شهدت الخرطوم معارك وغارات جوية ليل الاثنين الثلاثاء رغم بدء سريان الهدنة التي تمتد أسبوعا بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي من المفترض أن تتيح خروج المدنيين وإدخال مساعدات إنسانية إلى السودان. وبعدما دخلت الهدنة حي ز التنفيذ رسميا، أفاد سكان الضاحية الشمالية الشرقية للخرطوم عن وقوع معارك، كذلك الأمر بالنسبة إلى آخرين في جنوب العاصمة أبلغوا وكالة فرانس برس عن غارات جوية. وقال كارل سكمبري من المجلس النروجي للاجئين»بعيدا عن التصريحات الرسمية، السودان لا يزال يقصف وملايين المدنيين في خطر»، مستنكرا عبر»تويتر»، «أكثر من شهر من الوعود الكاذبة»، بينما فشلت حوالى 12 هدنة مع الدقائق الأولى من بدء تطبيقها. وشهد سكان الخرطوم البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة تقريبا أول أمس الاثنين قتالا متواصلا لليوم السابع والثلاثين على التوالي، في ظل حر شديد بينما حرم معظمهم من الماء والكهرباء والاتصالات. وأشارت الأممالمتحدة بعد ظهر أول أمس الاثنين إلى «معارك وتحركات للقوات، بينما تعهد المعسكران عدم استغلال الأمر عسكريا قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ». أعلن الوسطاء الأميركيون والسعوديون أنه تم التوصل، بعد أسبوعين من المفاوضات، إلى هدنة لمد ة أسبوع من أجل استئناف الخدمات وعمل المستشفيات وتأمين المخزونات من الاحتياجات الإنسانية. وأعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في وقت مبكر أمس الثلاثاء إغلاق مستشفى جديد في الضاحية الكبرى للخرطوم. فقد أ جبر موظفوها على التوقف عن العمل، لاسيما أنهم كانوا في مرمى النيران. وقالت النقابة «فوجئنا خلال الأيام الماضية ولعدة مرات، بدخول عناصر مسلحة من قوات الدعم السريع إلى المستشفى، قامت بالتعدي على المرضى والمرافقين والكوادر الطبية، وعملت على ترهيبهم بإطلاق النار داخل أروقة المستشفى». كما أشارت إلى «حملة الأكاذيب والإشاعات المغرضة» التي يشن ها كبار ضب اط الجيش ضد الكوادر الطبية والمتطوعين الذين يعملون في المستشفى، والذين تلقوا «تهديدات شخصية». ويواصل الأطباء التحذير من مصير مأساوي للمستشفيات. ففي الخرطوم، كما في دارفور، باتت المستشفيات كل ها تقريبا خارج الخدمة. أما المستشفيات التي لم يتم قصفها، فلم يعد لديها ما يكفي من المخزونات أو باتت محتل ة من قبل المتحاربين. وتطالب الطواقم الإنسانية بتأمين ممرات آمنة، فيما أكدت الرياض وواشنطن، أن هذه المر ة ستكون هناك «آلية لمراقبة وقف إطلاق النار» تجمع بين ممثلين عن الجانبين بالإضافة إلى ممثلين عن الولاياتالمتحدة والسعودية. ولم يعلق أي من الوسطاء منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ. ويرى الخبراء أن آلية العقوبات أساسية في مواجهة جنرال ين مقتنع ين بقدرتهما على الانتصار عسكريا وبالتالي أكثر استعدادا لحرب طويلة من أن يقدموا تنازلات على طاولة المفاوضات. وأعلن المعسكران أنهما ينويان احترام وقف إطلاق النار هذا، لكن في الخرطوم قال سكان إن هم لا يرون أي استعداد لذلك. وقال محمود صلاح الدين المقيم في الخرطوم لوكالة فرانس برس يوم الاثنين الماضي «ليس هناك ما يشير إلى أن قوات الدعم السريع التي لا تزال تحتل الشوارع، تستعد لمغادرتها». ورغم أن الجيش يسيطر جوا، إلا أنه لا يوجد سوى عدد قليل من أفراده في وسط العاصمة، بينما تحتل قوات الدعم السريع على المستوى الميداني في الخرطوم. ويتهمها كثير من السكان بنهب منازلهم أو إقامة مقار لها فيها. رغم كل شيء، تأمل ثريا محمد علي في أن تصمت الأسلحة، على الأقل خلال مغادرتها العاصمة. وتقول لفرانس برس»لو كانت هناك هدنة حقيقية سوف آخذ أبي المريض وأخرج من الخرطوم إلى أي مكان»، مضيفة «بعد هذه الحرب لم تعد الخرطوم مكانا يصلح للحياة فكل شيء تم تدميره». يقول سكان آخرون إن هم يريدون زيارة الطبيب، بعد مرور أسابيع من دون حصولهم على استشارة خصوصا للمصابين بأمراض مزمنة، بينما يأمل آخرون في أن يتمك ن موظفو الخدمة العامة من إعادة المياه والكهرباء والإنترنت وشبكات الهاتف. وبينما يحتاج 25 مليون سوداني من أصل 45 مليونا، إلى مساعدات إنسانية وفقا للأمم المتحدة، تزداد ندرة الغذاء بينما أغلقت المصارف أبوابها ودمرت أو نهبت معظم مصانع الأغذية الزراعية. وتقول سعاد الفاتح المقيمة في الخرطوم لوكالة فرانس «كلنا جائعون، الأطفال وكبار السن، الجميع يعاني من الحرب. لم يعد لدينا ماء». وبحسب الأممالمتحدة، إذا استمر الصراع فإن مليون سوداني إضافي قد يفر ون إلى الدول المجاورة التي تخشى انتقال عدوى العنف إليها. 90 ألف شخص لجأوا إلى تشاد هربا من المعارك حذرت مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين أول أمس الاثنين من أن عدد الذين يلجأون إلى تشاد هربا من المعارك الدائرة منذ أكثر من شهر في السودان «يتزايد بسرعة كبيرة» وقد بلغ حوالي 90 ألف لاجئ. وكانت الأممالمتحدة قدرت عدد هؤلاء قبل ثلاثة أيام فقط بنحو 76 ألف لاجئ. وخلال مؤتمر صحافي في نجامينا، قال رؤوف مازو، مساعد المفوض الأعلى في المفوضية لشؤون العمليات للصحافيين إنه «حتى الآن، نعتقد أننا نقترب من 90 ألف شخص». وتقدر الأممالمتحدة عدد الذين سقطوا حتى اليوم في المعارك الدائرة في السودان منذ 15 نيسان/أبريل بنحو ألف قتيل، فضلا عن أكثر من مليون نازح ولاجئ. وبحسب مازو فإن «أكثر من 250 ألف شخص غادروا السودان» إلى الدول المجاورة لهذا البلد منذ بدأت هذه الحرب بين الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو الملق ب «حميدتي». وبالنسبة إلى تشاد، حيث يتم إيواء الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين في مخيمات مؤقتة في شرق البلاد بالقرب من الحدود مع السودان، قال المسؤول الأممي إنه «أكثر من 90% من هؤلاء اللاجئين هم من النساء والأطفال». وأضاف في ختام زيارة إلى تشاد استمرت أربعة أيام وتفقد خلالها هذه المخيمات الواقعة في شرق البلاد الصحراوي أن المفوضية تخشى «موسم الأمطار الذي سيبدأ قريبا وسيشك ل عقبة إضافية أمام تقديم المساعدة لهم». وتابع «نهنئ تشاد على تضامنها» مع هؤلاء اللاجئين لكن «تشاد لا تستطيع أن تفعل ذلك بمفردها». وأضاف «نحض المجتمع الدولي على تقاسم هذا العبء مع الدول المجاورة للسودان وتقديم دعم عاجل» لها.