على مدى عقود كان المخرج المغربي هو كاتب السيناريو، في غياب ربما لمتخصص في كتابة السيناريو أو أحيانا لاعتقاده أنه الوحيد المتمكن من اللغة السينمائية. وقد ولد هذا الاستبداد الفني فراغا في مجال الكتابة انعكس على العمل السينمائي ببلادنا، على الرغم من ظهور بعض الكتاب في الآونة الأخيرة. ومن هذه الزاوية فإن السينما المغربية تحتاج اليوم إلى كتاب سيناريو بالمعنى الاحترافي للكلمة. ولن يتأتى هذا إلا بالتكوين الأكاديمي في المعاهد وليس بالورشات والمحترفات التي تمر في ثلاثة أيام أو أكثر، والتي تؤطر غالبا من أساتذة تعاطوا للسيناريو من خلال الكتب. فكتابة السيناريو تخصص له خصوصياته وضوابطه مثل الإخراج أو التصوير أو المونتاج... على أن كتابة السيناريو من جهتها تتطلب دراية بالأدب؛ سواء العالمي أو المحلي، وخصوصا مجال الرواية التي يستمد السيناريو قوته منها. وللأسف في المغرب، وخلافا للمشرقيين، نتعاطى أكثر للدراسات التحليلية والنقدية على قراءة الرواية. وهذا بشهادة الموزعين العرب. وأهمية الرواية في ذلك أنها ليست فقط ترسخ أدوات الحكي في الذهن؛ بل أيضا تعلم كيفية صياغة العالم/الواقع وفق نظرة معينة للوجود وللإنسان. ولهذا نفهم مدى نجاح الجنس الروائي في الغرب، ومن ثم إعطاء المكانة اللائقة لكاتب السيناريو في استوديوهات هوليود. والإضراب الأخير الذي شنه كتاب السيناريو في أمريكا، والذي شل الحركة السينمائية الأمريكية، يؤكد جليا هذا الطرح. الغريب أننا لا نعير الانتباه إلى أن القرآن الكريم ركز على القصة في جل سوره كأداة فعالة للتعلم وترسيخ معنى ما. وعليه فإن السيناريست مطالب بقراءة (وتحليل) الكثير من القصص والروايات، فضلا عن أنه لابد أن يعتمد على تراكمات التجارب الحياتية الفردية والجماعية. من جهة أخرى وانطلاقا من فكرة أن الوصول إلى العالمية يمر بالمحلية، فإن كتابة السيناريو، إضافة إلى كونها إبداعا، فإنها فعل ثقافي بامتياز. بمعنى أنه يعكس ثقافة الواقع المحلي الذي ينبث فيه. ولهذا فإن جل الأفلام التي تعرف نجاحا في المغرب هي التي اعتمدت سيناريوهات تعبر فنيا عن ثقافة وقيم المجتمع المغربي. والأمثلة متعددة في هذا المجال. هذا يجرنا إلى الحديث عن ضرورة تعامل السينمائيين المغاربة بجدية مع كتابنا وأدبائنا والمزيد من الانفتاح على أعمالهم، مع عدم الالتفات إلى بعض الأشرطة السينمائية التي لم يحالفها الحظ لكونها اعتمدت على رواية مغربية. لكن هذا يحتاج أيضا إلى تربية الذوق الفني والجمالي لدى الجمهور، وتعويده على مثل هذه الأعمال. فالجمهور متهم اليوم بأنه لا يحب إلا الأشرطة المثيرة والسطحية. وهذا سيشجع المخرجون على خوض غمار التجربة دون خوف من الإفلاس. وهذه العملية يجب أن ينخرط فيها أيضا المنتجون وأرباب القاعات. علما أن الفيلم الذي ينطلق من عمل أدبي يجب أن يقدم أيضا الفرجة المطلوبة في السينما، ذلك أن الغالبية تعتقد أن مثل هذه الأعمال السينمائية تتطلب إيقاعا طويلا في المشاهد وحوارا كثيفا بين الشخصيات. في حين أن الصورة بسحرها قادرة على التعبير ببلاغة.