتقد أن نجاح أي فيلم، يتوقف بالأساس على توفق السيناريو وتفطنه لكل التفاصيل في بناء القصة، ومواصلة التشويق، وضبط خيوط التطور الدرامي.أي أن كل ذلك يفضل أن يكون مقيدا على الورق.لأن المخرج مهما حاول أن يتدخل ويضيف ، فللسيناريو الكلمة الفصل في النتيجة النهائية.لكن هذا لا يعني بالضرورة الإكثار من الوصف والشرح والتدخل الممل في طريقة أداء الممثلين لأدوارهم وحوارهم لأن ذلك من شأنه أن يسقط السيناريو في الغموض والفوضى.
من المعروف أن نسخة السيناريو تصحب مدير التصوير ومساعده، والممثلين في قراءة أدوارهم، كما أنها تشكل مرجعا أساسيا خلال عملية التوليف، للحسم في اختيار أهم اللقطات من بين اختيارات أخرى.ما يجب التأكيد عليه هنا هو أن عدو السيناريو وبالتالي الفيلم، هو السرعة في المعالجة، وإغفال التفاصيل. ولعل نجاح الأفلام الأجنبية، بالإضافة لحسن أداء الممثلين والإمكانيات المادية، يتجلى في تركيز السينمائيين كتابا وتقنيين،ومخرجين على كل الجزئيات.ونلاحظ كيف أن الأمريكيين مثلا يحاولون التعاون في ما بينهم أي أن السيناريو الواحد يكتبه ويعيد كتابته أكثر من شخصين أو ثلاثة.
إن مثل هذه التفاصيل الدقيقة،هي التي تعطي للفيلم، في نهاية المطاف، تميزه ونكهته الخاصة.لذلك يفضل التأني في عملية ترقيم المشاهد، وتركها لآخر لحظة حتى يحس الكاتب أنه قد استنفذ كل ما يريد بسطه،فيحسم الأمر لصالح اختيار ما، لأن عملية تأليف المشاهد معقدة ومتداخلة، كما أنها متسلسلة.ومن الطبيعي أن تقفز لذهن السيناريست أشياء وتفاصيل،ربما تغافل عنها، أو أحب إضافتها.لذا يفضل أن يترك السيناريو لمدة ما فوق الرف، لتتبادر خلالها لذهن الكاتب تنويعات ورتوشات قد تزيد من جمالية لقطة، أو من مصداقية حركة أو نظرة.
عادة ما تتم في بداية أي مشهد الإشارة لرقمه،ومكان وقوع الحدث أو اللقطة، مثل داخلي وهو إشارة لمكان مغلق كعلبة ليلية أو حانة،أو خارجي كزقاق أو مسبح،ثم زمانه أي ليلا أو نهارا، ويستحسن التنصيص هنا على زمن النهار، هل غسقا أم منتصف نهار،أما إذا كان مساء، فهل عند الغروب أم بعده.كما ينصح أيضا بالتنويع بين المشاهد الداخلية والخارجية، ومشاهد الليل والنهار، والحوارات الطويلة والقصيرة لخلق إيقاع معين وحركية في المشاهدة.وبالإضافة للتنويع في المشاهد، أو ما يسمى بالإيقاع الذي سيتكلف به المونتاج في طريقة سرد الحكاية والربط بين عناصرها،هناك أيضا الإيقاع الصوتي الذي يروم التغيير بين مواقع الصمت ومراتب الضجيج،والسيناريست الجيد يحاول تشغيل مخيلته المرئية والسمعية للتقطيع والتوليف.
بمجرد ما تقدم الشخصيات، تكتب أسماؤها بحروف داكنة وما يقوم به الممثل من حركات أو إيماءات، يمكن كتابته بخط بارز أو صغير .طريقة تقديم الممثلين وأفعالهم ومحيطهم تحددها الأفعال والحركات التي يبدأ بها الكاتب لتقديم الحدث.ويستحسن تقديم الشخصيات ذات الأدوار الرئيسية وهي تقوم بفعل ما،كما لا يفضل تقديم كل شيء عن الشخصية المحورية منذ البداية ودفعها هي أو الآخرين، للحديث عنها بإسهاب مطول،وهو ما يستدعي تهيئ المشاهد للمفاجأة من خلال التدرج في التشويق. فهل سنبدأ بالحكي من فنجان القهوة الموجود على الطاولة ثم حركة اليد في اتجاه الفم،أو نبدأ بالوضع الجسدي داخل المقهى وننتقل لعملية تناول الفنجان؟
نرى أن طريقة سرد الأحداث وتصوير المشاهد، وتقديم هذه الجزئية على تلك، يحدد الكيفية التي سيعمل بها المونتاج.ومعلوم أن نفس الحكاية يمكن سردها بطرق مختلفة سواء من حيث التكثيف أو الحذف أو انتقاء أحداث من دون أخرى.مما يعني أن كتابة السيناريو هي بمثابة ثوب واسع يجب تقطيعه وتفصيله، وفق قياسات معينة تتسم بالتناسق والتناسبية لأن المكونات الأساسية في هذه العملية تنقسم لثلاثة محاور.
الصوت والصورة
إذا كانت الفنون تقسم لما هو زمني كالموسيقى والشعر والرقص،وما هو مكاني كالرسم والنحت والهندسة المعمارية،فالسينما تجمع بين هاتين الميزتين.إذا انطلقنا من الصوت، بمجرد ما يكون المسؤول عن الموسيقى بصدد قراءة السيناريو، تتبادر لذهنه أشكال الموسيقى التي ستمكنه من التبليغ عن المراد.وما يهم هنا هو كيفية التحكم في الزمن السردي لخلق تقدم الأحداث.
أما بالنسبة لاختيار اللقطات،فلا يجب أن تكون لا بالقصيرة مخافة أن لا تبلغ ما يكفي، ولا الطويلة فتخلق الملل والتكرار.لذلك يجد السيناريست صعوبة في الانتقال من مشهد لآخر.في عملية الانتقال هاته، يتم التحكم في تدفق الأحداث، وبناء الخط الدرامي وفق الهرمية التصاعدية التي تختار، وعلى هديها يسير الفيلم.كما أن الانتقال من مشهد إلى مشهد، يجب أن يخضع لرابط بصري أو سمعي أو تقني حتى لا يحس المشاهد بالتقطيع الصادم وغير السلس.
ويمكن مقارنة واضحة بين طبيعة الأفلام الأمريكية في تسارع وتيرتها بحيث أن المشاهد تنتقل بك من لقطة عامة أو لقطة أمريكية أو قريبة، إلى لقطة أخرى. هنا نلمس جهد السيناريست في المونتاج أي بين السرد الحيوي، وبين لقطات بطيئة متشابهة في تصويرها ومملة في طريقة حواراتها.وللتذكير، فالسيناريو الجيد يسهل بإيقاعه وتنويعاته المشهدية عملية المونتاج، ويجعلها أكثر تماسكا وخفة.هنا، يتم الحسم لصالح إعطاء الأسبقية لمشهد على حساب آخر،أو تأجيل مشهد للحظة أخرى قد يخدم بها ما تمت الإشارة إليه أو الاستعداد لما سوف يأتي.وقد يتم العمل بمبدأ الأسبقية للنتيجة عوض السبب لخلق نوع من التشويق ،كأن نصور مثلا سيدة تسقط على إثر طعنة ،ثم تتبع الكاميرا يد المجرم وبيده الخنجر.
يكون السيناريست دائم المساءلة عن ضرورة الاحتفاظ ببعض المشاهد أو الاستغناء عنها. فهل هي ضرورية ،ولها أهميتها الخاصة في الدفع بالخط الدرامي، أم هي مجرد مشاهد تزيينية اختيرت لشحنتها العاطفية بشكل مجاني؟ ولكي نفرق بين الاثنين،نقول عن الأولى ، إنها مشاهد محورية تكون ضرورية، وبدونها يتساقط البناء الفيلمي.من دون شك أنها تتغذى، وتتعزز بلقطات تأكيدية تحضر فيها أشياء أو رموز أو عبارات، أو حركات تكون ذات علاقة وطيدة بتطورات الأحداث وخلفياتها، وكذا بميولات الشخصيات وصراعاتها.أما الثانية، فهي بالإضافة لكونها لا تساهم فعلا في الدفع بالمشاهد نحو العقدة،فإن إبقاءها أو الاستغناء عنها لا يغير من قوة الفيلم والسيناريو. وعندما يقول السيناريست مع نفسه انتهيت الآن ا،هنا بالذات تبدأ عملية القطع والحذف للتخلص من التكرار ومن الزوائد التي لا تضيف شيئا ضروريا.
يعمد بعض الكتاب إلى ذكر الطريقة التي سوف تتحرك بها الكاميرا، أو التنصيص على الزاوية أو حجم اللقطة،لكن ذلك يدخل في اختصاص المخرج ومدير التصوير، لأنهما المخولان أكثر لاختيار اللغة التقنية من حركات الكاميرا ودرجات الإنارة،وغيرها،وتحديد متى تتحرك الكاميرا من اليمين إلى اليسار،أو من الأسفل إلى الأعلى، أو العكس وهو ما يعرف بالبانوراميك حيث تبقى الكاميرا تدور على قطبها من دون أن تتحرك من مكانها ،أو من الأمام إلى الخلف، وهو ما يعرف بالترافلينغ حيث تصاحب الكاميرا موضوعها وهي تتحرك على سكتها .
ولا عيب في حضور الكاتب للإدلاء بعض الاقتراحات ولما لا حتى بعض الممثلين،أو أن يطلب المخرج قبل إنطلاق التأليف من السيناريست الاشتغال على سيناريو وفق مواصفات جسمانية وشخصية تتماشى مع ممثل أو ممثلة معينة . السيناريست ليس مجبرا على إتباع الوحدة الزمنية الأرسطية،لأن بإمكانه اللعب على إيقاع السرد باختيار الاستباق أو الرجوع للماضي،أو دمج الأزمنة الثلاثة في مشهد واحد وذلك باللعب على حيل الذاكرة والوعي الباطن أو الطفولي مثلا.
تتحدد قوة السيناريو بقدرته على نقل ما يرى ويشاهد لإيصال المشاعر، والكشف عن المواقف دون الإكثار من الحوار، والسقوط في الحشو والابتذال. فالقاعدة تقول:" لا تتحدث عما يظهر،ولا تكشف ما هو قادم".إن طريقة بناء القصة مسألة حيوية بالنسبة لتقديم المشاهد، والربط بين الأحداث.كما أن أحداث القصة لا بد أن تنطلق من حادثة بسيطة ليتم تركيب مسارها وتعقيده.والقصة الناجحة سينمائيا هي التي تقوم على خلق الصراع ،إذ لا وجود للدراما من دون صراع.
للوقوف على كيفية التصرف في كم المعلومات ومنطق الأحداث يمكن تحليل قوة اللقطة بمضمونها الدرامي والفكري.والنظر هل تتقدم هذه الأحداث بشكل يؤجج الصراع، أم أن هذا التحكم يأتي مهلهلا مما يجعل الفيلم يعرف لحظات عرض وبسط من دون خط تصاعدي؟ كما قد نلاحظ ذلك في فيلم يبدأ بداية قوية لكنه سرعان ما يضيع خيوط الحبكة في منتصف الفيلم وبالتالي يتشتت مساره وتغيب الرسالة.
طبعا من خلال التناوب على فك الصراع أو تأجيجه وربطه، يبرز دور الممثلين. فهذا يقف ضد نجاح البطلة في بلوغ مبتغاها ،بينما يحاول الآخر الذهاب في الاتجاه المعاكس، مما يساعد على خلق ذلك التجاذب والتصارع على الدفع بالسرد إلى الأمام، أو عرقلته.والمعروف أن الصراع يكون بين أشخاص،جرت العادة أن يمثل أحد الطرفين الخير والشر.وهذا الصراع أولا يقدم من خلال حدث يتطور نحو المواجهة التي تؤدي إلى إنهائه وبناء نهاية الفيلم.
هناك قضية أخرى أصعب مما يتصور، ولعلها ذات أهمية قصوى في نجاح الفيلم وكسب تعاطف المشاهدين أو تنفيرهم وصدمتهم.ويتعلق الأمر بالطريقة التي تختار لإنهاء الفيلم،حيث يقال بأن النهاية الجيدة والمتمكنة من حسم الصراع بطريقة ذكية ليست دائما في المتناول.بل هناك من يبدأ بالتفكير في الطريقة التي ستؤول لها أحداث فيلمه قبل بسط المرتكزات الأولية.ولعل النهاية هي المنحدر الدرامي الذي يأخذ في الحسبان كل عناصر القصة والمآل الذي ستؤول إليه.وبالطبع يمكن أن تقترح نهايات متعددة لنفس الفيلم حسب العنصر أو الرسالة التي يرغب الفيلم التشديد عليها.ويمكن لفيلم ما أن يحسم الصراع بين قويتين بطريقة أيديولوجية،كما يمكنه أن يجعل منه دائرة صغيرة تتسع وتكبر لتتوسع الاحتمالات.
السؤال هو كيف يمكن أن تقدم للمشاهدين ما ينتظرونه وما لا ينتظرونه في نفس الوقت؟ وكيف يمكن إيجاد نهاية ترضي الجمهور، ولكن تفاجئه أيضا.النهاية يجب أن تكون كمحصلة لا مفر منها، ولكن غير منتظرة.كثيرا ما يقال مثلا، لقد أعجبني هذا الفيلم بالأداء الجيد لممثليه،أو أن الوضعيات التي خلقها الفيلم كانت رائعة،إلا أن كل شيء تناثر في الختام.يقال أيضا إن النهاية يجب أن تنهي صراعا،أو تأتي بحل أو جواب لسؤال درامي طرح في البداية، ولا تبدو كمجموعة من المواقف القدرية التي تقحم فيها الصدف بشكل رديء.أحيانا قد يراهن المخرج على النهايات المفتوحة بغية خلق نوع من التعددية في التأويل والقراءات.
من بين الأسئلة الأخرى التي تطرح قبل البدء في صياغة السيناريو،ماذا يريد البطل أو البطلة تحقيقه؟ في فيلم "محاكمة امرأة" لحسن بنجلون مثلا، نفهم أن البطلة تريد أن تحصل على طلاقها لكن لن يكون لها ذلك ،لأنها اضطرت لقتل زوجها.أما في فيلم "علال القلدة" لمحمد إسماعيل فالبطل يريد أن يهاجر لكندا.وقبل الحسم في هذا الخيار أو ذاك،على البطل أن يستنفذ كل المحاولات والحلول.والوصول إلى النهاية يكون كخيار وحيد بعد أن توصد كل الأبواب في وجهه.وهذا ما يترك لدى الجمهور إحساسا بالارتياح.النهاية لا يمكن أن تكون إلا التتويج الفعلي والمنطقي لما يريد أن يقوله الكاتب.
نجد العديد من المقالات التي تذكر السيناريست بما يجب فعله وما لا يجب.البعض يركز على أهمية الحكاية ودورها في شد بناء الأحداث،بينما يرى آخرون، أنه على السيناريست أن يبحث عن وسيلة أخرى لكسب المال الوفير، إذا كان هدفه هو فقط جني الأموال.آخرون يركزون على أهمية متابعة السيناريست للوقائع والأحداث التي توردها الجرائد والمجلات، حتى يظل متابعا ومنصتا لنبضات مجتمعه.لكن هذا لا يعني أنه سيوزع مجهوداته مجانا يمنة ويسرة،بل عليه أن يتصرف كشخص يعرف الميدان وكمهني.
فإذا أراد الكتابة مثلا عن حدث اجتماعي أو ظاهرة أو أناس معينين فما عليه إلا أن يراكم معرفة بصدد ذلك الحدث.إلا أن ما يجمع عليه كل هؤلاء الكتاب، هو أنه إذا أراد شخص ما أن يصبح قارئا جيدا فعليه أن يقرأ ،أما إذا أراد أن يصبح كاتبا سينمائيا ، فعليه أن يكثف من المحاولات وأن يدعم ذلك بمتابعة لأكبر عدد ممكن من الأفلام للوقوف على كيفيات بناء السيناريوهات، وإعادة مشاهدتها للتمكن أكثر من طرق بسط القضايا وتعقيدها من خلال لغة الكاميرا وتقنياتها.
السيناريست المتفتح هو الذي يقبل النقد والملاحظات ويتحلى بالصبر والمثابرة، ويطرق أكثر من باب من دون ملل أو قنوط. وعندما تأتيه فرصة تقديم عمله لمخرج أو منتج، فلا يجب أن يتردد في قبول آراء واقتراحات يود أن يضيفها المخرج.المسألة قد تجمع بين الكد والمثابرة وبين الصدفة. فسيناريو ما قد يبدو لأحد المخرجين غير صالح للتصوير وتافه، نفس السيناريو قد ينوه به مخرج آخر ويعجب به.صحيح أن العمل السينمائي يبدأ بالسيناريو، لكن المخرج وبما له من خبرة يكون أدرى بالإمكانات والإمكانيات اللوجيستية التي يتطلبها التصوير لتجسيد الأفكار والمشاعر التي خطها الكاتب على الورق.
بتقديري، إن هذا النوع من الكتابة، لا يمكن أن يكون ناجحا ومثمرا إذا لم توفر له الشروط الضرورية والتشجيعات.وما نحتاجه لتنمية الاهتمام بكتابة السيناريو هو إنشاء معاهد وخلق شعب متخصصة في السينما بكل مكوناتها وخاصة السيناريو.
*ناقد سينمائي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.