سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المؤرخ التونسي ومدير المؤسس لمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات عبد الجليل التميمي لـ"التجديد": لا أقبل بدويلة صغيرة في جنوب المغرب ولن يقبل بها أي مغربي ولا جزائري ولا تونسي
قال المؤرخ التونسي، عبد الجليل التميمي، إن قيام دويلة صغيرة في جنوب المغرب لا يمكن أن يقبلها أي مغربي ولا جزائري ولا تونسي، وأكد ان التشنج في العلاقات بين المغرب والجزائر نتيجة الموقف من الصحراء، لا يليق، معبرا عن أمله في أن يغير الجزائريون موقفهم، وتتغير المعطيات في المستقبل من أجل تحقيق ما أسماه بالحلم العنيد. وأضاف التميمي، الذي التقته التجديد في الرباط، أن فشل الدول المغاربية في بناء إتحادهم يرجع إلى أكثر من سبب، أهمها غياب الإرادة السياسية لدى قادتها، وضعف تقديرهم لنضالات رجال المقاومة الذين أسسوا لهذه المشروع. وفيما يلي نص الحوار: من خلال خبرتكم العلمية، ما هو الإشكال الأساسي لعدم نجاح وحدة مغاربية لحد الآن؟ الجواب على هذا السؤال متعدد المداخل، أولها أن فشل البناء المغاربي كان مرتبطا بعدم وجود العزيمة السياسية الحقة، وهذا عنصر أساسي، أما النقطة الثانية فتتعلق بغلبة النزعة القطرية والهيمنة على كل مقدرات أي فضاء في هذا المغرب، وثالثا هو عدم تقدير الحكام المغاربيين للإرث النضالي لرجالات المقاومة المغاربيين في الستينيات والخمسينيات والأربعينيات والثلاثينيات، إني أقول لو أدركوا ماذا ضحى المغاربيون من أجل هذه الفكرة الإستراتيجية لخجلوا من أنفسهم، ولهذا أعتقد أن الفشل هو ناتج عن كل هذه المسببات. أضف إلى ذلك مشكل الإداريون الذين همشوا هذه الفكرة من خلال استخدام آلية التعطيل، ومن خلال عدم تحقيق أي مشروع ذو بال، وذلك نتيجة عقلية إدارية بيروقراطية مقيتة، عملت على تعطيل أي تحول إيجابي في هذا المجال. والعنصر الأخير في كل هذا، هو عنصر العوامل الخارجية، والداخلية من قبيل عدم التنسيق... الذين يقولون بضرورة وجود أنموذج يستندون إلى تجربة الاتحاد الأوربي التي بدأت على المستوى الشعبي وليس بالضرورة على المستوى السياسي، ما تعليقكم؟ هذا صحيح، ولكن التجربة الأوربية وراءها مخاضات وفكر، ووراءها تضافر الجهود، ووراءها حروب وثورات ومعارك، كما وراءها جامعات ومخابر بحث، لكن نحن ماذا قدمنا من كل هذا، أنا لا أحب أن أقارن بتجربة الإتحاد الأوربي، لأوربا ظرف خاص ومعطى خاص، ولا يمكن أن نطبقه على بلداننا وشعوبنا بالسهولة التي يعتقد البعض، ذلك أن تجارب الشعوب لا تنقل. لكن هناك من يعتبر غياب النموذج يعيق تسريع بناء هذه الوحدة ولذلك يطرح نموذج الاتحاد الأوربي؟ ولماذا لا يكون النموذج مستمد من تاريخنا، لماذا لا يكون النضال المغاربي الذي أسسه رجالا المقاومة في كل من تونسوالجزائر والمغرب نموذجا يؤسس عليه، فإنشاء مكتبين، مكتب المغرب العربي في القاهرة، وآخر في دمشق، وحضور كل المغاربيين هاجسهم الوحيد هو بناء المغرب العربي، وإخلاصهم لذلك، بقطع النظر عن فروقاتهم، كل هذا ثرات، لماذا لا نأخذ هذه التجربة، إنه نموذج يؤكد على أن هؤلاء الناس آمنوا واشتغلوا. وأوربا لا يقاس عليها، لأنها تجربة خاصة. ثم إنها توفرت لها رجال وقادة، كان لهم خيال واسع لبناء تجربة مهمة وتاريخية. لكن نحن قادتنا لم يكونوا في المستوى المطلوب، قادتنا لا يقرأون، ولا يعرفون، ولا يستقرؤون التاريخ، فكيف لهم أن يبدعوا شيئا مفيدا لأمتهم وبلدانهم لكن من يعرف هذا التراث؟ ألا تلاحظ معي أن المفكرين مقصّرين بدورهم وليس السياسيين فقط؟ أنا أؤيد هذا، ما قمت به منذ 40 سنة، شيء لا يصدق، أنا مؤسسة أكاديمية مستقلة، نظمت 45 مؤتمر حول المغرب العربي، في كل التخصصات، من السياسة إلى المكتبيات، هذا هو المغرب العربي، ولي مجلة مغاربية أنشر فيها لباحثين مغاربة وجزائريين وتونسيين، هذا ما نريد، هذا هو المغرب العربي. أنا أقول يجب أن يقرؤوا، يا أيها الناس اقرؤوا، يا أيها الساسة اقرؤوا التاريخ، لكنهم لا يقرؤون ولا يتعلمون، وهم مغرورون، وكل الساسة المغاربيين مغرورين. متشبثين بعملتهم ونشيدهم وراياتهم. أنا ناديت بنشيد مغاربي واحد، وراية مغاربية واحدة، وعملة مغاربية واحدة، ها هيا ذي الاقتراحات، المرجو أن يطبقوها فقط. أشرتم إلى دور العوامل الخارجية في عرقلة بناء المغرب العربي، ألا تلاحظ أن هذا العامل، وخاصة الصراع الأوربي الأمريكي اليوم على المنطقة بات يعرقل أكثر قيام هذا الاتحاد؟ في البداية، ومنذ انطلاق هذه الحركة الوحدوية، اتخذ منها الأوربيون موقفا حذرا، ولم يكن الاتحاد الأوربي مقتنعا بهذه الوحدة، لأنه كان يعتقد أن بناء اتحاد المغرب العربي سينافسه، ولهذا اتخذ موقف الحذر وغير المشجع على الأقل، لكن بعد دخول سوق التجارة والانترنيت، كل هذا غيّر المعطيات، وأصبح الأوربيون يجرون وراءنا لعقد دورة لاتحاد مغاربي، والبنك الدولي ينادي، وأوربا تنادي، وكل الناس ينادون: توحدوا يا أيها المغاربيون، ولم نسمع جوابا من هذا ولا ذاك. إن لم يكن هناك عامل خارجي معرقل، فما الذي سيمنع سياسيو هذه الدول من الوحدة إذن؟ لا شك أن أغلب المسؤولين السياسيين الآن جاؤوا إلى السلطة عن طريق الصدفة، وليس عن طريق الاجتهاد والإبداع والفكر، دعني أقول لك أن المحسوبية هي التي تحكم عندنا، والشخصانية أيضا. انظر، إذا أنت حاولت أن تقارن بين وزير مغاربي في تخصصه مع وزير أوربي، فستجد أنه ليس هناك مجال للمقارنة، هناك فجوة كبيرة جدا، سواء في الثقافة أو الوعي والمواكبة، في كل شيء، لذلك وزراء الأوربيون لا يستقبلون وزراءنا، في غير ملف الخارجية، لأنه هناك اعتباط واحتقار لنا، وحتى إذا استقبلوهم، ففي إطار علاقات لابد منها فقط، لكنهم في أعماقهم تجدهم غير مقتنعين بهذا اللقاء، لأنهم لا يستفيدون شيئا من وزرائنا هل يمكن القول أن اختلاف طبيعة الأنظمة، وبالتالي النخب الحاكمة، يشكل عائق لوحده؟ كل الأنظمة متشابهة في خصوصياتها، هناك تباين كبير بين الأنظمة المغاربية، لا يجمعهم سوى أنهم يجلسون على كرسي الحكم، أما المصلحة العامة والدفاع على رهانات المغرب العربي، وتطويره إلى شيء أجمل، فهذا يبقى غير مفكر لا فيه لكن يبدو أن الخلاف المغربي الجزائري يشكل عائق أساسي لوحده؟ أكيد، هناك تاريخ من النزاع، حرب الرمال، وأمغالا، وغيرها، ما سمعته أخيرا من تصريحات متشنجة بين وزراء جزائريين ومغاربة شيء لا يليق، تصريح وزير مغربي يقول نحن ابتلينا بعدو جار، هذا لا يليق، الاثنين مدانان، وهذا يسيء إلى المغرب العربي لكن رد فعل المغرب كان على إثر مناورات سياسية جزائرية؟ لا، المغربي بدأ والجزائري ردّ التعنت الجزائري إزاء مشكل الصحراء هو الذي وراء التوتر بين البلدين، والجزائر سبقت الى استغلال حادث طالبين في الأممالمتحدة لاتهام المغرب بارتكاب عنف دولة؟ على الرغم من هذه البذاءة، كان على المغرب ألا ينزلق وراء ذلك، وكيف تقيّم الموقف الجزائري من قضية الصحراء المغربية؟ إذا كانت الجزائر تريد منفذا على المحيط الأطلسي فلتتفضل، وفي إطار المغرب العربي لن تكون هناك الحدود، ويمكن حينها أن تجد الأمور ميسرة نحو منفذ بحري على المحيط، لأننا حينها سنعيش في وئام مغاربي، بسياسة جديدة وخيارات جديدة، تغيب فيها الخصوصيات الحدودية على الأقل. لسوء الحظ أن الرؤية في هذه القضية لم تكن سديدة وعطلت كل المشاريع. يجب على القادة السياسيين في كل الدول تبني الحوار ثم الحوار، والمرونة ثم المرونة، ولو اقتنع القادة بهذا الأمر، وتداولوا في كل شيء سينتهوا إلى حل كل الأمور العالقة. وأنا من موقعي كمؤرخ أنادي بمغرب عربي، لا أقبل وجود دويلة بـ 150 ألف نسمة، لا أقبل ذلك، وأي تونسي أو جزائري أو مغربي لا يمكن أن يقبل بوجود دويلة صغيرة، وهذا غير معقول ولا منطقي، إن رجالات المقاومة في المغرب، ومليون شهيد في الجزائر، والآلاف الذين استشهدوا في تونس، لا يقبلون أن يتوقف المغرب العربي بسبب دويلة صغيرة، ونرجو أن يتغير هذا الوضع في المستقبل.. ومن موقعك كمؤرخ أيضا إلى ماذا يرجع هذا التعنت الجزائري إزاء الوحدة الترابية للمغرب؟ أنا لا أسميه تعنت، لكن هو إغراق في الوطنية لدى الجزائر، التي أعرفها جيدا، أنا اشتغلت على تاريخ الجزائر لمدة 40 سنة، وأطروحتي التي قضيت فيها 10 سنوات كانت على الجزائر، وأنا خدمت الجزائر ما لم يخدمه أي مؤرخ جزائري على الإطلاق، وهي دولة كبيرة، وهناك جيل ممتاز صاعد، لكن أرجو من القادة السياسيين في الجزائر أن يغيروا موقفهم، وأنا علاقتي بهم جيدة، ومع هذا آمل أن تتغير المعطيات مستقبلا حتى نبني هذا الحلم العنيد الذي اسمه المغرب العربي. اليوم نلاحظ أنه بسبب هذه العلاقات المتشنجة بين المغرب والجزائر، اتجهت ليبيا وتونس إلى تعاون ثنائي والتفكير في تعاون اقتصادي وثيق، بعملة موحدة، بعدما تعثر بناء الاتحاد؟ أن يكون هناك تعاون ثنائي، وشراكة ثنائية، فهذا جيد ومطلوب، وأنا لا اعتراض لدي على ذلك، على الأقل هذا مخرج، وأن تكون الحدود مفتوحة بين البلدين، وسهولة الانسياب والانفتاح، وهذا الذي نريد في إطار المغرب العربي. اليوم نلاحظ أنه حتى الجامعات مغلقة، وهذا إجرام، المفروض أن تكون تبادل الطلاب بالآلاف، ولكن للأسف هذا متوقف، وليس هناك تعاون جامعي ما السبب في نظرك؟ هناك غرور باعتبار أن المستوى الجامعي في جامعاتهم أفضل من غيره في الجامعات الأخرى، أنا أتذكر أنه عندنا تونس كان الآلاف من الطلاب المغاربيين عندنا، خاصة في ماجستير الصيدلة، اليوم لم يعد هناك شيء من ذلك، لا يتجاوز الطلبة المغاربة عندنا 10 طلاب، يجب أن يكون هناك تعاون في البحث العلمي، وجامعات افتراضية، وتبادل الأساتذة والطلاب، وأن تكون هناك جامعات مغاربية، وغياب هذا، عطل كل المساعي الأخرى. اليوم هناك تحديات كثيرة أمام هذه البلدان، هل تتوقع أن نرى خلال السنوات المقبلة انفراجا على هذا المستوى؟ والله أنا حذر في هذا المجال، لا أستطيع أن أكون متفائلا ولا متشائما، ولكن أعتقد أنه بقدر ما يقوم به رجال الإعلام والصحافة، وأساتذة الجامعات والبحث العلمي، بعملهم في هذا الاتجاه، يمكن أن نتفاءل حينها، بل عندما يعمل الجميع من أجل تقوية الروح الوحدوية المغاربية، والدعوة إلى هذه الفكرة في الإعلام والسينما والتعليم والثقافة، وعلى كل المستويات، لكن أنا لحد الآن أنا لست متفائلا ولا متشائما، ولكنني أتفرج وأعمل من أجل هذه الحلم هل تعتقد أن الإفراط في الوطنية انكفأت إلى ما هو قطري وكانت لها نتائج سلبية على المسار المغاربي؟ بالتأكيد. لقد ناديت، ونادى غيري، بعملة مغاربية موحدة، وبحذف الأعلام الثلاثة من أجل علم مغاربي، وأخرجنا كتاب ضخم عنوانه كلفة اللامغرب، وناديت بجامعة مغاربية تكون مفتوحة في وجه كل المغاربيين، وللمغاربيين أموال قادرة على دعم هذه المشاريع. لكن يبدو أن الثروة سبب بدورها في الانقسام، الجزائر وليبيا أغنياء بالبترول والطاقة، وتونس والمغرب فقيران، ونحن نلاحظ كيف أن الأزمة العالمية الأخيرة لم تحرك كلا الدولتين، الجزائر وليبيا، للتضامن بمناولة المغرب وتونس البترول بأسعار تفضيلية، لكنهما لم يفعلا شيئا من ذلك، للأسف الشديد. ليس هناك حس وطني ولا حضاري ولا تاريخي، نحن ننتظر منهما معا دعم المغرب العربي بالبترول والغاز. لكن نفاجأ أن الجزائر مثلا تفكر اليوم في تغيير أنبوب الطاقة الموجود حاليا بين الجزائر وإسبانيا عبر المغرب، كي لا يستفيد منه المغرب، هذه إساءة للتراث وللفكر وللأخلاق، ولرجال المقاومة المغاربيون الذين بذلوا مجهودات كبرى من أجل الاستقلال..