ساد هدوء هش في الخرطوم ومناطق عدة في السودان خصوصا إقليم دارفور بغرب البلاد، مع تراجع حدة المعارك إثر بدء سريان وقف لإطلاق النار. ومع دخول الهدنة التي تمتد أسبوعا حيز التنفيذ، مساء الإثنين، أفاد شهود في العاصمة بسماع دوي معارك وغارات جوية في أنحاء مختلفة منها، في استكمال للقتال المتواصل منذ أكثر من شهر بين الجيش وقوات الدعم السريع. إلا أن حدة المعارك تراجعت الثلاثاء. وقال أحد المقيمين في الخرطوم لوكالة فرانس برس، صباح الثلاثاء، إن دوي "قصف مدفعي متقطع" يتردد في العاصمة. ويفترض أن تتيح الهدنة التي وقع عليها الطرفان على هامش مباحثات في مدينة جدة السعودية، خروج المدنيين وإدخال مساعدات إنسانية إلى السودان. لكن أحد العاملين في المجال الإنساني قال لوكالة فرانس برس إنه لا يبدو أن هناك ممرات آمنة تسمح بتنقل المدنيين أو تسليم شحنات المساعدات. وكان الوسطاء الأمريكيون والسعوديون قد أعلنوا أنهم توصلوا بعد أسبوعين من المفاوضات، الى هدنة تعهد الجانبان احترامها. لكن منذ بداية الحرب، تم الإعلان مرارا عن اتفاقات لوقف النار تعرضت للانتهاك في كل مرة. وفي واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر للصحافيين "في ما يتعلق بالمزاعم عن خروق وقف إطلاق النار، بالطبع رأينا التقارير. المسؤولون في آلية المراقبة يتحققون من هذه التقارير". وقال كارل سكمبري من المجلس النروجي للاجئين (NRC) "بعيدا عن التصريحات الرسمية، السودان لا يزال يقصف وملايين المدنيين في خطر"، مستنكرا عبر "تويتر"، "أكثر من شهر من الوعود الكاذبة". وأعلن باتريك يوسف المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر "أن سبعة أيام ليست فترة طويلة نظرا إلى حجم حالة الطوارئ الإنسانية". وصرح لوكالة فرانس برس "نحن في وضع تكون فيه كل دقيقة مهمة" بينما اتهم خبير حقوق الإنسان في الأممالمتحدة رضوان نويصر المتحاربين "بأخذ بلد بأكمله رهينة". وشهد سكان الخرطوم البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة تقريبا، الإثنين، قتالا متواصلا لليوم السابع والثلاثين على التوالي، في ظل حر شديد بينما حرم معظمهم من الماء والكهرباء والاتصالات. وتقول سعاد الفاتح المقيمة في الخرطوم لوكالة فرانس برس "كلنا جياع الأطفال والمسنون والجميع يعانون من الحرب. لم يعد لدينا ماء". رغم كل شيء، تأمل ثريا محمد علي أن تسكت الأسلحة، على الأقل خلال مغادرتها العاصمة. وتقول لفرانس برس "لو حصلت هدنة حقيقية سوف آخذ والدي المريض وأخرج من الخرطوم إلى أي مكان". سيسمح وقف لإطلاق النار بإعادة تشغيل الخدمات والمستشفيات وتجديد مخزون المساعدات الإنسانية والأسواق المنهوبة أو التي تعرضت لقصف، في هذا البلد الذي يحتاج فيه 25 مليون نسمة من أصل 45 مليونا إلى المساعدة، وفقا للأمم المتحدة. وأعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في وقت مبكر، الثلاثاء، إغلاق مستشفى جديد في الضاحية الكبرى للخرطوم، إذ أجبر موظفوه على التوقف عن العمل، لا سيما أنهم كانوا في مرمى النيران. وقالت النقابة "فوجئنا خلال الأيام الماضية ولعدة مرات، بدخول عناصر مسلحة من قوات الدعم السريع إلى المستشفى، قاموا بالتعدي على المرضى والمرافقين والكوادر الطبية، وعملوا على ترهيبهم بإطلاق النار داخل أروقة المستشفى". كذلك، نددت ب"حملة الأكاذيب والإشاعات المغرضة" التي يشنها كبار ضباط الجيش ضد الكوادر الطبية والمتطوعين الذين يعملون في المستشفى، والذين تلقوا "تهديدات شخصية". وقالت وزارة الصحة السودانية في بيان إن قوات الدعم السريع "قامت بالتمركز في التاسعة صباح الثلاثاء، بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ في مستشفى البان الجديد التعليمي" وبعد الظهر تمركزت في مستشفى أم درمان ليرتفع بذلك، وفق البيان، عدد المستشفيات التي تتمركز فيها قوات الدعم السريع إلى 29. وأكدت قوات الدعم السريع أنها محض "أكاذيب". إذا كان الجيش يسيطر على الأجواء، ليس لديه سوى عدد قليل من الرجال في وسط العاصمة بينما تسيطر قوات الدعم السريع على الأرض في الخرطوم. يتهم العديد من السكان هذه القوات بنهب منازلهم أو احتلالها. في هذه الأثناء، يواصل الأطباء التحذير من مصير مأسوي للمستشفيات. ففي الخرطوم، كما في دارفور، باتت المستشفيات كلها تقريبا خارج الخدمة. أما المستشفيات التي لم يتم قصفها، فلم يعد لديها ما يكفي من المخزونات أو باتت محتلة من قبل المتحاربين. أكدت الرياضوواشنطن، أن هذه المرة ستكون هناك "آلية لمراقبة وقف إطلاق النار" تجمع بين ممثلين عن الجانبين بالإضافة إلى ممثلين عن الولاياتالمتحدة والسعودية. ووجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن رسالة إلى السودانيين عبر مقطع فيديو نشرته الخارجية الأمريكية وقال "إذا تم انتهاك وقف إطلاق النار، سنعرف". وتابع "سنحاسب المخالفين من خلال عقوبات نفرضها ووسائل أخرى متاحة لنا". وأوضح بلينكن مخاطبا المدنيين "وحدها حكومة مدنية تنجح في تحقيق الاستقرار والأمن" في البلاد، مضيفا "يجب أن ينسحب جيشكم من الحكم". وبحسب الأممالمتحدة، إذا استمر الصراع فإن مليون سوداني إضافي قد يفرون إلى الدول المجاورة التي تخشى انتقال العنف إليها.