تتواصل المعارك، الجمعة 28 أبريل 2023، في الخرطوم وفي إقليم دارفور بغرب السودان، رغم الإعلان عن تمديد الهدنة في النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المستمر منذ منتصف الشهر الجاري والذي أودى بحياة مئات الأشخاص. وارتفعت حصيلة الضحايا إلى قرابة 574 قتيلا مع الكشف اليوم عن مقتل 74 شخصا في مدينة الجنينة في مطلع الأسبوع. وقالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في بيان الجمعة إن المعارك في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، أسفرت الاثنين والثلاثاء عن سقوط 74 قتيلا ولم يتم بعد حصر ضحايا يومي الأربعاء والخميس اللذين شهدا استمرارا للقتال العنيف في المدينة. وأطلقت منظمات ناشطة الجمعة جرس الإنذار بشأن الوضع في دافور حيث تدور معارك دامية، لا سيما قرب الحدود التشادية، واندلع القتال في الجنينة قبل خمسة أيام. وتحدّثت هيئة محامي دارفور عن ظهور مقاتلين مزودين ب"برشاشات وقذائف ار بي جي ومضادات للطائرات" في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، "أطلقوا قذائف على المنازل"، وطالبت الهيئة "برهان وحميدتي بوقف فوري لهذه الحرب العبثية". وقالت نقابة الأطباء في بيان أن هناك "عمليات نهب وحرق واسعة طالت الأسواق والمرافق الحكومية والصحية ومقرات منظمات طوعية وأممية والبنوك" في الجنينة، وذكرت أن "الأحداث الدموية لا تزال جارية" في المدينة "مخلفة عشرات القتلى والجرحى". وتحدثت الأممالمتحدة عن "توزيع أسلحة على المدنيين" في دارفور. وحذّرت الأممالمتحدة التي علّقت نشاطها في السودان بعد مقتل خمسة من موظفيها في الأيام الأولى للمعارك، من أن خمسين ألف طفل يعانون من "نقض تغذية حاد" محرومون من أي مساعدة غذائية في دارفور. ويصعب الحصول على معلومات دقيقة عمّا يجري في الإقليم الذي شهد في العام 2003 حربا دامية استمرت سنوات بين قوات الرئيس السابق المعزول عمر البشير شاركت فيها قوات الجنجويد (قوات الدعم السريع بقيادة دقلو)، ومتمردين متحدرين من أقليات إتنية، وتسبّبت بمقتل قرابة 300 ألف شخص ونزوح 2,5 مليون. وفي الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، يبذل الأطباء قصارى جهدهم لتوفير الرعاية الصحية لعدد كبير من المصابين الذين نقلوا الى المستشفيات. وقال منسّق نشاط منظمة "أطباء بلا حدود" في الفاشر "الوضع صعب جدا جدا هنا". وبحسب إحصاء وزارة الصحة السودانية، أسفرت المعارك عن مقتل 512 شخصا وجرح 4193 آخرين، لكن حصيلة الضحايا لا بدّ أن تكون أكبر. في الساعات الأخيرة قبل انتهاء هدنة من ثلاثة أيام لم يتمّ الالتزام بها فعليا، أعلن الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو موافقتهما مساء الخميس على تمديد وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة إضافية، بمساع أميركية وسعودية. ومنذ 15 أبريل، أُعلن عن هدن عدة، سجلّ خلال بعضها تراجع محدود في حدة المعارك ساهم في حصول عمليات إجلاء رعايا أجانب، لكنها لم يتم الالتزام بها بشكل ثابت. وفي بيان مشترك صدر في واشنطن، رحّب أعضاء الآلية الثلاثية (الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية والأممالمتحدة) والرباعية (السعودية والإمارات وبريطانيا والولاياتالمتحدة) باستعداد طرفي النزاع "الانخراط في حوار من أجل التوصل إلى وقف دائم للأعمال القتالية وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق". وأضاف البيان أن "هذه المرحلة الدبلوماسية الأولية ستساهم في وقف دائم للأعمال القتالية وفي الترتيبات الإنسانية وتطوير خطة لخفض التصعيد". ورحبّت دول عدّة بتمديد اتفاق وقف إطلاق النار، ودعت إلى تنفيذه بالكامل. وأعلنت مصر أن موفدا من البرهان سيصل السبت الى القاهرة لمقابلة وزير الخارجية سامح شكري. ومن جهة أخرى، حذّرت الأممالمتحدة الجمعة من أن ما شهدته البلاد أخيرا من فرار من السجون يمكن أن يؤدي الى "مزيد من العنف في ظل مناخ عام سائد يوحي بأنه لا توجد محاسبة". وأعلن أحد مساعدي الرئيس السابق عمر البشير المطلوب بمذكرة توقيف دولية بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" في إقليم دارفور، خلال حكم البشير، قبل يومين أنه فرّ مع رفاق له من سجن كوبر في الخرطوم على وقع القتال والفوضى العارمة في السودان. على الأرض، القتال يتواصل. وأفاد شهود عن تبادل قصف في الخرطوم الجمعة تستخدم فيه طائرات عسكرية تابعة للجيش ومدفعية ثقيلة تابعة لقوات الدعم السريع. ولم يعرف السودان استقرارا منذ العام 2019. وأطاح الجيش في نيسان/أبريل من تلك السنة بعمر البشير تحت ضغط احتجاجات شعبية عارمة ضده. وتقاسم السلطة بعد ذلك مع مدنيين قادوا هذه الاحتجاجات. في تشرين أكتوبر 2021، نفذ البرهان ودقلو انقلابا أطاح بالمدنيين من الحكم، قبل أن يبدأ بينهما صراع على السلطة انفجر أخيرا عسكريا. ويسعى سكان الخرطوم البالغ عددهم خمسة ملايين الى الفرار من المدينة التي تشهد انقطاعا في الماء والكهرباء والاتصالات وأزمة وقود، بالإضافة الى القصف المتواصل. وتسبّب القتال بنزوح جماعي في البلد الذي يعدّ من أفقر بلدان العالم. ووصل عشرات الآلاف من السودانيين الى دول مجاورة وخصوصا إثيوبيا الى شرق السودان ومصر الى شمالها. وتقول الأممالمتحدة إن 270 ألفا يمكن أن يفروا الى تشاد وجنوب السودان. ويغادر الأجانب غالبا عبر البحر من بورتسودان (شرقا)، أو في طائرات تنطلق من قواعد عسكرية، ووصلت سفينة سعودية مساء الخميس الى جدة حاملة 2744 شخصا من جنسيات مختلفة أجلتهم الرياض. ونفّذت دول عدة، لا سيما الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، عمليات إجلاء خلال الأيام الأخيرة.