يؤكد السياريست والمخرج السينمائي، محمد مفتكر، أنه يشتغل على ثيمة الأب كرمز للسلطة، وأنه بسبب ذلك يعتبر نفسه مخرجا موضوعاتيا، لأن السينما في رأيه ليست مهنة نمارسها من أجل العيش، بل هي أسمى من المهنة مادامت مرتبطة بالتعبير الصادق والملتصق بالذات. { كتبت سيناريوهات كل الأفلام التي قمت بإخراجها، من «ظل الموت» وحتى «صمت الأب» الذي ستقوم بتصويره قريبا. لماذا هذا الإصرار على كتابة السيناريو؟ أنا لا أعتبر نفسي فقط مخرجا تقنيا، بل أعتبر نفسي مخرجا مؤلفا. هناك فرق في هدا الإطار، وينبغي التمييز بين الأمرين رغم أنهما متداخلان. وهذا التداخل يكون منذ بداية كتابة القصة إذ تتداخل التقنية مع التصور الفني وحكاية القصة، بمعنى أن الفيلم، في مرحلته «السيناريستيكية»، هو عمل سينمائي مسبق، وليس مجرد عملية إخضاع القصة لتقنية التصوير. فهذا الشكل التقني من السينما لا يهمني، بل ما يهمني بالدرجة الأولى هو التصور السينمائي للموضوع. وبما أنني أعتبر أن لي القدرة على الكتابة، فهذا يسمح لي بربح الوقت، وأن أكون منذ البداية في خضم العالم السينمائي كما أتصوره، بخلاف لو تعاملت مع سيناريو جاهز لكاتب آخر، فهذا معناه، أولا، أنه يجب أن أتبناه، أي أن لا يكون عمل فقط من أجل التصوير، بل يجب ان أتبناه فنيا، وأيضا من خلال تصوري.. { هل معنى ذلك أن محمد مفتكر لم يعثر بعد على السيناريست الشريك والمتواطئ، وأنه سيظل كاتبا ومخرجا لكل أفلامه؟ لم أقل إنني لم أجد السيناريست، ولكن الأصح أنني لم أجد، إلى حدود الآن، السيناريو الذي سيجعلني أتبناه. على سبيل المثل، أنا أشتغل على ثيمه معينة: ثيمة الأب كرمز للسلطة، فأنا أسائل هذه الثيمة وأحاول أن أفهمها دون أن أحاكمها. فأفلامي كلها تندرج في هدا الإطار، وهي ثيمة لم أستنفذها بعد، فهي مفتوحة ومعقدة، ويمكنها أن تظهر في صور لا متناهية. { هل معنى ذلك أنك مخرج موضوعاتي، وأن كل أفلامك ستكون حول ثيمة الأب؟ أعتقد أن الفنان يكون، بصفة عامة، موضوعاتيا، وهذا ما يسمح له بأن يكون حاسما في اختيار الأعمال السينمائىة التي ترتبط بكينونته كفنان. فالسينما ليست مهنة نمارسها من أجل العيش، ولا أتعامل معها بهذا المنطق المغلوط، لأنها فن، والفن شيء أسمى من أن نزاوله كمهنة، لأنه- قبل كل شيء- يدخل في إطار التعبير الصادق والملتصق بالذات. { إذن أنت تسعى إلى تذويت الإخراج ما دامت السينما بالنسبة إليك تنبع من الداخل، وأنها ليست أبدا موضوعا خارجيا؟ إنها بحث مستمر عن الصدق الذاتي، وهذا ما يحدد اختيار القصة، وكذلك طريقة تصويرها وإطاراتها وإيقاعاتها. هذا ما أسعى إليه دائما، وهذا هو مشروعي. إن السينما، كما أفهمها، هو أن أخلق سينما تعكس رؤيتي للعالم، وبمعنى آخر، أنا أعتقد أن الفنان الصادق- و أنا هنا أقول الفنان و لا أقول السينمائي أو التشكيلي..إلخ- هو الذي يبحث دائما عن إنتاج عمل واحد، وكل الأعمال التي يقوم بها ما هي إلا بحث في ذلك العمل ومساءلة له.. { أنت الأن تثير مسألة أساسية في الفن، أي تلك العلاقة الجدلية بين الأصل والطروس. بمعنى أن هناك عملا أصليا لأي فنان، بينما باقي الأعمال الأخرى التي يبدعها ما هي إلى مجرد تنويعات وإضافات أو تصحيحات للعمل الأول.. بالنسبة إليك، أخرجت حوالي ستة أفلام بين قصير وطويل (ظل الموت، رقصة الجنين نشيد الجنازة، آخر الشهر، محطة الملائكة والبراق)، فأين هو فيلمك الأصل بين هذا الكم من الأفلام؟ بالنسبة إلي، كل ما قدمته في أفلامي حتى الآن ماهو إلا مجرد إرهاصات أو تمثلات لسؤال يسكنني وأحاول أن أقترب منه، أي علاقة الإنسان بالعالم وعلاقة الإنسان بالذات وعلاقة الإنسان بالوجود. ولكي أكون دقيقا أكثر، فإن «ظل الموت» هو أقرب أعمالي إلي، ربما لأنه يحمل البذرة التي أحاول زرعها، وأن أجعلها تنمو. نعم ظل الموت، وهو أول عمل سينمائي لي، لأنه هو حامل لكل مشروعي السينمائي. { من ما هو الثابت والمتحول في المساحة الممتدة بين «ظل الموت» و«صمت الأب»، فيلمك القادم؟ أولا، عندما نتكلم عن فيلم «ظل الموت» كقصة. فهو يحكي قصة بحار يعتقد أن زوجته تخونه مع أبيه، فهدا الاعتقاد هو الذي يخلق القصة وليس أي شيء آخر، بمعنى أننا حين نشاهد الفيلم ننتهي كمتفرجين بطرح السؤال التالي: هل وقعت الخيانة أم لم تقع؟ وعندما نتكلم عن فيلم «صمت الاب»، فيحمل أسئلة طفل يحاول أن يفهم علاقته بأبيه كحاجة.. طفل يحب فيحتاج إلى مجموعة من الأجوبة ليفهم حقيقة إحساسه ورغباته. غير أن الأب، بالشكل الذي نعرفه، نهره ولم يساعده على فهم هذه الأشياء. من هنا أتى الصمت، وليس لأن الأب لا يتكلم. ويمكن أن نقول نفس الشيء عن فيلم «البراق»، أي ذاك الأب الذي يحاول أن يغير شخصية الطفل من ما هو عليه الطفل إلى ما يتمناه هو. والغريب في الأمر كله هو أن هذه الثيمة هي ليست اختيارية.. { عندما نتفرج على أفلامك، تترك لدينا انطباعا أنك لا تحكي قصة، وأنك لست معنيا بالحكاية قدر عنايتك بنقل التشظي وتصوير الانفعالات. هل تعتبر ذلك اختيارا يرتبط برؤيتك الفنية؟ بالنسبة إلي، أحاول أن أكسر السرد، رغم أن كل ما يحكى فهو سرد. أنا لا أهتم بالحرفة في الحكي. بل أحس عندما أكتب بأنني أجمل شيئا وأخفي عوالم وانطباعات. والتكسير، في نظري، هو محاولة للبحث عن انفراجات تضفي نوعا من الوضوح على ما أحاول أن أفهمه أو أن أقوله. كما أنني أحترم شخصياتي، فهي أحيانا تقودني باستمرار، وتفرض علي هذا الفعل أو تلك الحركة أو ذاك الإيقاع.. فمثلا أنا ما زلت أشتغل على سيناريو «صمت الأب».. { تم منحك الدعم من المركز السينمائي بناء على السيناريو الذي تقدمت به، وأنت الآن تقول إنك لا زلت تشتغل عليه، ألا يمكن أن يؤدي بك هذا الاشتغال المستمر على السيناريو إلى سيناريو مغاير ومختلف تماما عن السيناريو الذي حظي بالدعم؟ نحن لسنا بصدد سلعة. هذا عمل فني، و العمل الفني يبقى دائما مفتوحا. إذن، هذا معناه أن الحصول على أي موارد تمويلية لا يمنع من تحسين السيناريو، لأن السيناريو مفتوح على التعديل حتى أثناء تصويره ما دام الهدف بطبيعة الحال هو التحسين وتركيز الإيقاع، وهي مسألة إيجابية جدا. { طيب ما هي المرحلة المقبلة بعد الانتهاء من السيناريو؟ وأين سيتم تصوير فلمك؟ أصعب مرحلة عند المخرج هي عندما يعمل على إخراج السيناريو من الورق و يمر إلى الواقع. فالشخصيات كلها تكون متخيلة، وأيضا الديكورات والملابس. فالأمر إذن يتعلق بمرحلة يتم فيها اغتصاب الخيال حتى يتكيف مع الواقع. { إخراج السيناريو من الورق، هل فعلا يمثل صعوبة بالنسبة للمخرج- السيناريست (المؤلف)؟ ألا يحدث معك، عند الكتابة، أن تقيس الدور على ممثلين معينين؟ الحقيقة أنني أرفض أن أتخيل الممثل أثناء الكتابة لأن معنى ذلك أنني أختار السهولة.. { ومع ذلك، فقريبا ستشرع في تصوير الفيلم، فمن هم الممثلون الذي وقع اختيارك عليهم؟ هناك موافقة مبدئية من يونس ميكري في دور الأب، وسعيد باي في دور مثقف سنوات السبعينات، وسليمة بنمومن وماجدولين الإدريسي في دور فنانتين شعبيتين(شيختين). كما لدي ثلاثون ممثلا والعديد من الكومبارس، وأنا أعمل من أجل اختيارهم. هذا دون الحديث عن التقنيين.. { إنتاج هذا الفيلم، كي يمر من الورق إلى الواقع، يفترض توفر ميزانية ضخمة، هل يكفي الدعم الذي تلقيته لإنجاز فيلم بالمواصفات التي يتطلبها؟ لا. الدعم غير كاف إطلاقا. لهذا نحن نبحث بما أن العمل سيكون ضخما عن موارد أخرى، ونحن بصدد التفاوض حول إنتاج مغربي فرنسي مشترك، ولكن الامر غير محدد بعد. { بالنسبة للإنتاج الوطني، هل سبق وأن قدمت الطلب لمؤسسات أخرى تهتم بالإنتاج السينمائي؟ سأقدم المشروع للقناتين، الأولى والثانية، وسأنتظر هل سيحظى طلبي بالإيجاب. فإلى حد الآن ليس لدينا إلا نصف الميزاننية كي نقوم بإخراج الفيلم.