شهدت الخرطوم معارك وغارات جوية ليل الإثنين الثلاثاء رغم بدء سريان الهدنة التي تمتد أسبوعا بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي من المفترض أن تتيح خروج المدنيين وإدخال مساعدات إنسانية إلى السودان. وقال أحد المقيمين في الخرطوم لوكالة فرانس برس صباح الثلاثاء إن "قصفا مدفعيا متقطعا" يتردد في العاصمة. وبعدما دخلت الهدنة حيز التنفيذ رسميا الإثنين عند الساعة 19,45 بتوقيت غرينتش، أفاد سكان آخرون في الخرطوم عن معارك وغارات جوية. وفي المقابل، أفاد شهود في إقليم دارفور غرب البلاد بالتزام الطرفين بوقف اطلاق النار خصوصا في مدينتي الجنينة ونيالا حيث اشتدت وتيرة المعارك. أعلن المعسكران أنهما ينويان احترام وقف إطلاق النار، لكن في الخرطوم قال سكان إنهم لا يرون أي استعداد لذلك. وأشارت الأممالمتحدة بعد ظهر الإثنين إلى "معارك وتحر كات للقوات، بينما تعهد المعسكران عدم استغلال الأمر عسكريا قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ". وقال كارل سكمبري من المجلس النروجي للاجئين (NRC) "بعيدا عن التصريحات الرسمية، السودان لا يزال يقصف وملايين المدنيين في خطر"، مستنكرا عبر "تويتر"، "أكثر من شهر من الوعود الكاذبة"، بينما سقطت حوالى 12 هدنة منذ الدقائق الأولى من بدء تطبيقها. وشهد سكان الخرطوم البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة تقريبا الإثنين قتالا متواصلا لليوم السابع والثلاثين على التوالي، في ظل حر شديد بينما حرم معظمهم من الماء والكهرباء والاتصالات. أعلن الوسطاء الأميركيون والسعوديون أنه تم التوصل، بعد أسبوعين من المفاوضات، إلى هدنة لمدة أسبوع من أجل استئناف الخدمات وعمل المستشفيات وتأمين المخزونات من الاحتياجات الإنسانية. وفي هذا الصدد وجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رسالة إلى السودانيين عبر مقطع فيديو نشرته الخارجية الأميركية وقال "إذا تم انتهاك وقف اطلاق النار، سنعرف". وتابع "سنحاسب المخالفين من خلال عقوبات نفرضها ووسائل أخرى متاحة لنا". وأوضح بلينكن مخاطبا المدنيين "وحدها حكومة مدنية تنجح في تحقيق الاستقرار والأمن" في البلاد، مضيفا "يجب أن ينسحب جيشكم من الحكم". وتأتي تصريحات يلينكن، فيما أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في وقت مبكر الثلاثاء إغلاق مستشفى جديد في الضاحية الكبرى للخرطوم، إذ أجبر موظفوه على التوقف عن العمل، لا سيما أنهم كانوا في مرمى النيران. وقالت النقابة "فوجئنا خلال الأيام الماضية ولعدة مرات، بدخول عناصر مسلحة من قوات الدعم السريع إلى المستشفى، قاموا بالتعدي على المرضى والمرافقين والكوادر الطبية، وعملوا على ترهيبهم بإطلاق النار داخل أروقة المستشفى". كما نددت ب"حملة الأكاذيب والإشاعات المغرضة" التي يشنها كبار ضباط الجيش ضد الكوادر الطبية والمتطوعين الذين يعملون في المستشفى، والذين تلقوا "تهديدات شخصية". في هذه الأثناء، يواصل الأطباء التحذير من مصير مأساوي للمستشفيات. ففي الخرطوم، كما في دارفور، باتت المستشفيات كل ها تقريبا خارج الخدمة. أما المستشفيات التي لم يتم قصفها، فلم يعد لديها ما يكفي من المخزونات أو باتت محتلة من قبل المتحاربين. وتطالب الطواقم الإنسانية بتأمين ممرات آمنة، فيما أكدت الرياض وواشنطن، أن هذه المرة ستكون هناك "آلية لمراقبة وقف إطلاق النار" تجمع بين ممثلين عن الجانبين بالإضافة إلى ممثلين عن الولاياتالمتحدة والسعودية. وقال محمود صلاح الدين المقيم في الخرطوم لوكالة فرانس برس الإثنين "ليس هناك ما يشير إلى أن قوات الدعم السريع التي لا تزال تحتل الشوارع، تستعد لمغادرتها". ورغم أن الجيش يسيطر جوا، إلا أن عددا قليلا من عناصره موجودون في وسط العاصمة، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على المستوى الميداني في الخرطوم حيث يتهمها كثير من السكان بنهب منازلهم أو إقامة مقار لها فيها. رغم كل شيء، تأمل ثريا محمد علي أن تصمت الأسلحة، على الأقل خلال مغادرتها العاصمة. وتقول لفرانس برس "لو كانت هناك هدنة حقيقية سوف آخذ والدي المريض وأخرج من الخرطوم إلى أي مكان"، مضيفة "بعد هذه الحرب لم تعد الخرطوم مكانا يصلح للحياة فكل شيء تم تدميره". يقول سكان آخرون إنهم يريدون زيارة الطبيب، بعد مرور أسابيع من دون حصولهم على استشارة خصوصا بالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة، بينما يأمل آخرون في أن يتمكن موظفو الخدمة العامة من إعادة المياه والكهرباء والإنترنت وشبكات الهاتف. وإذ يحتاج 25 مليون سوداني من أصل 45 مليونا إلى مساعدات إنسانية وفقا للأمم المتحدة، تزداد ندرة الغذاء بينما أغلقت المصارف أبوابها ودمرت أو نهبت معظم مصانع الأغذية الزراعية. وتقول سعاد الفاتح المقيمة في الخرطوم لوكالة فرانس "كلنا جائعون، الأطفال وكبار السن، الجميع يعاني من الحرب. لم يعد لدينا ماء". وبحسب الأممالمتحدة، إذا استمر الصراع فإن مليون سوداني إضافي قد يفرون إلى الدول المجاورة التي تخشى انتقال عدوى العنف إليها.