قال الأديب الروائي الجزائري واسيني الأعرج إن الوجود العربي مهدد بالاندثار، راسما معالم مستقبل قاتمة دون امتلاك بنية دفاعية ردعية تسمح بحماية هذا الوجود، مبديا موافقته على امتلاك العرب للسلاح النووي. الأعرج تحدث عن الفضاء المغاربي، وقال إنه مدعو للتعاون لتحصين نفسه من «الحركات العدمية». { لا شك أنك سمعت أن هناك خطرا إرهابيا على المغرب، والجزائر أيضا، مصدره «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا والجماعات المتطرفة في ليبيا. كيف تنظر إلى هذه التهديدات؟ الخطر موجود ويصعب أن تنفيه، بالنظر إلى ملايين قطع السلاح المنتشرة في ليبيا. وأنا هنا لا أتحدث عن السلاح الذي كان موجودا في مخازن معمر القذافي، بل تلك الأسلحة التي ألقت بها طائرات الحلف الأطلسي للثوار بهدف الإطاحة بنظام العقيد. هذه الأسلحة أصبحت كلها بين أيدي المجموعات المتطرفة، والأمر لا يتعلق بأسلحة خفيفة، بل بصواريخ ومضادات الطائرات.. إلخ. هنا مكمن الخطورة، لأننا دخلنا مرحلة الحروب الأهلية، فأصبحت هذه الأسلحة تستخدم للتدمير الذاتي. من جهة أخرى، هذا السلاح لن يبقى متداولا في النطاق الليبي فقط، على اعتبار أن هناك تجار أسلحة مستعدون لكل شيء، ووجود مهربين سيسهل عملية إدخالها إلى المتطرفين في تونسوالجزائر والمغرب.. لا ننسى أيضا أن الجهة الجنوبية- مالي على الخصوص- تأوي قوى إسلاموية خطيرة. وبمقدور هذه القوى كلها أن ترتبط وتنسق مع «داعش» ببساطة. ومن حق المغرب أن يجد الحلول الممكنة للدفاع عن نفسه، لكن لابد من القول إنه، بالنسبة إلى المغرب العربي، لا حلول إلا باستراتيجية جماعية، إذ لا يستطيع المغرب أن يحمي نفسه وحده لأنه يملك حدودا بطول آلاف الكيلومترات مع الجزائر وموريتانيا. فكيف يمكن أن يحمي حدوده هذه؟ والأمر ذاته ينطبق على الجزائر. فإذا كانت علاقاتهما سيئة، فإن هذه المشكلات ستتفاقم يوما بعد يوم. والأمر ذاته ينطبق على تونسومالي وليبيا. { وما الحل في نظرك لتجنب وقوع كارثة؟ لابد أولا من استراتيجية تجمع الدول المغاربية ودول الساحل، لأن المنطقة مهددة برمتها. ثانيا، أن تكون هناك قوة رمزية أو عسكرية حقيقية، بمقدورها أن تفرض حلولا جماعية، لا أن يبحث كل واحد عن حلول فردية. لنأخذ مثلا الجزائر: فقد خلقت قيادة عسكرية في الجنوب الجزائري لمواجهة التهديدات المحتملة من مالي وليبيا. لكن هل هذا يكفي؟ لا. لابد لقيادات الدول المغاربية أن تلتقي، حتى ولو كان بينها خلاف. أنا دائما أقدم مثال فرنسا وألمانيا، اللتين اقتتلتا في حرب طاحنة مات بسببها الملايين وخلفت خسائر فادحة، لكنهما يعيشان اليوم في اتفاق وتعاون، ويحتاج أحدهما إلى الثاني على الدوام، حتى تمكنا من أن يقودا أوربا بكاملها، حيث لا وجود لأوربا بدونهما. في حين، ليس هناك بين المغرب والجزائر خلافات حادة، لكنهما لا يتفقان على شيء. لماذا يحصل هذا؟ شئنا أم أبينا، عليهما أن يكونا قاطرة المنطقة برمتها، لأنهما يضمان قوة بشرية تزيد عن ثمانين مليون نسمة. وامتدادهما الجغرافي أشبه بقارة، ولهما غنى طبيعيا فريدا وثروات طبيعية كبيرة، فضلا عن مقدراتهما الزراعية. لماذا لا يفكران تفكيرا براغماتيا؟ لنتفق على مسألة أساسية، لنضع خلاف الصحراء جانبا. فليكن ذلك. { لكن ألا ترى أن الحل الجذري هو إرساء الديمقراطية؟ أنا أومن أن الديمقراطية صيرورة. خذ مثال المغرب والجزائر معا. في المغرب، اعتقل العديد من المثفقين وسجنوا وعذبوا، إلخ. فيما بعد، تغيرت الأمور. الكثير منهم حصلوا على حقوقهم، وتم الاعتراف بالاعتداءات التي مورست ضدهم. بصراحة، أنا أعتبر هذا الأمر خطوة ديمقراطية. يمكن أن نناقش التفاصيل، ويمكن القول إنه شابتها نقائص، لكن كانت نقلة نوعية. وفي الجزائر، كان الحزب الوحيد هو المسيطر، وكان الحديث عن التعددية يعتبر خروجا عن السياق العام، كأنك تقول كفرا. ومع ذلك، قُبِلت التعددية، وتم القبول بأن يكون للأحزاب نشاط سياسي، وأن تكون هناك تعددية انتخابية. ومهما كانت صورية، فإن الأمر في حد ذاته إيجابي، لأن هناك جهودا بدأت تشق طريقها وتجد مسلكها نحو التحقق. لندع الناس يناضلون على الصعيد المحلي، لكن ليكن هناك مسار مغاربي، كأن تكون هناك تحركات ولقاءات جماعية بين الأحزاب والنقابات والمثقفين. من شأن ذلك أن يدفع الأنظمة نحو التطور والتقدم والتغير. يجب الانتباه إلى مسألة أساسية: الحذر من التدخل في شؤون الآخرين، لأن هناك حساسيات بين المغرب والجزائر. لنترك المجتمع المدني يتحرك ويأخذ زمام المبادرة، ويدفع بالبلدين إلى الأمام. غير أن الذي يهمني هو مسألة الوجود. فدول المغرب والجزائروتونس مهددة بحركات عدمية. إذ كيف يمكن أن أحمي بلدي في استقلال تام عن الآخرين؟ بإمكاني أن أخلق دائرة جماعية، وأبين أن هناك خطرا جماعيا. هذه أولوية الأولويات. وبدونها سنعيد إنتاج ما هو موجود في أفغانستانوالعراق بدرجات متفاوتة، وحسب الأوضاع المختلفة لكل بلد. { هل تعتقد أن تونس الثورية قادرة على أن تنجو من تهديدات هذه الحركات العدمية؟ «شوف»! لا مفر من أن تنجو. ولابد أن تلعب الدول المغاربية دورا مهما لكي تنجو. عليها ألا تسمح بسقوط تونس، لأن سقوطها يعني فتح البوابة أمام سقوط الآخرين. لذلك أقول إن من واجب الدول المغاربية أن تساعد تونس. لا أن تتدخل في شؤونها، عليها أن تقدم يد العون في تكوين بنية دفاعية قادرة على حماية تونس. وغير هذا ينتظرنا، الهلاك! { في نظرك، كيف يمكن للمال العربي أن يحمي هذا الوجود؟ في الحقيقة، لم يؤد المال العربي أية وظيفة، لأنه يبعثر، حيث يتم تسخيره الآن لتمويل جماعة «داعش»، ولتمزيق دول بكاملها. لكن من يسخرون هذه الأموال لهذه الأغراض لا يفكرون أن «داعش» قد تنقلب عليهم في أية لحظة. عموما، فالمال العربي يبعثر ويذهب سدى مع الرياح، بدل أن تبنى به بنية اقتصادية حقيقية وبنية دفاعية، التي بدونها لا وجود للبلد والدولة. خذ الهند كمثال، فبعد أن كان الجميع يهددها بالغزو والاحتلال، ها هي اليوم تحقق قوتها الاقتصادية والدفاعية بعيدا عن أي تهديدات، وذلك راجع إلى القنبلة النووية. هذا الكلام لا يعني أني أؤيد السلاح النووي، بل أرفضه من حيث المبدأ على الأقل. لكني أقول إن على العرب أن يخلقوا قوة دفاعية يدافعون بها عن وجودهم. هم لا يملكون أي شيء. ومن هنا، بمقدور أي بلد أن يعيدهم إلى البدائية، ناهيك عن الحديث عما يخبئه المستقبل من احتمالات حينما تنفد ثروة النفط، وفي غياب أي مشروع اقتصادي. الآن، لازال أمام العرب فرصة التنمية الاقتصادية، لكن الأمر سينتهي ما إن تنفلت من بين أيديهم هذه الفرصة. { لماذا يصر العرب على تجاهل الخطر الإسرائيلي إلى اليوم؟ نعم. هذا مشكل حقيقي. أنا أطرح السؤال: كيف يعجز 400 مليون إنسان أمام ثمانية ملايين؟ وكيف يمكن لإسرائيل أن تمتلك السلاح النووي وأنا محروم منه؟ لا أظن أن الإسرائيليين سيعربدون في السماوات، مثلما يفعلون الآن ضد غزة، لو كان العرب يتوفرون على السلاح النووي ( جرى الحوار والعدوان الأخير جارٍ ضد غزة). من هنا، فامتلاك السلاح النووي والذري لأغراض ردعية أمر مهم، رغم خطورته، مادام العالم لم يتحرك لمنع هذا النوع من الأسلحة على جميع الدول. ويمكنني القول إني أستحضر في الرواية المرتقبة هذه الصور القيامية السيئة- إن صح التعبير، ولكنني أحاول أن ألفت انتباه الناس إلى أن هناك مخاطر مستقبلية. دعك مما يحدث الآن، وانظر إلى المستقبل: لا توجد دولة عربية واحدة تمتلك قاعدة تجعلها قادرة على حماية نفسها، إذ يمكنك أن تبني أجمل العمارات في دبي أو الدوحة، ويمكنك أن تنشئ أكبر المصانع في الجزائر أو المغرب، لكنك ما لم تستطع أن تقيم وسيطا دفاعيا يساعدك على الدفاع عن الذات فأنت معرض لخطر المحو في أية لحظة. نحن مقدمون على حروب خطيرة جدا: حروب الماء، وحروب الأرض، وحروب الاستيلاء على الخيرات، وحروب النفط.. الخ. هذه كلها حروب مؤجلة، لكنها ستقع! انظر إلى ما يحدث بين روسيا والصين وأمريكا في العراق. هل تعتقد أن أوربا مستاءة مما يحدث في أوكرانيا، أو في العراق؟ أم هناك صراع على مرور أنابيب النفط والغاز، الخ؟ الحقيقة أنها صراعات دولية، ولكل دولة استراتيجية في هذه الصراعات. طيب، ما هي استراتيجيتنا نحن في هذه الصراعات؟ كما قلت، نحن الآن عاجزون عن الدفاع عن أنفسنا. لذلك، نحن أمة آيلة للزوال. { تحدثت عن نجاعة السلاح النووي في الدفاع عن الذات، وفي تغيير استراتيجيات الصراعات الدولية. لكن ما هو أثر هذا السلاح على الواقع الداخلي؟ ألا ترى أنه سيقوي الاستبداد، وسيبدد كل آمال الديمقراطية؟ وهل ترى أنه قادر على حل مشكلات الاقتتال الطائفي والصراعات العرقية؟ لا، لا. أنا أتكلم عن كيف يمكن أن تدافع عن نفسك ووجودك، لكن في سياق دول قائمة، لأنه بعد فترة لن تكون دول، على اعتبار أن هذا الوجود سيتحول إلى عشائر ومجموعات. وهنا تنتهي الفكرة التي أتحدث عنها، لأنني أتكلم عن واقع دول قائمة بذاتها، من حقها أن تتوفر على برامج تنمية وتطوير. ولكن في الوقت نفسه، لست مؤيدا للقنبلة النووية، كما قلت سابقا. في المقابل، المنطقة العربية اليوم مهددة بالسلاح النووي، مادام الآخرون في المناطق القريبة يملكونها. لابد أن ننبه أن هناك عدوا تاريخيا يحب أن يفنيك. وفوق هذا وذاك، ليست هناك حلول سلمية في الوسط في الوقت الراهن. فهذا العدو يعربد في السماء كما يريد، فقط لأنه يمتلك القنبلة النووية، ويرفض الحلول السلمية، وما على الملايين الأربعمائة إلا أن يحنوا رؤوسهم ويقبلوا بما يريده هو. وهنا تكمن المشكلة برمتها، فمادامت هناك دول قائمة بذاتها، عليها أن تفكر في حلول ردعية، على الأقل أن تمنع إسرائيل من مواصلة اكتساب هذا السلاح، أو التهديد باستعماله. { هل صحيح أنك تشتغل على رواية جديدة أشبه برواية «1984» للروائي الإنجليزي المعروف «جورج أورويل» تتحدث عن مستقبل العرب خلال الألفية الجديدة؟ وما ملامح هذا المشروع الروائي؟ وكيف ينظر إلى المستقبل العربي؟ نعم، أنا حاليا أشتغل على عمل روائي يحذو حذو الرواية التي ذكرت، لكنه سيستغرق سنتين أو ثلاث. فأنا أحاول، كما تعلم، أن أحقق نوعا من التناص مع الأدب العالمي والعربي، مثل «ألف ليلة وليلة»، إذ تعتبر العلاقة الخاصة التي تربطني برواية جورج أورويل علاقة سحر، لأني قرأته في وقت مبكر من حياتي. وما أدهشني أن أورويل كتبه قبل أكثر من ستين سنة، بالضبط سنة 1949، يتنبأ فيه كيف أن العالم سيصبح مراقبا في سنة 1984. وأكتشف بالفعل أن رؤية هذا الرجل كانت دقيقة تماما، لأن جوهر ما يحكي، وإن كان يبدو بلا قيمة اليوم لأنه متخلف جدا مقارنة مع الفتوحات التقنية والتكنولوجية المعاصرة، يكشف ما يعانيه الإنسان اليوم من رقابة صارمة ل«الآخر الأكبر»، الذي يذكره دائما أنه موجود إلى جانبه، وما يعلنه ذلك من فقدان للحرية، ناهيك عما يخفيه من مراقبات سرية، إذ كان جورج أرويل دقيقا في وصف جوهر الرقابة هذا في روايته «1984». { هل لك أن تكشف لقراء « اليوم24» عن أبرز مضامين عملك الجديد. كما قلت، أنا حاليا أنكب على كتابة رواية على إيقاع رواية أورويل، لكنها تتناول مآلنا العربي. واخترت مبدئيا أن أعنونها «2084»، وهي تروي حكاية آخر عربي على وجه الأرض. بمعنى أوضح، فهي ترصد كيف أن العرب، من الآن وإلى غاية سنة 2084، سيعودون إلى النظام القبلي العشائري، والصراعات على الماء، والتقتيل، إلخ. صحيح أن مخططها هو مخطط مخيف ومروع، وقد أكون مخطئا فيه، لكن الواقع حاليا يكشف أننا نتجه نحو المصير الحتمي. ليس هناك أي مشروع، حتى عند الدول الغنية التي تمتلك إمكانيات مادية هائلة. خذ مثالا بسيطا: إذا أطلقت إسرائيل صاروخا على مراكز توليد الكهرباء أو على مراكز تحلية المياه في الدول العربية الغنية التي تمتلك إمكانيات كبيرة، فإن الناس سيموتون عطشا، وسيختنقون من شدة الحر في حال غياب المكيفات وأجهزة التبريد، إلخ. ومن هنا، فحياتك هي بين أيدي الآخر، الذي قد يقرر في أية لحظة أن يمحو شيئا اسمه الوجود العربي، أو يعود به إلى الفترات البدائية.